العصافير … والبنادق … وجهًا لوجه!
ملأ الرجل فمه بالطعام … كان يأكل في نهمٍ، وكأنه لم يأكل منذ أيامٍ، وظلَّ مستغرقًا في طعامه، بينما «أحمد» و«بو عمير» ينظران إليه، ثم رفع رأسه فجأةً، وقال: نسيت أن أُقدِّم نفسي إليكما، اسمي «جان رول»، وينادونني «رول» فقط.
تحدَّث «أحمد» بطريقة الدقَّات إلى «بو عمير»، قال: أفكِّر أن أبيع الخاتم. ردَّ «بو عمير»: إنني فكرت في نفس الشيء، لكن … إنني أشكُّ في الرجل. قال «أحمد»: فيمَ تشكُّ؟
بو عمير: إنه أحد أفراد العصابة … وبالرغم من أنَّ «أحمد» قد دُهِشَ لحديث «بو عمير»، إلَّا أنَّ ذلك لم يظهر على وجهه … أكمل «بو عمير» كلامه بلغة الشياطين: ألم يلفت نظرك كذب أقواله؟ لقد قال إنه جاء هنا منذ ثلاثة أيامٍ فقط، ثم عاد فقال إنه لم يأكل منذ مدةٍ … ثم غيَّر حديثه وقال إنه يملك مزرعةً هنا.
أجاب «أحمد»: عندك حق.
كان «رول» قد انتهى من طعامه، وأخذ ينظر إليهما لحظةً، ثم إلى الخاتم الذي كان لا يزال في إصبعه، ثم قال: هل فكَّرتما؟
أحمد: نعم.
رول: في الخاتم؟
ابتسم «أحمد» وقال: لا أظنُّ أنني يمكن أن أبيعَه، إنه يُمثِّل بالنسبة لي ذكرياتٍ غالية … وأظنُّك توافقني على عدم بيعه.
نظر «رول» إلى الخاتم متأمِّلًا، ثم قال: هذا صحيحٌ … معك حق.
خلع الخاتم وأعاده إلى «أحمد»، ثم فجأة وقف وقال: هل تقبلان دعوتي إلى المزرعة؟
قال «بو عمير»: إنَّ هذه مسألةٌ تحتاج إلى ترتيب … ليتنا نحصل على العنوان، ونعدك بالزيارة.
هزَّ «رول» رأسه وقال: كما تشاءان!
أخرج من جيبه الخلفي قلمًا، ثم سحب منديلًا من الورق من فوق الترابيزة، ثم كتب العنوان وقدَّمه إلى «أحمد» قائلًا: إنني نادرًا ما أغادر المزرعة. ثم بعد لحظةٍ ابتسم وأكمل: إلَّا إذا كنت على سفرٍ من أجل الجلود … تحياتي، وإلى اللقاء. ثم تركهما «رول» وانصرف.
لم يبقَ «أحمد» و«بو عمير» طويلًا في المطعم، فقد غادراه. وعندما أصبحا في الشارع، قال «بو عمير»: ينبغي أن نعود إلى الفيلَّا؛ فقد يكون هناك شيءٌ.
أحمد: يجب أن تنتظرني في مكانٍ ما، وسوف أذهب إلى الفيلَّا وحدي.
خلع الخاتم وأعطاه ﻟ «بو عمير» قائلًا: إننا يمكن أن نستخدم هذا الخاتم بطريقةٍ مفيدة.
أخذ «بو عمير» الخاتم ووضعه في إصبعه، فأكمل «أحمد»: سوف أرسل كلَّ رسائلي بمكاني حتى لا يعرف أحدٌ كيف نتحرك.
افترقا … واتجه «أحمد» مباشرةً إلى الفيلَّا، وعندما وقف أمامها، كانت تبدو هادئةً تمامًا، فدخل في حذرٍ، وقطع الممرَّ الطويل في الحديقة إلى حيث باب الفيلَّا … لم يكن هناك شيءٌ يلفت النظر … ضغط جرس الباب، فرنَّ في الداخل، فعرف أنَّ الكهرباء كانت قد قُطعت أمس بأيدي العصابة.
فجأة، حدث ما لم يكن يتوقعه، فلقد فُتح باب الفيلَّا بسرعةٍ، ثم امتدَّت بعض الأيدي تجذبه إلى الداخل … لم يقاوم، ترك نفسه للأيدي التي جذبته، لكنَّه عندما أصبح في الداخل استطاع أن يُحدِّد ثلاثةً من الرجال، فطار في الهواء، وبحركةٍ مزدوجةٍ ضرب اثنين منهم بقدميه، وقبل أن يستقرَّ على الأرض، كان قد ضرب الثالث ضربة «سيف اليد» على رقبته؛ فصرخ ثم تهاوى على الأرض … وبدأت معركةٌ حاميةٌ، قفز أحد الرجال في الهواء، وعندما استعدَّ «أحمد» لملاقاته، كان الثاني قد ضرب «أحمد» ضربة «منقار النسر»، فتفجَّر الدم بغزارةٍ من صدره … كانت ضربةً حادةً، إلَّا أنَّ «أحمد» لم يشعر بشيءٍ، وتلقَّى الرجل الآخر بدورةٍ كاملةٍ من جسده، ثم انبطح على الأرض، وتدحرج بسرعةٍ، فنزل الرجل بجواره، وعندما اشتبك معه بالأيدي، كان الثالث قد قفز في اتِّجاه «أحمد» الذي قفز قفزةً ثُعبانيَّة، جعلته يستقرُّ على قدميه، ثم يضرب الرجل بمشط قدمه ضربةً أطارته في الهواء.
كان واضحًا أنَّه يلعب مع ثلاثة مُدرَّبين على أعلى مستوى، وأنَّ القوة غير متكافئةٍ، فضغط جهاز الإرسال في حزامه، فأعطى إشارة الإنذار للشياطين … كان الرجل الثالث قد أفاق، فاندفع في اتجاه «أحمد» بقوةٍ، وعرف «أحمد» أنه سوف يضربه ضربةَ «مخلب الدبِّ» فتفادى الضربة، ثم تلقَّى لكمةً قويَّةً من آخَر بحركةٍ جعلتها ضعيفةً. استمرَّت المعركة ربع ساعة، فجأةً … لم يكن «أحمد» وحده. لقد فُتح باب الفيلَّا وظهر «خالد» و«رشيد» … ما إن رآهما الرجال الثلاثة حتى تسمَّروا للحظة، ثم دارت المعركة من جديدٍ … أمسك «رشيد» بيد أحد الرجال، ثم دار به، وأراد الرجل أن يؤدِّيَ حركةً عكسيَّةً، إلَّا أن «رشيد» كان قد أدرك هذا تمامًا. ترك يد الرجل، فدار وحده في الهواء، ثم تلقَّاه بمشط رجله في حركةٍ قاسيةٍ، جعلت الرجل ينزل على الأرض، ويترنَّح كالطير القتيل. في نفس اللحظة، كان «أحمد» قد ضرب أحدهم ضربةً أطاحت به في اتجاه باب إحدى الغرف، حتى اصطدم به … رأى «أحمد» أحدهم وقد أمسك بعنق «خالد» في قوة، حتى ظهر الإعياء على وجه «خالد»، فعاجله «أحمد» بلكمةٍ قويةٍ في بطنه جعلته يَئِنُّ، ثم يتهاوى على الأرض، وعندما التفت إلى الرجل الآخر لم يجده. أسرع إلى باب الغرفة وفتحه، كانت نافذة الغرفة مفتوحةً … أسرع إليها، ولم يسمع سوى صوت سيارةٍ تنطلق في سرعةٍ جنونيةٍ، عاد إلى حيث المعركة، فلم يجد أحدًا. أسرع إلى باب الفيلَّا المفتوح، كانت هناك مطاردةٌ بين «رشيد» و«خالد» والرجلين. أدرك «أحمد» أنها خطةٌ مرسومةٌ، فلم تكن المطاردة جادَّةً من الشياطين، وفي لمح البصر، كان الرجلان يهربان.
وقف الشياطين الثلاثة، وكان الرجلان قد اختفيا تمامًا.
قال «أحمد»: يجب أن نُغادر الفيلَّا الآن.
أسرع الشياطين بالخروج، وفي منتصف الشارع استقلُّوا تاكسيًا … كان من الواضح أنهم يتحركون الآن بسرعةٍ … نزل الشياطين من التاكسي قريبًا من المقرِّ السرِّي، وعندما اختفى التاكسي أخذوا طريقهم إلى المقر … في الداخل بدأ «أحمد» ينفِّذ خطته الجديدة … في نفس الوقت كان «رشيد» يُرسل رسالةً إلى «بو عمير»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»، أين أنت؟»
وجاء الردُّ بسرعةٍ: أجلس في نقطة «م»، حولي بعض العصافير تتحرك.
نقل «رشيد» الرسالة إلى الشياطين، فقال «أحمد»: أنتما الآن غير معروفَين للعصابة، يجب أن تتبعا «بو عمير» … ثم شرح لهم حكاية الخاتم؛ فضحك «خالد» وقال: إننا نردُّ عليهم بنفس الطريقة.
ثم أخرج جهاز الاستقبال الصغير … كانت هناك نقطةٌ حمراء تتحرك، ومعها يتحرَّك مؤشرٌ أخضر. قال «خالد»: ها هم، ولا أظن أنهم سوف يبعدون عنَّا!
شرح لهم «خالد» كيف ثبَّت دبوسًا صغيرًا في ملابس الرجل الذي كان قد اشتبك معه … فجأة لمعت لمبةٌ صفراء في جهاز استقبال المقر، فأسرع «خالد» إلى الجهاز، كانت هناك رسالة: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»، نحن في القفص عند النقطة «ل»، يجب أن تجهز البنادق فورًا.»
نقل «خالد» مضمون الرسالة إلى الشياطين … كان «أحمد» قد انتهى مما يفعل، ونظر له «رشيد» في دهشةٍ وقال: رائعٌ، أُراهن أنك سوف تعمل معهم!
أحمد: يجب أن ننصرف الآن … عليكم بالذهاب إلى «بو عمير»، وأنا سأذهب إلى النقطة «ل».
انصرف الشياطين الواحد بعد الآخر من المقر السري … استقلَّ «أحمد» تاكسيًا، واتجه إلى النقطة «ل» … توقَّف التاكسي عند شارع ٤٩، فنزل «أحمد» وكان يمسك عصًا متوسطة الطول، وعندما انصرف التاكسي، أخذ طريقه إلى المنزل رقم ١٤ … قال في نفسه: إنها خطةٌ. لقد أعادوا «ريما» و«زبيدة» إلى نفس العنوان لتكونا طُعْمًا للشياطين، لكنه طُعْم مفهومٌ.
عندما وقف أمام باب المنزل رقم ١٤، تقدَّم منه أحدُ الرجال قائلًا: هل يريد السيد شيئًا؟
أحمد: نعم، أُريد مقابلة السيد «ويب».
ظهرت الدهشة على وجه الرجل، وقال متسائلًا: السيد «ويب»! هل تعرفه؟!
أحمد: لديَّ رسالةٌ عاجلةٌ إليه … يجب أن ألقاه الآن وبسرعة.
ضغط الرجل زرًّا على الباب، ثم رفع سماعة التليفون، وتحدَّث بإشاراتٍ لم يفهمها «أحمد» جيدًا … بعد لحظةٍ، وضع السماعة ثم التفت قائلًا: تفضَّل.
تقدَّم «أحمد» خلف الرجل … إنه يعرف هذا المكان جيدًا، فقد دخله ليلة المباراة في المغامرة السابقة … «الحزام الأسود».
بعد خطواتٍ تركه الرجل، فظهر آخر انحنى له، ثم سار أمامه. ظلَّ يدخل من مكانٍ إلى مكانٍ، وفي كل مرةٍ يتقدَّمه رجلٌ آخر … في النهاية، وصل إلى القاعة الكبرى، نفس القاعة التي جلس فيها ليلة المباراة … كان يجلس وحده، لكنه كان يعرف أنَّ آلاف العيون حوله الآن … كانت الدقائق تمرُّ ببطء، ولم يظهر أحد أمامه، شعر بدفء الجهاز، وعرف أنَّ هناك رسالةً من الشياطين، وضع يده على الجهاز، وبدأ يقرأ الرسالة … كانت من الشياطين … وتقول: «العصافير كثيرة، نفكِّر في دعوة بقية الصيادين.» أرسلَ بسرعةٍ: «لا داعي، فَرِّقوا العصافير.»
فجأة، ظهر «كاسيو كاليكت»، وكانت تبدو بعض الجروح في وجهه … تقدَّم في هدوءٍ حتى اقترب، فوقف «أحمد» وحاول أن يكون رقيقًا تمامًا، فقال: أهلًا بالسيد «كاسيو». ظهرت الدهشة على وجه «كاسيو» وسأل في حدَّةٍ: هل التقينا قبل الآن؟
أحمد: نعم، في «دوفر» حيث كُنَّا نشترك في عمليةٍ واحدةٍ.
ظلَّت الدهشة مسيطرةً على وجه «كاسيو»، وحاول أن يتذكَّر … وأخيرًا قال: لا أظن أننا التقينا … لا بأس … قد يكون صحيحًا … اجلس.
جلس «أحمد» وجلس «كاسيو». قال «أحمد»: أُدعى «براكان»، وقد جئت في مهمةٍ عاجلةٍ … إنني أعمل مع «القصر الطائر» … ولدينا عمليةٌ كبيرةٌ، نحتاج وجودكم فيها.
هزَّ «كاسيو» رأسه … ثم قال: هل هي عمليةٌ سريعةٌ؟
أحمد: نعم.
كان «كاسيو» ينظر إلى «أحمد» في تأمُّلٍ واضحٍ. ثم قال: أذكر أننا التقينا، لكني لا أذكر بالتحديد متى أو أين!
ضحك «أحمد» محاولًا أن يجعل الموقف طبيعيًّا: كانت عمليةً ضخمةً، تلك التي اشتركنا فيها.
قطع «كاسيو» كلام «أحمد»: ومتى تبدأ عمليتكم؟ وأين؟
أحمد: نحن لم نحدِّد موعدها بعد، غير أنها ستكون في «كاليه».
لم تبرح عينا «كاسيو» وجه «أحمد»، ولكنه فجأةً قام ثم اتجه إلى شرفةٍ عريضةٍ، وقف ينظر منها قليلًا، ثم قال: «مستر براكان»، معلوماتي تقول إن عصابة «القصر الطائر» لا تعمل إلَّا في أمريكا!
ضحك «أحمد» ضحكةً مهذَّبةً، ثم قام إلى حيث يقف «كاسيو» وقال وهو في الطريق إليه: إن حركتنا داخل أمريكا كان يجب أن تتوقَّف قليلًا، لهذا نقلنا نشاطنا مؤقَّتًا إلى أماكنَ متفرقة.
كاسيو: هذا يُعتبر اعتداءً على سلطات الآخرين، أليس كذلك؟
فكَّر «أحمد» بسرعةٍ، ثم قال: إنَّ هناك بعض الاتفاقات قد تمَّت مع الآخرين!
نظر «كاسيو» إلى «أحمد» بعمقٍ، ثم قال: انتظرني لحظةً، إننا يجب أن نتَّفق.
انصرف «كاسيو» في خطواتٍ جادةٍ، وعندما اختفى تَنفَّسَ «أحمد» في عمقٍ … لقد خشيَ طَوال هذه الفترة أن يكتشفَه «كاسيو».
مرَّت دقائق، ثم فجأة كاد «أحمد» يصرخ من الدهشة، عندما التفت إلى الباب.