بوب وايت يَسْتَقْبِلُ زَائِرِينَ
فِي صَبَاحِ الْيَوْمِ ذَاتِهِ، كَانَ طَائِرُ السُّمَّانِ بوب وايت قَدْ قَرَّرَ فَجْأَةً أَنْ يَنْتَقِلَ لِلْعَيْشِ فِي مَكَانٍ لَا يَبْعُدُ كَثِيرًا عَنِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ؛ حَيْثُ يَعِيشُ الْأَرْنَبُ بيتر، وَبِالطَّبْعِ لَمْ يَكُنْ بيتر يَعْلَمُ أَنَّ بوب وايت قَدْ جَاءَ لِيَعِيشَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ. وَفِي هَذَا الشَّأْنِ، لَا أَعْتَقِدُ أَنَّ بوب وايت نَفْسَهُ كَانَ يَعْلَمُ بِمَا يَنْوِي فِعْلَهُ؛ فَقَدْ صَادَفَ أَنَّهُ سَلَكَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ وَرَاقَ لَهُ، فَقَرَّرَ فِي النِّهَايَةِ أَنْ يَبْحَثَ هُنَاكَ عَنْ مَكَانٍ لِيَبْنِيَ مَنْزِلَهُ.
كَانَ الْأَرْنَبُ بيتر يَعْرِفُ بوب وايت مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ، وَقَدِ الْتَقَى بيتر أَثْنَاءَ تَجْوَالِهِ بوب وايت عِدَّةَ مَرَّاتٍ، وَأَمْضَيَا الْوَقْتَ مَعًا، وَمَتَى تَسَنَّى لِبيتر سَمَاعُ صَفِيرِ بوب وايت عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهُ، اعْتَادَ أَنْ يُنَادِيَ عَلَيْهِ؛ فَبوب وايت رَفِيقٌ مَرِحٌ، وَدَائِمًا مَا كَانَ يَشْعُرُ بيتر — بِطَرِيقَةٍ أَوْ بِأُخْرَى — أَنَّهُ أَفْضَلُ حَالًا إِذَا تَحَدَّثَ مَعَهُ، وَلِهَذَا السَّبَبِ عِنْدَمَا شَرَعَ بوب وايت فِي الصَّفِيرِ فِي صَبَاحِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ أَيَّامِ فَصْلِ الرَّبِيعِ، تَوَجَّهَ إِلَيْهِ بيتر مُسْرِعًا لِمُقَابَلَتِهِ. لَمْ يُضْطَرَّ بيتر لِلسَّيْرِ لِمَسَافَةٍ طَوِيلَةٍ؛ فَقَدْ كَانَ بوب وايت يَقِفُ عَلَى عَمُودِ سِيَاجٍ يَبْعُدُ قَلِيلًا عَنِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ.
قَالَ بيتر: «صَبَاحُ الْخَيْرِ. تَبْدُو سَعِيدًا جِدًّا هَذَا الصَّبَاحَ.»
أَجَابَهُ بوب وايت: «وَلِمَ لَا؟ أَنَا دَائِمًا سَعِيدٌ، فَهَذَا هُوَ السَّبِيلُ الْوَحِيدُ لِلتَّغَلُّبِ عَلَى صُعُوبَاتِ الْحَيَاةِ.»
رَدَّ بيتر: «لَا بُدَّ أَنَّكَ لَيْسَتْ لَدَيْكَ هُمُومٌ كَثِيرَةٌ؛ فَإِنْ كَانَ عَلَيْكَ الرَّكْضُ فِرَارًا لِلنَّجَاةِ بِحَيَاتِكَ مِثْلَمَا أُضْطَرُّ لِذَلِكَ كَثِيرًا، فَرُبَّمَا مَا وَجَدْتَ أَنَّ الشُّعُورَ بِالسَّعَادَةِ عَلَى الدَّوَامِ أَمْرٌ سَهْلٌ.»
لَمَعَتْ عَيْنَا بوب وايت الصَّغِيرَتَانِ وَقَالَ: «إِنَّ مُشْكِلَةَ أَغْلَبِ الْكَائِنَاتِ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنْ لَا أَحَدَ سِوَاهُمْ يَحْمِلُ هُمُومًا. هَا هُوَ الثَّعْلَبُ ريدي قَادِمٌ نَحْوَنَا، مَا سَبَبُ مَجِيئِهِ فِي رَأْيِكَ؟»
صَاحَ بيتر عَلَى الْفَوْرِ: «إِنَّهُ قَادِمٌ مِنْ أَجْلِي!» وَتَأَهَّبَ لِلرَّكْضِ نَحْوَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ.
قَالَ بوب وايت: «كَلَّا، لَيْسَ لِهَذَا السَّبَبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، لَا تُعَظِّمْ مِنْ شَأْنِ نَفْسِكَ هَكَذَا يَا بيتر؛ فَالثَّعْلَبُ ريدي لَا يَعْلَمُ أَنَّكَ هُنَا الْبَتَّةَ. لَقَدْ سَمِعَ صَفِيرِي وَهُوَ قَادِمٌ كَيْ يُبَاغِتَنِي؛ إِنَّهُ قَادِمٌ مِنْ أَجْلِي أَنَا وَلَيْسَ مِنْ أَجْلِكَ أَنْتَ. لِمَ الْعَجَلَةُ يَا بيتر؟»
صَاحَ بيتر فِي قَلَقٍ: «أَنَا! أَظُنُّ أَنَّهُ يَجْدُرُ بِيَ الرَّحِيلُ الْآنَ، سَآتِي لِزِيَارَتِكَ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَمَا لَا يَكُونُ لَدَيْكَ زُوَّارٌ آخَرُونَ.»
وَمَا إِنْ وَصَلَ بيتر إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، حَتَّى كَانَ الثَّعْلَبُ ريدي قَدْ وَصَلَ إِلَى عَمُودِ السِّيَاجِ حَيْثُ يَقِفُ بوب وايت. حَاوَلَ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِصَوْتٍ لَطِيفٍ قَدْرَ اسْتِطَاعَتِهِ، قَالَ: «صَبَاحُ الْخَيْرِ، أَنَا سَعِيدٌ بِرُؤْيَتِكَ هُنَا، لَقَدْ سَمِعْتُ صَفِيرَكَ فَأَسْرَعْتُ إِلَى هُنَا لِلتَّرْحِيبِ بِكَ. أَتَمَنَّى أَنْ يَرُوقَ لَكَ الْمَكَانُ هُنَا حَتَّى تُقَرِّرَ أَنْ تَتَّخِذَ مِنْهُ بَيْتًا.»
رَدَّ بوب وايت وَعَيْنَاهُ تَلْمَعَانِ بِقُوَّةٍ: «هَذِهِ بَادِرَةٌ طَيِّبَةٌ لِلْغَايَةِ مِنْكَ.» فَقَدْ كَانَ بوب وايت يَدْرِي سَبَبَ رَغْبَةِ الثَّعْلَبِ ريدي فِي أَنْ يَبْنِيَ بوب بَيْتَهُ هُنَاكَ؛ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ ريدي يَتَمَنَّى أَنْ يَعْثُرَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى بَيْتِهِ لِيَنْعَمَ بِوَجْبَةٍ شَهِيَّةٍ مِنَ السُّمَّانِ. اسْتَأْنَفَ بوب وايت: «الْمَكَانُ جَمِيلٌ جِدًّا هُنَا، لَا أَدْرِي، رُبَّمَا سَأَمْكُثُ هُنَا؛ فَالْجَمِيعُ هُنَا يَبْدُونَ وَدُودِينَ؛ فَالْأَرْنَبُ بيتر أَتَى لِزِيَارَتِي تَوًّا.»
نَظَرَ ريدي حَوْلَهُ بَحْثًا عَنْ بيتر عَلَى نَحْوٍ مَاكِرٍ لِلْغَايَةِ وَفِي عَيْنَيْهِ نَظْرَةٌ مُتَعَطِّشَةٌ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ بيتر وَدُودٌ دَوْمًا. هَلْ هُوَ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ هُنَا؟ أَوَدُّ إِلْقَاءَ التَّحِيَّةِ عَلَيْهِ.»
أَجَابَ بوب وايت: «كَلَّا، لَقَدْ رَحَلَ فِي عُجَالَةٍ. مَرْحَبًا، هَا قَدْ حَضَرَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ! إِنَّ النَّاسَ هُنَا وَدُودُونَ حَقًّا. لِمَاذَا أَنْتَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ أَمْرِكَ يَا ريدي؟»
أَجَابَهُ ريدي وَهُوَ يَنْظُرُ فِي عُجَالَةٍ فِي اتِّجَاهِ الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ: «عَلَيَّ الْقِيَامُ بِبَعْضِ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. أَتَمَنَّى رُؤْيَتَكَ كَثِيرًا يَا بوب وايت.»
رَدَّ بوب وايت فِي أَدَبٍ: «أَتَمَنَّى ذَلِكَ.» ثُمَّ أَضَافَ بِصَوْتٍ هَامِسٍ: «وَلَكِنْ أَتَمَنَّى أَنْ أَرَاكَ أَنَا أَوَّلًا.»