الدكتور مورو يفسِّر
ما إن انتهينا من تناول الطعام والشراب حتى بدأ الدكتور مورو حديثه: «والآن، يا برينديك، سأفسر لك الأمر. عليَّ أن أُقر بأنك أكثر ضيف استقبلته استبدادًا. وأحذرك من أن هذا سيكون آخر صنيع أقدمه لك. وإذا هددت بالانتحار ثانيةً، فلن أفعل شيئًا حيال ذلك — وإن جاء ذلك على حساب مصلحتي الشخصية.»
جلس في الكرسي القابل للطي ممسكًا بنصف لفافة تبغ بين أصابعه البيضاء التي يبدو عليها احترافه العمل اليدوي. انعكس ضوء المصباح المتأرجح على شعره الأبيض، وأخذ يحدق في ضوء النجوم عبر النافذة الصغيرة. جلست بعيدًا عنه بأقصى قدر ممكن، والمائدة تفصل بيننا، والمسدسان في متناول يدي. لم يكن مونتجومري حاضرًا، وإن لم يكن لدي مانع في أن أكون مع كليهما في تلك الغرفة الصغيرة.
قال مورو: «لقد اعترفت بلسانك أن ما كان يخضع للتشريح حيًّا — كما وصفت — ليس سوى أنثى كوجر، أليس كذلك؟» أخذني بعد ذلك لزيارة ذلك الشيء المرعب في الغرفة الداخلية لأتأكد من أنه ليس بشرًا.
قلت له: «إنها أنثى كوجر بالفعل؛ حية، لكن ما يملأ جسمها من جروح وتشوهات يجعلني أدعو الرب ألا أرى لحمًا حيًّا ثانية. هذا أمر شنيع …»
قال مورو: «لا عليك من ذلك، أو على الأقل جنبني الاستماع لهذه المخاوف الصبيانية. كان مونتجومري مثلك تمامًا. إذن أنت تُقر بأنها أنثى كوجر، فلتصمت الآن إلى أن أفرغ من إلقاء محاضرتي في علم وظائف الأعضاء عليك.» وبدأ يشرح لي ما يقوم به من عمل بنبرة صوت شخص يشعر بملل شديد، لكن ازداد حماسه قليلًا بمرور الوقت. وكان يشوب صوته بين الحين والآخر بعض التهكم. شعرت آنذاك بالخجل الشديد من موقفي.
لم تكن المخلوقات التي رأيتها بشرًا، ولم تكن كذلك من قبل. إنها حيوانات؛ حيوانات محولة إلى بشر كأدلة على انتصار علم تشريح الأحياء.
قال مورو: «لقد نسيتَ كل ما يمكن لمشرِّح حيوانات حية ماهرٍ فعلُه. وأنا من جانبي متحير لماذا لم يسبقني أحد فيما فعلته هنا؟ كانت هناك محاولات بسيطة بالطبع، من بتر، وقطع للألسنة، واستئصال. أنت بالتأكيد تعلم أن الحَوَل يمكن تحفيزه أو علاجه بالتدخل الجراحي؟ وفي حالة الاستئصال يمكن أن تجري كافة صور التغييرات الثانوية، وتوزيع الصبغات، وتعديل المشاعر، وإدخال تغييرات على إفراز النسيج الدهني. لا ريب أنك قد سمعت عن كل تلك الأمور من قبل، أليس كذلك؟»
قلت: «بالطبع، لكن هذه المخلوقات الكريهة التي تحتفظ بها …»
رد مشيرًا بيديه إليّ لأتوقف عن الحديث: «كلٌّ في أوانه، فأنا لا أزال في بداية حديثي. ما ذكرته ليس سوى حالات بسيطة للتحويل. يمكن للجراحة التوصل إلى ما هو أفضل من ذلك؛ فهناك البناء، والهدم، والتغيير. ربما سمعت عن العملية الجراحية التي يُلجأ إليها عادةً في حالات تعرض الأنف لضرر بالغ. تؤخذ سديلة جلدية من الجبهة، وتوضع على الأنف لتلتئم بعد ذلك في موضعها الجديد. يُعد ذلك صورة من صور التطعيم لجزء من جسم حيوان ما في مكان جديد بالجسم نفسه. ويمكن أيضًا تطعيم أجزاء مأخوذة حديثًا من حيوان آخر، كما هو الحال مع الأسنان، على سبيل المثال. ويُجرى تطعيم الجلد والعظام لتيسير عملية الشفاء، فيضع الجراح في وسط الجرح قطعًا من الجلد نُزعت من حيوان آخر، أو أجزاء من عظام أُخذت من ضحية لقيت حتفها حديثًا. حققت التجربة التي أجراها الجراح الاسكتلندي هانتر — ربما سمعت عنها — نجاحًا عند إجرائها على أعناق الثيران. ومن الأمثلة الأخرى أيضًا على ذلك الفئران وحيدة القرن التي استخدمتها قوات «الزواف الجزائرية». إنها وحوش صُممت بنقل شِقة من ذيل فأر عادي إلى خطمه، وتركها تلتئم في ذلك الموضع.»
فقلت: «وحوش صُممت! أنت تعني إذن …»
– «نعم. تلك المخلوقات التي رأيتها هي حيوانات شُرِّحت وشُكلت بصور جديدة. وقد كرست حياتي لذلك؛ لدراسة مطاوعة الصور الحية. تناولت الأمر بالدراسة سنوات، محصِّلًا المعرفة أثناء ذلك. ألاحظ عليك الرعب، مع أنني لا أخبرك بشيء جديد؛ فكل ذلك كان واضحًا وضوح الشمس في مجال التشريح العملي عدة سنوات، لكن لم يمتلك أحد الجرأة للتعرض له. وليس الشكل الخارجي فقط للحيوان هو الذي أستطيع تغييره، بل يمكن إخضاع وظائف الأعضاء، والتناغم الكيميائي للمخلوق لتعديل دائم، وذلك عن طريق وسائل من المؤكد أنك تعرفها مثل التطعيم وغيره من أساليب التلقيح المستخدمة مع الكائنات الحية أو الميتة. ويُعد نقل الدم من العمليات المشابهة أيضًا، وكان نقطة البداية التي انطلقت منها. كل هذه حالات مُتعارف عليها، لكن الأقل شيوعًا، وربما الأكثر شمولًا، هو العمليات التي أجراها أطباء القرون الوسطى، وصمموا من خلالها أقزامًا، وكسحاء متسولين، ووحوشًا تُستخدم في العروض. ولا تزال بعض آثار ذلك الفن مستخدمة بصورة أولية بواسطة المشعوذين أو لاعبي السيرك. وقد تناول فيكتور هوجو هذه الشخصيات في روايته «الرجل الضاحك» … أظن أن ما أعنيه قد اتضح لك الآن. فقد بدأت ترى أنه من الممكن زرع نسيج يُنزع من أحد أجزاء جسم حيوان ما في جزء آخر بالجسم نفسه، أو من حيوان لآخر، وكذلك تعديل ما يجريه الجسم من تفاعلات كيميائية، وطرق نموه، وتعديل مفاصل الأطراف، وإضفاء تغييرات بالتأكيد على هيكله الجوهري، أليس كذلك؟
بالرغم من ذلك، فلم يسع الباحثون المعاصرون أبدًا لخوض ذلك الفرع المذهل من المعرفة باعتباره غاية في حد ذاته، حتى تناولته أنا! وقد جرى التوصل إلى بعض هذه الأمور عن طريق الجراحة التي استُخدمت كآخر خيار متاح. وأقرب الأدلة التي قد ترد على ذهنك كُشف عنها بالمصادفة، بواسطة طغاة، ومجرمين ومربيِّ الخيول والكلاب، وجميع أصناف الرجال غير المدربين والمفتقرين إلى المهارة الذين يسعون لتحقيق مصالحهم الآنية، فكان لي الأسبقية في تناول هذا الأمر مستعينًا بالجراحة التطهيرية، والمعرفة العلمية الجيدة بقوانين النمو.
لكن يمكننا تصور أن مثل هذه الممارسات قد تمت في الخفاء من قبل. ومن الأمثلة على ذلك التوائم السيامية … وداخل سراديب محاكم التفتيش. كان الغرض الرئيسي من تلك الممارسات هو التفنن في التعذيب بلا شك، لكن، على الأقل، كان لدى المحققين في تلك المحاكمات بعض الفضول العلمي بالتأكيد …»
قلت: «لكن هذه الأشياء … هذه الحيوانات تتكلم!»
فجاءت إجابته بالإيجاب، وواصل حديثه موضحًا كيف أن الإمكانات التي ينطوي عليها علم تشريح الأحياء لا تقف عند التحول الجسماني فحسب، فالخنزير يمكن أن يتعلم، بل إن التكوين العقلي أكثر مطاوعة من البدني. وقد منح علم التنويم المغناطيسي الناشئ حديثًا العلماء أملًا في إمكانية استبدال أفكار جديدة بالغرائز الفطرية القديمة، وذلك عن طريق زرع أفكار جديدة بدلًا من الأفكار القديمة الثابتة الموروثة، أو استبدالها. إن قدرًا كبيرًا، بالتأكيد، مما نطلق عليه التربية الأخلاقية ليس سوى حماية وتعديل مصطنع للغرائز؛ فالعدوانية تُرَوَّض لتصبح تضحية باسلة بالنفس، والشهوانية الجنسية المكبوتة تتحول إلى ورع. يتمثل الفارق الرئيسي بين الإنسان والقرد في الحنجرة — وفقًا لقوله — أي في عدم قدرة القرد على الصياغة الدقيقة لرموز الأصوات المختلفة التي يمكن بها تعزيز الأفكار. لم أتفق معه في هذه النقطة، لكنه لم يكترث لاعتراضي، وكان فظًّا في ذلك. وكرر قوله إن هذه هي الحقيقة، ثم استمر في شرح عمله.
لكنني سألته عن سبب اتخاذه الشكل البشري نموذجًا له. بدا لي حينذاك — ولا يزال يبدو لي — أن ثمة شرًّا غريبًا في ذلك الاختيار.
فأقرَّ بأنه قد اختار هذا الشكل مصادفة، وقال: «كان بمقدوري العمل على تصميم لاما من الغنم، والعكس. لكنني أعتقد أن الشكل البشري يحمل شيئًا ما يجذب الجانب الفني للعقل على نحو أقوى من أي شكل حيواني. لكنني لم أتقيد في عملي بصنع البشر فحسب. مرة أو مرتين …» ثم صمت نحو دقيقة، ليتابع حديثه بعد ذلك: «يا لها من سنين طوال! كم مرت سريعًا! وها قد ضيعت يومًا في إنقاذ حياتك، وأضيع ها هنا ساعة أخرى في تفسير عملي لك!»
رددت عليه: «لكنني ما زلت لا أفهم. ما تبريرك لكل تلك الآلام التي تلحقها بضحاياك؟ الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجعلني أغفر تشريح الأحياء هو استخدام بعض …»
قال: «بالضبط، لكنني مختلف عنك. نحن نفكر بطرق مختلفة. فأنت تعتنق المذهب المادي.»
قلت غاضبًا: «لست معتنقًا للمذهب المادي.»
– «هذا من وجهة نظري، فنقطة الخلاف الوحيدة بيننا هي هذه الفكرة المتعلقة بالألم. فما دمت تشمئز من الألم عند سماعه أو رؤيته فسيظل ما تشعر به من آلام هو ما يدفعك في أفعالك، ويكمن وراء مخططاتك لارتكاب الخطايا، وستظل حيوانًا يشعر بما يشعر به الحيوان على نحو أكثر وضوحًا. هذا الألم …»
هززت كتفي متبرمًا من تلك السفسطة.
– «إنه أمر بسيط حقًّا، والعقل المنفتح بحق لما يقدمه لنا العلم يجب أن يرى الألم من هذا المنظور. أعتقد أنه لا يوجد شيء اسمه الألم في أي مكان آخر، إلا في هذا الكوكب الصغير، الذي لا يتجاوز كونه بقعة بسيطة من الرماد الكوني ظلت غير مرئية إلى أن اكتُشف أقرب نجم منها. لكن القوانين التي نتقيد بها هي التي … لماذا يوجد مثل هذا الألم، على هذه الأرض، وبين الكائنات الحية؟»
أخرج أثناء تحدثه مدية صغيرة من جيبه، وفتح الشفرة الصغرى، ثم حرك الكرسي الذي كان يجلس عليه حتى أتمكن من رؤية فخذه. وبعد أن اختار المكان بعناية، غرز الشفرة في ساقه، ثم سحبها.
– «من المؤكد أنك رأيت ذلك من قبل. إنه لا يؤلم على الإطلاق. لكن ما الذي يوضحه ذلك لك؟ إنه يوضح أن القدرة على تحمل الألم ليست ضرورية في العضلات، وليست موجودة فيها؛ لكنها ضرورية قليلًا في الجلد، وهناك بعض المناطق المتفرقة من الفخذ يمكنها الشعور بالألم. الألم هو مرشدنا الطبي الرئيسي الذي يحذرنا ويحفزنا. ليس كل اللحم الحي يسبب الألم، وكذلك جميع الأعصاب، بل الأعصاب الحسية أيضًا. فلا يشعر العصب البصري بأقل قدر من الألم؛ الألم الحقيقي. وإذا أصيب العصب البصري بجرح فكل ما سيحدث هو أنك سترى ومضات من الضوء، شأنه في ذلك شأن الإصابة بمرض في العصب السمعي، فهي لا تعني سوى سماع طنين في الأذن. لا تشعر النباتات بالألم، والأمر ينطبق أيضًا على الحيوانات الدنيا؛ فكائنات مثل نجم البحر وجراد البحر لا تشعر على الأرجح بالألم. أما الإنسان، فكلما ازداد ذكاؤه كان أكثر حرصًا على ما يحقق له الفائدة، وقلت حاجته لشيء يحثه على الابتعاد عن الخطر. لم أسمع من قبل عن شيء عديم الفائدة لم يختف من الوجود بفعل التطور عاجلًا أو آجلًا، أليس كذلك؟ والألم أصبح شيئًا غير ضروري.
أنا رجل متدين، يا برينديك، كما كل رجل عاقل يجب أن يكون. أعتقد أنني تعمقت أكثر في الاطلاع على أساليب الخلق مقارنة بك؛ لقد بحثت في قوانينه بأسلوبي الخاص طوال حياتي، في حين أن كل ما فعلته أنت — حسب ظني — هو جمع الفراشات. وصدقني إن المتعة والألم لا علاقة لهما بالجنة أو الجحيم. يا برينديك، إن الأهمية التي يمنحها الناس لمفهوم المتعة والألم دليل على تأثير الجانب الحيواني عليهم، ذلك الجانب الذي يمثل الأساس في طبيعتهم. الألم! سيظل هناك متعة وألم ما دمنا ندفن أنفسنا في التراب …
لقد سرت في هذا البحث على النحو الذي قادني إليه. لم أسمع عن أي طريقة أخرى لكيفية إجراء الأبحاث. طرحت تساؤلًا، ووضعت منهجًا للتوصل إلى إجابة، وما حصلت عليه كان تساؤلًا جديدًا. هل يمكن حدوث هذا أو ذاك؟ لا يمكنك تصور ما يعنيه ذلك للباحث، وما يكتنفه من شغف فكري نتيجة له. لا يمكنك تخيل المتعة الحيادية الغريبة لتلك الرغبات الفكرية، فالشيء الذي يقف أمامك لم يعد حيوانًا، أو بشرًا مثلك، بل معضلة. الألم العصبي السمبثاوي، كل ما أعرفه عنه هو أنني أتذكر معاناتي منه منذ أعوام. لقد أردت — وكان ذلك الشيء الوحيد الذي أردته — التوصل إلى أقصى حد للمطاوعة في الكائن الحي.»
قلت: «لكن هذه معصية …»
– «حتى يومنا هذا لم أزعج نفسي قط بشأن الجانب الأخلاقي للأمر، فدراسة الطبيعة تجعل المرء في النهاية قاسيًا لا يعرف الندم، مثله مثل الطبيعة. واصلت العمل دون أن ألتفت لأي شيء سوى التساؤل الذي أسعى للإجابة عنه … وثمار عملي توجد في الأكواخ الموجودة هناك … مضى على قدومنا — أنا ومونتجومري وستة من سكان هاواي الأصليين — إلى هنا نحو أحد عشر عامًا. لا أزال أتذكر سكون الطبيعة الخضراء للجزيرة، والمحيط الخالي الممتد أمامنا، كما لو كان ذلك البارحة. بدا المكان كما لو كان ينتظر قدومي.
أُنزلت المؤن، وشُيد المنزل. وأقام سكان هاواي الستة بعض الأكواخ بالقرب من الوادي الضيق. شرعت في العمل هنا على ما جلبته معي. وقعت بعض الأمور المزعجة في البداية. بدأت تجاربي على أحد الخِراف، وقتلته بعد يوم ونصف بزلة مشرط. أخذت خروفًا آخر، وصنعت منه شيئًا ما من الألم والخوف، وتركته مقيدًا ليتعافى. بدا بشريًّا إلى حد بعيد في نظري عندما انتهيت منه، لكن عندما ذهبت إليه بعد ذلك أزعجني الأمر؛ فقد تذكرني، وفزع فزعًا يفوق التصور، ولم تتجاوز قواه العقلية ما تتمتع به الخراف. وفي كل مرة أراه فيها كان يبدو أكثر افتقارًا للصقل، إلى أن أرحته من معاناته. ما كانت هذه الحيوانات لتجدي نفعًا في تصميم البشر، فقد كانت تفتقر إلى الشجاعة، ويتملكها الشعور بالخوف ويدفعها الألم، ولا تتمتع بأي قدرة على مجابهة التعذيب.
أجريت التجربة بعد ذلك على غوريلا، وأوليتها عناية متناهية، وبعد التغلب على الصعوبات التي واجهتني واحدة تلو الأخرى صممت أول كائن بشري لي. استغرق تصميمه أسبوعًا كاملًا من العمل ليل نهار. كان المخ هو الشيء الرئيسي الذي تطلب صياغة في ذلك الكائن؛ فاستلزم مني إضافة الكثير، وتغيير أشياء أخرى عديدة. ورأيته نموذجًا جيدًا للرجل الزنجي عندما صممته. كان مستلقيًا أمامي مضمدًا ومكبلًا لا يحرك ساكنًا. لم أتركه إلا عندما اطمأننت على حياته. وعندما عدت إلى الغرفة وجدت مونتجومري وقد اعترته الحالة التي اعترتك؛ فقد سمع بعض الصرخات أثناء تحول الكائن إلى إنسان، كتلك التي أزعجتك. لم أكن أثق في مونتجومري بالكامل في بادئ الأمر. لاحظ سكان هاواي الستة أيضًا شيئًا عن ذلك الكائن. وصاروا يفقدون صوابهم من الرعب عندما يرونني. تمكنت من إعادة مونتجومري إلى صفي — على نحو ما — لكننا بذلنا جهدًا كبيرًا لنمنع سكان هاواي من ترك الجزيرة. وقد تركوها بالفعل في النهاية، وفقدنا بذلك اليخت. قضيت أيامًا عديدة في تعليم ذلك الكائن، وبلغت الفترة التي قضيتها معه نحو ثلاثة أو أربعة أشهر. علمته مبادئ اللغة الإنجليزية، وزودته ببعض الأفكار حول الحساب، بل جعلته أيضًا يقرأ الأبجدية. لكنه كان بطيئًا في ذلك الأمر، وإن كنت قد قابلت أغبياء أبطأ منه. بدأ تعلمه كصفحة بيضاء من الناحية العقلية؛ فلم تكن لديه أي ذكريات حول ما كان عليه من قبل. وعندما التأمت جروحه، ولم يعد يشعر بأي ألم أو تيبس، وصار قادرًا على التحدث قليلًا، أخذته إلى هناك، وقدمته لسكان هاواي كمسافر مستخْفٍ مثير للاهتمام.
كانوا مذعورين منه للغاية في البداية، الأمر الذي أزعجني إلى حد ما، فقد كنت مختالًا به. لكنه بدا دمثًا، وكان خانعًا للغاية، مما جعلهم يستقبلونه بعد ذلك، ويتولون مهمة تعليمه. كان سريعًا في التعلم، وبارعًا في المحاكاة والتكيف، شيد لنفسه كوخًا أفضل — من وجهة نظري — من الأكواخ التي بناها هؤلاء الأفراد، الذين كان من بينهم واحد أقرب للمبشِّرين، فعلمه كيف يقرأ، أو على الأقل كيف يميز الحروف، وزوده ببعض الأفكار المبدئية عن الأخلاق، لكن يبدو أنه كانت لديه بعض العادات غير المستحسنة.
استرحت من العمل بضعة أيام، وكنت أفكر في الكتابة عن الأمر برمته لإيقاظ العاملين في مجال علم وظائف الأعضاء بإنجلترا من سباتهم. صادفت فيما بعد ذلك الكائن جاثمًا على إحدى الأشجار ومتحدثًا بكلام غير مفهوم إلى اثنين من سكان هاواي اللذين تعمدا مضايقته. هددته، وأخبرته أن ما يفعله أمر بربري، جعلته يشعر بالخزي، وأتيت إلى هنا عاقدًا العزم على أن أطور ما صنعته قبل أن أنقل عملي إلى إنجلترا. سارت الأمور إلى الأفضل معي بالفعل، لكن حدث تراجع ثانيةً، فبدأت تلك الطبيعة الحيوانية العنيدة تعاود الظهور، يومًا بعد يوم … ما أعنيه هو تحسين الأمور، أعني التغلب على ذلك. إن أنثى الكوجر هذه …
هذه هي القصة: توفي سكان هاواي الستة جميعهم، فسقط أحدهم من فوق القارب، في حين توفي آخر متأثرًا بجرح في كعبه أصابه بالتسمم من عصارة أحد النباتات. وغادر ثلاثة الجزيرة على متن اليخت، وأظن — بل أتمنى — أن يكونوا قد غرقوا. أما الأخير … فقد قُتل. حسنًا، لقد استبدلتهم. وفعل مونتجومري ما أردت أنت فعله في البداية، ثم …»
قلت له بحدة: «ماذا حدث للأخير … ذلك الذي قُتل؟»
– «الواقع أنه بعد أن صممت عددًا من الكائنات البشرية، صممت كائنًا …» ثم تردد في حديثه.
قلت: «ماذا؟»
– «قتله.»
قلت: «لا أفهم. هل تعني …»
– «نعم، قتل ذلك الكائن الرجل، بالإضافة إلى أشياء أخرى عديدة تمكن من اصطيادها. أخذنا نلاحقه يومين. لقد صار طليقًا بالمصادفة، فلم أتعمد مطلقًا إطلاق سراحه. قُضي عليه. لم يتعد الأمر كونه تجربة. كان ذلك الشيء عديم الأطراف، وذا وجه مرعب يلف على الأرض على نحو متلوٍ. كان شديد البأس، ويعاني ألمًا رهيبًا يثير غضبه. كان يجوب الجزيرة مرحًا كما لو كان دولفينًا يسبح في البحر. ظل متربصًا في الغابة عدة أيام، ملحقًّا الأذى بكل ما يقابله إلى أن اصطدناه، ثم تمكن من الهرب متوجهًا ناحية الجزء الشمالي من الجزيرة، فقسمنا أنفسنا لنضيق الخناق عليه. أصر مونتجومري على مرافقتي. كان الرجل يحمل بندقية، وعندما عثرنا على جثته، كانت إحدى ماسورتي البندقية ملتوية وشبه مقضومة … أطلق مونتجومري النار على ذلك الكائن … التزمت بعد ذلك بالنموذج الإنساني الأمثل، فيما عدا بعض الأمور البسيطة.»
صَمتَ بعد ذلك، وجلست أنا أيضًا صامتًا أراقب وجهه.
– «استمر عملي مدة عشرين عامًا كاملة — من بينها تسعة أعوام في إنجلترا — ولا يزال هناك ما يهزمني، ويخيب أملي، ويتحداني لبذل المزيد من الجهد في كل شيء أفعله. في بعض الأحيان أتفوق على نفسي، وفي أحيان أخرى يكون عملي دون المستوى، لكنني دائمًا أفشل في تحقيق ما أحلم به. يمكنني الآن تصميم الشكل البشري، بسهولة على ما أعتقد، فيكون مرنًا رشيقًا، أو مكتنزًا قويًّا، لكن غالبًا ما تكون هناك مشكلة في الأيدي والمخالب، فهي من الأشياء المؤلمة التي لا أجرؤ على تشكيلها بحرية. ويستلزم على المرء أثناء عملية التطعيم وإعادة التشكيل المتقنة أن يتعامل مع المخ، وهو العضو الذي يزعجني في العمل. فيكون الذكاء غالبًا منخفض المستوى على نحو غريب، ومنطويًا على فراغات غير مبررة، وفجوات غير متوقعة. وأكثر ما يثير استيائي شيء ما لا أتمكن من الاقتراب منه. يقع ذلك الشيء في مكان ما — لا يسعني تحديده — بمركز المشاعر، ويتمثل في الشهوات، والغرائز، والرغبات التي تضر بالجانب الإنساني للكائن؛ إنه مقدار كبير غريب خفي يدفع للانفجار فجأة، ويغمر الكيان الكامل للمخلوق؛ الغضب أو الكراهية أو الخوف. تبدو الكائنات التي أصممها غريبة وعجيبة ما إن تراها، لكنها تبدو في نظري، بعد الانتهاء من تصميمها، كائنات بشرية لا تقبل الجدل بشأنها. لكن تلك القناعة تبدأ في التلاشي عندما أراهم بعد ذلك، فتتسلل السمات الحيوانية، واحدة تلو الأخرى، إلى السطح وتحدق فيّ … لكنني سأنتصر. في كل مرة أُغمِر فيها كائنًا حيًّا في بحر من الألم الرهيب أقول: هذه المرة سأقضي على الحيوان بالكامل، هذه المرة سأصمم كائنًا عقلانيًّا. وفي النهاية، عشرة أعوام ليست بالكثير.»
أخذ يفكر على نحو غامض، ثم قال: «لكنني قاربت الوصول إلى نتيجة حاسمة، فأنثى الكوجر تلك …»
صمتَ، ثم استطرد: «إنهم يتحولون بعد ذلك. فما إن أرفع يدي عنهم حتى يبدأ الحيوان بداخلهم في التسلل ثانية، ويفرض نفسه عليهم …»
ساد صمت طويل هذه المرة.
قلت: «وتأخذ بعد ذلك هذه الكائنات التي تصممها إلى تلك الأوكار؟»
– «هم من يذهبون إلى هناك. أستبعدهم عندما أشعر بظهور الحيوان بداخلهم، فيهيمون على وجوههم هناك. جميعهم يرهبون هذا المنزل، ويرهبونني. توجد صورة زائفة من الإنسانية في ذلك المكان، ويعرف مونتجومري ذلك، فهو على علم بشئونهم. لقد درب واحدًا أو اثنين منهم لخدمتنا. أعتقد أن بعضًا من هؤلاء المتوحشين يروقون له قليلًا، وإن كان يخجل من ذلك. هذا شأنه، ولا دخل لي به. الأمر الوحيد الذي يثير اشمئزازي بشأنهم هو شعوري بالفشل. لا يهمني أمرهم. أعتقد أنهم يسيرون على النهج الذي أوضحه ذلك المبشِّر الذي كان بين سكان هاواي الستة، ويحاكون الحياة العقلانية محاكاة ساخرة. يا لهم من بائسين! لديهم ما يسمونه القانون، ويغنون ترانيم عن «ذات عليا». يشيِّدون الأوكار التي يعيشون فيها، ويجمعون الفاكهة، ويقتلعون الأعشاب، بل يتزوجون أيضًا. لكن بإمكاني رؤية كل شيء بداخلهم، يمكنني رؤية نفوسهم، وأنها لا تتعدى كونها نفوس حيوانات؛ حيوانات فانية. يمكنني أن أرى الغضب والتوق الشديد للحياة وإمتاع الذات بداخلهم. لكنهم متفردون، ومعقدون، شأنهم في ذلك شأن أي كائن حي آخر. هناك سعي دائم لتحقيق غاية سامية في نفوس تلك الكائنات، شيء من الخيلاء، من المشاعر الجنسية الغائبة، من الفضول الغائب. يتحداني ذلك الأمر بازدراء … لكن يحدوني بعض الأمل فيما يتعلق بأنثى الكوجر؛ فقد عملت بكد على رأسها ومخها …»
قال، وهو يهم بالوقوف، بعد فترة طويلة من الصمت قضاها كلٌّ منا مستغرقًا في أفكاره: «والآن، ما رأيك؟ هل ما زلت خائفًا مني؟»
نظرت إليه، فلم أر سوى رجل أبيض الوجه والشعر، يسكن الهدوء عينيه. ونظرًا لهدوئه، ولمسة الجمال الناتجة عن ذلك الهدوء وبنية جسمه الرائعة، يمكن أن يُعد مقبولًا وسط مائة غيره من الرجال الموسرين كبار السن. ارتجف جسمي. وكإجابة عن سؤاله الثاني قدمت له أحد المسدسين بكلتا يدي.
قال، وهو يتثاءب: «احتفظ بهما»، ثم وقف، وحدق في لحظة، وابتسم ثم قال: «لقد عشت يومين حافلين بالأحداث. أنصحك بأن تحصل على قسط من النوم. يسعدني أن الأمور قد اتضحت لك. طابت ليلتك.»
أخذ يتأملني لحظة، ثم خرج من الباب الداخلي. وأغلقت على الفور الباب الخارجي بالمفتاح.
جلست مرة أخرى، وظللت كذلك فترة من الوقت في حالة من السكون، وقد بلغت من الإنهاك العاطفي والذهني والبدني ما جعلني لا أتمكن من التفكير في أي شيء آخر بعد تركه إياي. بدت النافذة السوداء كما لو كانت عينًا تحدق فيّ. وأخيرًا، وببذل بعض المجهود، أطفأت المصباح، وصعدت إلى الأرجوحة الشبكية. لم يمض وقت طويل حتى غلبني النوم.