بوب وايت يَكْتَشِفُ أَنَّ زَوْجَتَهُ عَلَى حَقٍّ
وَسَتَجِدُ كَذَلِكَ أَنَّ الْآخَرِينَ عَلَى الْأَرْجَحِ مِثْلُكَ تَمَامًا مُحِقُّونَ. وَالْآنَ بَيْنَمَا كَانَ بوب وايت يُخْبِرُ زَوْجَتَهُ بِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا عَلَى حَقٍّ فِي اخْتِيَارِ ذَلِكَ الْمَكَانِ لِبِنَاءِ مَنْزِلِهِمَا، لَمْ يَكُنْ وَاثِقًا مِنْ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ؛ فَهُوَ مَا كَانَ لِيَخْتَارَ مَكَانًا كَهَذَا إِذَا تُرِكَ الْأَمْرُ لَهُ. أَجَلْ، لَمْ يَكُنْ لِيَخْتَارَ مَكَانًا كَهَذَا، كَانَ يَعْلَمُ عَلَى الْأَقَلِّ سِتَّةَ أَمَاكِنَ أُخْرَى يَرَى أَنَّهَا أَفْضَلُ وَأَكْثَرُ أَمَانًا، وَلَكِنْ فِي نِهَايَةِ الْأَمْرِ، سَيَكُونُ هَذَا مَنْزِلَ زَوْجَتِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ مَنْزِلَهُ هُوَ؛ فَهِيَ مَنْ سَتَمْكُثُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ طَوَالَ الْأَيَّامِ الطَّوِيلَةِ تَرْقُدُ عَلَى الْبَيْضِ الْأَبْيَضِ الْجَمِيلِ الَّذِي تَمَنَّى الْحُصُولَ عَلَيْهِ قَرِيبًا.
لِذَلِكَ احْتَفَظَ بوب بِآرَائِهِ لِنَفْسِهِ، وَبِالرَّغْمِ مِنْ قَلَقِهِ قَلِيلًا لِأَنَّ بَيْتَهُمَا الْجَدِيدَ كَانَ قَرِيبًا لِلْغَايَةِ مِنَ الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُتَعَرِّجِ الَّذِي يَمُرُّ بِهِ مُعْظَمَ الْوَقْتِ الثَّعْلَبُ ريدي وَالْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ؛ لَمْ يَعْتَرِضْ بِكَلِمَةٍ، وَأَحْضَرَ نَصِيبَهُ مِنَ الْعُشْبِ وَالْقَشِّ وَأَوْرَاقِ الشَّجَرِ لِبِنَاءِ الْعُشِّ. كَانَتْ زَوْجَةُ بوب دَقِيقَةً لِلْغَايَةِ فِي بِنَاءِ ذَلِكَ الْعُشِّ؛ فَالْعُشُّ التَّقْلِيدِيُّ الْمَفْتُوحُ لَنْ يَفِيَ بِالْغَرَضِ. رُبَّمَا خَمَّنَتِ الزَّوْجَةُ فِي رَأْسِهَا الصَّغِيرِ الْحَكِيمِ مَا دَارَ فِي عَقْلِ بوب، وَأَنَّهُ لَا يُحَبِّذُ بِنَاءَ الْعُشِّ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مُطْلَقًا؛ لِهَذَا صَنَعَتْ سَقْفًا صَغِيرًا أَوْ قُبَّةً مِنَ الْعُشْبِ وَالْقَشِّ فَوْقَ الْعُشِّ مَعَ مَدْخَلٍ صَغِيرٍ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ؛ وَبَعْدَ الِانْتِهَاءِ مِنَ الْعُشِّ تَمَامًا، بَدَا أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَى أَحَدٍ اكْتِشَافُهُ إِلَّا إِذَا كَانَ يَمْلِكُ نَظَرًا ثَاقِبًا لِلْغَايَةِ.
بِالطَّبْعِ كَانَ بوب فَخُورًا بِالْعُشِّ، شَدِيدَ الْفَخْرِ فِي الْوَاقِعِ. وَأَخْبَرَهَا: «عَزِيزَتِي، هَذَا أَفْضَلُ عُشٍّ قَدْ رَأَيْتُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. أَتَمَنَّى بِحَقٍّ أَلَّا يَعْثُرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ.»
نَظَرَتْ إِلَيْهِ الزَّوْجَةُ بِحِدَّةٍ وَسَأَلَتْهُ: «لِمَاذَا لَمْ تُقِرَّ بِأَنَّكَ تَرْغَبُ فِي بِنَائِهِ فِي مَكَانٍ آخَرَ؟»
بَدَتْ عَلَى بوب الْحَمَاقَةُ قَلِيلًا، وَاعْتَرَفَ قَائِلًا: «أَنَا لَا أَسْتَطِيعُ التَّغَاضِيَ عَنِ التَّفْكِيرِ فِي خُطُورَةِ هَذَا الْمَكَانِ الشَّدِيدَةِ.» ثُمَّ أَضَافَ سَرِيعًا: «وَلَكِنَّنِي أَثِقُ جِدًّا فِي قَرَارِكِ يَا عَزِيزَتِي.»
رَدَّتِ الزَّوْجَةُ: «إِذَنْ عَلَيْكَ تَوَخِّي الْحَذَرِ عِنْدَمَا تَأْتِي مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ، وَلَا تَأْتِ طَيْرًا إِلَى هُنَا مُبَاشَرَةً بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ. ابْقَ بَعِيدًا إِلَّا إِذَا نَادَيْتُكَ، وَعِنْدَمَا تَأْتِي حَلِّقْ فَوْقَ الْحَشَائِشِ الطَّوِيلَةِ هُنَاكَ، ثُمَّ تَوَارَ عَنِ الْأَنْظَارِ، وَسِرْ إِلَى هُنَا مُتَخَفِّيًا بَيْنَ الْأَعْشَابِ وَالْحَشَائِشِ.»
وَعَدَهَا بوب بِأَنَّهُ سَيَفْعَلُ مَا أَخْبَرَتْهُ بِهِ بِالضَّبْطِ، وَلِيُثْبِتَ لَهَا ذَلِكَ تَسَلَّلَ بَيْنَ الْحَشَائِشِ الطَّوِيلَةِ وَلَمْ يُحَلِّقْ بِجَنَاحَيْهِ حَتَّى أَصْبَحَ بَعِيدًا عَنِ الْعُشِّ، ثُمَّ طَارَ بَعِيدًا عَنِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ وَصَفَّرَ بِكُلِّ قُوَّتِهِ مِنْ فَرْطِ سَعَادَتِهِ.
لَمْ يَمُرَّ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى أَصْبَحَ هُنَاكَ خَمْسَ عَشْرَةَ بَيْضَةً جَمِيلَةً فِي الْعُشِّ الْعُشْبِيِّ الْقَرِيبِ مِنَ الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُتَعَرِّجِ؛ وَمِنْ ثَمَّ زَادَ قَلَقُ بوب. لَكَ أَنْ تَتَأَكَّدَ مِنْ ذَلِكَ؛ فَمَرَّاتٍ كَثِيرَةً رَأَى بوب وايت الثَّعْلَبَ ريدي وَالْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ وَالظَّرِبَانَ جيمي يَمُرُّونَ سَرِيعًا عَبْرَ الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُتَعَرِّجِ، وَعَرَفَ أَنَّهُمْ قَادِمُونَ إِلَى هُنَاكَ لِلْبَحْثِ عَنْ عُشِّهِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُفَكِّرُوا قَطُّ فِي الْبَحْثِ بَيْنَ رُقْعَةِ الْعُشْبِ؛ فَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِمْ قَطُّ أَنَّ أَحَدَهُمْ سَوْفَ يَبْنِي الْعُشَّ عَلَى مَقْرُبَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الطَّرِيقِ الَّذِي يَمُرُّونَ بِهِ كَثِيرًا، لَكِنَّهُمْ بَحَثُوا وَبَحَثُوا فِي كُلِّ الْأَمَاكِنِ الْأُخْرَى.
وَطَوَالَ الْوَقْتِ كَانَتْ زَوْجَةُ بوب تَرْقُدُ فَوْقَ ذَلِكَ الْبَيْضِ الْأَبْيَضِ، وَكَانَ لَوْنُ ثَوْبِهَا مُمَاثِلًا لِلْغَايَةِ لِلَوْنِ الْأَعْشَابِ الْبُنِّيِّ وَأَوْرَاقِ الشَّجَرِ؛ فَحَتَّى إِذَا نَظَرُوا إِلَيْهَا مُبَاشَرَةً، لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يَرَوْهَا. وَمَعَ الْوَقْتِ، اعْتَرَفَ بوب بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ بِأَنَّ زَوْجَتَهُ كَانَتْ عَلَى حَقٍّ؛ فَقَدِ اخْتَارَتْ أَكْثَرَ الْأَمَاكِنِ أَمَانًا فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ لِبِنَاءِ الْبَيْتِ. كَانَ أَكْثَرَهَا أَمْنًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ آخِرَ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يَبْحَثُ فِيهَا أَيُّ أَحَدٍ. ثُمَّ أَصْبَحَ بوب أَقَلَّ قَلَقًا وَأَمْضَى وَقْتَ فَرَاغِهِ فِي خِدَاعِ الَّذِينَ يَبْحَثُونَ عَنْ مَنْزِلِهِ.