المرأة العربية الثائرة
في المجتمعات العربية الزراعية كمصر، تعمل الأغلبية الساحقة من النساء في الحقول جنبًا إلى جنبِ الرجال منذ آلاف السنين. ويعتمد الاقتصاد والإنتاج على عرق الفلاحين والفلاحات، وبغير خروج الفلاحة من دارها كل يوم قبل شروق الشمس لما كان في استطاعة الرجال المعارضين لتحرير المرأة (وغير المُعارضين أيضًا) أن ينالوا فطورهم كل صباح، ولا أن يجدوا من الملابس ما يستر أجسادهم، ولا أن يجدوا الورق الذين يكتبون عليه أفكارهم المتخلفة عن المرأة.
ولا يزال في مجتمعنا العربي حتى اليوم عدد غير قليل من هؤلاء الرجال الذين يعارضون خروج المرأة من بيتها للتعلم أو العمل بدعوى المحافظة على أنوثتها أو شرفها، ويتجاهل هؤلاء الرجال تلك الملايين من النساء الفلاحات اللائي يَخرجْن كل يوم من بيوتهن للعمل، وربما اعتقد هؤلاء الرجال أن الفلاحات لسْنَ نساءً، أو أن العتالات والخادمات ليس لهن أنوثة أو شرف، وإلا فكيف نفسر صمتهم المطبق إزاء خروج هذا العدد الهائل من النساء من بيوتهنَّ كل يوم؟ وكيف يدعي الرجل منهم غيرته على أنوثة المرأة ورقَّتها، في حين أن شعرة واحدة لا تهتز في جسده وهو يسير في الشارع، ومن خلفه خادمته البنت الضعيفة الصغيرة تَحمل عنه وهو رجل قويٌّ الحقائب الثقيلة، ولا يهتز الواحد منهم وهو يرى كل يوم طوابير النساء العتالات والكادحات في الحقول والمشاغل والمصانع؛ حيث تعمل المرأة ضعف الساعات التي يعملها الرجل لأنها تعمل خارج البيت وداخله. بل لا يهتز الرجل منهم وهو راقدٌ في سريره وزوجته تخدمه، ولا تكفُّ عن الحركة داخل البيت من أجل تلبية طلباته وطلبات الأسرة والأطفال.
وهذا يدل على أن غيرة هؤلاء الرجال على شرف النساء أو أنوثتهن ومعارضتهم لخروج المرأة ليس موقفًا أخلاقيًّا أو إنسانيًّا، ولكنه موقف طبقي استغلالي.
وهذا هو الحال دائمًا بالنسبة لعمل المرأة في المجتمع الأبوي. إن هذا المجتمع لا يسمح للمرأة بالعمل خارج البيت إلا من أجل استغلالها بدرجة أشد؛ حيث تعمل أجيرًا بغير أجرٍ كحال الفلاحات اللائي يعملن لحساب الأب أو الزوج وتحت سيطرته المطلقة، أو من أجل سدِّ النقص في الأيدي العاملة في المصانع، حيث تعمل المرأة (والأطفال أحيانًا) بأجرٍ أقل من أجر الرجل، وتحت سيطرته المطلقة في العمل أو في البيت.
وقد دخلت المرأة العربية كعاملة في المصنع بعد الحرب العالمية الأولى، حين قلَّت الأيدي العاملة من الرجال، وبدأت الدول العربية شأنها شأن دول العالم تحتاج إلى تشغيل النساء في المصانع، بالإضافة إلى ازدياد نشاط الصناعات المحلية، لانقطاع البضائع المستوردة بسبب الحروب. ولم يجذب هذا العمل إلا الفقيرات والمعدمات من النساء والبنات؛ ففي هذه الطبقة الفقيرة المعدمة التي تلتقط طعامها اليومي بأي وسيلة تَسقُط جميع التقاليد الأخلاقية أمام الحاجة إلى الطعام، ويُضطر الرجل في تلك الطبقة أن يَشتري رغيفًا يأكله، بدلًا من أن يشتري حجابًا لزوجته أو ابنته. ويدفعه الفقر إلى أن يُشغِّل ابنته أو زوجته خادمة في بيت فيه رجال، أو يُلحقها بمصنع حيث تعمل جنبًا إلى جنب الرجال، دون أن تعرف في تلك التقاليد الأخلاقية التي تُحرِّم الاختلاط؛ ولهذا لم تعرف الحجاب أو الانحباس في البيوت إلا نساء الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة أو العالية ممن لا يَحتاجون اقتصاديًّا إلى تشغيل نسائهم وبناتهم خارج البيوت.
وفي المجتمعات العربية تُمثِّل الطبقات الفقيرة الأغلبية من الناس، وقد استغلت الدولة حاجتهم لسدِّ الرمق ففرَضت عليهم أعمالًا شاقة نظير أجور زهيدة، أمَّا النساء منهم والأطفال، فقد فرضت عليهم أدنى الأعمال وأقل الأجور وأسوأ الظروف. وكانت المرأة العاملة منهن تعمل ساعات أكثر من الرجال وتتقاضى أجرًا أقل منه، ويعود العامل ليستريح في بيته على حين تعود العاملة إلى البيت لتخدم زوجها وتخدم أطفالها وتطعمهم.
وقد عاشت هؤلاء العاملات ممزَّقات بين العمل خارج البيت وداخله، وكانت العاملة المتزوجة مهدَّدة بالفصل من العمل في أي وقت بسبب الحمل والولادة، ومُهدَّدة بالطلاق في أي وقت إذا لم تَخدم زوجها وأطفالها الخدمة الواجبة.
وفي بلدٍ كمصر بلغ عدد هؤلاء العاملات الصناعيات في أول إحصائية ١٩١٤ عشرين ألف عاملة؛ أي بنسبة ٥٪ من عدد العمال والرجال، وكانت البنات والزوجات من الطبقات الفقيرة يتزاحمْنَ في ذلك الوقت على العمل في المصانع ومحالج القطن، تعمل الواحدة منهن أكثر من ١٤ ساعة في اليوم الواحد بأجرٍ يومي لا يزيد عن ثلاثة قروش، وقد يصل إلى ١٨ مليمًا فقط، لكن هذا الأجر على ضآلته كان أفضل من الجوع الذي كان يتهدَّدهنَّ. ولم تكن هناك قوانين تفرض على أصحاب المصانع أي شروط صحية، وأي حماية للعاملات أو العمال. وكانت أقسام النساء أسوأ حالًا من أقسام الرجال لانخفاض قيمة النساء وعدم تذمُّرهنَّ وتعوُّدهن على قبول الذلِّ والمهانة. ومن شدة سوء الأحوال والإرهاق وعدم التغذية، لم تكن العاملة منهنَّ تستمر في هذا العمل أكثر من أربع أو خمس سنوات، ثُمَّ يصيبها العجز أو المرض، فإذا بصاحب المصنع يَفصلها ويُلقي بها إلى الطريق كقطعة للغيار البالية، ويُعيَّن مكانها عاملة جديدة من قائمة المُنتظِرات المتلهفات على لقمة العيش.
وكانت هؤلاء العاملات البائسات المُرهَقات جسدًا ونفسًا خارج البيت وداخله، هن أول النساء الثائرات في مصر، وهنَّ أول نساء قمن بالإضراب والاعتصام بالمصانع، والخروج في مظاهرات في الشوارع يُطالبن باحترام آدمية المرأة العاملة، ووضع قانون يحدد ساعات العمل وإجازة وضع؛ وفي ذلك الوقت لم تكن المرأة العاملة تحصل على أي إجازة وضع؛ ولهذا كانت تسرع إلى عملها في اليوم التالي للوضع وأحيانًا كانت تُخفي عن صاحب العمل أنها مُتزوِّجة من أجل أن يُلحقها بالعمل (كان أصحاب العمل يفضِّلون البنات أو النساء غير المتزوجات)، وحينما كانت تحمل العاملة منهن، فهي تخفي حملها كأنما هو غير شرعي، وكانت معظمهنَّ يلجأن إلى إجهاض أنفسهن بالوسائل الريفية الخطرة (مثل إدخال عود الملوخية داخل الرحم)، وفي أحيانٍ كثيرة كانت العاملة منهن تفقد حياتها بسبب النزيف أو الالتهابات المميتة.
وكانت نساء الطبقة الراقية في مصر في ذلك الوقت قد بدأْن تكوين أول تنظيم نسائي سنة ١٩٢٣، لكنهن لم يكنَّ (بحكم الثراء والانعزال عن الطبقات الفقيرة) يُدركْنَ شيئًا عن حال هؤلاء النساء العاملات المُستغَلات أبشع استغلال. وقد ذهبت إحدى مظاهرات هؤلاء النساء إلى مقر التنظيم النسائي، لكن النساء الأرستقراطيات لم يُظهِرْن أي اهتمام بمثل هذه القضايا الخاصة بالفقيرات، وكان كل اهتمامهن موجَّهًا إلى خلع الحجاب، وهو أمر لم يكن يهم الأغلبية الساحقة من النساء لأن العاملات والفلاحات كن دائمًا سافرات.
وقد كانت هؤلاء النساء الكادحات (عاملات وفلاحات) هن اللائي اشتركن اشتراكًا فعليًّا في الثورة المصرية سنة ١٩١٩، وخرجْن مع الرجل إلى الطُّرق الزراعية يقطعن أسلاك التليفون وينزعن قضبان السكك الحديدية، ليَحجزْنَ قطارات السلطات الإنجليزية. وقد هجم بعض هؤلاء النساء على المراكز التي اعتُقل فيها بعض المواطنين والثوار المصريين، وسقطت بعضهنَّ قتلى وجرحى برصاص الإنجليز.
إن هؤلاء الكادحات الفقيرات هنَّ اللائي قدمن شهيدات ثورة ١٩١٩، ومنهنَّ الشهيدة «شفيقة» التي قتلها الإنجليز يوم ١٤ مارس ١٩١٩، و«حمدية خليل» من كفر الزغاري بالجمالية، و«سيدة حسن»، و«فهيمة رياض»، و«عائشة عمر»، وغيرهنَّ من مئات المصريات الفقيرات المجهولات.
وقد لعب رجال الطبقة العاملة الكادحة والفلاحون أيضًا دورًا كبيرًا في ثورة ١٩١٩، لكن دورهم لم يَظهر في التاريخ كما ظهر دور رجال الطبقة العليا، وبالمثل أيضًا لم يظهر في التاريخ دور النساء الكادحات في الثورة كما ظهَر دور النساء من الطبقة العالية؛ وذلك أن الذي يكتب التاريخ دائمًا هم الذين يَملكون المال والسلطة.
ولم يَحصل الرجال والنساء من الطبقات الكادحة على شيء يُذكَر من ثورة ١٩١٩، مع أنهم هم الذين كانوا وقودها، وذهبَت مكاسب الثورة إلى الطبقة العالية، وقد حدث للحركة النسائية الساحقة من النساء أو الرجال، وانتهى بها الأمر إلى التعاون مع القصر والأحزاب ضد مصالح الشعب. وقد استُخدمت الحركة النسائية في مصر لخدمة القصر والأحزاب الرجعية، كما ظلَّت تتَّسم بالابتعاد عن مجال العمل السياسي، واقتصر نشاطها على مجال الخدمة الاجتماعية.
وقد أسست «هدى شعراوي» التنظيم أو الاتحاد النسائي عام ١٩٢٣، ونجح هذا الاتحاد في رفع سن زواج البنات إلى ١٦ سنة في سنة ١٩٢٤، لكنه فشل في تغيير قانون الأحوال الشخصية أو منح المرأة حق الانتخاب، رغم الجهود التي بذلها في هذا المجال بقيادة هدى شعراوي وسيزا نبراوي، وبالرغم من مرور أكثر من ٥٣ عامًا على إنشاء الاتحاد النسائي، وحماسه المستمر المُخلِص في هذين المجالين، إلا أن معظم جهوده باءت بالفشل؛ إذ إن قانون الزواج والطلاق في مصر لا زال حتى اليوم يُبيح للرجل أن يُطلِّق زوجته متى شاء، ويُبيح له تعدُّد الزوجات، وقد سبقت بعض البلاد العربية مصر في هذا المجال، وطوَّرت هذا القانون تطوُّرًا يتمشى مع الوضع الجديد الذي حصلت عليه المرأة العربية. أمَّا حق الانتخاب فلم تحصل عليه المرأة المصرية إلا في دستور ١٩٥٦.
ولم تكن مصر وحدها هي التي تشهد اشتراك النساء في الثورة ضد الاستعمار الأجنبي أو الظلم الداخلي.
إن المرأة العربية في مختلف بلاد العالم العربي اشتركت مع الرجل في تحرير الوطن وفي الثورة ضد الظلم؛ ففي سوريا اشتركت المرأة العربية في الجمعيات السرِّية لمُقاوَمة عمليات التتريك عام ١٩١٤. وفي عام ١٩١٩ شاهدت دمشق أول مظاهرة نسائية بسقوط الاحتلال الفرنسي وواجهْنَ رصاص الفرنسيِّين، واشتركت المرأة في ثورة الشعب السوري عام ١٩٢٥، وحملت السلاح في المقاوَمة الشعبية منذ إعلان هيئة الأمم بتقسيم فلسطين عام ١٩٤٨.
وفي العراق ناضلت المرأة مع الرجال ضد الاستعمار والملكية، وساهمت في عمليات التحرير والتطوُّر، وحصلت على حقوقها السياسية كما وصلَتْ إلى منصب وزاري.
وفي الأردن رغم القيود التي تُحيط بالنساء، فكم من مظاهرات نسائية كبيرة سادت شوارع عمان، تُحيي بطولة النساء والرجال العرب في السجون، والمقاتلين الفلسطينيِّين الفدائيين.
وفي السودان ناضلت النساء ضد الاحتلال الإنجليزي، وكون اتحادهنَّ النسائي الذي اشتهر بنشاطه وتقدُّمه، وكم قدم من نساء بطلات منهنَّ «فاطمة إبراهيم».
وفي لبنان خرجت النساء العربيات في مظاهرة كبيرة ضد الفرنسيين للإفراج عن زعماء لبنان الوطنيِّين سنة ١٩٤٣.
أمَّا نساء الجزائر فقد شاركْنَ مع الرجال في الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، وعلى أرض المليون شهيد سقطت الكثيرات شهيدات، وبعضهنَّ عُذِّب في السجون، ولعل أشهرهن في هذا «جميلة بوحريد» و«جميلة بوعزة».
وفي اليمن الجنوبية وقفت النساء والفتيات العربيات إلى جانب الرجال في الثورة من أجل الاستقلال، وفي السودان أيضًا كانت هناك المُناضلات والمقاتلات من الحزب النسائي السوداني. أمَّا نساء وفتيات فلسطين فقد ضربْن المثل في البطولات من أجل استرداد وطنهنَّ من بين أنياب المغتصبين، وكم من بنات فلسطينيات ذهبنَ في حملات فدائية داخل الأرض المحتلة فلسطين، وكم من نساء قُمنَ وتظاهرْنَ فوق الأرض المحتلة ذاتها، في القدس ونابلس ورفح والخليل وبيسان، وكم من فتيات ونساء يعملن ويُناضلن داخل منظمات التحرير الفلسطينية، وقد عُرف العالم «ليلى خالد» و«فاطمة برناوي» و«أمينة دحبور» و«شادية أبو غزالة» ومثيلاتهنَّ اللائي وضعن حياتهن على أكفهن من أجل تحرير الأرض والوطن.
وفي الكويت، وفي ليبيا، وفي تونس، وفي المغرب، وفي الصومال، هناك نساء يُشاركن في النضال من أجل تحرير الرجال والنساء معًا، وقد كسبت المرأة العربية في بعض هذه البلاد مكاسب جديدة في المجتمع وفي الأسرة، وظهرت قوانين جديدة تمنَع تعدُّد الزوجات، وتُساوي الرجل والمرأة في حق الطلاق.
وقد نالت المرأة العربية حق الانتخاب في معظم البلاد العربية، لكنه بالرغم من ذلك، فإن نسبة النساء اللائي يُشاركن في المجال السياسي أو الانتخابات ضئيلة. إن النساء المصريات اللائي يشاركن في الانتخابات بالإدلاء بأصواتهنَّ لم تَزدْن عن ١٪ من عدد الأصوات الكلية للناخبين سنة ١٩٥٦، وقد ارتفعت هذه النسبة سنة ١٩٧٢ إلى ١٢٪. أمَّا نسبة العضوات في مجلس الأمة فلم يَزد عن ٢٫٥٪ سنة ١٩٧٦.
وقد اتَّضح أنَّ الاعتراف بحق المرأة في الانتخاب، أو غيره من الحقوق السياسية، لا يُحدث تغييرًا يذكر في وضع المرأة الأدنى، وسواء ذهبت النساء إلى الإدلاء بأصواتهن أو لم يذهبن. وسواء نجَح بعضهن في الوصول إلى مقاعد في البرلمان أو لم يَنجحن، فإن وضع المرأة الأدنى لا يتغير كثيرًا، وتبعتيها لزوجها لا تُمَس، وتبعيتها لطبقتها الاجتماعية تظلُّ كما هي.
لم يحدث في أي بلد من العالم أن المرأة حصلت على المساواة الحقيقية بالرجل، لمجرد حصولها على الحقوق السياسية فقط، بالرغم مما يصاحب الاعتراف بهذه الحقوق من ضجة كبرى عن الديمقراطية، وخُطبٍ رنانة عن حرية المرأة، بل إنه اتضح أنه في ظل الأنظمة الإقطاعية والرأسمالية الأبوية، كثيرًا ما تُستخدم أصوات النساء ضد مصلحة النساء الحقيقية، بمثل ما تُستخدم أصوات الفلاحين والعمال ضد مصلحة الفلاحين والعمال.
وبالرغم من أن الثورة المصرية (١٩٥٢) منحت العمال والفلاحين ٥٠٪ من المقاعد في مجلس الأمة، إلا أنها لم تمنَح النساء أيَّ عدد من المقاعد. وبرغم أنَّ الفلاحين والعمال حصلوا على نصف المقاعد نظريًّا، إلا أن أبناء الكادحين والعمال لم يَصِلوا أبدًا إلى كراسي مجلس الأمة، وإنما وصل إليها رجال من طبقات أعلى تنكَّروا في زي الفلاحين والعمال. وقد كان تعريف العامل والفلاح فضفاضًا يَسمح بدخول أصحاب الدخول الكبيرة ممَّن لا يفلحون الأرض أو يعملون بأيديهم في المصانع.
وأظن أن وضع المرأة يختلف كثيرًا، وربما لو خصص للنساء بعض مقاعد في البرلمان لاحتلَّتها نساء الطبقة العالية اللائي يؤيِّدن النظام والسلطة في معظم الأحيان، أو ربما تنكر بعض الرجال في زي النساء واحتلوا مقاعدهن.
وبالرغم من أن المرأة العربية أصبحت وزيرة لأول مرة في مصر سنة ١٩٦٢، وخمسة أو ستة نساء دخلْنَ مجلس الأمة، إلا أن الأغلبية الساحقة من المصريات لا زلن حتى اليوم أُمِّيَّات جاهلات، يكدحن طوال النهار وجزء من الليل في الحقول والمصانع والمكاتب والبيوت (نسبة الأمية بين الإناث ٨٤٪ سنة ١٩٦٠، انخفضت سنة ١٩٧٦ إلى ٧١٪)، ويعشْنَ في حال يُرثى لها من الإرهاق الجسدي والنفسي من سيطرة الزوج أو الأب أو الأخ أو أي رجل آخر من أعضاء الأسرة الأبوية. بل إن هذه النسبة الصغيرة من النساء اللائي حظين بالتعليم المتوسط أو العالي لا زلن أيضًا حبيسات التقاليد تحت سيطرة الرجل أيضًا، وقد زاد عليهنَّ عبء جديد هو العمل خارج البيت.
وهذا يدلُّنا على الخطأ الكبير الذي تقع فيه بعض النساء المنتميات إلى حركات تحرير المرأة، حين يتصوَّرْنَ أن المرأة يمكن أن تتحرر بخوض معركة الحقوق السياسية، أو الاشتراك في الانتخابات أو في الأحزاب السياسية أو الصعود إلى السلطة والمشاركة في الحكم مع الرجل.
إن تولي المرأة السلطة أو الحكم في نظام إقطاعي طبقي أو رأسمالي طبقي لا يغير كثيرًا من الاستغلال الواقع على النساء أو الرجال، وسواء كانت هناك امرأة تحكم في الولايات المتحدة بدلًا من نيكسون أو فورد أو كارتر، فإن النظام سيكون النظام أبويًّا رأسماليًّا طبقيًّا، قائمًا على الحروب والاستعمار والاستغلال. إن رئاسة جولدامائير لإسرائيل لم تُغيِّر شيئًا من النظام القائم على الطبقية والرأسمالية والحرب، وإن رئاسة باندرانايكا لسريلانكا أو أنديرا غاندي للهند لم يُغير كثيرًا من النظام الأبوي القائم على سيطرة الرجل داخل الأسرة. ولا تزال الأغلبية الساحقة من نساء سريلانكا والهند مرهقات جسديًّا ونفسيًّا بالكدح خارج البيت وداخلَه تحت سيطرة الأب أو الزوج.
إنَّ تحرير المرأة تحريرًا حقيقيًّا في الشرق العربي أو الشرق الأقصى أو الغرب لن يتحقَّق إلا بالتخلُّص من النُّظم الأبوية، سواء كانت رأسمالية أو إقطاعية، وبمعنى آخر: إن تحرير المرأة لن يتم إلا في أي بلد من البلدان التي تسير نحو الاشتراكية، ولكنه سيحدث في المستقبل حينما تُصبح النساء قوة سياسية قادرة على انتزاع حقوقها؛ فالحرية تؤخذ ولا تُمنح كما عرفنا من التاريخ.