حكاية فات أوان روايتها
لمَّا غابت الشمس، وحطَّت على المكان غمامةٌ سوداء، تصوَّرنا أنها سحابة طارئة، تمضي في طريقها نحو الشمال … لكن الريشات الهائلة، المتداخلة في الغمامة، دفعَتنا إلى الفرار، وأعيننا ترقب الطائر الضخم، كأنه «الرخ» الذي تتحدث عنه الحواديت، وإن بدَت ملامحه أقرب إلى النسر، في حجم يفوق آلاف المرَّات صورته التي اعتدناها. تيقنَّا ممَّا رأيناه، ونحن نلتصق بأطراف الحديقة الواسعة، وبدَا الجناحان، والجسد، والرأس …
ومضى الطائر بعيدًا.
غالبنا التردُّد، واقتربنا ممَّا خلَّفه الطائر؛ بيضة هائلة، توسطَت الحديقة. نقر أحدُنا عليها بإصبعه، ثم عَدَل عمَّا فعل، وجرى، وجرَينا خلفه، وفي كل اتجاه، عندما أظلمَت السماء ثانيةً باقتراب الغمامة السوداء.
أقلع الطائر، فخرجنا من مخابئنا، ومن البيوت والشوارع القريبة.
كانت البيضة الهائلة في مكانها.
حاولنا تبيُّنَها، لكننا أسرعنا بالفرار حين علَت الغمامةُ السوداءُ رءوسَنا.
قال راشد عثمان مُحذِّرًا: «لا تقتربوا من البيضة … يظل الطائر بعيدًا.»
قال زكي عبد الحليم: «وهل تظلُّ البيضةُ بيضة؟»
قال عبد المجيد عنتر: «ماذا تقصد؟»
قال راشد عثمان: «لا بدَّ أنها ستفقس يومًا!»
قال عبد المجيد عنتر: «بداخلها طائر سيَلحَق بأمِّه!»
قال زكي عبد الحليم: «فإنْ ظلَّ في الحديقة …»
قال راشد عثمان: «الطائر أتى من بعيد، ولا بدَّ أن يَلحَق به أبناؤه.»
عاود زكي عبد الحليم السؤال في إصرار: «فإن ظلَّ الطائر الوليد، المرتقب، في الحديقة …»
قال راشد عثمان: «سنواجه الطائر، وما بداخل البيضة.»
عَلَا صوتُ عبد المجيد عنتر بالحيرة: «فلماذا لا يحدث ذلك الآن؟ لماذا نكتفي بالانتظار؟»
أردف في تأكيد: «إذا فقسَت البيضة، فسيعود إليها الطائر الغريب، وقد لا يغادر المكان.»
لكن البيضة ظلَّت في موضعها، والطائر يرانا ولا نراه، يهبط بجناحَيه على الحديقة كلما اقترب أحدُنا من البيضة. يثور الغبار، وتعلو أمواج الشاطئ، تصطدم بالكُتَل الحجرية، فتندلق المياه في الشارع. يشغلنا «ماذا بعد أن تفرخ البيضة؟»
علَت الأصواتُ في البيوت، وفي القهاوي، وداخل الدكاكين، وعلى البلانسات، وفي زحام شارع الميدان، وأثناء الانشغال بصيد الجرَّافة، وعقب أداء الصلوات في الجوامع، وفي الموالد، وعلى شاطئ الكورنيش. همُّنا التصرف قبل أن تفقس البيضة، ويظهر ما لم نكُن نتوقعه.
طال النقاش، والأخْذ والرد، والرأي والرأي المخالف والتأكيدات المقتنعة، والتسخيف وتبادل الاتهامات … حتى هبط الطائر على البيضة ذات ليل بجناحَيه، وطال رُقادُه عليها.
أدركنا أن أوان فقْس البيضة قد حان، وليس في مقدورنا ما نفعله.