مفاجأة غير متوقَّعة
ضربه على يده بقوةٍ، جعلت المسدس يقع على الأرض … وقبل أن يستطيعَ «رول» الحركة، كان الرجل قد ضرب المسدس بطرف حذائه، فابتعد عن يده، وتوقَّف عند قدمَي «خالد» الذي انحنى ليأخذه، إلَّا أنَّ طلقة رصاصٍ أبعدت المسدس مرة أخرى، وتراجع «خالد» مأخوذًا … تَحلَّق أفراد العصابة حول «رول» الذي لم يتحرك من مكانه.
نظر الشياطين إلى بعضهم، لقد عرفوا أنَّ العصابة سوف تقتل نفسها بنفسها؛ صراعًا من أجل الزعامة. ومرَّت لحظةُ صمتٍ … لم يكن أحد يتحرَّك من مكانه، ثم سمعوا وَقْعَ أقدامٍ تقترب. لحظة ثم تسمَّر الشياطين، لقد رأوا ما لم يخطر لهم ببال. التقت أعينهم عند جثة «ويب» المُلقى على الأرض، وظلَّت تنتقل بينها وبين الخطوات التي كانت تقترب، حتى توقَّفت بجوار «رول»، لقد كان القادم هو نفسه «ويب» الذي وضع يده في هدوءٍ على كتف «رول»، ثم ضحك ضحكةً خشنة، وقال: تمامًا كما فكرت يا سيد «باخ»، إنني أعرف أنك تتطلع إلى الزعامة … لكن … ليس بهذه السرعة! ونظر لمن حوله، ثم قال: أخرجوا الجثتين من هنا.
تقدَّم عددٌ من أفراد العصابة، فحملوا الجثتين «كاسيو» و«ويب» المزيف، ثم قال «ويب» الحقيقي: فلننتقل إلى مكانٍ آخر؛ إن هذا المكان يحمل رائحة الموت.
تراجع وغادر القاعة وظلَّ الرجال واقفِين … قال أحدهم: تقدَّموا أيها السادة.
فأخذ الشياطين طريقهم إلى نفس الاتجاه الذي مشى فيه «ويب»، ثم بدأ بقية الرجال يتحركون. كانت هناك طرقاتٌ كثيرةٌ متشعِّبة، ساروا طويلًا، وفي النهاية، توقَّفوا أمام بابٍ ضخمٍ كان مفتوحًا، ودخلوا منه إلى قاعةٍ واسعةٍ.
كان غريبًا أن تكون القاعة الجديدة مُشابهةً تمامًا للقاعة الأولى؛ نفس الأثاث، نفس الترتيب، حتى الشرفة، والبحيرة والمنظر الخلفي؛ حيث كانت الجبال تلتفُّ حول البحيرة … كان «ويب» يجلس في مقعدٍ مشابهٍ لمقعد القاعة السابقة، ونظر إليهم قليلًا، ثم تحدَّث: أيها الزملاء، إننا يمكن أن ننسى كلَّ ما حدث، وعلينا الآن أن نُعيد ترتيبَ أمورنا.
توقَّف لحظة، ثم قال: لقد فقدنا «كاسيو»، وهو أحد رجالي المخلصين، وفقدنا «سيلوني» الذي قام بدوري خيرَ قيامٍ، وراح ضحية أطماع «رول».
كان الرجال قد أعادوا «رول»، فجلس في هدوءٍ، وأكمل «ويب» كلامه: إنَّ اختلافنا يمكن أن يؤديَ بنا إلى الجحيم! فما معنى أن نتقاتل؟ … إننا نعمل من أجل هدفٍ واحدٍ، فلماذا لا نتَّفق عليه؟
صمت مرةً أخرى، ثم قال: إننا سوف نعقِد مؤتمرًا عند منتصف الليل، نناقش فيه أمورنا حتى ننتهيَ إلى وضعٍ يلائمنا تمامًا، وأنا سعيدٌ لانضمام الأعضاء الجدد إلينا، هل يعترض أحد؟ …
تلاقت أعين الموجودين جميعًا … ولم ينطق أحدهم بكلمةٍ، فوقف «ويب» وقال: إلى اللقاء إذن عند منتصف الليل … في نفس المكان.
وتقدَّم بخُطًى هادئةٍ بطيئةٍ، حتى وصل إلى باب القاعة، ثم التفت إلى الشياطين وقال: إنني أُرحِّب بكم. ثم انصرف، وحوله بعض الرجال، ثم أخذ أعضاء العصابة ينصرفون واحدًا واحدًا، حتى لم يبقَ سوى الشياطين و«رول» الذي عرفوا الآن اسمه الحقيقي «باخ»!
اقترب «أحمد» من «باخ» وقال: لقد خدعتنا يا سيد «باخ»! لقد تمنَّيْتُ أن أتعاون معك!
لم يردَّ «باخ» مباشرة، فلقد كان يبدو مأخوذًا … بعد فترةٍ رفع رأسه إليهم وقال: إنني لا أصدِّق ما يحدث! لقد قتلت «ويب»، فكيف عاد؟!
بو عمير: لقد حملوه أمامنا، يبدو أنه أجاد تمثيل دَوْره جيدًا!
نظر الشياطين إلى «أحمد» نظرةً سريعةً، فقال «أحمد»: إنه فعلًا أجاد دوره، وأتقن مكياجه تمامًا!
تنفَّس «باخ» بعمقٍ، ثم قال وهو يقوم من مكانه: إنني لا أصدِّق ما حدث! لقد مات «ويب» الحقيقي! إنني أشكُّ في هذا الرجل.
ثمَّ ألقى «باخ» نظرةً على الشياطين، ثم قال: سوف نرى، إن المسألة ليست بعيدةً.
نظر في ساعة يده، ثم قال: باقٍ ساعتان، إنَّ الوقت يجري. ثم استدار ومشى مُتمهِّلًا، حتى خرج من القاعة.
أخذ «أحمد» مكانًا منفردًا، وجلس بعيدًا عن الشياطين، ثم تحدَّث إليهم بطريقة الدقَّات: يجب أن يكون «خالد» و«رشيد» وحدهما، و«بو عمير» و«ريما» و«زبيدة» وحدهم أيضًا؛ حتى لا ينكشف أمرنا … سوف نُنفِّذ الخطة «م. ق» عندما يتمُّ الاجتماع …
تفرَّق الشياطين، ولم تمرَّ لحظة حتى سمعوا صرخةً جعلتهم ينظرون في اتجاه الباب، وفكَّر «أحمد» بسرعةٍ، ثم أشار للشياطين أن يبقوا في أماكنهم، وتقدَّم هو في اتجاه الباب ثم اختفى. كان الشياطين متحفِّزين لأيِّ حركةٍ تحدُث، وغاب «أحمد» قليلًا، ثم عاد ونظر إليهم، وبطريقة الإشارة قال لهم: لقد قتلوا «باخ».
كان الوقت يمرُّ بطيئًا … وكان الشياطين يتصرَّفون بحذرٍ حتى ظهر أحد الرجال، ثم اقترب من «أحمد» وانحنى أمامه قائلًا: السيد «ويب» يُرسل لك تحياته، ويسأل إنْ كنتَ تطلبُ شيئًا؟
فكَّر «أحمد» قليلًا ثم قال: انقُل تحياتي وشكري للسيد «ويب» … إنني أريد النزول إلى الحديقة بعض الوقت.
قال الرجل: تفضَّل يا سيدي.
عندما وقف «أحمد» أسرعت إلى تفكيره خاطرةٌ: هل تكون هذه طريقة للتخلُّص منه على طريقة «باخ»؟
كاد يتراجع، لكنه خشيَ أن ينكشف، فاستمرَّ في طريقه حتى خرج. كانت حديقة القصر مُتَّسعة تمامًا، وظلَّ «أحمد» يتجوَّل فيها، حتى اطمأن إلى أنه أصبح بعيدًا، فوضع يده على جهاز الإرسال وأرسلَ رسالةً إلى رقم «صفر»: «من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر»، الصقور سوف تلتفُّ حول الفريسة … نفكر في الطريقة «م. ق».»
وبسرعة جاءه الرد: «من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» … إنها نفس الطريقة التي ستُتخذ الليلة، الصقور أصبحت فريسةً. «ويب» رجلٌ طيبٌ.»
أدهشت الرسالة «أحمد» وظلَّ يفكِّر فيها، ماذا يعني «ويب» رجلٌ طيب؟ هل هو أحد عملاء رقم «صفر»؟ لحظة ثم جاءته رسالةٌ أخرى: «من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»، الوليمة ستكون طيبة.» ما إن ترجم الرسالة حتى مرَّت بجوار أذنه طلقةُ رَصاصة، فنظر حواليه في دهشة، إنهم سوف يتخلَّصون منه على طريقة «باخ» كما توقَّع، وقد يتصرَّفون بنفس الطريقة مع بقية الشياطين.
أرسل رسالةً سريعةً إلى الشياطين: «ماذا عندكم؟» … وجاء الرد: «لا شيء!» … كل شيءٍ هادئٌ … أدهشه الرد! ماذا يحدث هنا إذن؟ وسمع طلقةً أخرى أصابت ساق الشجرة التي يجلس بجوارها. حاول أن يحدِّد المكان الذي جاءته منه الرَّصاصة، غير أن رصاصةً أخرى أصابت المقعد الذي يجلس عليه، فقال في ثقةٍ: إنها خطةٌ جديدة للقتل!
قام من مكانه، ثم سار قليلًا. لحظة، ثم غيَّر اتجاه سيره، وتوقَّف. دوتْ طلقةٌ عند طرفَي حذائه، فأخذ طريقه بسرعةٍ إلى باب القصر، غير أنه توقَّف مرة أخرى؛ ليرى ماذا سوف يحدث، وظلَّ واقفًا لفترةٍ، إلَّا أنَّ شيئًا لم يحدث، فمدَّ يده يقطف وردةً حمراء أعجبته، إلَّا أنها سقطت قبل أن تصل يده إليها؛ بسبب طلقة رصاصة، فقال في نفسه: لا بُدَّ أنه «ويب» الذي يفعل ذلك، ترى مَن الذي يستطيع التصويب بهذه الدقة؟! أو ربما كان لديه أمهر الرماة … لكنه سار في الحديقة في خطوطٍ متعرجةٍ حتى يستطيعَ أن يكتشفَ مصدر الرَّصاص. ثم توقَّفت الطلقات وعاد هو مرةً أخرى إلى حيث باب القصر.
ورفع يده ينظر في الساعة، وكانت قد جاوزت العاشرة بقليل، فكَّر قليلًا، ثم قال لنفسه: يجب أن أُحذِّر الشياطين. ووضع يده على جهاز الإرسال وأرسل الرسالة: لا يجب أن تبرحوا مكانكم، هناك خطةٌ للتخلُّص منا.
جاءه الردُّ سريعًا: إننا في الجهة اليمنى من الحديقة. كلُّ شيءٍ هادئٌ. فأرسل لهم رسالةً أخرى يشرح فيها ما حدث … جاءه الرد: هل نلتقي؟
فكَّر قليلًا: إنَّ اللقاء يعني أن نُصبح كتلةً واحدةً، ولا شكَّ أننا مرصودون تمامًا. ولم يردَّ على الرسالة مباشرة، وأخذ طريقه إلى باب القصر. عندما اقترب منه، كان «ويب» يخرج إلى الحديقة، وبجواره بعض الرجال. ابتسم «ويب» وهو يُشير إلى «أحمد»: أيها الزميل «براكان» … هل تنضمُّ إلينا؟
شعر «أحمد» أنها فرصةٌ لا يجب أن تفوت، وأسرع في اتجاه «ويب» قائلًا: أهلًا بالسيد «ويب»!
ابتسم «ويب» وقال: أهلًا «براكان»، ما رأيك في حديقة القصر؟
أحمد: إنها رائعةٌ بلا شك!
أشار «ويب» إلى الرجال، فانصرفوا … أخذا يتحدَّثان في أشياءَ كثيرة، ولفت نظر «أحمد» أنَّ «ويب» يتحدث كثيرًا عن المغامرات، وعن المنطقة العربية، ويخصُّ دائمًا فِلَسطين بكلامٍ كثيرٍ … سأله «أحمد»: هل زرتَ فِلَسطين؟
ويب: في بعض العمليات.
أخذ «ويب» يغنِّي ﻟ «أحمد» أغنياتٍ فِلَسطينيةٍ بلُغةٍ ركيكة … ثم قال في النهاية: إنني أتحدَّث العربية قليلًا. ثم أعقب ذلك بضحكة عالية.
تردَّد «أحمد» أمام هذه الضحكة … إنه يذكر صوتًا مماثلًا يضحكها … أخذ «ويب» يتحدَّث بالعربية الركيكة وقال: قلْ لي … متى نبدأ العملية؟
انتظر «أحمد» قليلًا ثم قال: عندما نتفق، سوف نبدأ ترتيبها مباشرة.
ويب: هل قرَّرت الانضمام إلينا؟
أحمد: إنني لا أستطيع أن أترك جماعتي … إنَّ «القصر الطائر» لها وجودها المعروف!
هزَّ «ويب» رأسه، ثم استغرق في التفكير. فجأة سأل «أحمد»: ما رأيك في المجموعة؟
لم يُجِبْ «أحمد» مباشرةً بل انتظر قليلًا … ثم سأل: أي مجموعة؟
ويب: مجموعة اﻟﺸ …
غير أنه لم يُكمل كلمته، فقد انهمرت طلقات الرَّصاص كالمطر.