معركة داخل المقر
كان «بو عمير» يدخل في خطواتٍ هادئةٍ، ابتسم «أحمد» عندما رآه، واقترب الاثنان وتحدَّثا بلغة الشياطين، فعرف «أحمد» أنَّ الخاتم كان جهاز إرسال يكشف مكان من يحمله، تمامًا كما فكَّر، وفكَّر «بو عمير» وعرف أنَّ العصابة تتبعت «بو عمير» حتى وقع في أيديها، وأنَّ بقية الشياطين كان يمكن أن يشتبكوا في معركةٍ؛ لكنهم فضَّلوا أن يقع «بو عمير» حتى يعرفوا مكان العصابة، ويلتقوا بزعيمها. وحكى «أحمد» ما حدث وكيف التقى ﺑ «ريما» و«زبيدة» في شارع ٤٩.
كانا «أحمد» و«بو عمير» يعرفان جيِّدًا أنهما مراقبان، وأنَّ العيون ترقبهم الآن في كل اتجاهٍ، ولذلك فقد بدآ حديثًا مُختلفًا باللغة الإنجليزية.
قال «أحمد»: أنا سعيدٌ أن ألقاك يا سيدي، لقد سمعت عن ألعابك الرائعة، وكان من سوء حظِّي أنني لم أحضر حفلكم الأخير، اسمح لي أن أُقدِّم لك نفسي: اسمي «براكان» وينادونني «براك»، تستطيع أن تناديَني به.
بو عمير: هذه فرصةٌ طيبةٌ يا سيد «براك» … أتمنى أن تُشاهد إحدى حفلاتنا فيما بعد … إننا فرقةٌ من المحترفين.
أحمد: هذا يُسعدني تمامًا أيها البطل، غير أنني أعتقد أن فنون «الكاراتيه» تتطور كثيرًا، ومؤخرًا قرأت بحثًا رائعًا عنها.
بو عمير: أتمنى أن أحصل عليه.
أحمد: إنني أيضًا من هواة اللعبة … ولقد جربت تلك الحركات الأخيرة وأجدتها.
رأى «أحمد» الزعيم «ويب» في طريقه إلى الباب، فغيَّر الموقف تمامًا قائلًا: هذه واحدةٌ من الحركات الجديدة. وفي أقل من لحظةٍ كان «بو عمير» مُمدَّدًا على الأرض، لقد استخدم «أحمد» معه ضربة «المطرقة المفاجئة».
وقف «ويب» ينظر في دهشةٍ لما حدث، ولكن وقفته لم تطل، فقد قفز «بو عمير» كالثعبان، وضرب «أحمد» ضربةً أطارته في الهواء … غير أنه نزل واقفًا، ثم دار دورتين طار خلالهما «بو عمير»، ثم أمسك بإحدى ذراعيه وأدارها دورةً عكسيَّةً جعلته يصطدم بأحدِ الكراسيِّ، ثم سقط على الأرض. رفع «ويب» يده، فتوقَّف «بو عمير»، وقال «ويب»: إنه زميل!
نظر إليه «بو عمير» لحظة، ثم نظر إلى «أحمد» واقترب منه قائلًا: إنني آسفٌ يا سيد «براكان» … لقد أردت فقط أن أُقدِّم لك حركةً يابانيةً أقوى من تلك الحركات الجديدة التي تعلمتها!
مدَّ يده إلى «أحمد»، الذي جذبه في سرعةٍ، ثم رفعه في الهواء بقدميه، فطار فاتحًا ذراعيه، ثم نزل قريبًا من الشرفة.
ضحك «ويب» وهو يقول: حركةٌ بارعةٌ حقًّا، وإن كان الآخر قد أعطاه الأمان يا سيد «براكان».
قام «أحمد» وهو يقول: في اللعب، لا يوجد شيءٌ اسمه الأمان، هناك دائمًا نتيجة اللعب.
اقترب «بو عمير» وقال: لكننا لا نلعب الآن!
رفع «ويب» يده وهو يقول: لا بأس! لقد استمتعت بمباراةٍ قصيرةٍ طيبةٍ.
تقدَّم «ويب» حتى جلس في مقعدٍ ضخمٍ عند الشرفة، ثم قال: تفضَّلْ يا سيد «براكان».
عندما اقترب «أحمد» من «ويب»، كان «ويب» قد ضغط زرًّا صغيرًا لا يكاد يظهر. ولم تمضِ لحظةٌ حتى دخل «كاسيو» … أشار له إشارة جعلته يقترب من «بو عمير» ثم يأخذه إلى الخارج.
نظر «ويب» إلى «أحمد»، ثم قال: سيد «براكان»! تُرى هل التقينا من قبل؟
ابتسم «أحمد» وقال: لا أظن أننا التقينا يا سيدي! غير أنني سمعتُ كثيرًا عنك، وكنت أتمنى أن ألقاك!
هزَّ «ويب» رأسه في هدوءٍ، ثم قال: ما الذي تريده بالضبط؟
قال «أحمد» بسرعة: إنَّ أمامنا عمليةً ضخمةً سوف نقوم بها في إحدى الدول العربية، ونحتاج إلى معاونتكم.
نظر «ويب» إلى البحيرة الهادئة، ثم رفع سماعة تليفون بجواره، وقال: لحظة واحدة.
مرَّت برهةٌ، ثم تحدَّث في التليفون: نعم، فليدخلوا.
ما كاد يضع السماعة، حتى ظهرت «ريما» ثم «زبيدة» ثم «بو عمير» … كانت لحظة غريبة، فأيُّ خطأ فيها يوقع الشياطين جميعًا.
نظر «ويب» إلى الشياطين، ثم قال: اقتربوا، إننا في حاجةٍ إليكم.
اقترب الشياطين، ثم جلسوا بالقرب من «أحمد»، فنظر «ويب» إليهم جميعًا، ثم قال: هؤلاء أقوى رجالي، وقد استعنتُ بهم في أكثر من عملية، وحقَّقوا نتائجَ باهرةً … إنهم لا يحملون سلاحًا؛ إنَّ أسلحتهم في حركاتهم الرشيقة السريعة، غير أن أُجورهم مرتفعةٌ تمامًا.
نظر «أحمد» إليهم، ثم أشار إلى «بو عمير»، وقال: هذا لاعبٌ ماهرٌ جدًّا … ويمكن الاعتماد عليه.
ويب: الآخران لهما نفس المقدرة، غير أنَّ لهم زميلًا رابعًا خرج في مهمةٍ ولم يَعُدْ بعد، لكنه لن يتأخر طويلًا، فمتى تقومون بالعملية؟
أحمد: إنَّ هذا يتوقَّف على اتفاقنا؟
شرد «ويب» قليلًا، وظلَّت عيناه مُعلَّقتَين بسطح البحيرة الساكن … كان الشياطين يفكِّرون بسرعةٍ، إنَّ هذه فرصةٌ طيبةٌ يمكن أن يحقِّقوا فيها انتصارًا باهرًا، والتقت أعينهم بسرعةٍ، وعاد «ويب» ينظر إليهم، ثم ضغط الزرَّ الصغير بجواره، فدخل «كاسيو» فنظر له «ويب» قليلًا، ثم سأل: ألم يَعُدِ العضو الرابع؟
كاسيو: إننا في انتظاره، وأظن أنه لن يتأخر طويلًا.
ما كاد «كاسيو» ينتهي من كلامه، حتى كان «بو عمير» قد دار حوله في حركةٍ سريعةٍ … في نفس الوقت الذي قفز فيه «أحمد» وضرب «ويب» ضربةً مفاجئةً، قلبت الكرسيَّ الضخمَ الذي يجلس عليه … لم يتحرك «كاسيو» … كان يعرف أنه يمكن أن يُقتل ضربًا، فوقف وذراعاه متدليتان بجواره …
استعاد «ويب» جلوسه على الكرسي، فقد كان يتحرَّك بيايات، ثم انطلقت عدة طلقاتٍ من ذراعَي الكرسي، وكانت الطلقات بلا صوت، لكنها لم تُصِبْ أحدًا من الشياطين، فقد كانوا يقفون بعيدًا عن مَرْمَى الطلقات … غير أنَّ «كاسيو» كان يقف أمام الكرسيِّ بالضبط، فسقط قتيلًا. دار «ويب» بالكرسي الذي كان يتحرَّك في كل اتجاهٍ … في نفس الوقت الذي ظلَّت فيه الطلقات تنطلق، لكن الشياطين كانوا أسرع من حركة الكرسي، فقد انبطحوا أرضًا، فطاشتِ الرَّصاصات، وأسرع «بو عمير» فدار دورتين على الأرض، وفي حركةٍ سريعةٍ، ضرب «ويب» في وجهه بقدمه، فانثنى الكرسيُّ إلى الوراء، وفقد «ويب» سيطرته على الموقف … كانت «ريما» أسرع، فطارت في الهواء وسقطت خلف الكرسي، ثم تعلَّقت بعنق «ويب»، وضغطت عليه … غير أنه كان متين البُنيان، فمدَّ يديه إلى رأسها؛ ليمسك بها، إلَّا أنَّ «زبيدة» عاجلته بضربةٍ خُطَّافية أسفل ذقنه، جعلته يئنُّ وإنْ ظلَّ متشبثًا برأس «ريما». ورأى «بو عمير» أن يتدخَّلَ بسرعة، فضربه ضربةً جعلته يترك «ريما». أرسل «أحمد» رسالةً سريعةً إلى الشياطين، ولم يكد ينتهي منها حتى ظهر وجهان خلف زجاج الشرفة، كانا هما «خالد» و«رشيد» … أسرع «أحمد» يفتح الشرفة، فقفز الاثنان إلى الداخل، وكان «ويب» لا يزال يُعاني من النزيف الحاد بعد ضربة «بو عمير» … قال «أحمد»: ينبغي أن نُسعفه، وإلَّا مات. وقف الشياطين دون حَراك؛ فإنَّ خروجهم الآن يمكن أن يكشف موقفهم تمامًا. قال خالد: إن «أحمد» يمكن أن يُنقذَنا، فإنه يستطيع أن يدَّعيَ أنَّ خلافًا نشِبَ بين الاثنين «كاسيو» و«ويب» أدَّى إلى هذه النتيجة.
أسرع «أحمد» إلى خارج القاعة، وما كاد يتقدَّم حتى ظهر «رول» … كان يبتسم في قسوةٍ وهو يكشِّر عن أسنانه، وقال: إلى أين؟ إنني الزعيم الآن!
أظهر «أحمد» دهشته قائلًا: إنَّ الزعيم ينزف من آثار المعركة التي قامت بينه وبين «كاسيو»!
ضحك «رول» ضحكة جَلْجَلتْ في المكان، ثم قال: تشاجرا؟ ألا تدري أنكم مراقبون؟! لقد رأيتُ الموقعة كلها.
لم يكد «رول» ينتهي من جملته حتى كان يطير في الهواء إثر الضربة المفاجئة التي ضربها له «أحمد»، بينما كان الشياطين يقفون مُتحفِّزين لأيِّ هجومٍ … وقف «رول» وهو يمدُّ يده كالبرق ليسحب مسدسه، ثم أطلق طلقةً مُحْكَمةً، أصابت رأس «ويب» فانكفأ على وجهه، مصطدمًا بالأرض … ضحك «رول» وقال: هل رأيت؟ إنني الآن الزعيم هنا. أي حركةٍ، سوف أقتل صاحبها.
نظر «أحمد» إلى «ويب» الذي كان غارقًا في دمائه، ثم نظر إلى «رول» الذي قال: من مصلحتنا جميعًا أن نتفق … إنني أعرف أنك من عصابة «القصر الطائر»، وينبغي أن نضمَّ «الحزام الأسود» و«القصر الطائر»، حتى تكون لنا قوتنا. وهؤلاء؟ (أشار «رول» إلى الشياطين) … ثم أكمل كلامه: إنهم محترفون، لا يهمهم سوى أن يتقاضَوْا أتعابهم! إمَّا أن ينضمُّوا إلينا، أو ننتهيَ منهم.
نظر «أحمد» إلى الشياطين قليلًا … وفكَّر بسرعة: إنَّ هذه فكرةٌ طيبةٌ قدَّمها لهم «رول» دون أن يدري، ويجب استغلالها جيدًا.
نظر إلى «رول» وقال: فلنتفق إذن … ثم نظر إلى الشياطين وأكمل: وأنتم هل ستنضمُّون إلينا؟!
نظر الشياطين إلى بعضهم، ثم قال «رشيد»: نعم، بشرط أن نتفق على النسبة من البداية.
أسرع «رول» يقول: لا بأس … إنني موافق.
تقدَّم «رول» عدة خطوات، ثم جلس على أول كرسيٍّ قابله. كان مسدسه لا يزال مُصوَّبًا إلى الشياطين، وقال في هدوءٍ: إنني أعرف أن «براكان» قد اختلف مع «ويب»، ولهذا فإنني أتفق معكم. إنني لم أسمع ما دار من حديثٍ، لكنني شاهدت كلَّ شيء! ونحن يمكن أن نختلف الآن، ويكون مصيرنا مثل هذين.
صمت لحظة، ثم قال: يجب أن تجلسوا حتى نستدعيَ الآخرين ونتفق.
جلسوا جميعًا … وكان «رول» لا يزال يمسك بمسدسه. وقال ﻟ «رشيد»: اضغط الزِّرَّ الذي بجوارك.
ضغط «رشيد» الزرَّ … كان الشياطين ينتظرون وصول الآخرين؛ إنهم أفراد العصابة المقربون من الزعيم. بدأت أقدام تقترب، وظهر عددٌ من الرجال، كان يبدو عليهم الهدوء. اقترب أحدهم من «رول» ثم انحنى يتحدَّث إليه، لكنه فجأة غيَّر الموقف تمامًا …