الفصل الثاني

الأسئلة العشرة١

[سُئل سونبين حول طرق استخدام القوات في القتال، فدار مع محدثه الحوار التالي:]

ألقى أحد الخبراء العسكريين سؤاله قائلًا: «إذا تساوت درجة الاستعداد بين القوتين [قواتنا والعدو]، بما في ذلك مخزون الحبوب واحتياطي الغذاء وقوة التسلُّح وطاقة القتال، والتأهُّب والحذر، حتى قام العدو بحشد أقوى تشكيلاته (على النمط الدائري) استعدادًا للاشتباك مع قواتنا، فكيف يمكن قهره والتغلُّب عليه؟» فأجاب (سونبين) قائلًا: «إن مواجهة مثل هذا العدو تتطلَّب تقسيم القوات إلى أربع أو خمس فِرَق، تدخل في اشتباك سريع ثم تتراجع على الفور، متظاهرة بالارتداد والانسحاب، فتلحق في إثرها قوات العدو، إذ تطمئن أنها قصدت الفرار، لكنها تكون بذلك قد تخلَّت عن ترتيب صفوفها على النسق المبين، وينفرط الْتِئام تشكيلها الدائري، وعندئذٍ، تحتشد الفرق الأربع أو الخمس التي يتكوَّن منها جيشك وتدخل في اشتباك معها لتنتزع النصر، فتلك هي الطريقة التي تستطيع بها أن تضرب تشكيلًا دائريًّا.» فسأله السائل، قائلًا: «فماذا إذا كانت قواتنا — وهي في مواجهة حاسمة مع العدو — أقل منه عدة وعتادًا وأضأَل عددًا، وأوهن طاقة ومقدرة، ثم إذا بها تفاجأ بعدو يباغتها بتشكيل قتال من النمط المربع، فكيف السبيل — ساعتئذٍ — إلى مواجهته ودحره؟» فأجابه (سونبين) قائلًا: «في مثل هذا الموقف يمكن استخدام أسلوب القتال المشتت، بحيث تُجبر العدو على بعثرة صفوفه وتفريق حشوده، وذلك بالتظاهر بالانخذال أمام هجماته، على أن تسارع بالالتفاف على أجنابه ومؤخرة قواته، دون أن يفطن إلى حقيقة نواياك، فتلك هي الوسيلة إلى مواجهة تشكيلاته المربعة.» وسأله السائل، قائلًا: «فماذا إذا الْتَقى الجيشان وقد اتخذا أهبتهما للقتال، وكان جيش العدو أقوى وأمضى وأشد بأسًا وضراوة، خصوصًا إذا كان قد أعدَّ قواته في نمط قتالي (يسمى ﺑ) «التشكيل النافذ»؟ فكيف السبيل إلى ضربه والتغلُّب عليه؟» فأجابه: يتطلَّب الأمر لمهاجمة مثل هذا التشكيل أن تقوم بتقسيم قواتك إلى ثلاث فرق، فتقوم إحداها [بالوقوف بالعرض] باعتراض القوات المعادية، بينما تسارع الفرقتان الأخريان [فراغ] [ورد مكان النقط، في إحدى النسخ المحققة، العبارة التالية: «بمحاولة تشتيت صفوف العدو، وذلك بمهاجمة أجنابه …»]، فيصاب قادته بالارتباك ويقع في قلب جنوده الرعب، وإذ يحل الاضطراب بقواته وتتخلله الفوضى، فالهزيمة قدره الذي لا مفر منه، فتلك وسيلة لمهاجمة أمضى التشكيلات، من ذلك النوع المسمَّى ﺑ «التشكيل النافذ»، فكان سؤال السائل: «فهب أن قواتنا التقت بجيش العدو، فإذا هو أوفَر عددًا وعتادًا، ثم فوجئت به ينشر قواته في تشكيل مستعرض [اعتراضي]، فكيف السبيل إلى التغلُّب عليه، خصوصًا إذا كانت قواتنا أقل منه عددًا (وهي — مع ذلك — تتطلَّع إلى مواجهته بكل اعتداد)؟» وجاءت الإجابة: «لمواجهة عدو على تلك الشاكلة، فعليك أن تقسم القوات إلى ثلاث فرق تتكوَّن أولاها من أشجَع وأمهر المقاتلين، وتستميت الفرقتان الأخريان في الدفاع عن خطوط الجبهة، وتقوم في الوقت نفسه بحماية العمليات التي تهدف إلى تشتيت قوة وطاقة العدو، بينما تنطلق الفرقة المكونة من أشجع المقاتلين إلى قلب قوات العدو مباشرة، فتوقع به الاضطراب، فيختل توازن صفوفه، وتدور عليه الدائرة، فتلك وسيلة ناجعة لدحر قوات العدو والفَتْك بقادتها.» ثم سأله، قائلًا: «فكيف إذا الْتَقت قواتنا ذات العدد الأوفَر من المشاة (لكن بعدد أقل من المركبات والفرسان) مع قوات تملك عشرة أضعافنا من العربات والخيَّالة، هل ترى وسيلة لقهرها والانتصار عليها (برغم ذلك)؟» فأجابه: «أرى أنه ينبغي — في مثل ذلك الموقف — أن يجري الاستيلاء على مناطق ذات أهمية [استراتيجية] فائقة، على أن تتجنَّب الأرض السهلية المنبسطة والمساحات العريضة المكشوفة؛ لأن التواجد في تلك البقاع يجعلها صيدًا سهلًا بالنسبة لقوات العدو، ثم إن الأماكن المنيعة ذات الأهمية، تُعد أنسب وأصلح المواقع لقوات المشاة، فتلك هي الطريقة المناسبة للتغلُّب على عدو يملك العدد الوافر من المركبات والفرسان» وسأله: «فكيف يمكن مقاومة عدو يزيد عدد مشاته بمقدار عشرة أضعاف عمَّا لدينا، علمًا بأننا نتفوَّق عليه في عدد المركبات والخيَّالة؟» فأجابه: «أهم نقطة في مسألة مواجهة مثل هذا العدو، هي تجنُّب الأماكن المنيعة، بحيث يبقى هناك مخرج ما [كذا] ويتم استدراج العدو إلى الأماكن الفسيحة ذات الطبيعة الأرضية المنبسطة المفتوحة، فهنالك تدور الاشتباكات معه، ومهما كانت قوات مشاته تبلغ أضعاف ما في صفوفنا، فسنستطيع أن نستغل قدرة وطاقة مركباتنا وفرساننا في القضاء على العدو، فتلك طريقة لمواجهة تشكيل تكثر فيه قوات المشاة.» فسأله: «فماذا إذا كان العدو أكثر منا عددًا وأوفَر عدة وأغزَر احتياطًا من الحبوب والمُؤَن وأقوى رجالًا وعتادًا، كيف نصمد في مواجهته، بل نتفوَّق عليه ونهزمه؟» فأجابه: أرى أنه ما دام العدو قد استغل ميزة تحصنه بمواقع منيعة، فيجب علينا أن [فراغ]، ومن ناحية أخرى نستقصي نقاط ضعفه لننفذ منها إلى مهاجمته، بمعنى أن [فراغ]، فتلك طريقة [فراغ] [في نسخة محققة أخرى من الكتاب، وردت عبارات تامة مكان الفراغات الخالية المذكورة آنِفًا، وذلك على النحو التالي: …] (فأجابه: «إذا كان مطلوبًا مواجهة عدو يحتل مواقع حصينة فوق أرض منيعة، فليس أمام قواتنا إلا أن تبحث عن كل الفرص الممكنة لاستغلال ثغرات في نقاط ضعف لدى العدو، فتنفذ منها لشن الغارة عليه، فتلك هي طريقة الهجوم على مواقع منيعة ذات أهمية حيوية.») فسأله: «فكيف إذا الْتَقت قواتنا بعدو شديد البأس جريء النزعة، تتحرَّك قواته بإرادة قوية وعزم جبار (كالصخر والحديد) تحت قيادة ذائعة الجرأة والبسالة، ماضية إلى أهدافها عازمة على الفداء والتضحية، لا يردها شيء عن ذلك، [حرفيًّا: لا يردها نداء (كذا)] تدوس في طريقها المقاطعات والأقاليم، وليس من مناوئ لها، أترى هناك وسيلة لمواجهتها والتغلب عليها؟» فأجابه: «إن مواجهة مثل هذا العدو تقتضي أولًا أن تنقل إليه الظن بأنك أقل كثيرًا وأضعف من أن تتكافأ مع قوته، وتتخذ مظهر الخضوع لإملاءات سطوته، بينما تعمل (خفية) على ترقب الفرص السانحة للاشتباك معه، وهكذا، فأنت حين تلقي في روع العدو جدارة إحساسه بالزهو، توقع به في شَرَك الدعة والركون إلى التكاسل وتحجب عنه التعرُّف إلى نوايانا، ثم تباغته بهجومك، مع التركيز بقوة على نقاط ضعفه (واعلم) أن عدوًّا يركبه غروره، سيفقد حاسة الحذر والانتباه [حرفيًّا: يفقد الصلة بين طليعته ومؤخرة قواته] ومهما بلغت به الجرأة والبأس، فلن ينتبه إلى ما تفاجئه به من هجوم على مركز تجمعاته فتقطع ما بين أول زحفه وآخره، فتلك هي الوسيلة إلى إبراز نقطة ضعفه، وتبديد طاقته، والاستزادة من قوة الاندفاع نحوه بمدد يقوِّي البأس ويمنح الغلبة.» وسأله: «وكيف إذا كان الجيشان قد أعدا العدة للاشتباك، وتحصن جيش العدو بجبال منيعة، تبعد عن مواقع جيشنا بمسافات طوال، فإذا اقتربنا منه، انكشفنا وأصبحنا في مرمى سهل، وإذا بقينا، كما نحن، امتنعت عنا فرص مهاجمته، أترى هناك وسيلة لمواجهته وهزيمته؟» فأجابه: «لما كان العدو — في مثل هذه الحال — يرابط في أماكن جبلية منيعة، فقد [فراغ]، فلا بد أن نجبره على التخلِّي عن الشعور بالأمان، وأن نفرض عليه الإحساس بأنه ما زال محفوفًا بالمخاطر، وليكن الهجوم على الأماكن التي يعدها ملاذه الأخير أو سنده المنقذ وقت الحاجة، بحيث يضطر إلى مغادرة مواقعه الحصينة، وعندئذٍ، فلا بد من عمل تقديرات سريعة للتنبؤ بالمواقع والخطط التي سيلجأ إليها، وعمل الكمائن اللازمة وإعداد وتوزيع القوات اللازمة لذلك، على أن تتم مهاجمة العدو وهو على طريق تحركه، فهذه وسيلة ناجعة لضرب العدو وهو متحصِّن بأرض ذات تضاريس منيعة.» فسأله: «فانظر إذا أخذ الجيشان أهبتهما للقتال، وأعدَّا تشكيلاتهما القتالية لذلك الغرض، فإذا بتشكيل العدو يتخذ هيئة المجرفة، قاصدًا إلى القضاء التام على قواتنا، فما الذي نستطيعه عندئذٍ، وبأي وسيلة نصمد له ونقضي عليه؟» فأجابه: إن مواجهة العدو — بموجب ذلك التشكيل — يقتضي منك السهر [حرفيًّا: السهر دون طعام أو شراب] لتستفرغ كلَّ طاقتك في إعداد وتجهيز ثلثي قواتك لضرب مركز ثقل وقوة العدو، وعندئذٍ، فلا بد أنه [فراغ]، تعمل على اختيار أمهَر المجموعات القتالية ثم تهاجم بها أجناب العدو، [فراغ] وتُوقع الهزيمة بقواته [في نسخة أخرى محقَّقة من الكتاب، وردت هذه الفقرة، على النحو التالي …] «ثم تنتخب أفضل المقاتلين لتهاجم بهم أجناب العدو، على أن تعمد فيما بعد على التعمية عليه بأن توقع في ظنِّه أنك قد أوشَكْت على الوقوع تحت تطويقه، وإذ ينغمس في ذلك الظن، يُفاجَأ بالقوات في انتظاره لتكيل له الضربات. فتلك هي طريقة مواجهة التشكيل القتالي الذي يكتسح ميادين القتال كالمجرفة.»

***

[جرى تذييل هذا الفصل في إحدى النسخ بالرقم «سبعمائة وتسعة عشر»، ولا تُعرف مناسبة أو دلالة ذلك الترقيم.]

١  يتناول هذا الفصل عدة أسئلة حول مقارنات بين مدى قوة الأطراف المتحاربة مقابل بعضها بعضًا، مع ذكر مختلف وسائل القتال في ظِلِّ ظروف متباينة، وهي في مجموعها تبلغ عشرة أسئلة محدَّدة، فمن ثَمَّ، كان العنوان بالصينية «الأسئلة العشرة» مقابل ما تطرحه بعض النسخ من عناوين أخرى، مثل: «أسئلة حول فن الحرب».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤