مهمة في قاع البحر!
المقر السري يُنادي … المقر السري يُنادي … برجاء الإجابة.
مجموعة الشياطين مطلوبون على وجه السرعة … قيادة المقرِّ تُنادي.
لا مُجيب سيادة القائد …
القائد: اتصِل برقم «صفر».
ضابط الاتصال: رقم «صفر» خارج البلاد يا أفندم.
القائد: أعرف.
الضابط: وهل تظن أن الشياطين معه؟
القائد: أنا لا أظن … أنا أعرف أنهم ليسوا معه.
الضابط: إذن أين هم؟
القائد: تحت الماء.
الضابط: ماذا تقول يا أفندم؟!
القائد: تحت الماء يا حضرة الضابط … لذلك لم يتلقَّوا اتصالنا بهم عبر ساعاتهم.
الضابط: هل لا تصل إشاراتنا لهم تحت الماء؟
القائد: بالطبع لا … فذلك يستوجب أن يكونوا مُجهَّزين بمعدات خاصة … ألم أقُل لك اتصِل برقم «صفر»؟
الضابط: تمام يا فندم.
وفي مطار «فرانكفورت» بمدينة «هايدلبرج» الألمانية، كان رقم «صفر» يُنهي بعض الإجراءات عندما انطلقت الموسيقى من تليفونه المحمول، تُنبِّهه إلى أن هناك من يطلبه … وعندما عرف أنه المَقر، طلب من ضابط الاتصال تأجيل المكالمة لدقائق، ثم أسرع في إنهاء إجراءات وصوله.
وعندما انطلقت به سيارة الأجرة بين الأعشاب الخضراء المغطَّاة بطبقة رقيقة من الثلج الأبيض في الطريق من المطار إلى المدينة، تلقَّى الاتصال مرةً أخرى من المقر … وقد كان القائد العام هو الذي يتحدَّث … حيَّاه بحرارة، ثم سأله قائلًا: أين أنت الآن؟
رقم «صفر»: أنا أُطلُّ الآن من المرتفع على نهر «النيكر» في طريقي إلى إحدى المدن الألمانية.
القائد: «هايدلبرج»؟
رقم «صفر»: نعم هي.
القائد: إنها ضمن ولاية «بادن» … أليس كذلك؟
رقم «صفر»: نعم هذا صحيح.
القائد: وهل سبقك أحدٌ من الشياطين؟
رقم «صفر»: لا … فلم تتحدَّد لهم مهمة بعد.
القائد: إذن أين هم؟
رقم «صفر»: هل قمت باستدعائهم؟
القائد: نعم، ولم يستجيبوا.
رقم «صفر»: سأستدعيهم أنا على موجة الطوارئ.
وفي أعماق «البحر الأحمر»، أثبتت السيارة المقر … أنها غواصةٌ ذات كفاءةٍ عالية … وكان الشياطين سُعداء بها جدًّا.
وكان قرار تواجدهم فيها جميعًا يهدف إلى أن يتعوَّدوا على الإقامة وإدارة العمل من المقر المتحرِّك، هذا من ناحية … ومن ناحية أخرى فإن هناك تقريرًا هامًّا عن الأعشاب المرجانية بمحمية «رأس محمد» طلب منهم رقم «صفر» إعداده على وجه السرعة، بعد غرق سفينة شحن وعلى ظهرها حمولة ضخمة من الأسمدة الزراعية، والتي يشك الخبراء أنها ملوَّثة إشعاعيًّا، ممَّا يهدِّد الحياة البحرية في المحمية، بل وفي منطقة «البحر الأحمر» كلها بالخطر … وقد يُعرِّض المنطقة لكارثة مروِّعة … وقد أثار هروب طاقم السفينة بعد غرقها، شكوك القيادات الأمنية في «مصر» في أن تكون هذه العملية مُدبرةً من قِبَل جهاتٍ أجنبية، بغرض تدمير مقوِّمات «مصر» السياحية.
لذا فعندما استدعاهم رقم «صفر» ولم يستجيبوا، عرف أنهم كلهم خارج المقر … وأنهم يعملون على إنهاء التقرير كما طلب منهم … ممَّا دفعه لاستخدام موجة الطوارئ …
وسرت في أجسادهم جميعًا رجفةٌ خفيفة … توجَّهوا على أثرها إلى غواصتهم … حيث استقبلوا رسالة رقم «صفر» التي طلب منهم فيها … الاتصال بالمقر.
وعند اتصالهم بالمقر … أجابهم ضابط الاتصال في سعادة بالغة … فها هو أخيرًا يحقِّق رغبة القائد … ولم يضيِّع الوقت … فقد اتصل به في حينه وأخبره أن الشياطين يطلبونه، فترك القائد ما بيده من مهامَّ وأسرع بالردِّ عليهم قائلًا: معكم القائد «حسام».
أحمد: صباح الخير قائد «حسام». لقد طلب منا الزعيم رقم «صفر» الاتصال بكم للأهمية.
القائد: نعم … نعم … كيف حالكم جميعًا أولًا؟
أحمد: بخير يا فندم …
القائد: حسنًا … وأين أنتم الآن؟
أحمد: تحت الماء في محمية «رأس محمد».
القائد: منطقة الشعاب المرجانية؟
أحمد: نعم.
القائد: هذا أمر رائع … وعمَّ تبحثون هناك؟
أحمد: نُعد تقريرًا طلبه منَّا الزعيم.
القائد: عن غرق سفينة الشحن؟
أحمد: نعم وتأثيرها على الشعاب المرجانية.
القائد: مُصادفة رائعة.
أحمد: لماذا يا فندم؟
القائد: لقد بحثت عنكم كثيرًا من أجل هذا الموضوع.
أحمد: سيكون التقرير بين أيديكم في أقرب وقت إن شاء الله.
القائد: شكرًا … وتمنياتي لكم بالتوفيق.
وما إن انتهى الاتصال، حتى التفت «أحمد» إلى بقية الشياطين، وعلامة استفهامٍ كبيرةٌ تعلَّقت بعينَيه أثارت فضول «ريما» التي ربتت على ساقَيها في حركة تهديد وهي تقول له: تكلَّم وحدك … وقل كل شيء … فلن أسألك.
فنظر لها مبتسمًا ولم يُجِب … ممَّا أثار أعصاب بقية المجموعة، فاندفعت «إلهام» تقول له: تكلَّم يا «أحمد» وأخبرنا عمَّا يحدث … فلنا أعصابٌ مثلك تتوتَّر.
أحمد: ما لكم يا جماعة؟ تحلَّوا بالصبر.
عثمان: تحلَّ أنت بالسكر، وقُل لنا ماذا حدث؟
أحمد: لقد كنت أتحدَّث مع القائد العام.
ريما: جيد جدًّا.
أحمد: وقد بحث عنَّا كثيرًا ليُكلِّفنا بمهمة.
إلهام: ألهذا أنت شارد؟
مصباح: طبعًا … فإصدار الأمر بالمهام، مسئولية الزعيم رقم «صفر» وحده.
زبيدة: ولكنه القائد العام!
أحمد: أعرف … ولكن ما أعرفه أكثر أن المنظمة التي ننتمي إليها تحكمها الدقة المتناهية في كل شيء.
عثمان: ماذا تقصد؟
أحمد: أقصد أن كل من يعمل فيها له اختصاصه الذي لا يتعدَّاه.
إلهام: ونحن من اختصاص الزعيم رقم «صفر».
ريما: وهو الوحيد القادر على قيادتنا.
قيس: على العموم ما طلبه القائد منا هو إعداد تقرير، وليس القيام بمهمة … ولولا عجلة وأهمية الموضوع، لانتظرنا حتى عودة الزعيم من «ألمانيا».
أحمد: وهل ما قمتم به هنا يكفي لإعداد التقرير؟
إلهام: أعتقد ذلك.
ووافق الجميع على ما قالته «إلهام» … من أن ما جمعوه من معلومات عن المنطقة والحادثة، تكفي لإعداد تقرير عاجل … مع ترك باب العودة مرةً أخرى مفتوحًا … وذلك لأن هناك نقاطًا غامضة لم تُكتشف بعد.
وفي نادي يخت القوات المسلحة … تمَّ غسل السيارة المقرِّ بعد خروجها من الماء … وبعد تمام تجفيفها انطلق بها الشياطين إلى المقرِّ السري ﺑ «الهرم».
وعندما دارت حول صينية ميدان الرماية كانت أجهزة الكمبيوتر في المقرِّ تُعلن عن قدومهم، وما إن اقتربت من البوابة الحديدية للفيلا حتى انفتحت تلقائيًّا … فعبرتها إلى الممرِّ المرصوف الموصل إلى الجراج … الذي انفتحت بوابته أيضًا لتعبره السيارة … وأخيرًا … أُغلقت كل الأبواب وساد الصمتُ المكان … فلم تقطعه إلا وقع خطوات الشياطين في طريقهم إلى قاعة مركز المعلومات، وأمر صدر من «أحمد» بإعداد مشروب ساخن وبعض السندوتشات ليتناولوا الغداء وهم في غمرة العمل.
وأثناء انشغالهم بإعداد التقرير ما بين باحث عن معلومة … ومنتظر لنتيجة قياس أو تحليل، ومضت نقطة حمراء أعلى يمين شاشة «أحمد»، فضغط على زر بلوحة مفاتيح الكمبيوتر، فاختفت كل المعلومات من على الشاشة … ليظهر بدلًا منها شعار مركز بحوث ومختبرات المقر … ثم اختفى هو الآخر وحلَّ مكانه تقريرٌ عن نتيجة تحليل العينات … التي أرسلها للفحص.
وبعد أن قرأه مليًّا، ضغط مرةً أخرى زرًّا بلوحة المفاتيح … ثم ضغط آخر … فخرج له التقرير مطبوعًا من طباعةٍ خاصَّةٍ بالجهاز.
وعندما همَّ بقراءته سمع همسات الشياطين حوله تُعلن انتهاءهم من إعداد تقاريرهم. وبعد موافقة الجميع، قاموا بإدخال أجهزتهم على الشبكة الخاصة بالكمبيوتر المركزي … حيث قام بتجميع كل التقارير، وتحليلها … وإعداد تقرير عام نهائي … وطبع نسخة منه لكل واحد منهم.
ما إن شرعوا في قراءتها، حتى أعلن الكمبيوتر عن اتصال رقم «صفر» من «ألمانيا» … فقام «أحمد» بتلقي الاتصال والكل مترقبٌ ممَّا سيُسفر عنه.
وبعد أن انتهى «أحمد» التفت إليهم قائلًا: فليجلس كل منكم إلى جهازه ويدخله على الشبكة العامة؛ فلدينا اجتماع مع الزعيم.
إلهام: ألَا زال في «هايدلبرج»؟
أحمد: ما أعرفه أنه في «ألمانيا».
وبعد أن انتهى الجميع من إعداد أجهزتهم … أعطى «أحمد» إشارة الاستعداد لرقم «صفر»، وبدأ الاجتماع عبر آلاف الأميال … حيث ظهرت على شاشاتهم الخطوط البيانية المتراصة، والتي تدل على أن رقم «صفر» يجلس الآن بينهم … وجاء صوته الرخيم قائلًا: مساء الخير أم صباحه.
أحمد: مساء الخير سيد «صفر».
رقم «صفر»: اتصلت بكم في السيارة فلم أجِدكم، وعرفت أنها خارج الخدمة … فأيقنت أن تكونوا في مركز المعلومات.
إلهام: هو كذلك سيد «صفر».
رقم «صفر»: هل انتهت «إلهام» من إعداد تقريرها؟
إلهام: كلنا انتهينا منه … حتى الكمبيوتر المركزي انتهى من إعداد التقرير العام.
رقم «صفر»: وماذا به من جديد؟
أحمد: «نجمة البحر» … هذا الحيوان البحريُّ المتعدِّد الأرجل … لم يكن موجودًا في «البحر الأحمر» من قبلُ … والآن وفجأةً أصبح منتشرًا بصورة كبيرة.
رقم «صفر»: وما علاقة هذا الحيوان بالشعاب المرجانية؟
أحمد: يقول التقرير إن هذا الحيوان الذي يُشبه الأخطبوط، يمتلك ما بين ١٠ أو ١٣ رِجلًا يحتضن بها القطع المرجانية … ثم يُخرج قناته الهضمية … ويقوم بإفراز عصارات هاضمة تهضم جسم الحيوان الداخلي للشعاب … ثم يمتصُّ المادة المهضومة بمماصَّات خاصة به … ويبقى بعد ذلك الهيكل المرجانيُّ للشعاب المرجانية فقط مُعرَّضًا لعوامل التعرية.
رقم «صفر»: إنه حيوان خطير جدًّا … فهو يقضي على الموجود من الشعاب المرجانية، ويقلِّل فرصة ظهور أجيال جديدة منها.
أحمد: نعم …
رقم «صفر»: وهل وجوده الآن وفجأةً في «البحر الأحمر» جاء من قبيل المصادفة … أم إن هناك أسبابًا طبيعية معروفة … أم إنكم تشكُّون في مؤامرة؟
أحمد: لم نصل إلى شيءٍ بعد.
رقم «صفر»: وبالنسبة لشِحنة الأسمدة الغارقة … هل عرفتم هُوية السفينة.
أحمد: نعم … إنها لإحدى شركات النقل في دول شمال «آسيا».
رقم «صفر»: هل تعمل لصالح أحد؟
أحمد: إن الظواهر العامة تقول ذلك.
رقم «صفر»: وهل لهذه الشِّحنة علاقة ﺑ «نجمة البحر»؟
أحمد: لم يُفِدنا مركز الأبحاث عن ذلك بعد.
رقم «صفر»: أهناك شيء آخر تودون أن أعرفه؟
أحمد: نعم؛ فسنعود إلى «رأس محمد» مرةً أخرى لاستكمال البحث.
رقم «صفر»: لا مانع … على أن تُقسِّموا أنفسكم إلى مجموعات عمل.
أحمد: سيتم ذلك سيد «صفر».
رقم «صفر»: وسأتصل أنا بالقائد العام … أشكركم. وفَّقكم الله.
انقطع الإرسال عن شاشات الكمبيوتر … فأوقفوها عن العمل … وباتفاق سريع … تحرَّك الجميع إلى أجنحتهم الخاصة.
ومن الشباك المجاور لسرير «أحمد»، رأى في السماء ما ذكَّره ﺑ «البحر الأحمر» … إنها النجوم المنتشرة بكثافة وكأنها هي الأخرى تسبح قاصدةً «رأس محمد»، وشعر بغصة في حلقه عندما تذكَّر ما تفعله «نجمة البحر» بالشعاب المرجانية … وما ستئول إليه أجمل غابة مرجانية في العالم … إذا لم يرحل هذا الحيوان … وتعجَّب كثيرًا عندما تذكَّر صورته … وهو ملتصق بقاع البحر … وأصابعه تتسلَّل بصعوبة تحت جسمه … محاولًا الإمساك به … وكأنها تتسلَّل تحت حجر ضخم … وعندما أفلح في الإمساك به … جذبه بقوة حتى استطاع رفعه، وعندما خرج به من الماء … رأى على أذرعه غابات كثيرةً من المماصات والتي تُشبه الديدان الحية، في جسمها وفي حركتها.
وسرح بخياله بعيدًا … حيث توجد المعامل ومراكز البحوث وأبحاث الهندسة الوراثية … وتخيَّل نفسه واحدًا من أولئك العلماء … وأمامه أحد حيوانات «نجمة البحر»، فما كان سيفعل بها هل سيُكسبه صفات جديدةً تجعله نافعًا للإنسان؟
وماذا لو كان هذا العالم ذا ميول عدوانية … هل سيكسبه صفات دمويةً مدمرة … وهنا اقشعرَّ بدنه … فهذا الحيوان لو زاد حجمه وأصبح في حجم حوت ضخم مثلًا … لاكتسبت مماصاته هذه قوة ألف ذراع بشرية … واستطاعت عصارته الهاضمة … أن تُذيب حيوانًا في حجم الفيل … وأن تلتهم أعدادًا قليلة من كل ما لدى «مصر» من شعاب مرجانية في أسابيع قليلة.
وكاد النوم يتسلَّل خارجًا من غرفة نومه بلا عودة … لولا أنه تذكَّر مُهمة الإعداد لرحلة الغد … من أجل استكمال البحث عن المزيد من أسرار هذا الحيوان، وكيفية دخوله خلسةً إلى مياهنا … وعن العلاقة بين وجوده وشَحنة السماد الغارقة …
وترك «أحمد» سريره عندما شعر بصعوبة النوم … وخرج يمشي لدقائق في الممر الفاصل بين غرفهم، فاصطدم في آخره ﺑ «عثمان» الذي كان يفعل نفس الشيء لأنه قد راودته الأفكار.
في غضون دقائق … كان الممر يزدحم بالشياطين الذين لا يجدون رغبةً في النوم … فقد راودتهم ما راود «أحمد» من أفكار.
وانفتح باب المصعد بجوار باب غرفة «فهد» وخرجت منه «إلهام» في حال يقظة تامة … وانفجر كل الشياطين في الضحك … سألها «عثمان» قائلًا: هل رأيتِ «نجمة البحر» العملاقة يا «إلهام»؟
إلهام: هل رأيت أنت؟
عثمان: بالطبع لا …
إلهام: لقد رأيتها!