بحسب سرد السيرة فإن سعدى ابنة الزناتي خليفة تولت أمر الأمراء الأسرى الثلاثة يونس
ومرعي ويحيى، وذلك عقب إقناعها لأبيها الزناتي، بإيداعهم السجن الملحق بقصرها الرائع
المطلي بالرصاص، وكانت سعدى قد سرت وانجذبت منذ البداية بحديث أبي زيد وذكائه الخارق
ومشاعره الإنسانية، حين أخذتهم وقدمت لهم فاخر الطعام فأخذه أبو زيد شاكرًا وقام بتقسيمه
على سبعة أقسام، فسألته عن سبب ذلك، فقال لها: «اعلمي يا زينة الممالك وبدر الليل الحالك
أنا وجماعتي أربعة وأنت والجارية اثنان على التمام، والحصة السابعة سأحزمها بحزام،
وأرسلها إلى ابنة عمي
١ عاليا في الظلام.» وكان أبو زيد يقول هذا الكلام وهو متوقف عن أكل الطعام،
فقالت له سعدى: «لماذا لا تتغذى؟» فتنهد وأنشد:
فضحكت سعدى وأعجبها شعره، ثم إنه بعد ذلك أخرجتهم من الحبس وأحضرتهم إلى عندها، وقدمت
لهم الطعام، وأخذت تحادثهم وتسألهم عن أحوالهم وعن بلادهم، فقال أبو زيد: «نحن من جملة
الشعراء نقصد الملوك والأمراء فنمدحهم بنفائس الأشعار، ونرجع إلى الديار بالدرهم
والدينار.» فقالت: «إنكم لم تعلموني الحقيقة مع أنني عارفة بأحوالكم على التحقيق.» فأخذت
تُعلِمهم بسفرهم، وما جرى لهم في الطريق والسبب في قدومهم إلى تلك الديار بهذه القصيدة
التي تستحق الاعتبار:
قالت سعدى بنت أمير تونس يونس
بدمع جرى فوق الخدود غزار
ضربت تحت الرمل عشرين مرة
ومرة بعدها ما شفت الحرف جهار
فعرفتكم وعرفت اسم أميركم
وعرفت أساميكم بلا إنكار
إن مسير القوم أمير عامر
حسن بن سرحان أمير جهار
وهذا مرعي وذاك يونس ويحيى
وأنت أبو زيد فارس الأقطار
قحلت أراضيكم وقد قل خيرها
فجيتم لتونس لتكشفوا الأخبار
فقالوا يا أبو زيد نرضاك رائد
ترود بلاد القيروان عمار
فقلت لهم سمعًا وألفين طاعة
أريد ثلاثة من فروع كبار
أريد الفتى مرعي ويحيى ويونس
أمارة أصايل من فروع كبار
فجاءوا ثلاثتهم إليك كأنهم
أسود كواسر طالبين قفار
فمن يوم فارقتم نجد وأرضها
فإني أقتفي منكم الآثار
وجزتم حلب ليلًا في حال سرعة
وردتم حماة وحمص بوسط نهار
وجئتم بلاد الشام جزتم بلادها
وجئتم إلى القدس الشريف جهار
مررتم على غزة وقطة وغيرها
وبلبيس جزتوها بلا إنكار
وجئتم إلى مصر ويعقوب يوسف
مررت على نيل الصعيد مرار
مررتم على الماضي
٢ فحيا ركابكم
فرش لكم بيت للضيافة ودار
لكم ميت قافلة سايرين بعجلة
وعشر الليالي كاملة بنهار
ولا بد من تأتي هلال بن عامر
من الشرق في جمع غزار
بأربع تسعينات ألوف عديدهم
كذا دل الرمل بالأخبار
بحرف الألف تأليف عدتكم
أربع تسعينات ألوف راكبين مهار
والباء بدت سيل ابن سرحان ابن علي
نهجن تلا فيها قطار قطار
والتاء ترى في محل نجد وأرضها
سبعة سنين كاملات عسار
والجيم جيتوا ترودوا بلادنا
وتأخذ لقومك صحة الأخبار
والجيم جيرتم غرامي بحبكم
وحبي لمرعي قد كواني بنار
والخاء خليناك ترجع وتتنبى
تجيب لنا مال وما تختار
والدال دل الرمل عندي بأن لي
بأن بلاد القيروان دنار
والذال ذو الرمل نملك بلادنا
وتحلونا من أرضنا ودثار
والراء رؤيكم تجوا يا سلامة
على أصايل تقطع الأقفار
والزاء زلزلت البلاد بأهلها
وكل أمير يخجل الأقمار
والسين سرتم من بلادٍ بعيدة
قطعتوا الفضا وتسير الأوفار
والشين شديتو المطايا لأرضنا
وكم دار قطعتوها بعب نهار
والصاد صدتكم على خبر خاطو
لأعدتم بقاع السجن بأشعار
والضاد ضربتم في جموع زناتي
وأبي من فعالكم عاد محتار
الطاء طفتوا الأراضي ردتم بلادنا
وأبصرتم البلدان وكل ديار
والظاء وظني أنكم تملكونا
وقول وظني وهو صحيح جبار
والعين عيني نحو مرعي تطلعت
فأشعل في قلبي لهيب النار
والغين غلب نجعنا من قبالكم
ونجم أبي واقف عليه غبار
والفاء فارقتم لنجد وأهلها
وجئتم إلينا لتكشفوا الأخبار
والقاف قابلتم كل معنى كلامكم
وقلتم معاني أطيب الأشعار
واللام لميتم رجال لحينا
وجئتم إلينا لتسكوا الأقطار
والميم مال الحب في قلب مرعي
ولولا مرعي ما نظمت أشعار
والنون نلقاكم على خيل سمر
وكل رديني أسمر خطار
والهاء همل دمع أصابني
على شأن مرعي انكويت بنار
والواو ولت خيلنا من رجالكم
وتبقى تونس والرجال قفار
والياء يبقى علمكم فوق علمنا
بإذن الله الواحد القهار
وحق الله ما أخون عهدكم
ولو قطعوني بالسيوف بنار
فلما فرغت سعدى من كلامها شكرها الأمير أبو زيد وجماعته على اهتمامها بهم، وباتوا
تلك
الليلة، ولما أصبح الصباح أمر الزناتي بإحضارهم، فلما حضر وقال لأبي زيد: «إذا أطلقناك
إلى أن تأتي جماعتك من الأوطان، فكم يوم تغيب عنا؟ وماذا تجيب لنا؟» فقال: «أغيب ثلاثة
شهور، وأجيب لك أربع مية ألف مدرع مشهور.» فقال: «وما هو مرادك من المدرع أيها البطل
الصميدع؟» فأخرج الأمير أبو زيد من جيبه قطعة من الفضة الخالص وأنقى من الفضة الروابض،
وقال: «هذا هو المدرع يا زينة المتالك.» ففرح الزناتي بذلك، وقال: «اذهب بأمان الأوطان.»
فقال: «أعطني عدة حرب وحصان؛ لأن الطريق مخاطرة والأراضي موعرة.»
فأشار الزناتي مستجيبًا إلى طلب أبي زيد وأطلقه، استجابةً لمشورة سعدى ابنته.
وفي معظم النصوص الفولكلورية — الشفهية — تأخذ عزيزة ابنة سلطان أو باي تونس العجوز
معبد، دورَ سعدى في الطبعات الشعبية المتداولة لسيرة وتغريبة وريادة بني هلال.
بل إن من الملفت أن البالادا الشعبية أو قصص الحب والحرب الشعرية، تحفظ لعزيزة ويونس،
ذات الدور المناط لسعدى ومرعي، وكما أشرنا سابقًا بالمتداول أو المتواتر إلى أيامنا،
هي
بالادا عزيزة ويونس، والتي اشتهرت بالسفاري عزيزة، وكانت إحدى المواضيع الثابتة داخل
مسرحيات خيال الظل، وصندوق الدنيا.
بينما لم تستقل فابيولة أو قصة سعدى ومرعي، عن جسد السيرة لتصبح قصة أو حكاية شعرية
غنائية بالقدر الملاحظ بالنسبة لعزيزة ويونس.