تصدير

الحارة اليهودية وقاهرة المعز

الروائي القصاص الناقد «محمد جبريل» مبدع سكندري، لا يتأتَّى ذلك من كونه وُلد وعاش ردحًا من الزمان بمدينته البحر متوسطية، وإنما تتجلى سكندريته من كونه عاشقًا متبتلًا بالثغر الساحلي، وغارقًا لأذنَيه في أساطيره وعوالمه السحرية، يسير على شاطئ الأنفوشي فلا يعثر إلا بمخلوق غامض لا هُويَّة له، يظهر للناس حين يريد أن يظهر، ويختفي حين ينسى الناسُ وجودَه بالتعود، ويدلف إلى شارع «السبع بنات» فيصطدم بوجود بشري متحرك في صمت، لا تسقط من شفتَيه سوى كلمة «النصر»، تقفز فرحة في زمن الطفولة، وتنكسر على الأرصفة في أزمنة الهجرة بعيدًا عن الوطن، تدخل إلى «حارة اليهود» المُتقوقِعة بقاهرة المُعِز متسلحةً بوعي تاريخي يؤكد على أن الدودة أصل الشجرة، وأن فعل الغد المُرتقَب لن يحدث إلا بدراسة عجز الأمس القريب عن القيام بمثله.

مجموعة متميزة مختارة من قَصَص سريع الإيقاع، مؤسِّس بِنيةً متماسكة، واضحة المعالم، عميقة الدلالة، تعيش زمنًا ساحليًّا مفتوحًا، لترتدَّ للحظاتٍ إلى حارات العاصمة المغلقة، وسرعان ما تعود فرحة إلى ثغرها المنفتح على العالم، لا تصدُّ نفسها عن أحداث تيارات القصِّ العالمية، لكنها أبدًا لا تقع في منزلق الغموض والمعاظلة.

إنها قصص فاتحة الصدر على العالم وله، تتفاءل دون تسطيح لوقائع الحياة، وتمتلك رؤيتها على تغيير معطيات الواقع لصالح الإنسان، لذا يظلُّ الإنسان غايتها ونبراسها وبطلها الأول.

د. حسن عطية

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤