محمود سامي البارودي
محمود سامي البارودي هو إمام الشعراء المُحدَثين قاطبة، وباكورة الأعلام في دولة الشعر الحديث، وأول من نهض به وجارى في نظمه فحول الشعراء المُتقدِّمين، فبعث النهضة الشعرية من مرقدها بعد طول الخمود.
وُلِد سنة ١٨٤٠، وهو ابن حسن بك حسني من ضباط المدفعية في الجيش المصري، وحفيد عبد الله الجركسي أحد الكشاف في عهد محمد علي، وسُمي البارودي نسبة إلى إيتاي البارود التي كان أحد أجداده الأمير مراد البارودي مُلتزِمًا لها في عهد الالتزام.
وقد تلقَّى العلم أول ما تلقَّاه على أيدي أساتذة خصوصيين في سراي والده بغيط العدة (القريبة من باب الخلق) والمعروفة بسراي البارودي، ولما بلغ الثانية عشرة من عمره انتظم في المدرسة الحربية، وتخرَّج منها سنة ١٨٥٥، والتحق بخدمة الجيش المصري، وأخذ يترقى حتى بلغ رتبة أميرالاي، وخاض غمار الحروب في ثورة كريد سنة ١٨٦٦؛ إذ كان ضابطًا في الجيش الذي أنفذته مصر لإخماد تلك الثورة وانتصر على الثوار في مواقع عدة.
الحنين إلى الوطن
كانت حياة زعماء الثورة العرابية في منفاهم حياة ألم وحزن؛ إذ انقطعت صلتهم بالناس، وطال اغترابهم عن أرض الوطن، وبعدت الشُّقة بينهم وبين أهليهم ومُواطنيهم، ولم يكترث لهم أحد، ولم يعطف عليهم أحد (والناس مع الغالب)، وجادت قريحة البارودي بشعر مُؤثِّر في الحنين إلى الوطن، والحزن على فراقه، مما يُعَد آية في البلاغة، وبلغت سليقته الشعرية في منفاه ذروة العظمة والجلال.
قال يصف الرحيل عن أرض الوطن:
إلى أن قال:
الصبر على الشدائد
وتجلَّت في منفاه صفاته العالية من الشَّمم، وعلو النفس، واحتمل آلام النفي بشجاعة وإباء، وصبر وإيمان، وله في ذلك شعر يفيض بهذه المعاني السامية.
قال وهو في سرنديب (سيلان):
وقال مُشيرًا إلى مُصادَرة أملاكه:
وقال من قصيدة أخرى في مقاومة الظلم والصمود في المِحَن والخطوب:
وقال في هذا المعنى:
ومن قوله في الحنين إلى الوطن والصبر على الشدائد:
•••
يتمنى أن يرى مصر
وقال في منفاه يتمنى أن يرى مصر:
وقال في هذا المعنى:
ومن قصيدة له في هذا المعنى قالها في منفاه يتشوق إلى الوطن:
وفيها يقول:
•••
وقال أيضا في منفاه:
•••
•••
•••
ومن قصيدة له يتشوق إلى مصر:
وقال في هذا المعنى:
الحنين إلى الأهل والولد
وقال في منفاه وقد رأى في المنام ابنته الوسطى:
إلى أن قال:
إلى أن قال:
•••
يُشيد بعظمة الأهرام
قال يصف «الأهرام» ويُشيد بعظمتها:
وختمها بقوله:
شعر القتال
ومن قصيدة له في وصف إحدى المعارك التي خاضها، ويبدو منها مبلغ شجاعته وصبره على أهوال القتال:
الفساد في عهد إسماعيل
وقال من قصيدة يصف سوء الحُكم وظلم الحكام في عهد إسماعيل، وينصح قومه بالمطالبة بحقوقهم والمبادرة بإصلاح شئونهم قبل أن تسوء العقبى، وهي من شعره السياسي الوطني الرائع:
إلى أن قال:
الجيش والدستور
وقال في أوائل عهد الخديو توفيق يدعو إلى الشورى وتقوية الجيش:
يندد بالدسائس
وقال من قصيدة يشكو فيها من الدسائس التي كانت تُحاك حوله:
يحث على الاعتدال، ويستنكر الذل
قال في هذا المعنى:
العودة إلى الوطن
وقد عاد إلى الوطن سنة ١٩٠٠ بعد أن فقد نور عينَيه في منفاه، فاستقبل مصر بقصيدته التي مطلعها:
إلى أن قال:
عبرة الحوادث
ومن قصيدة له قالها بعد عودته من المنفى تفيض توجعًا لحالة البلاد بعد أن جثم الاحتلال على صدرها، وقد تذكَّر عندما مر بقصر الجزيرة أيام إسماعيل حين كان في أوج سلطانه، وما انتهى إليه أمره من خلع وخسران، وتذكَّر أخطاءه التي كان لها أثرها في التمهيد للاحتلال، فلم يترحم على عهده، ونظم هذه القصيدة مُعتبِرًا ومُذكِّرًا، وهي من آيات الشعر في العظة والاعتبار، قال:
•••
•••
وظل البارودي بعد عودته من المنفى في عزلة عن الناس، لا يجتمع إلا بالصفوة المختارة من الأدباء والحافظين لعهده، إلى أن كانت وفاته سنة ١٩٠٤، فخلَّف مجدًا لا يبلى على الزمان.