دكتاتورية دياب وأسْر سعدى
وكما رأينا، فإن بذور الشقاق بين اليمنيين الجنوبيين والقيسيين الشماليين، أو بين دياب الذي ساوم، وفاز بالباع الأكبر، وبين السلطان حسن بن سرحان وأبي زيد، أطلت برأسها من جديد في مواجهة تقسيم تونس والمغرب.
بل إن دياب ساوم في اقتسام البلاد المفتوحة، حتى على جثة فرسه الخضرا، فأخذ عوضًا عنها تونس، ومن هنا لم يتبق له ما يساوم عليه، بعد أن أخذ مكان الزناتي ابنته سعدى، التي ما إن استتب له الحكم، حتى صادفها داخل قصر أبيها الزناتي تبكي وتنوح لفراق مرعي لها عقب فك دياب لقيود الأسرى الثلاثة، وكان أن راقت في عيني — الزناتي الجديد — دياب، فحاول التقرب منها ولو بالزواج.
إلا أن سعدى أبعدته عنها وعن محاولة اغتصابها، وهي بنت سلطان تونس:
وكان أن غضب عليها دياب، ورفض طلبها بدفن أبيها الزناتي، وأمر عبيده بجلدها، وأن يشغلوها بالأشغال الشاقة، تطحن الملح تحت ثياب الخيش الخشنة، وتركها حبيسة مدة عشرة أيام.
وفي اليوم الحادي عشر دخلت عليها نافلة بنت دياب، فلما رأتها عن هذا الحال سألتها عن حالها وما جرى لها، فأخبرتها سعدى عن ظلم الأمير دياب، وكل ما جرى لها، وأشارت سعدى تخبر نافلة تقول:
«وحين سمعها دياب؛ لأنه كان واقف خلف الباب، فأمر غلمانه أن يزيدوا عليها الأشغال، ففعلوا كما أمر، وبقيت على هذا الحال ١٥ يوم وهي تبكي وتنوح، وكان أكثر بكاها على مرعي؛ لأنه نسيها وما فكر فيها، وكان عندها عبد تعرفه اسمه مرجان من عبيد أبيها، فاستدعته وأشارت تكتب:
وما إن تسلم السلطان الهلالي حسن بن سرحان خطابها، حتى أخذ من فوره أبا زيد، وركبا إلى دياب بن غانم، ليفاتحاه في أمر سعدى، وكيف أنها خطيبة الأمير مرعي، إلا أن دياب رفض التخلي عنها، مغيرًا الموضوع إلى المصاعب الجمة، التي أصبحت تعترض قضية تقسيم المغرب العربي بتخوته السبع، وقلاعه الأربع عشرة حتى الأندلس.
ولم يطل خلافهم طويلًا، حول كيفية إعادة تقسيم البلاد المفتوحة، حتى جاءت الأخبار صادمة.
ذلك أن الملك ناصر شقيق الزناتي، جمع تحت إمرته سلاطين التخوت السبع، وأخذ معه العلام بالحيلة والتهديد لمعرفته بمسالك طرقات تونس والمغارب ومكامن ضعف قوات التحالف الهلالي.
وهجموا بأسلوب مفاجئ على ابني أبي زيد ودياب صبره وموسى، ومن ولوهم من أمراء وقواد بني هلال، وعددهم ثمانية فقتلوهم، وأسروا صبره بن أبي زيد، وأخذوهم معهم في الأغلال رهينة.
حين حاول العلام التدخل لفك أسر الأمير صبره بن أبي زيد، عاجله أمير من عرب المغرب، وطعنه في صدره، فأماته بثأر الزناتي، واتهموا العلام بالتآمر لحساب الهلالية.
وتقدم أبو زيد ببني الزحلان إلى قابس، ودياب ببني زغبة إلى كويج، وواصل أبو زيد ودياب زحفهما:
فقتل دياب أحد أمراء عرب المغرب، واسمه الأمير «وائل»، واعتلى من فوره عرشه.
ثم قتل دياب الملك سليمان، وجلس على كرسي مملكته، وانتهى من تحرير القلاع السبع، وولى عليها وجوه بني زغبة من قبائله اليمنيين وعرب الإمارات.
وحين انتهى أبو زيد ودياب من الوصول بفتوحاتهما عبر المغرب العربي، وصولًا إلى شبه جزيرة أيبريا — أو ما تدعوه السيرة بالأندلس — اجتمع أبو زيد ودياب في بلد تدعى «عين تورز»، وعادا إلى تونس للاجتماع بالسلطان حسن بن سرحان في نجوة بني هلال، وأعادوا من جديد تقسيم «الغرب» أو المغرب العربي بالسوية كما يذكر النص.
إلا أن دياب أصر على أن يأخذ كعهده تونس «عوضًا عن موت الخضرا» فرسه التي قتلها الزناتي، خارج القسمة «بالسوية».
وأصبحت القيروان وتوابعها عاصمة للسلطان حسن، أما أبو زيد فاتخذ الأندلس عاصمة له.