دَهَاءُ بوب وايت وَزَوْجَتِهِ
عِنْدَمَا أَحْضَرَ بوب وايت زَوْجَتَهُ إِلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ مِنَ الْمَرْعَى الْقَدِيمِ فِي فَصْلِ الرَّبِيعِ الْجَمِيلِ، كَانَتْ مَسْرُورَةً كَمَا كَانَ يَتَمَنَّى. وَبِحِكْمَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْهُ لَمْ يُلَمِّحْ حَتَّى لِزَوْجَتِهِ بِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ هُوَ الْأَنْسَبُ لَهُمَا كَيْ يَبْنِيَا مَنْزِلَهُمَا؛ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا لَنْ تَشْعُرَ بِالرِّضَا أَبَدًا إِلَّا إِذَا شَعَرَتْ بِأَنَّهَا الَّتِي اخْتَارَتْ مَكَانَ مَنْزِلِهِمَا؛ لِذَلِكَ لَمْ يُلَمِّحْ بوب وايت مُطْلَقًا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يُفَكِّرُ فِيهِ، حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يُخْبِرْهَا بِمَدَى جَمَالِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ الْقَرِيبَةِ مِنَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، وَتَرَكَهَا تَخْتَارُ الْمَكَانَ بِنَفْسِهَا.
كَانَتِ الزَّوْجَةُ الشَّابَّةُ مُتَلَهِّفَةً لِلْغَايَةِ لِلْبَدْءِ فِي تَدْبِيرِ شُئُونِ الْمَنْزِلِ الْجَدِيدِ. وَفَوْرَ وُصُولِهِمَا إِلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، قَرَّرَتْ أَنَّ هَذَا الْمَكَانَ هُوَ الْأَنْسَبُ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِبِنَاءِ الْمَنْزِلِ؛ أَوَّلًا: لِأَنَّهُ كَانَ فِي غَايَةِ الْجَمَالِ، وَزَوْجَةُ بوب كَانَتْ تُقَدِّرُ الْجَمَالَ. ثَانِيًا: لِأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ الْكَثِيرُ مِنَ الطَّعَامِ الْمُتَوَافِرِ، وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَجِبُ وَضْعُهَا فِي الِاعْتِبَارِ عِنْدَمَا يَكُونُ الْكَائِنُ عَلَى وَشْكِ أَنْ يَكُونَ لَدَيْهِ أَطْفَالٌ كَثِيرُونَ لِإِطْعَامِهِمْ. ثَالِثًا: لِأَنَّ هُنَاكَ الْعَدِيدَ مِنَ الْمَخَابِئِ. وَأَخِيرًا: لِأَنَّ الزَّوْجَةَ أَحَبَّتِ الْجِيرَانَ.
حَرَصَ بوب وايت عَلَى أَلَّا تَرَاهُ زَوْجَتُهُ مُتَحَمِّسًا لِاخْتِيَارِهَا، وَأَوْضَحَ لَهَا بِجِدِّيَّةٍ شَدِيدَةٍ حَقِيقَةَ أَنَّ الثَّعْلَبَ ريدي وَالْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ وَالْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ وَالصَّقْرَ أحمر الذيل سَوْفَ يَكْتَشِفُونَ قَرِيبًا أَنَّهُمَا يَعِيشَانِ هُنَاكَ؛ وَمِنْ ثَمَّ فَسَيَكُونَانِ فِي خَطَرٍ طَوَالَ الْوَقْتِ، وَلَنْ يَنْعَمَا أَبَدًا بِرَاحَةِ الْبَالِ.
قَاطَعَتْهُ الزَّوْجَةُ: «لَنْ يَكُونَ الْوَضْعُ هُنَا مُخْتَلِفًا كَثِيرًا عَنِ الْمَرْعَى الْقَدِيمِ الَّذِي بَنَيْنَا فِيهِ مَنْزِلَنَا الْعَامَ الْمَاضِيَ. نَحْنُ نُدْرِكُ أَنَّهُ أَيْنَمَا نَبْنِ الْعُشَّ فَسَنَكُونُ فِي خَطَرٍ. إِنَّ الْأَمْرَ هَكَذَا طَوَالَ الْوَقْتِ، وَأَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَظَلُّ هَكَذَا دَائِمًا. لَقَدْ كُنَّا أَذْكِيَاءَ بِمَا يَكْفِي لِخِدَاعِ أَعْدَائِنَا مِنْ قَبْلُ، وَأَعْتَقِدُ أَنَّنَا يُمْكِنُنَا فِعْلُ ذَلِكَ مُجَدَّدًا. أَنَا لَا أَشْعُرُ بِالْخَوْفِ عِنْدَمَا تَكُونُ أَنْتَ أَيْضًا لَا تَشْعُرُ بِالْخَوْفِ.»
قَالَ بوب عَلَى الْفَوْرِ إِنَّهُ لَيْسَ خَائِفًا؛ فَآخِرُ مَا يَرْغَبُهُ أَنْ تَشْعُرَ زَوْجَتُهُ بِأَنَّهُ خَائِفٌ. كَانَ يُوَضِّحُ لَهَا فَحَسْبُ طَبِيعَةَ الْمَخَاطِرِ حَتَّى لَا يَقَعَا فِي أَيِّ خَطَأٍ.
لَمْ تَسْمَعِ الزَّوْجَةُ نِصْفَ مَا كَانَ يَقُولُهُ لَهَا بوب وايت؛ فَقَدْ كَانَتْ مَشْغُولَةً لِلْغَايَةِ فِي الْبَحْثِ وَالتَّجَوُّلِ سَرِيعًا هُنَا وَهُنَاكَ، وَطَوَالَ الْوَقْتِ كَانَتْ تَسْتَخْدِمُ عَيْنَيْهَا الثَّاقِبَتَيْنِ الصَّغِيرَتَيْنِ فِي مُرَاقَبَةِ الْمَكَانِ. انْتَظَرَ بوب فِي صَبْرٍ وَعَيْنَاهُ تَلْمَعَانِ؛ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عِنْدَمَا تُقَرِّرُ زَوْجَتُهُ أَمْرًا مَا، لَا تُفَكِّرُ فِي سِوَاهُ. بَعْدَ ذَلِكَ نَادَتْ عَلَيْهِ بِصَوْتٍ مُنْخَفِضٍ؛ وَمِنْ ثَمَّ طَارَ لِلَّحَاقِ بِهَا.
أَخْبَرَتْهُ: «سَوْفَ نَبْنِي الْمَنْزِلَ هُنَا.»
جَالَ بوب بِنَظَرِهِ فِي الْأَرْضِ فِي جِدِّيَّةٍ شَدِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلَهَا: «أَلَا تَرَيْنَ يَا عَزِيزَتِي أَنَّ الْمَكَانَ هُنَا قَرِيبٌ لِلْغَايَةِ مِنَ الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُتَعَرِّجِ؟ لَقَدْ لَاحَظْتُ الثَّعْلَبَ ريدي وَالظَّرِبَانَ جيمي يَمُرَّانِ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ كَثِيرًا، هَذَا فَضْلًا عَنِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون.»
هَتَفَتِ الزَّوْجَةُ الشَّابَّةُ: «وَهَذَا مَا يَجْعَلُهُ أَكْثَرَ الْأَمَاكِنِ أَمْنًا فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ أَيُّهَا الْأَحْمَقُ؛ فَهُمْ لَنْ يُفَكِّرُوا فِي الْبَحْثِ عَنْ مَنْزِلِنَا بِالْقُرْبِ مِنْ طَرِيقِ مُرُورِهِمْ؛ فَهَذِهِ الْحَشَائِشُ كَثِيفَةٌ وَسَوْفَ تُغَطِّي عُشَّنَا بِالْكَامِلِ، وَعَمُودُ السِّيَاجِ الْقَدِيمِ الْمُتَهَدِّمِ هَذَا سَوْفَ يُوَفِّرُ لَنَا حِمَايَةً كَبِيرَةً مِنْ أَحَدِ الْجَوَانِبِ، وَالدَّغَلُ الْعَزِيزُ قَرِيبٌ مِنَّا؛ وَمِنْ ثَمَّ يُمْكِنُنَا أَنْ نَصِلَ إِلَى هُنَاكَ إِنْ كُنَّا عَلَى عَجَلَةٍ، وَسَوْفَ نَكُونُ فِي أَمَانٍ تَامٍّ هُنَاكَ. تَذَكَّرْ كَلَامِي هَذَا يَا بوب وايت، لَنْ يُفَكِّرَ أَحَدٌ فِي الْبَحْثِ عَنْ عُشِّنَا هُنَا إِذَا عَقَلْتَ الْأُمُورَ وَقُمْتَ بِالصَّفِيرِ فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ عَنْ هُنَا بِمَا يَكْفِي؛ سَوْفَ يَبْحَثُ الثَّعْلَبُ ريدي وَالْآخَرُونَ حَوْلَ الْمَكَانِ الَّذِي تُصَفِّرُ فِيهِ؛ وَلِهَذَا فَالْأَمْرُ مَرْهُونٌ بِكَ فِي جَعْلِ هَذَا الْمَكَانِ الْأَكْثَرَ أَمَانًا فِي الْعَالَمِ. هَلْ تَفْهَمُنِي؟»
أَجَابَ بوب فِي خُنُوعٍ: «نَعَمْ يَا عَزِيزَتِي، أَنْتِ فِي غَايَةِ الذَّكَاءِ وَالدَّهَاءِ. لَمْ أَكُنْ لِأُفَكِّرَ فِي اخْتِيَارِ مَكَانٍ مُمَاثِلٍ، وَلَكِنَّنِي أَعْتَقِدُ أَنَّكِ عَلَى حَقٍّ.»
رَدَّتِ الزَّوْجَةُ: «أَنَا وَاثِقَةٌ أَنَّنِي عَلَى حَقٍّ. الْآنَ عَلَيْكَ أَنْ تُحَلِّقَ إِلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى مِنَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ لِلصَّفِيرِ هُنَاكَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَعْمَلُ فِيهِ أَنَا هُنَا، فَأَنَا مُتَحَمِّسَةٌ لِبَدْءِ الْعَمَلِ فِي الْحَالِ.»
نَظَرَ بوب إِلَى زَوْجَتِهِ الْبُنِّيَّةِ الصَّغِيرَةِ فِي إِعْجَابٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ فِي حَذَرٍ مُخْتَبِئًا بَيْنَ الْحَشَائِشِ وَالْعُشْبِ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ الْوَضْعَ آمِنٌ لِلتَّحْلِيقِ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، وَهُنَاكَ بَدَأَ يُصَفِّرُ بِكُلِّ طَاقَتِهِ.