خليل مطران شاعر الحرية
شاعر الحرية والعروبة، حمل لواء التجديد في الشعر، نيفًا ونصف قرن من الزمان، وبلغ الذروة في عالم الشعر والفن والبلاغة والخيال.
وُلِد سنة ١٨٧٢ في بعلبك إحدى المدن الشهيرة بلبنان، ونشأ نزَّاعًا إلى الحرية سمحَ النفس، كريم الخلق، صفيَّ السيرة، محبًّا للخير، وديعًا في شَمَم وإباء، معتزًّا بكرامته، عيوفًا عن الصغائر.
ضاق صدرًا منذ صباه بجوٍّ يضغط على حرية الرأي والفكر، فارتحل إلى باريس يُتمِّم فيها دراسته وعلومه، وهناك ارتوى من مَناهل الآداب الغربية، وإذ كانت شاعريته وليدة فطرته وسليقته، فقد اتجهت نفسه بتأثير الأدب الفرنسي إلى التجديد في شعره، فجمع بين البلاغة العربية والأساليب والمعاني الأوروبية.
ثم هاجَر إلى مصر، واتخذها موطنه الثاني، بل موطنه المختار.
أخلص لها، وغرَّد في أكنافها، وتعشَّق نيلها وأرضها وسماءها، وهو ثالث الثلاثة الذين عاشوا معًا وانتهت إليهم زعامة الشعر في العصر الحديث؛ شوقي وحافظ ومطران.
ألهمه حبُّ الحرية نظمَ القصائد الرائعة في تمجيدها والذود عنها، والجهاد في سبيلها، فكان من أعلامها الخالدين.
كان إنسانًا في شخصه وفي أخلاقه وفي شعره وأدبه.
كان في شعره يَنشُد الكمال، ويحلِّق في أجواء الحرية والوطنية.
كان يستلهم شعره من المُثل العليا، وفي ذلك يقول عن نفسه في الاحتفال بيوبيله الذهبي سنة ١٩٤٨:
وبهذه الروح العالية والنفس الصافية والود الخالص والإيثار والأريحية، عاش محبوبًا من مُعاصِريه؛ يُحِبهم ويُحِبونه، وينشُد لهم الخير والكمال.
وقد أرَّخ في شعره الوطني العذب مراحل النهضة المصرية والشرقية، وسجَّل حوادثها ووقائعها، وترجم لرجالها وأشخاصها، وغذَّى بقصائده الروح الوطنية جيلًا بعد جيل.
يمتاز شعره بسعة الخيال وجمال التصوير وبلاغة التعبير، هذا إلى اقتباسه من آداب اللغة الفرنسية التي درسها وتمكَّن منها تمكُّنه من آداب اللغة العربية، فجمع بين الثقافة العربية والثقافة الأوروبية، وهو زعيم مدرسة التجديد في الشعر العربي، وسار على نهجه تلاميذه ومُريدوه.
هذا شعري، وفيه كل شعوري، هو شعر الحياة والحقيقة والخيال، نظمتُه في مختلف الآونة التي تخلَّيتُ فيها عن العمل لرزقي، نظمتُه مُصبِحًا ومُمسيًا، مُنفردًا ومُتحدثًا مع عُشرائي، وقيدتُ فيه زفراتي وأحلامي، وسجلت بقوافيه أحداث زماني وبيئتي في دقة واستيفاء.
أُتابِع السابقين في الاحتفاظ بأصول اللغة، وعدم التفريط فيها، واستيحاء الفطرة الصحيحة، وأتوسع في مذاهب البيان مُجاراةً لما اقتضاه العصر، كما فعل العرب من قبلي. أما الأمنية الكبرى التي كانت تجيش بي، فهي أن أُدخِل كل جديد في شعرنا العربي بحيث لا يُنكَر، وأن أستطيع إقناع الجامدين بأن لغتنا أم اللغات إذا حُفِظت وخُدِمت حق خدمتها؛ ففيها ضروب الكفاية لتُجاري كل لغة قديمة وحديثة في التعبير عن الدقائق والجلائل من أغراض الفنون، وإني لَأرجو أن يرى المُطلِعون على هذا الجزء الثاني وما يليه من أجزاء «ديوان الخليل» مصداقًا لدعواي.
هو في طليعة أولئك الذين خرجوا من أفق التقليد وصدَّعوا قيود التقييد، وأوسعوا صدر الشعر العربي للخيال الأعجمي، وأفسحوا فيه للقصص وتصوير الحوادث، وطوَّفوا بسرد وقائع التاريخ، ففتح بذلك فتحًا جديدًا شن فيه الغارة على أهل الحفاظ والتمسيك.
وكان من أركان المسرح العربي بما كتب لهذا المسرح وعرَّب؛ فقد ترجم ليالي ألفريد دي موسيه، ورواية هرناني لفكتور هيجو، كما ترجم لكورنيل مسرحيات «السيد» وسينا وبوليكت، وترجم روايات شكسبير؛ هاملت، ومكبث، وعطيل، وتاجر البندقية.
النهضة العربية
قال سنة ١٩٠٨ يُحيي نهضة الشعوب العربية:
مطران ومصطفى كامل
كان بينه وبين الزعيم مصطفى كامل صداقةٌ وودٌّ داما طول العمر، كان مُؤيدًا لدعوته نصيرًا لرسالته، دافَع عنها في حياة مصطفى، وظل وفيًّا لها بعد وفاته، ويبدو مبلغ إعجابه به وتقديره لعبقريته في قصيدته التي أنشدها سنة ١٩٠٨ في حفلة الأربعين لوفاته، وقد نشرها في ديوانه وصدَّرها في طبعته الأولى بهذه الكلمة التي تُعَد في ذاتها قصيدة من النثر المنظوم، قال: «مُصاب الشرق في رجُله المفرد، وبطله الأوحد، مصطفى باشا كامل، أيتها الروح العزيزة! إن في هذا الديوان الذي أختتمه برثائك نفحات من نفحاتك، ودعوات من دعائك، فإلى هيكلك المدفون بالتكريم تحية الأخ المُخلِص للأخ الحميم، ووداع المُجاهد المتطوِّع للقائد العظيم.»
وجعل عنوان القصيدة «حق الوطن وحق الإخاء» قال:
•••
•••
•••
•••
•••
•••
•••
•••
وله في سنة ١٩٣٣ قصيدة عصماء ألقاها لمناسبة مرور عام على وفاة حافظ إبراهيم، ضمَّنها وصفًا رائعًا للنهضة القومية التي كوَّنت حافظًا، وجعلته الشاعر المطبوع المُترجِم عن آمالها وآلامها، وكيف أن هذه النهضة هي غرس مصطفى كامل، وكيف تعهَّدها بجهاده إلى أن مات، وبموته كانت الآية التي تم بها استقرارها، قال فيها:
إلى أن قال:
إزاحة الستار عن تمثال مصطفى كامل
وله في سنة ١٩٤٠ قصيدة عن مصطفى كامل نظمها لمناسبة إزاحة الستار عن تمثاله بعد أن ظل حبيسًا في «مدرسة مصطفى كامل» من سنة ١٩١٤، قال:
•••
•••
•••
•••
تحيته للمجاهدين في المؤتمر الوطني ببروكسل سنة ١٩١٠
ونظم في سنة ١٩١٠ قصيدةً ناجى فيها الوطنيين الأحرار الذين اغتربوا عن مصر لحضور المؤتمر الوطني الذي عُقِد برئاسة المرحوم محمد فريد بمدينة بروكسل في سبتمبر سنة ١٩١٠، وقال:
•••
•••
•••
•••
•••
الثبات في الكفاح
وقال لما زاد اضطهاد الحكومة للأحرار وسلَّطَت قانون المطبوعات على الصحف:
وقال في هذا المعنى حين توعَّدَته الحكومة بالنفي من مصر على أثر نشره الأبيات السابقة:
يُحيي رأس السنة الهجرية
ونظم سنة ١٩١١ قصيدة عصماء حيَّا بها العام الهجري ١٣٢٩، خاطَب فيها شباب مصر ودعاهم إلى الاعتبار بما في هجرة الرسول الكريم من المعاني الجليلة، والأغراض السامية، وأهاب بهم أن يُضاعِفوا جهودهم لبعث الحياة في مصر والشرق، قال:
•••
•••
•••
•••
•••
•••
•••
•••
•••
•••
•••
يُحيي بعثة الأطباء إلى حرب طرابلس
وقال سنة ١٩١١ يُحيي بعثة الأطباء المصريين الذين ارتحلوا إلى ليبيا لمعاونة المجاهدين العرب الذين قاوَموا العدوان الإيطالي:
عتب وطني
وقال سنة ١٩٢٠ يعتب على أحرار مصر في موقف تردد:
رثاؤه لمحمد فريد
ونظم قصيدة رائعة في رثاء الزعيم الشهيد محمد فريد سنة ١٩١٩، قال:
فريد ومصطفى:
فريد رئيسًا للحزب الوطني:
فريد في السجن:
فريد في طريق المنفى:
فريد في مرضه:
عظة وفاته:
تحية الختام:
تحية الشهداء
قال في حفلةٍ أُقيمَت سنة ١٩٢٤ لتحية أرواح شهداء الحركة الوطنية:
إلى أرواح الشهداء
تحية للذين أُطلِقوا من الاعتقال
وقال في هذه القصيدة مُخاطِبًا من أُفرِج عنهم من الاعتقال:
•••
•••
رثاؤه لأمين الرافعي
ومن قصيدة له في رثاء المرحوم أمين الرافعي الذي انتقل إلى جوار ربه في ٢٩ ديسمبر سنة ١٩٢٧، وقد أُلقِيت هذه القصيدة في حفلة تأبينه:
•••
•••
وظل خليل مطران يُغرِّد بشعره ألحان الحرية، ولا ينقطع عن التغريد حتى فاضت روحه الكريمة مساء ٣٠ يونيو سنة ١٩٤٩.