الفتاة والبيت
حضرة صديقي الكاتب الفاضل أنطوان أفندي الجُمَيِّل
أهديت إليَّ كتابك «الفتاة والبيت» فأهديته إلى ابنتي؛ لأنه مكتوبٌ لها ولأترابها من الفتيات الناشئات، وربما كانت وكنَّ أقدر مني ومن الرجال جميعًا على فهم مزيته، وتقدير منزلته، فلما قرأته عادت إليَّ تقول أنني لم أُهْدِ إليها في حياتها خيرًا من هذا الكتاب.
سامحها الله، فقد كان فيما أهديت إليها كتاب «النظرات» فقد فضلته على كتاب أبيها، ولكن ما لها وللنظرات وأمثالها من كتب الكليات العامة والخيالات السائرة، فهي فتاة على باب المستقبل يهمها أن تعرف أسباب الحياة المنظمة التي لا تستطيع فتاةٌ في هذا العصر أن تعيش بدونها، والتي عجز أبواها عن أن يرشداها إليها؛ لأنهما بقيةٌ من بقايا العصر الماضي، عصر المصادفات والاتفاقات، ولا يزال عصرهما لاصقًا بهما حتى اليوم، ويعنيها أن تعلم كيف تنسج من أخلاقها وآدابها ثوبًا يغنيها جماله عن الجمال، وتعيش من عقلها وحكمتها في ثروة تقوم لها مقام ثروة المال، وكيف تدبر القليل من الرزق وتنتفع به — إن قدر لها أن تعيش عيش المقلين — وتحسن التصرف في الكثير منه وتبقي عليه — إن قدر لها حظ المكثرين — وكيف تكون شمسًا مشرقة في أفق بيتها تضيء نفوس جميع ساكنيه، من زوجها إلى خادمتها، فتسعد بهم ويسعدون بها، وكيف تتولى أمر نفسها بيدها حتى لا يخدعها الخدم عن مالها — إن كانت ذات خدم — أو تستغني عن معونتهم إن عجزت عن اتخاذهم، وكيف تستنبط من ثقب الإبرة — في اليوم الذي تفقد فيه عائلها ومعينها — قطراتٍ من الرزق تقيم بها أودها، وتصون بها ماء وجهها؟
وكتابك — يا سيدي — هو الجواب عن جميع ما تطلبه، وتسائل نفسها عنه، فلا غرو إن أعجبها وأطربها، ولا عجب إن فضلته على كل كتاب حتى كتاب أبيها.
أشكر لك يا أنطوان تلك اليد البيضاء التي أسديتها إليَّ وإلى أمتك، وأنصح لجميع الآباء والأمهات أن يجعلوا كتابك هذا خير هدية يقدمونها إلى فتياتهم، وأن يأخذوهن بتلاوته مع كتب صلواتهن في مطلع كل شمس ومغربها، فما أحرزت الفتاة في بيتها خيرًا من كتاب «الفتاة والبيت».