المقالة التاسعة
قال ناظم السلوك، نقلًا عن خادم الملوك: خرجت للصيد مع جماعة من الجنود، في ركاب صاحب الأعلام والبنود، الليث الهصور، والملك المنصور، رب القلم والسيف المشهور، والرأي السديد المشهور، والعدل المنشور، والسعي المشكور، بطليموس الأكبر، خليفة الإسكندر، فاحتوينا من الغزلان والأرانب، والسباع الضارية والثعالب، على ما لا يعد، ولا يستقصى ولا يحدُّ، ولشدة حرصنا على الصيد والقنص، انتهزنا ما تيسر من الفرص، وأطلقنا للجياد الأعنة، وقوَّمنا الأسنة، وانتشرنا بلا ملال، ذات اليمين وذات الشمال، وفي أثناء ذلك غاب الملك المكين، عن أعين حاشيته وخادمه الأمين، فاهتموا في خلال غيابه بالبحث عن جنابه، فما وقفوا له على خبر، ولا وقعوا له على أثر، وكان قد توغل بالفدافد، في طلب المكاسب والفوائد، فانتهى إلى أجمة ملتفة الشجر، لا ينفذ منها لكثافتها النظر، وبينما هو شارع في التباعد عن أطرافها، والفرار على الفور من أكنافها، إذ ظهر له أربعة من اللصوص، كأنهم كانوا كامنين له بالخصوص، ودنا منه الأول باهتمام، وقال له من غير ابتسام: لقد تحقق لي ما رأيته في المنام، من أخذ هذا التاج والفوز بالمرام، فانزعه بلا معارضة ولا خصام، ولا تكثر على الدهر من الملام.
ثم تقدم الثاني وقال له في الخطاب: تجاوز لي عما عليك من الثياب، فقد قصصت رؤياي، على بشير بن بشراي، فنبأني أني أستحوذ عليها، وأضيف نعالك إليها، ثم أقدم وأحجم وقال وهو لا يبتسم:
ثم انقض الثالث على جواده الأدهم، وقال: إني رأيتُ في المنام، أني ملكت هذا المُطَهَّم، فانزل عن صهوته بلا جدال، وسلمني عنانه في الحال، وإياك والتوقف في هذا الطلب، حتى تأمن على نفسك من العطب.
ثم وثب الرابع وثبة الأسد، وشهر في يده حسامه المهند، وقال: قد طلب ما أراده كل واحد من الجماعة، ولم يبق معك غير السلسلة والساعة، وهما اللتان رأيت في ليلة الخميس، أني انتزعتهما من صدرك يا رئيس.
عند ذلك قال له الملك الأجل: لقد فزت يا هذا ببلوغ الأمل، بيد أنَّ الصفارة الموجودة مع مفتاح هذه الساعة البديعة، فيها سر لا يُدركه بلا موقف إلا ذو فطنة رفيعة، فادنُ مني حتى تعرف الحقيقة، وتهتدي في استعمال تلك الصفارة إلى أحسن طريقة، ثم إنه قبض بيده على الصفارة المجاورة للمفتاح، ووضعها على فيه وصاح، فسمعت جنوده الصفير، فهرع إليه منهم الكبير والصغير، وأحاطوا باللصوص من كل مكان، واستعدوا لطرحهم في مهاوي الهوان، هنالك قال الملك مخاطبًا لهؤلاء اللئام، وقد امتزج بالغضب وامتشق في يده الحسام: يا قطاع الطريق، ومن ليس لهم في الدنيا رفيق، إني أرى في اليقظة دون المنام، أني أشنقكم والسلام.
ثم أشار إلى من حوله من الرجال، بالقبض عليهم بلا محال، فأجابوه إلى ما أراد، وملكوا منهم القياد، وساقوهم إلى ما نصبوا من الأخشاب، وأوقفوهم تحتها ووضعوا الحبال في الرقاب، ثم رفعوهم عن الأرض بلا مهل، وطووا منهم سجل الأجل، واقتفى الملك بعد ذلك من اللصوص الأثر، وبعث بروح كلِّ من وقع به منهم إلى سقر، فأراح من شَرِّهم العباد، ونَشَر لواء الأمن في جميع البلاد، وبهذه السيرة الحميدة، صارت أيامه سعيدة، وأثنى عليه المؤرخون بما هو أهله، وكيف لا وقد عمَّ الأنام بعدله، ومدحه شعراء زمانه بالمدائح الفائقة، والقصائد النفيسة الرائقة التي منها: