بيتر لَا يُصَدِّقُ مَا تَرَاهُ عَيْنَاهُ
أَحْيَانًا تَسِيرُ الْأُمُورُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، فَنُشَاهِدُ أُمُورًا مُثِيرَةً لِلذُّهُولِ لِلْغَايَةِ، لِدَرَجَةِ أَنَّهَا قَدْ تَبْدُو غَيْرَ حَقِيقِيَّةٍ. لَكَ أَنْ تَسْأَلَ الْأَرْنَبَ بيتر أَوْ زَوْجَتَهُ فَحَسْبُ؛ كِلَاهُمَا سَيُخْبِرُكَ أَنَّهُمَا وَجَدَا صُعُوبَةً شَدِيدَةً فِي تَصْدِيقِ مَا رَأَتْهُ عُيُونُهُمَا. فَمَا حَدَثَ كَالتَّالِي: عَلِمَ بيتر أَنَّ مَنْزِلَ بوب وايت فِي مَكَانٍ مَا بِالْقُرْبِ مِنَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ؛ فَقَدْ أَخْبَرَهُ بوب وايت أَنَّهُ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ بِالْفِعْلِ، وَلَمْ يَبْتَعِدْ بوب نَفْسُهُ كَثِيرًا عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ قَطُّ؛ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَدَى بيتر أَدْنَى شَكٍّ أَنَّ بوب وايت قَدْ أَخْبَرَهُ الْحَقِيقَةَ؛ فَفِي هَذَا الْوَقْتِ الرَّبِيعِيِّ الْجَمِيلِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ سَيَظَلُّ يَحُومُ حَوْلَ مَكَانٍ وَاحِدٍ كُلَّ يَوْمٍ بَيْنَمَا الْجَمِيعُ مُنْشَغِلُونَ فِي تَدْبِيرِ شُئُونِ مَنَازِلِهِمْ، إِلَّا إِذَا كَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا جِدًّا.
كَانَ بيتر قَدْ بَحَثَ كَثِيرًا عَنْ مَنْزِلِ بوب وايت، وَلَكِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَجِدَ أَيَّ أَثَرٍ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. كَانَ يُرَاقِبُ بوب وايت، وَيَذْهَبُ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ يَرَى فِيهِ بوب، وَلَكِنَّ بوب قَدْ نَجَحَ فِي الْحِفَاظِ عَلَى سِرِّهِ، وَلَمْ يَأْخُذْ بيتر عِبْرَةً مِمَّا حَدَثَ مِنْ قَبْلُ، وَقَدْ صَارَ أَنْحَفَ لِجَرْيِهِ كَثِيرًا هُنَا وَهُنَاكَ. حَاوَلَتْ زَوْجَةُ بيتر جَاهِدَةً إِقْنَاعَهُ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَعْنِيهِ؛ فَكَمَا تَعْلَمُونَ، فَهِمَتْ زَوْجَةُ بيتر رَغْبَةَ زَوْجَةِ بوب وايت فِي الْحِفَاظِ عَلَى سِرِّيَّةِ الْأَمْرِ؛ فَقَدْ مَرَّتْ زَوْجَةُ بيتر بِأَوْقَاتٍ عَصِيبَةٍ عِنْدَمَا كَانَ أَطْفَالُهَا فِي سِنٍّ صَغِيرَةٍ لِلْغَايَةِ.
اسْتَسْلَمَ بيتر فِي النِّهَايَةِ بِالْفِعْلِ، وَكَانَ هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ بَحَثَ فِي كُلِّ مَكَانٍ خَطَرَ لَهُ، وَأَخِيرًا قَرَّرَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ حَقًّا بوب وايت يَمْلِكُ عُشًّا فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ فَإِنَّهُ حَتْمًا لَيْسَ بِالْقُرْبِ مِنَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ. وَفِي صَبَاحِ أَحَدِ الْأَيَّامِ حَدَثَ شَيْءٌ مُفَاجِئٌ؛ كَانَ بيتر عَلَى وَشْكِ الرَّكْضِ فِي اتِّجَاهِ الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ حِينَ صَاحَ أَحَدُهُمْ أَمَامَهُ مُبَاشَرَةً فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ: «أَيُّهَا الْأَرْنَبُ بيتر، تَوَخَّ الْحَذَرَ وَأَنْتَ تَخْطُو بِقَدَمَيْكَ!»
تَوَقَّفَ بيتر فَجْأَةً وَنَظَرَ حَوْلَهُ لِيَرَى مَنْ يَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ، كَانَتْ زَوْجَةُ بوب وايت تَجْلِسُ تَحْتَ مَجْمُوعَةٍ مُتَشَابِكَةٍ مِنْ ثِمَارِ الْعَلِيقِ. تَفَاجَأَ بيتر؛ فَهُوَ لَمْ يَكُنْ قَدْ رَآهَا تَدْخُلُ الدَّغَلَ الْعَزِيزَ.
صَاحَ بيتر: «أُوهْ!» ثُمَّ انْحَنَى تَحِيَّةً لَهَا فِي أَدَبٍ وَقَالَ: «كَيْفَ حَالُكِ أَيَّتُهَا السَّيِّدَةُ بوب وايت؟ أَنَا سَعِيدٌ أَنَّكِ قَرَّرْتِ زِيَارَتَنَا، أَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ بوب وايت فِي أَفْضَلِ حَالٍ. أَنَا لَمْ أَرَهُ مُنْذُ بِضْعَةِ أَيَّامٍ، وَلَكِنَّنِي قَدْ سَمِعْتُ صَفِيرَهُ وَكَانَ يَبْدُو أَنَّهُ عَلَى خَيْرِ مَا يُرَامُ.»
أَجَابَتْ زَوْجَةُ بوب: «هُوَ بِخَيْرٍ.» ثُمَّ أَضَافَتْ فِي قَلَقٍ: «رَجَاءً يَا بيتر، تَوَخَّ الْحَذَرَ الشَّدِيدَ وَأَنْتَ تَخْطُو بِقَدَمَيْكَ.»
سَأَلَهَا بيتر وَهُوَ يَنْظُرُ فِي حِيرَةٍ أَسْفَلَ قَدَمَيْهِ: «لِمَاذَا؟ مَا الْخَطْبُ؟»
حِينَئِذٍ جَاءَتْ زَوْجَةُ بيتر عَلَى عَجَلٍ وَكَانَتْ قَدْ سَمِعَتْهُمَا يَتَحَدَّثَانِ. أَصْبَحَتْ زَوْجَةُ بوب أَكْثَرَ قَلَقًا مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى، وَصَاحَتْ: «رَجَاءً يَا سَيِّدَتِي، تَوَخَّيِ الْحَذَرَ وَأَنْتِ تَخْطِينَ بِقَدَمَيْكِ.»
بَدَتْ زَوْجَةُ بيتر مُتَحَيِّرَةً كَزَوْجِهَا تَمَامًا، وَوَقْتَهَا فَقَطْ أَطْلَقَتْ زَوْجَةُ بوب وايت نِدَاءً لَطِيفًا وَهَادِئًا لِلْغَايَةِ، وَفِي الْحَالِ بَدَا لِبيتر وَزَوْجَتِهِ كَمَا لَوْ أَنَّ أَوْرَاقَ الشَّجَرِ الْبُنِّيَّةَ الَّتِي تَكْسُو أَرْضَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ دَبَّتْ فِيهَا الْحَيَاةُ وَبَدَأَتْ فِي الرَّكْضِ. كَادَتْ عَيْنَا بيتر أَنْ تَقْفِزَا مِنْ مَحْجِرَيْهِمَا، فَدَعَكَ عَيْنَيْهِ مَرَّتَيْنِ لِيَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّ مَا يَرَاهُ هُوَ فِعْلًا مَا يُفَكِّرُ فِيهِ. مَا هَذَا؟ يَا إِلَهِي! عَائِلَةٌ كَامِلَةٌ مِنَ الطُّيُورِ الصَّغِيرَةِ الطَّرِيفَةِ تُهَرْوِلُ بِأَقْصَى سُرْعَةٍ مُمْكِنَةٍ لِأَقْدَامِهِمُ الصَّغِيرَةِ نَحْوَ مَأْوَاهُمْ تَحْتَ جَنَاحَيْ أُمِّهِمْ زَوْجَةِ بوب وايت!