من هو الزعيم الحقيقي؟
دفع «ويب» «أحمد» وهو يقول: انبطحْ أرضًا! انبطح الاثنان، وزحف «أحمد» حتى اختفى خلف جِذع شجرة. لم تتوقف طلقات الرصاص، فأرسل رسالةً سريعةً إلى الشياطين: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»، يبدو أننا دخلنا معركة لم تكن مُتوقَّعة، تصرفوا …»
كان يشغل «أحمد» في هذه اللحظة تلك الكلمات التي لم يُكملها «ويب»، فماذا يعني ﺑ «مجموعة اﻟﺸ»؟ هل يعني ﺑ «مجموعة الشياطين»؟
زحف في حذرٍ حتى اقترب من «ويب»، وقال: هل حدث تمرُّد في العصابة؟
ويب: إنني حتى الآن لا أدري ماذا حدث؟
ظلَّا صامتَيْن لفترة … ثم قال «أحمد»: إنَّ المجموعة التي سألتني عنها قد تكون هي السبب!
نظر له «ويب» لحظة، ثم قال: تقصد مجموعة الشباب؟
عرف «أحمد» أنه لم يكن يقصد مجموعة الشياطين، فقال: نعم.
ويب: لا أظن؟
تناقصت طلقات الرَّصاص شيئًا فشيئًا، حتى توقَّفت تمامًا، وأصبح الصمت ثقيلًا … وسط ظلام الليل، كان الصمت يُنبئ بأنَّ شيئًا سوف يحدث، فبدأت أصوات أغصان الشجر ترتفع في المكان، ثم بدأ يتساقط المطر خفيفًا، لكنه اشتدَّ بعد ذلك، فأصبح كالسَّيْل. شعر «أحمد» بالمياه تتسرَّب إليه. قال «ويب»: يجب أن نزحف إلى مكانٍ آخر، وإننا نكاد نموت من البرد هنا.
كانت درجة الحرارة قد انخفضت تمامًا، فزحف الاثنان في اتجاه باب القصر. لمعت من بعيدٍ عدة لمبات مُضاءة. قال «ويب»: لقد خفضوا ضوء القصر!
لم يكد يُنهي جملته، حتى لمعت عدة كشافاتٍ قويةٍ، جعلت الليل كالنهار … كانت خيوط مياه المطر تبدو واضحةً وكأنها حدود سياسية فوق خريطة لإحدى الدول … فكَّر «أحمد» أن يُرسل رسالةً إلى الشياطين ليعرف ماذا يدور عندهم، لكنه خشيَ أن يكتشف «ويب» ذلك. قال: ينبغي أن نزحف متباعدَين، حتى لا يعثروا علينا.
ابتعد «ويب» وكانت هذه فرصة ليرسل «أحمد» رسالة. أرسل الرسالة: ما الموقف عندكم؟ جاءه الرد: إننا نزحف إلى القصر … وسوف ندخله … إن «رشيد» في الطريق إليك. لم تكد تنتهي الرسالة حتى كانت هناك دقاتٌ معروفةٌ تصل إلى «أحمد»، وعرف أنَّ «رشيد» قد اقترب منه، فردَّ بنفس الدقات. لحظة، ثم ظهر «رشيد»، فاقترب منه ثم قال: إنها مسألةٌ غير مفهومةٍ. وظلَّا يزحفان حتى اقتربا تمامًا من القصر. كانت الأضواء لا تزال تملأ الحديقة … ثم فجأة انهمرت طلقات الرَّصاص مرةً أخرى، وكانت طلقاتٍ مكتومةَ الصوت، ولم يكشفها سوى اصطدامها بجذوع الأشجار أو أغصان الشجر … لمح «أحمد» «ويب» يدور عند زاوية القصر، فأشار إلى «رشيد»، ثم أخذا نفس الاتجاه، وما كادا يصلان إلى نفس الزاوية، حتى أُطفئت الإضاءة، وغرق كلُّ شيءٍ في الظلام، وتردَّدت طلقات الرَّصاص المكتومة وتردَّد معها صوت الصرخات.
أرسل «أحمد» رسالةً إلى الشياطين: أين أنتم؟
جاءه الرد: نحن داخل القصر … لقد أطفأنا الكشافات … إننا بجوار القاعة الرئيسية.
أسرع «أحمد» و«رشيد» إلى باب القصر، وكان هناك حارسان وقفا وقد شرعا مدافعهما الرشاشة … فتقدَّم الاثنان بجوار حائط القصر، وبحث «أحمد» عن حَجَرٍ صغيرٍ حتى وجده، فقذف به بعيدًا بين الحارسَيْن … فانطلقت طلقات الرَّصاص منهما في اتجاه الحَجَر. بحث «أحمد» عن حَجَرٍ آخر وقذفه بعيدًا في اتجاه مختلفٍ، فدار الحارسان، وهما يُصوِّبان في اتجاهه، وهكذا أصبح ظهراهما ناحية «أحمد» و«رشيد». قفز الاثنان في لحظةٍ واحدةٍ، وضربا الحارسَين، في نفس الوقت، وقع الحارسان على الأرض، وأصبح كلٌّ منهما تحت رحمة واحد من الشياطين … ضرب «أحمد» الحارس المُلقى أمامه ضربةً جعلت الحارس يئنُّ … في نفس اللحظة، كان «رشيد» يضرب الحارس الآخر ضربة «مخلب الدب»، فتفجَّرت الدِّماء من صدره.
استولى الاثنان على الرشاشات، بعد أن تركا الحارسَين فاقدَي الوعي، وتقدَّما إلى القصر. كان الصمت يلفُّ كل شيءٍ، فأرسل «أحمد» رسالةً إلى الشياطين: أين أنتم الآن؟
وجاءه الرد: نحن في القاعة الرئيسية. معنا بعض الذين قبضنا عليهم. هناك أعدادٌ أخرى داخل القصر.
تقدَّم «أحمد» و«رشيد» حتى وقفا عند عمود رخامي ضخم … قال «أحمد»: ينبغي أن نُضيء القصر، إننا في حاجةٍ إلى وضوح الرؤية. ثم أرسل برسالة إلى الشياطين بهذا المعنى. لحظة، ثم غرق القصر في الضوء.
لم يكن أحد ظاهرًا، فأطلق «أحمد» دفعة طلقات من الرَّصاص، تردَّد صوتها المكتوم داخلَ القصر، ثم تردَّدت أصواتُ طلقاتٍ أخرى … عرَفَ «أحمد» مصدر الطلقات فقال: ينبغي أن نتجه إلى هذا الاتجاه.
تقدَّم الاثنان في حذرٍ، غير أنَّ مجموعة من الطلقات تطايرت حولهما، فانبطحا خلف أحد الأعمدة التي تزدحم بها القاعة، انبطحا خلفها مباشرة، فتردَّدت طلقاتٌ أخرى في اتجاههما تمامًا، إلَّا أنها اصطدمت بالعمود، وسمعا وقع أقدامٍ تقترب في حذرٍ. حدَّدا مكانها، وكانت تأتي من خلفهما، فزحفا إلى عمود آخر، ثم اختفيا خلفه، وظهر رجلٌ ضئيلُ الحجم، وحوله بعضُ الرجال الأشِدَّاء … كان يتحدَّث بصوتٍ رفيعٍ كأنه الطفل. وقال: ماذا يحدث هنا؟ إنها مهزلةٌ!
بدأ الرجال يظهرون … وقال واحد منهم: لقد فلت الزمام أيها الزعيم! نظر «أحمد» إلى «رشيد» الذي امتلأ وجهه بالدهشة، فصرخ الرجل بصوته الرفيع: أين «ويب»؟ أين «كاسيو»؟
أحد الرجال: لقد قُتلا يا سيدي.
الزعيم: قُتلا كيف؟ مَن قتلهما؟ لقد سلمت «ويب» الزعامة أثناء عمليتي الأخيرة في «سنغافورة»، من الذي جرؤ وقَتَله؟
الرجل: «باخ»!
صرخ الزعيم: «باخ»؟ أين هو؟
الرجل: قُتل هو الآخر أيها الزعيم!
كان الشياطين يستمعون إلى هذا الحوار، وهم لا يُصدِّقون ما يحدث … تقدَّم الزعيم في خُطًى عصبيةٍ وهو يقول: هذه أول مرة يُخطئ فيها «جيم» زعيم عصابة «الحزام الأسود»، لقد تصوَّرتُ أنني قد ضيَّعتُ عداوتهم القديمة! اجمعوا لي الرجال.
أخذ طريقه إلى القاعة الرئيسية، ثم اختفى داخلها. فجأة ظهر «ويب»، فتسمَّر أعضاء العصابة، الذين كانوا موجودين في هذه اللحظة. تقدَّم «ويب» إلى القاعة الرئيسية ثم دخل، وفي نفس اللحظة تقدَّم «رشيد» و«أحمد» إلى نفس الاتجاه، وكان الموقف هادئًا تمامًا. اتَّجه إلى باب القاعة، وشاهد «جيم» يجلس على المقعد الضخم وعلى وجهه علامات الدهشة.
قال «جيم»: «ويب»! لقد قالوا إنك قُتلت!
ويب: ليس بعد أيها الزعيم «جيم».
ظهرت ابتسامة على وجه «جيم»، وأخذت تتسع، حتى تحوَّلت إلى ضحكةٍ رفيعةٍ طويلة … قال في نهايتها: إذن … إن «جيم» لا يُخطئ أبدًا!
لمح الشياطين حركةً رقيقةً خلف ستائر القاعة، فعرَفا أنَّ بقية المجموعة قد اختفت خلف الستائر، ونظر «جيم» إلى «أحمد» و«رشيد» اللذين كانا يقفان عند الباب … وسأل: من هذين؟ نظر «ويب» إليهما، ثم قال: السيد «براكان» … عضو عصابة «القصر الطائر» جاء يطلب مساعدتنا في عمليةٍ كبيرة.
هزَّ «جيم» رأسه، ثم قال: لا بأس … والآخر؟
ويب: إنه زميلٌ انضمَّ إلينا مؤخَّرًا.
انحنى «ويب» على أذن «جيم»، فرفع «جيم» يده يطلب من الحُرَّاس الانصراف، فخرج الحُرَّاس وأخذوا يتفرَّقون من القاعة … أشار «ويب» إلى «أحمد» و«رشيد»، وقال: تقدَّما؛ إننا في حاجةٍ إلى مناقشة عملية السيد «براكان»!
تقدَّم الاثنان في هدوءٍ حتى اقتربا، وعندما جلسا بجوار «جيم» و«ويب»، قال «جيم»: هل ناقشتهما في العملية؟
ويب: إن الأحداث الأخيرة لم تُعطني الفرصة لذلك! لكننا نستطيع أن نناقشها الآن.
هزَّ «جيم» رأسه، واستغرق في التفكير بعضَ الوقت … في نفس اللحظة، كان عددٌ كبيرٌ من أعضاء العصابة قد وصل، وبدأ الأعضاء يدخلون القاعة، وهمس «ويب» في أذن «جيم»: ينبغي أن ينتظروا قليلًا في القاعة الأخرى، لقد تأخَّر الوقت بالسيد «براكان».
أصدر «جيم» أمره بالانتظار في القاعة الأخرى، عندما انسحب الرجال … ضغط «جيم» على زرٍّ بجواره، فأُغلقت الأبواب، وخفت الضوء، ونظر إلى «أحمد» وقال: حتى لا يرصدنا أحدٌ … ولا يسمع ماذا نقول.
لم يكد ينتهي «جيم» من كلامه، حتى كانت يد «ويب» قد طارت في الهواء، وضربته ضربةً قاتلةً، جعلته يهتزُّ في كرسيِّه، ثم عاجله بلكمةٍ قويةٍ، جعلت الدماء تسيل من فمه … وكانت هذه فرصة لينفِّذ الشياطين الخطة «م. ق» … أسرع «رشيد» في حركةٍ عنيفةٍ … ثم ضرب «ويب»، إلَّا أنه استطاع أن يتفادى الضربة … وهو يقول: إنني «باسم»! وخلع القناع الذي يلبسه، فظهر «باسم» … أسرع «رشيد» فأوثق «جيم» ونقلوه إلى خلف الستائر، فخرج الشياطين، وقال «باسم»: سوف أشرح لكم فيما بعد. ثم لبس القناع مرةً أخرى وقال: سوف أحضُر اجتماعَ القاعة الثانية.
أرسلوا رسالة إلى رقم «صفر» للتصرُّف، وبينما أسرع «باسم» إلى القاعة كانت الرسالة تأخذ طريقها إلى رقم «صفر».
دخل «باسم» القاعة وهو يلبس قناع «ويب» ثم قال بصوت هادئ: سوف نتحدَّث حتى ينتهيَ الزعيم من الاتفاق مع السيد «براكان»، ثم ينضمُّ إلينا.
بدأ أفراد العصابة يتحدَّثون فيما حدث ﻟ «كاسيو» و«باخ»، ثم فجأة فُتح باب القاعة وظهر رجال الشرطة الدوليُّون، وتقدَّم قائد الشرطة من «باسم» وحيَّاه، فخلع «باسم» القناع، ثم وقف يُحيِّي الأعضاء: تحيتي إليكم أيها السادة، إنَّ الزعيم «جيم» في السجن الآن.
عندما انتهى «باسم» من كلماته وأخذ طريقه إلى الخروج، كان الشياطين يقفون عند باب القاعة، فتقدَّموا جميعًا، وكان المطر قد توقَّف.
وعندما ركبوا السيارة، شرح لهم «باسم» خطة رقم «صفر» بعد أن وصلته كلُّ المعلومات عن طريق العملاء. أمَّا الخطة رقم «م. ق» فهي خطة «مذبحة القلعة»، تلك التي نفَّذها «محمد علي» مع المماليك.
كان الليل يُخيِّم على كلِّ شيءٍ، بينما السيَّارة تأخذ طريقها إلى «برن» حيث يستريح الشياطين الليلة في مقرِّهم السري، في انتظار مغامرة أخرى …