الفصل الثاني
الجزء الأول
إريفيليا – دوريس
إريفيليا
:
لندعهما يا دوريس ونخرج عنهما الأم بين يدي قرينها والابنة لدى أبيها،
لندعهما في سرور دائم ولأبقَ أنا في هم ملازم.
يا دهر جرت بقلبي
فاكفف عذابي وحبي
قد طال منك التياعي
فطال من ذاك كربي
أصبحت ما بين قومٍ
وليس لي غير ربي
وحيدةً لا أرى لي
من مؤنس بين صحبي
ولست أعلم أصلي
أو واحدًا عنه ينبي
يا رب قد زدت ذلي
فما ترى كان ذنبي
دوريس
:
سيدتي ما هذا؟ أتقنطين من العزاءِ وتستسلمين إلى الحزن والعناء؟! أنا أعلم
أنه لا يروق شيءٌ لعينيك ولا يحلو أمر لديك ما دمتِ أسيرة عندهم، لا تحبين منهم
أحدًا ولا تنالين من إحسانهم مددًا، ولكن أعجب منك كيف كنت في بداية الأسر
عندما قادك أشيل من بلادك وجاءَ بك أسيرة من بين قومك وأجنادك، أقل بكاءً
وحزنًا منك الآن وقد استأنستِ إلى الأسر وصفا لك الزمان؟ ولقد غدت إيفيجنيا من
أعز صواحبك وصديقاتك، فهي لا شك تلومك على بكائك وحسراتك. ألم تكوني تطلبين أن
تري أرض أوليد؟! وها قد رأيتها وتمَّ لك الأمر، فما بالك لا تزالين تحزنين؟ وما
هذا البكاء وعدم الصبر؟
إريفيليا
:
أتظنين أنه يكمل لي سرورٌ أو يتم لقلبي هناء وأنا أرى إيفيجنيا تمرُّ بين يدي
والديها وتجر ذيل الكبرياء ثم أجد نفسي يتيمة من يوم ولدت لا أعرف لي أهلًا
وإني ربيت بين يدي الغرباء لا أعرف لي سلالةً ولا أصلًا، ويلاه يا دوريس! إنني
لا أعرف من أنا، إنني لا أعلم إن كنت ذات أصل وضيع أم ذات مجد وسنا، والذي
يزيدني حزنًا أنني كلما فكرت في عرفان أصلي أشعر أن لا يتم عرفانه إلا
بقتلي.
دوريس
:
لقد أخطأت يا سيدتي في ظنونك البعيدة، ووهمتِ في هذا الأمر أوهامًا شديدة.
فلا تيأسي أن يكشف الله أمرك بإحدى عجائبه، فيتم بك ما تشاءَمتِ به من القتل
بتغير اسمك الذي تقيدتِ به على غير الأصل.
إريفيليا
:
هذا الذي يحزنني يا دوريس، وهذا الذي يزيد بي الأسف والعناء، ولقد كان أبوكِ
يعلم حقيقة سري ويقول إنني من سلالة الملوك والعظماء، فخرجت من ترواده وسرت
إليه مؤملة كشف السر وبيان الخفاء، ولكني لم أكد أفارقها لبلوغ هذا الأمل حتى
سلط الله علينا أشيل فقتل أباكِ فيمن قتل، فكان بذلك خيبة مسعاي وضياع سرِّي،
بل صرت بعد ذلك المجد الموعود ذليلة عند اليونان في قيودي وأسري وليس بي إلَّا
أنفة لا أستطيع إظهارها وعزة نفس يمنعني خفاء أمري من إشهارها.
دوريس
:
نعم، لقد ظلمكِ أشيل يا سيدتي إذ قتل أبي وكان عالمًا بسرِّكِ، ولكن لا أرى
لكِ حقًّا في الحزن ما دمت تجدين هنا كلكاس وهو يعرف حقيقة أمركِ، فهو الكاهن
الذي تخبره الآلهة بأخبارها، وتطلعه على ما كان من أسرارها، فهل يخفى أمرك على
مثله من الحكماء، وهو عالم بما تحت الأرض وفوق السماء؟ فلماذا تحزنين وغالب هذا
الجيش ينصرك ويقويك؟ وستكون إيفيجنيا بعد زواجها بأشيل من أخص مساعديك؛ فهي قد
وعدتك بالإطلاق بعد اقترانها، وأقسمت لك على ذلك جهد أيمانها.
إريفيليا
:
ويلاه يا دوريس! إن ما تقولينه أصل بلائي، وإني أرى هذا القران سبب حزني
وعنائي.
دوريس
:
ماذا تقولين؟
إريفيليا
:
اسمعي تري أمرًا عجيبًا تتعجَّبين عنده من بقائي في الحياة، وتجدين الأسر
والغربة وضيعة النسب بعض بلاياه، فإن أشيل الذي كان سبب أحزانكِ وأحزاني، والذي
قتل أباكِ وأبعدني عن أهلي وأوطاني، والذي كان أولى بالبغض من الوداد وأبعد في
الحب عن الفؤاد قد أصبح الآن مالك قلبي وموضوع غرامي وحبي، لا أستحسن سواه ولا
أسلو هواه، وقد صرت أسيرة جماله كما أنا أسيرة قتاله.
لقد أسر القلب الشجي بجمالهِ
كما أسر الأجسام نصر قتالهِ
وأضحت نصال اللحظ من نبل جفنه
أشدَّ وبالًا من نصال نباله
وأصبحت في أسر الهوى من جفونه
كما أنا في أسر الردى من نصالهِ
دوريس
:
سيدتي ما هذا الكلام؟
إريفيليا
:
ولذا ترينني فاقدة الاصطبار، أتقلب من جمر الهوى على أحرِّ من النار، حتى ضاق
الصدر عن الكتمان وباح بسر الجنان اللسان، وما زال الهوى شرك الهوان، وها أنا
قد بحت لكِ بسري وأطلعتكِ على حقيقة أمري؛ لكي لا تعودي فتسأليني عن دواعي
اضطرابي، ولتعلمي أن الدهر رماني بكل نوائبهِ ليزيد مصابي، وإني لا أزال أذكر
ذلك اليوم الهائل، ذلك اليوم الذي أسرنا فيه أشيل البطل الباسل، فأقمت عنده في
همٍّ دائم وحزن شديد وأنا في سجن لا ينفذه النور وقد شبك نوافذه الحديد، وكنت
أتوقع مرأى أشيل كما أتوقع الموت العتيد، ثم دخلت في فلكه وأنا أظنه بصورة وحش
كاسر حتى رأيته فإذا هو ذو قامة كالغصن ووجه يُزري بالقمر الزاهر فشعرت أن بغضي
له تحوَّل إلى غرام، وأن كرهي له قد صار محض عشق وهيام، فعشقته ولا أزال أسيرة
عشقه وحبه، وباطلًا تتعب إيفيجنيا في راحة قلبي وتفريج كربه، بل هي عندما تمدُّ
إليَّ يد السلام تجعلها الغيرة المرة في قلبي أحدَّ من الحسام، ولكن آهٍ لا
بدَّ لي من أن أنزع غرامه منها أو آخذ حبيبها بالرغم عنها.
إذا كنت لم أسعَ بأخذ حبيبها
فلا كان من دون الأنام حبيبي
وإن هي لم تحرم بكفي نصيبها
فلا كان فيما أبتغيهِ نصيبي
أأتركها تقضي هواها وكلما
تروم وأبقى بعدها بنحيبي
إذًا لست ممن يدخل العشق قلبها
وتعنوا على ذلٍّ لكل ربيب
دوريس
:
ويلاه يا سيدتي! إن هذا من المحال. كيف تعملين على قهرها وهي صاحبة الأمر في
كل حال؟ ألم يكن أولى بك أن لا نأتي إلى هذا المكان؟ ألم يكن أولى أن تخففي عن
نفسك هذا العذاب والهوان؟
إريفيليا
:
لقد كان ذلك في النية لولا أمر سوَّلته لي نفسي، فأتيت إلى هذا المكان بالرغم
عني وأنا أعلم أن فيه عذابي وتعسي. فقلت: عسى أن يرق لي بعض رجال هذا العسكر،
وعسى أن يكفوني من هذين العاشقين شر أمر المنكر، فأعيش آمنة البال أو أموت قبل
أن أتعذب وأقهر، ذلك ما دعاني إلى الحضور وذلك ما حببني إليه، لا رغبتي في
عرفان أصلي ولا ميلي للوقوف عليه. ولكن إذا تمَّ هذا القران كان آخر مصائبي
وأحزاني وكانت به نهاية حياتي بل نهاية بأسي وأشجاني، فأقتل نفسي بيدي وأستريح
من حزني وكمدي، وأموت مجهولة الأصل بعيدة عن قومي وعن بلدي، ذلك مصير العاشق
إذا يئس من حبيبه ورأى أن وصاله لا يهون.
دوريس
:
لا يا سيدتي، لا تفعلي بنفسك هذا الأمر، ولا تقدمي على هذا الجنون! انظري هذا
أغاممنون، وهذه ابنتهُ إيفيجنيا، فاصبري لنرى ما يكون.
الجزء الثاني
أغاممنون – إيفيجنيا – إريفيليا – دوريس
إيفيجنيا
:
آه يا أبي لماذا تهرب مني؟ لماذا تحب أن تبتعد عني؟ فإلى أي شيءٍ أنسب
أفعالك؟ وعلى أي سبب أحمل استعجالك؟ ألا تقف لأسلم عليك؟ ألا تصبر دقيقة لأقبل
يديك؟ ويلاه هل تمنعني مرآك …؟!
أغاممنون
:
لا يا بنية لا هذا ولا ذاك، فتعالي وحبي أباكِ، الذي لا يحب مثلك
سواك.
إيفيجنيا
:
آه يا أبي ما أشد سروري بلقياك! وما أسعد حظي بمرأى محياك! وأنت قد زادك
المجد كمالًا، وأبهة الملك حسنًا وجمالًا، حتى يزيد السرور في قلبي أثرًا، كلما
زدتك تأملًا ونظرًا، فواهًا ما أسمى رتبي، وما أسعدني بأنك أبي!
أغاممنون
:
إليك بهذا الكلام عني، فأنتِ مستحقة لأب أسعد مني.
إيفيجنيا
:
هل ينقصك يا أبي شيءٌ من المجد، أو يفوتك منالٌ من السعد؟ ألست أعلى الملوك
منزلة ومقامًا، وأعظم الأمراء والقواد إكرامًا وإقدامًا؟
أغاممنون
:
يا رب لطفًا … ويلاه ما هذا المصاب؟! أأبوح لها بالأمر وأحملها
العذاب؟
إيفيجنيا
:
يا أبي لماذا تحول عني عينيك وأنا أسمع التنهد والزفير ملءَ شفتيك، ثم لا
تنظرني إلا نظرات تدل على كدرك وحزنك؟ فهل أتينا إلى هذه الديار بدون
إذنك؟
أغاممنون
:
أنا لا أزال أراكِ بالعين التي
كانت تراكِ بسالف الأيامِ
لكنما الدهر الخئون تقلَّبت
أحواله بتقلب الأحكامِ
فتبدل العيش الرغيد بضده
واستبدل الأفراح بالآلامِ
إيفيجنيا
:
لقد تماديت يا أبي في ظنونك وأكثرت من الأوهام الرائعة. ألا تقدر أن ترجع
قليلًا لمن هي ابنتك الطائعة؟ إنك لا يمنعك من ذلك مانع ولا يحول دونك حائل،
وليس معنا إلَّا هذه الأميرة الأسيرة وحبي وحبها متبادل، بل أنا قد وعدتها أنها
ستجد منك أبًا كريمًا، فماذا عساها أن تقول إذا لم تجدك عليَّ حليمًا؟! أبي ألا
ترجع عن مَلَلِكَ؟ ألا تعود إلى سابق حالك وحسن أملك؟!
أغاممنون
:
آهٍ يا بنية!
إيفيجنيا
:
ماذا تريد؟
أغاممنون
:
دعيني فلا أزيد.
إيفيجنيا
:
لا عاش الترواديون؛ فهم أصل البلاء والشجون.
أغاممنون
:
نعم، فإن انتصارنا عليهم سنؤدي به ثمنًا جزيلًا.
إيفيجنيا
:
ليساعدك الله على هذا الأمر.
أغاممنون
:
إنه أبى استماعي في السر والجهر.
إيفيجنيا
:
ولكن يقال إن الكاهن كلكاس سيقدم له ذبيحة شائقة.
أغاممنون
:
آه يا ليتني أملك رد هذه الصاعقة.
إيفيجنيا
:
وهل هي ستقدم عن قريب؟
أغاممنون
:
يا رب بماذا أجيب؟
إيفيجنيا
:
ألا تسمح لي بحضور هذا الاحتفال؟
أغاممنون
:
ويلاه يا ربي ماذا أصنع؟!
إيفيجنيا
:
لماذا أمسكت عن الكلام؟
أغاممنون
:
ستعلمين يا ابنتي فدعيني الآن.
الجزء الثالث
إيفيجنيا – إريفيليا – دوريس
إيفيجنيا
:
يا رب ما هذا الجفاء والإعراض الطائل؟ فإن قلبي يحدثني منه بسر هائل، وأخشى
أن يصيبني أمر لا أتوقعه، يا رب ماذا أصنع؟ أأبقى هنا أم أتبعه؟
إريفيليا
:
سيدتي كيف تلومين أباكِ على إعراضه عنك بعض الإعراض، وأنت ترين ما يحدق به من
الشواغل والأغراض؟ فإذا كنت أنت كذلك فما عساني أن أقول أنا الغريبة الأصل
والنسب، أنا التي ليس لي معين ولا ناصر ولا أم ولا أب؟ أما أنت فإن لقيت من
أبيك تغيرًا عليك، تذهبين إلى أمك فتجدين منها حنوًّا إليك، وفوق هذا فإن لك
حبيبًا كريمًا يبذل نفسه في غرامك ويحبك حبًّا عظيمًا.
إيفيجنيا
:
نعم، فما يمسك دموعي سواه، ولا تقرُّ عيني إلا بلقياه، ولا يحببني بالحياة
إلا حبه وهواه، ولكن ما باله تأخَّر عني فلم أرَه إلى الآن، وهو الذي أرسل في
طلبي وأحضرني إلى هذا المكان، وها أنا قد قدمت مشتاقةً إليه فماذا أقول عنه وقد
رأيت كل الناس يهنئونني بالقدوم ولم أرَ أثرًا منه، بل أنا أدير طرفي بين الناس
يمينًا وشمالًا فلا أرى له وجهًا ولا أبصر منه خيالًا. آه يا رب لماذا تأخَّر
عني؟ وما بال أبي كأنه يخاف أن يذكر اسمه على مسمع مني؟ ما الذي جرى؟ ومن يكشف
لي هذا السرَّ المكنون؟ فإني أجد قلبي على مثل النار من كثرة الهواجس والظنون.
أترى أجد المحب مستخفًّا بي كالأب؟ وهل أن شواغل الحرب محت من القلوب العشق
والحب؟ ولكن لا فقد أسأت الظن في لومه واتهامه، بل أنا أحق منه بشدة تعنيفه
وملامه، فهو يحارب لأجلي، وقد عرض للهلاك نفسه حتى استقدمني إليه لأكون عن قريب
عرسه، فهو إذن العاشق الصافي الفؤاد، وهو المحب الخالص الوداد في القرب
والبعاد.
الجزء الرابع
كليتمنستر – إيفيجنيا – إريفيليا – دوريس
كليتمنستر
:
هيا بنا يا ابنتي نهرب ونخلص أنفسنا من العار؛ فإني أرى أباكِ يهرب منا وينظر
إلينا بعين الاحتقار، وهو قد خشي أن يواجهكِ بالردِّ، فأرسل لي هذه الرسالة مع
أحد الجند، ولكن سبقناه في الإتيان، وهذه الرسالة لم تصلني إلا الآن، فهيا بنا
نتخلص من هذه الحالة المهينة، فإن أشيل قد أبى أن تكوني لهُ قرينة، وهو قد أخر
أمر الزواج والحب، إلى ما بعد الانتصار والرجوع من الحرب.
إيفيجنيا
:
ويلاه ماذا أرى وماذا أسمع …؟
كليتمنستر
:
اسمعي يا بنية فهي الحقيقة التي لا تدفع. ولكن ما بالكِ تتلوَّنين وترتجفين،
تشددي وأظهري القوَّة ودعي الرقة واللين، واتركي هذا الخائن الغادر الذي نكث
الوداد والعهد، بعد أن وعدني وأقسم بأنه يكون لكِ قرينًا من غير بدٍّ. لقد كنت
أحسبه من سلالة الآلهة في المجد والكرم فإذا بي أجده خائنًا ساقط العهد والذمم.
إذن؛ فلنحتقره كما احتقر مقامي ومقامك، وإياك أن يطلع منك على حبك وغرامك. بل
اقطعي أملك من الزواج، وها أنا ذاهبة لأعلم أباكِ بحقيقة الخبر، وإني قد أعددت
كل شيءٍ فاستعدي إذن للرحيل والسفر (لإريفيليا) وأنتِ أيتها الأميرة لا تهتمي في أن تتبعينا، بل نحن
سنتركك في يد أقوى من أيدينا، فلا تحسبي أنني جاهلة حقيقة أمركِ، بل أنا أعلم
أن حضورك لم يكن إلى الكاهن بقصد اكتشاف سرك.
الجزء الخامس
إيفيجنيا – إريفيليا – دوريس
إيفيجنيا
:
في أية حيرة وحزن تركني هذا الكلام؟! كيف عدل أشيل عن زواجي وخلَّفني في أشد
الآلام؟ يا رب ماذا أصنع؟ أأرجع أدراجي إلى بلادي أم أنت تقصدين هنا غير كلكاس
لتعذبي فؤادي؟
إريفيليا
:
سيدتي، لا أفهم ما تقصدين.
إيفيجنيا
:
لو قصدت يا خائنة لكنت تفهمين. ويلاه! أيحرمني الدهر قريني وتتخلين عني
وتتركيني أنتِ التي أبيتِ المقام في مسينا بعدي؟ كيف ترضين بالمقام هنا وأنا
أرجع وحدي؟!
إريفيليا
:
إنني أريد أن أقابل الكاهن قبل الرحيل.
إيفيجنيا
:
إذا كان ذلك قصدك فلماذا تتأخرين؟
إريفيليا
:
إذن؛ فأنا ذاهبة إليه وسأرافقك عن قريب إلى حيث تذهبين.
إيفيجنيا
:
قفي؛ فإن هنيهة تكفي لما تريدين، لماذا أنتِ مستعجلة لماذا تسرعين؟ ويلاه
إنني أرى ما لم يكن في حسابي أن أراه. أشيل … لماذا ترتعدين عند ذكراه؟
إريفيليا
:
أنا أرتعد؟ سيدتي ما هذه التهمة الثقيلة؟ أأحب رجلًا ذقت مرارة حربه وصرت
عنده أسيرة ذليلة، أنا أحبه؟ إنه لا يتمثل لي إلا مخضبًا بدماء الرجال من
أجنادي، بل أنا لا أنظر إليه إلا ذكرت أنه قاتلني وأسرني بعد أن أحرق
بلادي.
إيفيجنيا
:
لا بل تحبينه يا شقية لتعذبي فؤادي، وإن ما أجراه من دماء أهلكِ وأذاقك إياه
من قتل أقوامك، لم يكن إلا ليضاعف حسنه لديكِ ويزيد من مجدكِ وغرامكِ، بل
كثيرًا ما كدت تبوحين بهواه، ولكن كتمتِ الأمر. وماذا عساني أن أصنع إذا كان
قلبك يهواه؟ بل ماذا تكون الفائدة في منعك عنه إذا كنت تحبينه ولا تريدين
سواه؟
وإني وإن كنت أعذرك على هذا الضرر، فإني ألومك على عدم إخباري بهذا الخبر،
فلقد كان ينبغي أن تخبريني قبل أن أتجشم مشقة السفر، ولكن ويلاه لقد قضى سوء
حظي وخطبي الجلل، أن أقدم على رجل لا يحبني وأرجع حليفة الخزي والخجل.
يا رب أي مصابٍ قد جلبت على
قلبي وأيُّ أسًى أصبحت ألقاه
قرَّبت مني فتاة كي تزاحمني
على حبيبي فأهواهُ وتهواه
ويلاه هذا الذي قد كنت أحسبه
هذا الذي كنت أجفوه وأخشاه
إريفيليا
:
إني أسمع منك ما لست أفهم، وإنك تخاطبينني بما لست أعلم، فهو كلام لم يمر
بأذني إلى الآن، بل كيف أسمعه وأنا في هذه الحال من الأسر والهوان؟ نعم إنني
أعذر العشاق في ملامهم، وأعلم ما يقاسون من عظيم حبهم وشدة غرامهم، ولكن كيف
جاز في ظنك أن أشيل يترك سلالة أغاممنون الشريفة ويميل إلى فتاة مجهولة الأصل
أسيرة ضعيفة، فتاة عاثرة البخت لا حظَّ لها من كل ما تعلم سوى أنها من دم عدو
وأن أشيل يحب سفك ذلك الدم.
ويلاه كيف يحبني وأنا التي
لا شأن لي بطلٌ له شأن أجل؟
بل كيف يهواني فتًى وأمامهُ
بدر السماء بدا وبدري قد أفل؟
إيفيجنيا
:
كفى كفى؛ فإنك بذلك تزيدين حزني وبلائي، بل لم تقابلي بين ذلك وعزي إلا
لتعظمي كدري وعنائي، آه لقد عذرت أبي الآن على سكوته ونفوره مني؛ فهو قد أبى أن
يقابلني بهذا الخبر الهائل ليخفف شدة وقره عني.
ولكن رويدًا لا يغرنك الهوى
بنيل حبيب إن حبَّ أبي أحلى
ولا تزدهي جهلًا بحب أخي علا
فإن أبي في مجد سؤددهِ أعلى
إريفيليا
:
أسيدتي ما ذا الكلام؟ فكلما
تزيدينني علمًا به زادني جهلا
الجزء السادس
أشيل – إيفيجنيا – إريفيليا – دوريس
أشيل
:
هنا أنت ما هذا وماذا الذي أرى
وكيف ترى ألقى بهاك هنا حلا
أكاد بأني لا أصدق ما أرى
وأني لا ألقى الذي ألتقي فعلا
لقد قال لي قبلًا أبوك بعكس ما
أراه وإني لا أراكِ هنا أصلا
لئن كان إخلاف الظنون إساءة
فإني أرى إخلاف ظني غدا فضلا
إيفيجنيا
:
رويدك يا مولاي فيما تقوله
فعما قليل لست تبصر لي ظلا
الجزء السابع
أشيل – إريفيليا – دوريس
أشيل
:
ويلاه ماذا الفعال … وأنت يا سيدتي لا شك أنك تعرفين سبب قدومها …؟
لقد ذهبت ويلاه ما بالها وما
دعاها إلى هذا النفار قفي مهلا
لماذا مضت عني أكاد بأنني
أكذب عيني إذ أرى ذلك فعلا
إريفيليا
:
ماذا تقول؟ ألعلك جاهل بالخبر وأنت من شهر هنا في انتظارها، وقد بعثت
تستعجلها بالسفر؟
أشيل
:
لا يا سيدتي، فإن لي شهرًا وأنا غائب عن هذه الديار، ولم أرَ هذا المكان إلا
أمس في آخر النهار.
إريفيليا
:
أين كنت عندما كتب أغاممنون الرسالة وأرسلها؟ ألم تكن بأمرك كتابتها؟ أوَلست
محبًّا لابنته وعاشقًا لها؟
أشيل
:
لقد زدتني من حيرة فوق ذا العجب
فإني لا أدري الكتاب ومن كتب
بلى لم أكن أدري ولو كنت عالمًا
لكنت على إرساله أكبر السبب
ولكن لماذا أجفلت ومضت وقد
تبين لي في وجهها آية الغضب
وما بال نستور وعولس أقبلا
عليَّ ولاماني على العشق والطرب
وما بال قواد الجيوش وكلهم
يريد بأن أسلو ويجهد في الطلب
وقد هجنوا لي من أحبُّ وأظهروا
بأني إذا قارنتها حاق بي النصب
أرى أن في ذا الأمر سرًّا يهمني
وإن بيان السرِّ عني قد احتجب
إذن فأنا أمضي وأعلم كلما
أريد وقد نال الأماني من طلب
الجزء الثامن
إريفيليا – دوريس
إريفيليا
:
يا رب أنت ترى عملي، فأين أستر خجلي؟ وأنت يا إيفيجنيا تكونين معشوقة وتبكين،
ويكون أشيل البطل عاشقًا لجمالك وتشكين؟ آه لقد تماديت في الكبرياء وسوء
الظنون، فكيف أطيق أن أرى هذه الأفعال منك؟ لا بل سيكون …
ولكن أيا دوريس أشعر أن في
أمورهمُ سرًّا يخاف له قلبي
وإني أراهم في اضطراب وحيرة
يحيطون في أشيل بالغش والكذب
ويسعون في إطفاء جمرة حبه
وهيهات يطفي العذل من جمرة الحب
وقد كتموا بنت المليك غرامه
وقالوا لها أن قد سلا الحب بالحرب
وقد لاح لي أني سمعت النواح من
أبيها فأضحى دائم الحزن والندب
إذن فَلْنُجَارِ الدهر في حكمه عسى
يساعدني في نيل مطلبي الصعب
فأحيا كما شاء الغرام سعيدة
وأحظى بمن أهوى على الرغم والغضب
وإلا فإني سوف أعكس أمرهم
وأبدل أفراح العواذل بالكرب
وأهلكهم قبلي جميعًا وبعدها
أموت سرورًا فاذهبي إن ذا حسبي