الوحشُ المجهول!
أحمد: رأيتِ ماذا؟
إلهام: «نجمة البحر» العملاقة يا «أحمد»!
عثمان: أين ومتى؟ إن الذهاب إلى «البحر الأحمر» والعودة ونزول البحر والخروج منه يحتاج إلى يوم كامل!
أحمد: رفقًا بها يا «عثمان»، ولنجتمع في مركز المعلومات …
قال عثمان: هل أستدعي بقية الشياطين؟
أحمد: لا أرى ضرورةً لذلك.
وفي مركز المعلومات، رأى الشياطين ما أثار دهشتهم … فقد كانت بقية المجموعة، تجلس أمام أجهزة الكمبيوتر في حالة تركيز شديد … إلا أن «ريما» شعرت بوجودهم … فالتفتت، وعندما رأت «أحمد» … صاحت في سعادة قائلة: من أيقظك؟
أحمد: النجمة العملاقة.
ريما: هل زارتك؟
أحمد: هل ما تقوله «إلهام» حقيقي؟
ريما: وماذا قالت «إلهام»؟
عثمان: إنها رأت النجمة العملاقة!
ريما: «إلهام» لا تقول غير الحقيقة.
أحمد: هل كنتِ معها؟
ريما: بل كنا معها أنا و«زبيدة» و«هدى».
عثمان: وأين هي الآن؟
ريما: ادخلوا واجلسوا أولًا حتى نستطيع التحدث …
دخل الشياطين جميعهم آخذين أماكنهم خلف أجهزة الكمبيوتر … وما إن رأتهم «زبيدة» حتى صاحت قائلة: واو! … أكُلكم رأيتموها؟ …
أحمد: أخبرينا بالموضوع يا «إلهام»!
إلهام: لقد تقلَّبتُ في فراشي كثيرًا أُحاول النوم بلا جدوى … وراودتني كثير من الأفكار، فعدت إلى مركز المعلومات؛ لتأمُّل التقرير الذي أعددناه مرةً أخرى … فوجدت تقرير مركز بحوث المقر، عن معلومات شِحنة السماد الغارقة … والمثير في هذا التقرير أن العينة كانت تحتوي على جينات لحيوان بحري، وبالرجوع لبنك الجينات، وجدنا أنها تخصُّ «نجمة البحر» …
علت الهمهمات بين الشياطين … وتداخلت الأصوات، فرفع «أحمد» يدَيه معترضًا وهو يقول: يا جماعة أرجوكم الهدوء لنسمع بقية ما عندها.
إلهام: وقد أخبرنا التقرير أن علماء مركز بحوث المنظمة عاكفون على دراسة هذه الجينات، ومعرفة التعديلات التي أُدخلت عليها … والغرض منها …
«أحمد» إنه أمر خطير للغاية، ولكن حتى الآن لم تخبرنا بشيء عن النجمة العملاقة التي رأيتها …
إلهام: لقد لجأت إلى موسوعة المركز … لمعرفة مدى ما وصل إليه العلماء ومركز البحوث عن طريق الهندسة الوراثية وتعديل الصفة الوراثية في الجينات.
عثمان: وماذا عرفت؟
إلهام: لقد استطاع العلماء زيادة حجم كثير من النباتات … وجعلها قادرةً على تحمُّل الظروف المُناخية الصعبة، بل واستطاعوا الوصول إلى قمح يمكن ريه بالماء المالح … واستطاعوا إكساب بعض أنواع الفاكهة طعم أو لون فاكهة أخرى …
أحمد: هل تسمحين لي أن أكمل؟
إلهام: تكمل ماذا؟
أحمد: هذا الموضوع.
إلهام: تَفضَّل …
أحمد: لقد أعطيتِ الكمبيوتر كل هذه المعلومات مع تصوراتك الخاصة … فأعطاك النتيجة؛ نجمة عملاقة بها مماصات أطول وأقوى من أذرع الأخطبوط، فما بالك بأذرعها العشرة؟
في هذه اللحظة ضغطت «إلهام» على زر بلوحة مفاتيح جهاز الكمبيوتر، فأضاءت شاشته … ثم طلبت منه عرض ما توصَّلت إليه …
واتجهت أنظار كل الشياطين إلى الشاشة … فطلب منها «أحمد» أن يوصل الكمبيوتر بالشاشة العملاقة، وساد الصمت القاعة … وترقَّب الجميع ما سيرَونه … ولم يفيقوا إلا على صوت «أحمد» يقول لهم: أنا متأكد أن هذا الفيلم يُجسِّد تصوُّر كل واحد منكم.
عثمان: نعم … نعم.
فهد: إنه شيء مُخيف أن يكون ذلك الكائن في «البحر الأحمر».
زبيدة: لو حدث ما نتوقَّعه فسيتحوَّل لون البحر إلى الأحمر فعلًا …
أحمد: تقصدين بسبب ما سينزف من دماء فيه؟
زبيدة: نعم.
عثمان: هذا الحيوان لا يترك نقطة دم واحدةً تنزف.
أحمد: نعم … إنه يمتص كل شيء …
التفت الجميع إلى «عثمان» و«أحمد» في غير تصديق … وبداخلهم رجاء ألَّا يحدث ذلك … لأن وجود هذا الحيوان بهذا الحجم وهذه الصفات … سيكون وبالًا على «مصر» وعلى كل الدول المُطلة على «البحر الأحمر» … ومن المؤكَّد أنه سينتقل إلى البحر المتوسط … وسيهدِّد الثروة السمكية بالفناء … وسيهدِّد سياحة الشواطئ … وسيهدِّد البيئة البحرية …
أحمد: ولكن حتى الآن ما زال كل ما نفكِّر فيه تصورات وخيالًا …
إلهام: وممكن حدوثه …
أحمد: بالطبع … وأكثر من ذلك؛ فالهندسة الوراثية حقَّقت إنجازات مُذهلة … وإن لم تحكم الأخلاقُ وضمائر العلماء … فسيتحوَّل كل هذا العلم إلى آلاف القنابل الذرية كالتي أُسقطت على «هيروشيما» و«ناجازاكي» في «اليابان».
عثمان: المشكلة ليست في العلماء … المشكلة في الإنسان الذي يستخدم علمه ويطوِّعه لأغراضه.
إلهام: الآن فقط أستطيع النوم، بعد أن زال توتري بحديثي معكم … شكرًا …
قالت «إلهام» ذلك … وتركتهم وانصرفت إلى غرفتها … وكان هذا أيضًا ما فعله بقية الشياطين. وفي التاسعة صباحًا وفي جراج المقر … كان «أحمد» يُراجع تجهيز السيارة المقر … استعدادًا لرحلة الغوص والبحث عن الحقيقة.
كانت «إلهام» قد لحقت به ويبدو على وجهها الانشغال بموضوع هام … فانتحى بها جانبًا وسألها عمَّا يشغلها، فقالت له: «أحمد» … إن الجينات المعدَّلة يتم حقنها بالدم.
أحمد: ماذا تقصدين؟
إلهام: أي ليس لها علاقة بشُحنة السماد.
أحمد: إذن لماذا وجدها في نفس العينة؟
إلهام: إن شِحنة السماد كانت توجد بينها أحواض تحتوي على مجموعة من حيوان نجم البحر … وقد تمَّ تفريغها قبل إغراق السفينة. وقد جُرحت بعض هذه الحيوانات التي تمَّ حقنها حديثًا … فخرجت منها هذه الجينات.
أحمد: أو علقت بها عند حقنها.
إلهام: نعم.
أحمد: ولكن إن لم يكن لشِحنة السماد دور فيما سيحدث لهذا الحيوان … لماذا تمَّ إغراقها؟
إلهام: أعتقد أن مُهمة البحث هذه المرة ستكون شاقة … لأن النتائج المطلوبة منها أكثر دقة.
أحمد: صدقتِ …
وكما أمر رقم «صفر» قام «أحمد» بتقسيم الشياطين إلى ثلاث فرق عمل.
الفرقة الأولى: وتتكوَّن منه ومن «إلهام» و«عثمان» و«ريما» و«فهد» لمسح قاع البحر.
الفرقة الثانية: وتتكوَّن من «مصباح» و«باسم» و«بوعمير» و«قيس» و«هدى» … وتمكُث هذه المجموعة في مركز المعلومات في محاولة للبحث عن الجديد وتفسيره والتنسيق فيما بينهم وبين مركز البحوث لسرعة الوصول لحقيقة كل ما يرسلونه من عينات.
الفرقة الثالثة: وهي مجموعة الاتصال، وعليها الربط بين فرقة الغوص وفرقة المعلومات، على أن يكون الجميع في حالة تأهُّب لِمَا يستجد.
وبأمر مباشر … توجَّهت «إلهام» و«ريما» وخلفهما «عثمان» و«فهد» إلى السيارة المقر … إلى أن انتهى «أحمد» من مراجعة أسلحته الشخصية … ثم استقلَّ السيارة جالسًا خلف عجلة القيادة.
وبلا صوت تحرَّكت بهم في الممر الخلفي لحديقة المقر، حتى اقتربت من باب الخروج … فانفتح تلقائيًّا، وقبل أن يغادروه … سمعوا صوت القائد العام يقول لهم: بالتوفيق إن شاء الله.
اندهشت «ريما» وسألتهم قائلة: من أين هذا الصوت؟!
عثمان: صادر من تابلوه السيارة.
ريما: لا بل صادر من قلب القائد العام.
أحمد: الأنثى … أنثى … حتى في أدق المواقف وأحرج اللحظات لا تنسى مسألة القلب هذه.
إلهام: وهل ينساها الرجل؟
فنظر لها «أحمد» مليًّا … وقد كانت تجلس بجواره، ثم قال: حتى لو نسيها … فإنه يذكرها بمجرد أن يرى الأنثى.
ابتسمت «إلهام» في نشوة … قطعها «عثمان» قائلًا: أكثر قلب يشغلني الآن هو قلب الأحداث.
ريما: أتعرفون أكثر القلوب غموضًا؟
عثمان: قلبي.
ريما: أنا لا أمزح.
فهد: أعرفه أنا.
ريما: وما هو؟
فهد: قلب الليل.
ريما: عندك حق … مع أني أقصد شيئًا آخر.
أحمد: أعرف ما تقصدين.
ريما: وأنا واثقة من ذلك.
أحمد: قلب البحر أليس كذلك؟
ريما: هو كذلك … لأنه أكثر قلب يشغلني الآن.
قطعت السيارة ثلثَي شارع «الهرم» في سلاسة ويُسر، ولكن عندما اقتربت من النفق … أصبحت تسير كالسلحفاة … ممَّا دعا «أحمد» لاستعمال سارينة الطوارئ … وفي دقائق كان قد عبر النفق إلى كوبري الجيزة العلوي، وانفتح له الطريق بعد ذلك حتى غادر القاهرة … فأطلق لعداد السرعة العِنان … ومعه انطلق خياله سابحًا مع «نجمة البحر».
فكم قابل نجومًا! … وكم عدها في السماء في ليالي الصيف الحالمة! … فلم تشغله مثل هذه النجمة آكلة الشعاب المرجانية … هذا الحيوان الرخو … الذي يتحوَّل إلى غابة مرجانية جميلة لها ألوان جذابة … تحوي أجمل ما رأت العين من أسماك زينة.
هل تُهدِّد هذه النجمة كل ذلك … لقد رآها كثيرًا مُعلَّقةً على أبواب منازل الصيادين … وفي المتاحف البحرية … وفي بيوت كثير من أصدقائه … ولم يرَها حيةً إلا هذه المرة. ولم يعرف أنها بهذه الشراسة إلا هذه المرة … وكثُرت الأفكار في رأسه، فقطع على الشياطين صمتهم قائلًا: تصوَّروا أن هذا الحيوان يُخرج جهازه الهضمي ويُفرز عصارته الهاضمة على الفريسة، ويمتصها بمماصاته … بعد أن تذوب.
إلهام: تقصد «نجمة البحر»؟
أحمد: إنها أعجب مخلوق عرفته … إنها مصنع حي.
عثمان: إنها تقول لك إنه ليس مُهمًّا لكي تأكل وتهضم أن يكون لك فم وأسنان.
فهد: إنها قدرة الله سبحانه.
ريما: المشكلة هي في استخدام هذه التركيبة الرائعة والغريبة فيما يضر ولا ينفع.
إلهام: تقصدين التخريب الذي يُحدثه العلم في البناء الوراثي؟
ريما: نعم.
كانت السيارة قد اقتربت من خليج السويس، عندما طلب «أحمد» من «عثمان» أن يحل محله أمام عجلة القيادة … ثم انتقل هو إلى المنطقة الخلفية … حيث استبدل ملابسه بملابس الغوص … وبمجرد أن لامست السيارة سطح الماء، قفز منها مختفيًا لفترة … ثم عاد للظهور على سطح الماء أيضًا متعلِّقًا بالسيارة لمسافة طويلة نسبيًّا … ثم عاود الكَرة مرةً أخرى … وهكذا حتى قطعت السيارة مسافةً كبيرة داخل الماء … فأعطى ﻟ «عثمان» الأمر. وبضغط بعض الأزرار … تحوَّلت السيارة إلى غواصة صغيرة … واختفت تدريجيًّا تحت الماء.
وعندما بدأت الهبوط في مستوًى رأسي، طلب من «فهد» و«عثمان» إبدال ملابسهما للغوص معه، على أن تقوم بقيادة الغواصة «إلهام» تعاونها «ريما». ومن باب مستدير بأسفل الغواصة … «أحمد» ومن ورائه «عثمان» وتبعهما «فهد».
وعلى هَدي كشاف قوي … في قاعة الغواصة، سبح الشياطين الثلاثة وقد زوَّدوا نظارة الغوص بعدسات مُكبرة …
وقد أصابتهم هذه العدسات في أول الأمر بالرعب … فقد رأوا «نجمة البحر» في حجم الغواصة … ونسوا أنهم يرَونها مكبَّرةً عشرات المرات … حتى ذكَّرتهم «إلهام» أن هذه العدسات يمكنهم التحكم فيها يدويًّا … برفعها أو إنزالها … إلا أن «عثمان» رفض أن يستعين بها مرةً أخرى … فهي تُذكِّرهم بما ستكون عليه «نجمة البحر» المُعدَّلة.
ومرَّ بجوارهم قرش صغير لم يتركه «عثمان» دون مداعبة وهو يقول في نفسه أنا لا أخاف منك لأني أعرف حدود قوتك … ولكني أخاف من هذا الكائن الضعيف لأني لا أعرف حدود قوته بعد …
وبعد سباحة مسافة غير قصيرة … لاحظ «أحمد» أن سربًا ثلاثيًّا من «نجمة البحر»، يتحرَّك خلفهم أينما ذهبوا، ممَّا أثار دهشتهم … لأنه من المفروض أن يفر هاربًا منهم بمجرد أن يراهم؛ فهل تحوَّل هذا المخلوق المُسالم إلى مخلوق عدواني … قوي … مهاجم؟ … هل أصبح له في الإنسان غرضٌ أو هدف؟
وجرَّب «أحمد» أن يُخيف هذا الحيوان بعصًا كهربية يحملها في يده … وكان من العجيب أنه هاجمها، ثم قلَّص أرجله العشرة وفردها في حركةٍ مفاجئةٍ ليبتعد عن عيون الشياطين، وكذلك فعل بقية السرب … ممَّا جعل الشياطين يدورون حول أنفسهم بحثًا عن سرب ذلك الحيوان المراوغ.
وفي قلب غابة الشعاب المرجانية، بحثت عيونهم وترقَّبت آذانهم … إلا أن ازدحام المكان بالأسماك المتنوِّعة صعَّب من عملية البحث.
وزاد الأمرَ صعوبةً محاولةُ مجموعة من أسماك القرش للانفراد بأحد الشياطين وافتراسه، ورغم أنهم استخدموا أحدث أجهزة الدفاع عن النفس لإبعادها … إلا أنها كانت تعود أكثر إصرارًا على الفوز بوجبة لحم آدمي شهي.