لحظة الحقيقة
لقد عرفنا أن هناك نظامين يؤثران على قراراتنا؛ نظام الطيار الآلي والطيار البشري. لكن عندما نقف أمام أحد أرفف السوبر ماركت أو نقارن بين عدد من مزوِّدي الخدمات، كيف نصل لقرارنا؟ وما الذي يقرر شراءنا لعلامة تجارية معينة دون غيرها؟ وكيف نختار من بين كل الخيارات المختلفة؟ في هذا الفصل، سنحاول التعمق في الإجابة عن تلك الأسئلة المهمة وكشف النقاب عن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها قرارات الشراء.
الأساس العصبي لقرارات الشراء
يتمثل دور المسوقين في التأثير على سلوك المستهلكين، سواء على المدى القصير أو الطويل، لصالح العلامات التجارية التي يديرونها. نحن نحتاج للإبقاء على قاعدة العملاء الخاصة بنا وزيادة المرات التي يقومون فيها بالشراء وجذب عملاء جدد؛ لذا، فإن التعرف على سبب شراء المستهلكين للمنتجات التي يشترونها والبحث عما يحدد اختياراتهم هو من صميم عمل التسويق.
تم قياس الأنشطة الدماغية طوال الوقت باستخدام تقنية التصوير الدماغي (التصوير بالرنين المغناطيس الوظيفي). أظهر ذلك أن صورة المنتج أو العلامة التجارية تزيد من تنشيط ما يسمى ﺑ «جهاز المكافأة»، والمعروف أنه ينشط عند تقييم شيءٍ ما. يشبه الأمر كما لو أن الدماغ يقول: «أَرْغب في الحصول على هذا الشيء.» تعتمد تلك الرغبة على القيمة التي نتوقع أن يقدمها المنتج. في ذاكرتنا الارتباطية، لدينا تجارب مع العلامة التجارية؛ من استخدامها على نحو مباشر أو غير مباشر، أو من التعاطي مع إعلاناتها أو من رؤية آخرين يستخدمونها. واعتمادًا على هذا التعلم الارتباطي، لدينا قيمة متوقعة تقدمها العلامة التجارية. إذا كانت القيمة المتوقعة هذه عالية، فسيكون مستوى تنشيط جهاز المكافأة عاليًا؛ وإذا كانت القيمة منخفضة، فسيكون مستوى التنشيط منخفضًا أيضًا.
والآن ماذا حدث عندما تم عرض السعر أيضًا؟ عندما تم عرض السعر على المشاركين، حدث تنشيط في منطقة مختلفة تمامًا من الدماغ، وهي القشرة الجزيرية. عادةً ما يتم تنشيط تلك المنطقة عندما نشعر بالألم؛ على سبيل المثال، عندما نجرح إصبعنا (الألم البدني) أو يتم استبعادنا من جماعة ما (الألم الاجتماعي). بعبارة أخرى، عندما ننظر للسعر، يمر الدماغ بتجربة ألم؛ ويعني هذا أن السعر لا علاقة له بالعقلانية؛ فالسعر نوع من الألم. ولتوضيح هذا، يجب أن ندرك أنه ليست هناك وحدة للتسوق في الدماغ ولا يوجد «زر للشراء» أو وحدة للعلامات التجارية، وإنما على العقل أن «يقرر» أيٌّ من وحداته العصبية الحالية، التي تطورت كلها لأسباب مختلفة تمامًا عن التسوق، عليها التعامل مع المنتجات والعلامات التجارية والأسعار. إن النتيجة تبدو مقبولةً بديهيًّا؛ فالمنتجات والعلامات التجارية تكافئنا لأنها تساعدنا على تحقيق أهدافنا، والأسعار تتضمن التخلي عن شيء نمتلكه بالفعل، والذي له قيمة كبيرة بالنسبة إلينا وهو المال؛ ولذلك، فإن تشفير هذا باعتباره تجربة مؤلمة يبدو معقولًا.
اكتشف العلماء إذن المبدأ الأساسي الذي يحدد إن كانت العلامة التجارية أو المنتج سيتم شراؤه أم لا. والمبدأ الذي اكتشفوه واضح للغاية؛ وهو أنه إذا كانت العلاقة بين المكافأة والألم تزيد عن قيمة معينة، فالمشاركون على استعداد لشراء هذا الشيء بالسعر المطلوب؛ فعقلنا يحسب نوعًا من «القيمة الإجمالية»، وهي التي إذا كانت كبيرة بالقدر الكافي، وكان الفرق بين المكافأة والألم كبيرًا بالقدر الكافي، فسنتخذ قرار الشراء. واعتمادًا على هذا المبدأ، استطاع العلماء التنبؤ على نحو دقيق بما إذا كان المشاركون سيشترون تلك المنتجات أم لا، ومن هنا، جاء عنوان الورقة البحثية، الذي كان: «المؤشرات العصبية لعمليات الشراء».
توضح نتائج تجربة كنوتسون أن قرارات الشراء تعتمد على العلاقة بين المكافأة والألم؛ وهذا يعني أننا لدينا في التسويق عاملان للتأثير على عملية اتخاذ القرار لدى المستهلكين — وهما المكافأة والألم — وأنه يمكن التعامل معهما على نحو مستقل. وحتى نجعل المستهلكين يشترون منتجاتنا، يمكننا زيادة عامل المكافأة وفي نفس الوقت تقليل عامل الألم. لكن من الشائع أن يتبنى المسوقون نهجًا منفصلًا. بالنسبة إلينا، تتمثل المشكلة فيما إذا كنا سنركز على العلامة التجارية أو، على سبيل المثال، عرض سعري خاص، كما لو أن القيام بالأمرين معضلة. إن هذا ليس بمعضلة؛ فالهدف هو زيادة «القيمة الإجمالية» التي يحسبها العقل اعتمادًا على المكافأة المتوقعة من المنتج والسعر. وهذا يتيح لنفس الإعلان التركيز على القيمة التي تقدمها العلامة التجارية أو الخدمة مع تضمين رسالة سعرية تقوم على أسلوب «البيع بالإلحاح» (مثل «لفترة محدودة، خصم ٣٠ بالمائة»). تزيد الرسالة الأولى المكافأة المتوقعة، في حين تقلل الثانية الألم، ويزيد تضافر الاثنين معًا من القيمة الإجمالية للإعلان.
يفسر هذا الأساس البسيط، والجوهري في ذات الوقت، السببَ في إمكانية طلب مقاهي ستاربكس أسعارًا مرتفعة لقهوتها، أو استعداد بعض الناس لدفع مئات الجنيهات الاسترلينية لشراء نظارات شمس لمصممين كبار. إن جانب المكافأة التي تثيره العلامة التجارية يزيد من القيمة المدركة، والتي تقلل من مقاومتنا لدفع سعر أعلى. يكون السعر كبيرًا لكن في المقابل تكون المكافأة كبيرة؛ مما يجعل هناك علاقة أفضل بين القيمة والتكلفة على نحو ذاتي من تلك الخاصة بنظارات الشمس الرخيصة.
***
الأساس العصبي لأي قرار شراء يقوم على المعادلة التالية: القيمة الإجمالية = المكافأة − الألم. كلما زادت القيمة الإجمالية، زاد احتمال اتخاذ قرار الشراء.
كيفية زيادة القيمة الإجمالية للمنتج
إنه ما زال جِل استحمام، يفي بكل الاحتياجات الصريحة التي يريدها المستهلكون، لكن في تلك الحالة، تضيف العبوة قيمة إضافية من خلال التأطير. إن السياق الذي يقدم فيه المنتج قيمته هو الاستحمام. إن تلك الممارسة يمكن أن تستتبعها أشكال مختلفة من المكافأة: تجديد النشاط، والاسترخاء، والبداية الجديدة، واستعادة النشاط، وهكذا. في ضوء تلك الخلفية، كيف تضيف العبوة قيمة؟ عندما ننظر لشكلها، نجد أنها تذكِّرنا بعبوة زيت محركات السيارات؛ فالقبضة تشير إلى التحكم الجيد وتوحي بسيطرة كاملة. هذا علاوة على أنه يمكن أن يُسمع بوضوح صوت طقطقة عند فتح المنتج. يوصل تصميم تلك العبوة قيمة إضافية، ضمنية أكثر، من خلال الشكل وطريقة التعبئة وصوت الفتح واسم المنتج؛ فهو يزيد من فعالية أي استحمام باستخدام هذا المنتج؛ أيْ من قدرته على تجديد الطاقة واستعادة النشاط. وهو يجعل تجربة الاستحمام أكثر تجديدًا للطاقة لأن كل تلك الإشارات تتم معالجتها من خلال ١١ مليون بت من نظام الطيار الآلي، وهي تزيد من صافي القيمة الإجمالية للمنتج في ذهن المستهلك.
لذا، في هذا المثال، تتضافر القيمتان الصريحة والضمنية على نحو مثالي، على الأقل بالنسبة إلى المستهلكين الذين يريدون أن يكون لتجربة استحمامهم تأثير مجدد للطاقة. وبالنسبة إلى العملاء الذين يريدون الاسترخاء من الاستحمام، ستكون القيمة المدركة حسيًّا قليلة لأن هذا التأطير لا يتناسب مع دافعهم.
إن القيمة الصريحة واضحة وسهلة الفهم لأنه بإمكاننا سؤال المستهلكين عنها. لكن القيمة الضمنية عادةً ما لا يفطن إليها المستهلك فهو لا يذكرها؛ وبناء عليه هناك احتمال كبير أن يتم التقليل من أهميتها. لكن تلك القيمة الضمنية تقدم فرصة هائلة للتميز، وتكون أصعب كثيرًا في تقليدها من جانب المنافسين. ما الذي يجعل تصميم أحد منتجات شركة أبل يُعرف أنه على نحو نموذجي خاص بها؟ هذا أصعب في فك شفرته؛ ومن ثَمَّ صعب في تقليده.
إن الارتباطات التي نبنيها مع المنتج لا تعتمد من ثَمَّ على تجاربنا فقط، ولكن نظام الطيار الآلي يتعامل أيضًا مع من يشربون المنتج، وكذلك مع المكان الذي يتوافر فيه. يتعامل أيضًا نظام الطيار الآلي مع السياق الاجتماعي؛ وتؤكد الأبحاث في مجال علم النفس الاجتماعي على نحو واضح قدرة السياق الاجتماعي على التأثير في سلوك الشراء. إن رؤية ما يفعله الآخرون ومَن يستخدم المنتج والمكان الذي يتم استهلاكه فيه أو القراءة عن أيٍّ من ذلك؛ يغير القيمة المدركة لِفوس، إلى جانب تأثير تصميم الزجاجة نفسه.
إن المنظور الاقتصادي الكلاسيكي الخاص بالقيمة والتكلفة متوافق مع عملية اتخاذ القرار الصريحة (نظام الطيار البشري)؛ إذ يقوم العملاء على نحو تأملي بتقييم المعلومات، ويحكمون على جودة الأمر، ويركزون على الحقائق الموضوعية الحقيقية، ويبنون قرارهم على العقلانية والنيات والمواقف. وتعتمد أيضًا عملية اتخاذ القرار الضمنية الخاصة بنظام الطيار الآلي على القيمة والتكلفة. لكن هذا النظام حساس للإشارات المحيطية والتوقعات والعادات والطرق الاستدلالية التي تعتمد على الخبرة والحالات الداخلية والسياق الذي يُتخذ فيه القرار.
***
لتعظيم القيمة الإجمالية، نحتاج لتعظيم القيمتين؛ الضمنية والصريحة.
السعر وزيادة القيمة المدركة للمنتج
يستفيد فارق السعر الكبير للعلامة التجارية فوس من قاعدة ضمنية أخرى تعلمناها جميعًا، وهي: كلما زادت الجودة، زاد السعر. يمكن للأسعار أن تشير للقيمة، وهكذا تفعل. عند الحديث عن الأسعار وكيفية معالجتها وإدراكها حسيًّا، نركز بالأساس على جانب التكلفة من معادلة القيمة والتكلفة. ولقد أوضحنا من قَبل أن الأسعار تنشِّط منطقة الألم في الدماغ. لكن الأسعار تؤثر أيضًا على جانب القيمة من المعادلة. وبالنسبة إلى المستهلكين، يعد السعر إشارة موجهة في تقييم جودة المنتجات؛ لأننا تَعلَّمنا — سواء كان هذا صحيحًا أم لا موضوعيًّا — أن «الجودة لها سعر».
غير أن تأثير السعر باعتباره إشارة للجودة أقوى من مجرد زيادة أو تقليل التوقعات الصريحة. أجرت عالمة الاقتصاد العصبي الألمانية هيلكه بلاسمان تجربة تسعى لتحديد تأثير السعر على تجربة المنتج «الحقيقية»؛ أيْ على الاستجابة الفسيولوجية في الدماغ عند استخدام منتجات مختلفة السعر. طُلب من المشاركين في التجربة شرب خمر أثناء الاستلقاء في جهاز للتصوير الدماغي (نعم، هذا ممكن!) ثم أخبروا بسعر كل نوع خمر تناولوه. ما لم يعرفوه هو أنهم في بعض الأحيان أثناء الاختبار أُعطوا نفس نوع الخمر مرتين، مرة بسعر عال (٨٠ دولارًا)، ومرة بسعر منخفض (١٠ دولارات). أظهر بحث بلاسمان أن المشاركين قالوا عن الخمر الغالية الثمن إن طعمها أفضل بكثير، وأن هذا تزامن مع زيادة ملحوظة في النشاط في مركز المكافأة في الدماغ.
لم يدرك المشاركون على مستوى الوعي تأثير السعر؛ وهذا يعني أن السعر ليس فقط بمنزلة إشارة صريحة على الجودة؛ ومن ثَمَّ يؤثر على جانب القيمة من المعادلة، لكن نفس تلك الإشارة يمكن أن تزيد من الجودة الذاتية لتجربة المنتج. مع ذلك، هناك شرط مسبق لحدوث هذا التأثير؛ فالسعر يسهم فقط في زيادة القيمة المدركة عندما يكون نطاق الأسعار في فئة المنتج كبيرًا؛ فيمكن أن تتراوح أسعار الخمور بين ٤ جنيهات استرلينية ومئات الجنيهات الاسترلينية، لكن بالنسبة إلى الشامبوهات يكون نطاق الأسعار محدودًا بحيث تكون إمكانية إضافة قيمة مدركة من خلال السعر فقط محدودة جدًّا. في حالة فوس، زادت الشركة سعر الزجاجة لدرجة أن نظام الطيار الآلي لم يكن أمامه سوى الاعتقاد التالي: «لا بد أنها نوع مياه فاخر لأنه لولا ذلك ما كان ليصبح باهظ الثمن هكذا.» يوفر التصميم والحصرية وقصص تناول المشاهير له مثل الممثلة مادونا أساسًا معقولًا لهذا. لكن مجرد زيادة الأسعار للحد الأقصى لن يكون له تأثير بمفرده.
اللغة وزيادة القيمة المدركة للمنتج
يتضح مما سبق أن العلامات التجارية وطريقة التقديم وحتى المعلومات الاجتماعية للمنتجات يمكن أن تضيف قيمة ضمنية مكملة. ينطبق الأمر نفسه على اللغة؛ فاللغة هي وسيلة مهمة في أنشطتنا التسويقية اليومية، التي نستخدمها لتوصيل رسائلنا. إننا نفكر كثيرًا في أسماء المنتجات ونَصِف المنتج في شكل مفاهيم مكتوبة، ونحاول إقناع المستهلك من خلال نص على أغلفة المنتجات أو العناوين الرئيسية في الإعلانات. السؤال الآن: ما الذي يمكن أن نتعلمه من العلم فيما يتعلق بتأثير اللغة على القيمة المدركة للمنتجات؟
في دراسة لِبرايان وانسينك، الأستاذ بجامعة كورنيل، عُرض على المشاركين قوائم طعام مع إدراج أسماء وصفية لأصناف الطعام مثل «طبق الفاصوليا الحمراء بتتبيلة الكاجون مع الأرز التقليدي» و«فيليه المأكولات البحرية الإيطالي الطري» أو «الدجاج المشوي الطري»، أو عرض أسمائها فقط دون وصف (على سبيل المثال، «فاصوليا حمراء مع الأرز»). كان الغرض هو تحديدُ إن كان لتلك التوصيفات المنمقة أي تأثير على الطعم المدرك حسيًّا للطعام (أيْ قيمته). كانت النتيجة أن الأسماء الوصفية لم تؤدِّ فقط لزيادة الطلبات، وإنما أدت أيضًا لتقييم المشاركين لتلك الأطعمة بأن طعمها أفضل من الأطعمة المماثلة التي أُعطيت فقط أسماؤها العامة. بالتأكيد، نحن لا نفكر على نحو صريح كما يلي: «نفضل نوع الطعام المصحوب اسمه بصفات واضحة»، غير أن وصف الطبق اتضح أنه عامل مهم في طريقة تذوُّقنا له. إن ما فعلته الأسماء الوصفية المنمقة هو تنشيط توقعات القيمة. وعندما ننظر إلى أغلفة المنتجات في السوبر ماركت، نجد أن الكثير منها يشتمل على نص يصف فقط نوع تلك المنتجات (على سبيل المثال، «حساء خضراوات») بدلًا من تنشيط التوقعات الخاصة بما سنختبره عندما نشتري المنتج ونستخدمه. يتم إدراك صنف الطعام «الدجاج المشوي الطري» على أنه يقدم قيمة أكبر من ذلك الذي اسمه فقط «الدجاج المشوي».
إن اللغة التي تركز على القيمة يمكنها ليس فقط زيادة القيمة المدركة للمنتج، وإنما يمكنها أيضًا التأثير كذلك على الأداء المدرك له؛ ففي اختبار عن الرسائل المنقولة عبر أغلفة منتجات اللحوم، تم تقييم الإشارة «خالٍ من الدهون بنسبة ٧٥ بالمائة» على نحو إيجابي أكبر بكثير من الرسالة «نسبة الدهون به ٢٥ بالمائة». المثير أن هذا التقييم العالي استمر حتى عند تناول اللحوم؛ مما يعني أن الوصف لا يؤثر فقط على قرار الشراء، وإنما أيضًا على التجربة الذاتية للمنتج.
إن جانبًا من أهمية تلك النتائج يتمثل في أنها تثبت أن المؤثرات المعرفية، التي تنشأ هنا على مستوى الكلمات بالكامل، يمكن أن تؤثِّر وتغيِّر في عمليات التنشيط في المرحلة الأولى للمعالجة القشرية التي تمثِّل قيمة المثيرات الحسية.
تدريب
أيٌّ من هذين الإطارين تميل لاستخدامه في عمليات التواصل التسويقية الخاصة بك؟
تقليل التكلفة المُدرَكَة للمنتج
يمكن استخدام نفس المبادئ والآليات التي تَزيد من القيمة المدركة للمنتج لإدارة الإدراك الحسي للأسعار؛ فكما هو الحال مع القيمة، هناك مستوًى صريح وآخر ضمني للتكلفة. إن المستوى الصريح للتكلفة واضح: هو النقطة السعرية الموضوعية. لكن حتى هنا يوجد مستوًى ضمني؛ فبدلًا من تغيير السعر الحقيقي (أيْ تقليله)، يمكنك تغيير السعر المدرك للمنتج من خلال إشارات سياقية ملائمة «يفهمها» نظام الطيار الآلي.
هناك طريقة أخرى لتقليل التكلفة المدركة، وهي عبارة عن آلية تسمى «الارتساء». عندما قدم ستيف جوبز جهاز آي باد، أوضح إمكانياته ثم طرح السؤال التالي: «ما السعر الذي ينبغي أن يكون عليه هذا الجهاز؟ إذا استمعنا لرأي الخبراء، فسنعطيه سعرًا يقل عن ألف دولار.» وظهر رقم ٩٩٩ وبجواره رمز الدولار مكتوبين بخط كبير على شاشة العرض التقديمي الذي كان يقدمه. وترك السعر معروضًا على الشاشة حتى يدركه الجميع قبل أن يقول: «يسعدني أن أعلن لكم أن أسعار أجهزة الآي باد لن تبدأ من ٩٩٩ دولارًا لكن من ٤٩٩ دولارًا فقط.» وعلى الشاشة، تحطم السعر الأول ٩٩٩ دولارًا ليظهر السعر النهائي الجديد: ٤٩٩ دولارًا؛ وهكذا، بدا أن نقطة السعر النهائية صفقة جيدة جدًّا؛ فقد قللت من التكلفة المدركة. إن ما لم يفعله جوبز على نحو مقصود هو مقارنة سعر جهاز الآي باد بذلك الخاص بالحاسب المحمول؛ بل قارنه بالسعر المتوقع له. وبقيامه بهذا، استبعد أجهزة الحاسب المحمول باعتبارها نقطة مرجعية للسعر والأداء/السمات؛ ومن ثَمَّ، حافظ على تفرد منتجه. إن السعر الأول مرساة والثاني قُيم بناءً على تلك المرساة.
آلية الارتساء هذه، التي يمكن من خلالها أن يتأثر إدراك السعر، وذلك عن طريق مقارنته مع أسعار أخرى؛ فعالةٌ جدًّا. خذ المفاوضات باعتبارها مثالًا؛ أثبتت التجارب الخاصة بالمفاوضات بين البائعين والمشترين على نحو متكرر أن النتائج النهائية يتم ارتساؤها على نحو متوافق وإيجابي من خلال العرض الأول. وأوضحت العديد من الدراسات أنه عند بيع المنتجات، يكون من الأفضل في الغالب اتباع استراتيجية البدء بسعر عالٍ والانتهاء بسعر منخفض؛ أيْ أنْ تعرض على الناس الخيار الأعلى سعرًا في البداية لتحدد مرساة للخيارات التالية الأقل سعرًا.
وصف وليام باوندستون في كتابه الرائع عن إدراك السعر «بلا ثمن: خرافة القيمة العادلة» تجربة ميدانية مدهشة أجراها علماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالتعاون مع شركة طلب بالبريد. إن استخدام «أسعار نفسية» تنتهي برقم ٩ شائع جدًّا، ولم تكن تلك الشركة تمثل استثناءً في هذا الجانب. كانت الشركة تبيع ملابس نسائية وعادةً ما كانت تستخدم أسعارًا بالدولار تنتهي برقم ٩. وكان أحد المنتجات الذي تم اختباره سعره ٣٩ دولارًا. وتم إنتاج نسختين مختلفتين وتجريبيتين من كتالوج الطلب بالبريد وعرضت الشركة نفس هذا المنتج بسعر ٣٤ و٤٤ دولارًا. وتم إرسال كل كتالوج لِعَيِّنة عشوائية وذات حجم مماثل، أُخذت من قائمة البريد الحالية للشركة. كانت هناك مبيعات بالسعر ٣٩ دولارًا أكثر من السعرين الآخرين؛ ٢٣ بالمائة أكثر من الناس اشتروا الفستان بسعر ٣٩ دولارًا مقارنةً بسعر ٣٤ دولارًا. المدهش أنه لم يكن هناك اختلاف كبير في المبيعات عندما سعِّرت قطعة الملابس بسعر ٤٤ أو ٣٤ دولارًا.
عادة ما كانت تلك الشركة تقوم بعمل تخفيضات على المنتجات وتميز تلك التخفيضات في كتالوجاتها مع وضع السعرين القديم والجديد: «السعر المعتاد س والسعر المخفض ص.» وكجزء من التجربة، طبعوا أيضًا بعض الكتالوجات التي تحتوي على الأسعار المخفضة لكن دون أي إشارة إلى أنه تم تخفيضها بالفعل. كما قد نتوقع، لم يشعر الناس بوجود تخفيضات عندما عرضت الأسعار بتلك الطريقة؛ فلم يعرفوا أن السعر ص سعر مخفض إلا إذا أخبرهم الكتالوج بهذا عن طريق ارتسائه في مقابل السعر الأعلى غير المخفض. لكن الباحثين اكتشفوا أيضًا أن علامات تخفيض الأسعار كانت أقوى تأثيرًا من الأسعار النفسية؛ فاحتمال شراء المستهلكين لمنتج بسعر ٤٠ دولارًا يكون أكبر إذا كانت مرساة السعر المعتاد الذي يساوي ٤٨ دولارًا بارزةً مقارنة بما يكون عليه الحال إذا كان سعر نفس المنتج ٣٩ دولارًا مع عدم وجود أي مرساة.
***
كما هو الحال بالنسبة إلى القيمة، هناك مستويان لإدراك السعر الصريح والضمني؛ السعر الصريح هو نقطة السعر الموضوعية، أما السعر الضمني فيحدد من خلال طريقة عرض السعر.
المال ليس هو التكلفة الوحيدة
إلى جانب المال، هناك نوع آخر من التكلفة وهو الوقت؛ فإذا كنت تعمل في إحدى شركات تقديم الخدمات، فإن ضياع الوقت يمكن أن يزيد على نحو كبير جانب التكلفة المدركة للعلاقة بين القيمة والتكلفة بالنسبة إلى عملائك. ما عرضناه حتى الآن بخصوص الأسعار والأعداد ينطبق أيضًا على الوقت؛ فالوقت المدرك نسبي. عندما نسافر بالقطار لِلِقاء صديق مقرب لنا، يبدو وكأن الوقت يمر بسرعة، في حين نشعر وكأنه يمر بطيئًا عندما يكون حولنا أطفال يصرخون بعد يوم عمل طويل. قد يكون تقليل وقت الانتظار الفعلي مكلفًا للغاية بالنسبة إلى الشركات (على سبيل المثال، لأنه يحتاج لزيادة عدد العاملين المقدمين للخدمات)؛ لذا ففرصة التأثير على إدراك وقت الانتظار بديل مهم.
هناك أشياء فعالة يمكن من خلالها تقليل وقت الانتظار المُدرَك؛ أولًا: عندما نبدأ عملية خاصة بخدمة ما، أيْ سجَّلنا مشكلتنا، فنحن نكون على استعداد للانتظار لفترة أطول لأن العملية بدأت بالفعل؛ ومن ثَمَّ، فإن إيصال العميل لتلك المرحلة بأقصى سرعة ممكنة أمرٌ مهم. ثانيًا: لا أحد يرغب في فقد أو تضييع الوقت؛ لذا، من أجل منع هذا التصور، إذا كان بإمكاننا إعطاء العملاء شيئًا يفعلونه ذا قيمة بالنسبة إليهم، فسيرون الانتظار ليس باعتباره وقتًا ضائعًا، وإنما وقتًا طيبًا قُضي في شيء مفيد؛ على سبيل المثال، توفِّر بعض أماكن إصلاح السيارات أماكن انتظار نظيفة ومبهِجة؛ حيث يمكن للعملاء مشاهدة التليفزيون، وقراءة الصحف، واستخدام الواي فاي، والحصول على مشروبات مجانية. ثالثًا: من الأفضل إعطاء تبريرات للانتظار — مخاطبين هنا نظام الطيار البشري — مما يؤدي لتقييم أفضل لجودة الخدمة المقدَّمة حتى لو ظل الهدف من وقت الانتظار كما هو. بوجه عام، من الدوافع المهمة في هذا الشأن تقليل عدم اليقين أو الحد منه تمامًا؛ فنحن سنكون سعداء إذا انتظرنا لمدة ٩ دقائق لاستقلال القطار إذا عرفنا أنه سيصل في خلال ٩ دقائق، أكثر مما لو كان علينا الانتظار لمدة ٥ دقائق دون أن نعرف الوقت الذي سيصل فيه القطار التالي.
هناك منظور أخير للسعر والتكلفة وهو التكاليف السلوكية. تعتمد التكلفة المدركة أيضًا على قدر الجهد المطلوب لشراء أو استخدام أحد المنتجات. ومثال شهير على ذلك هو زر «٣٠٠ مليون دولار» المذكور في كتاب لوك روبليسكي «التصميم الفعال لنماذج الويب». استطاع أحد مواقع الويب، من خلال إدخال تعديل بسيط في مسار الشراء فيه، زيادة مبيعاته بنسبة ٤٥ بالمائة؛ مما زاد من دخله بنحو ١٥ مليون دولار في الشهر الأول فقط. وفي السنة الأولى، زادت مبيعات الموقع بنحو ٣٠٠ مليون دولار. ماذا حدث؟ قبل هذا التعديل، كان على المستخدمين التسجيل بعنوان بريدهم الإلكتروني قبل أن يكون بإمكانهم دفع مقابل المنتجات التي اشتروها والخروج من الموقع. يمكن للزائرين المترددين على الموقع استخدام هذا لتسجيل الدخول. وقد كان الهدف من تصميم الموقع بهذه الطريقة هو منح العملاء المترددين على الموقع فرصة الشراء على نحو أسرع. وكانت رؤية مصمميه هو أن المشترين الزائرين للموقع للمرة الأولى لن يضيرهم بذل بعض الجهد الإضافي للتسجيل؛ لأن عمليات الشراء اللاحقة ستكون أسرع وأسهل كثيرًا. لكن الزائرين للمرة الأولى كانوا بالفعل مستائين من التسجيل قبل الشراء. والبعض، الذين لم يكن باستطاعتهم تذكُّر إن كانت هذه هي مرة الشراء الأولى لهم أم لا، كانوا يشعرون بالإحباط مع فشل مزيج عنوان البريد الإلكتروني وكلمة المرور المعتادة الخاصة بهم في إتمام عملية تسجيل الدخول. وحتى العملاء المترددون على الموقع، لم يكونوا سعداء؛ حيث إن معظمهم لم يكن بإمكانه تذكر تفاصيل تسجيل دخوله. في الواقع، كان لنحو ٤٥ بالمائة من كل عملاء الموقع عمليات تسجيل متعددة في النظام، مع تسجيل البعض منهم لأكثر من عشر مرات. ومن ١٦٠ ألف كلمة مرور المطلوبة لإتمام عمليات الشراء كل يوم، لم يكن ٧٥ بالمائة يكملون عملية الشراء. بهذه الطريقة، كان نموذج التسجيل بالموقع، الذي كان الهدف منه تسهيل عملية التسوق، هو ما كان يضيع بالفعل أعدادًا كبيرة من عمليات البيع.
كان الحل بسيطًا؛ حَذَفَ المصممون زر التسجيل، ووضعوا مكانه زر المتابعة مع رسالة بسيطة: «ليس عليك إنشاء حساب للشراء من على موقعنا. فقط انقر على زر المتابعة للسداد مع الخروج. لجعل عمليات الشراء المستقبلية أسرع، يمكنك إنشاء حساب أثناء السداد مع الخروج.»
إن التركيز على سهولة تعامل العميل مع الشركة يمكن أن يكون فعالًا جدًّا، كما وجدت شركة التأمين على السيارات جايكو، التي ركزت على المستوى المنخفض من التكلفة السلوكية المتضمنة في استخدام موقعها على الويب في حملتها الإعلانية التي انطلقت منذ عام ٢٠٠٤، والتي يظهر فيها رجل بدائي من سلالة إنسان نياندرتال في بيئة معاصرة مع ظهور شعار إعلاني يقول: «سهل للغاية، حتى الإنسان البدائي يستطيع أن يقوم بها.»
كما توضح الأمثلة السابقة، تحديد التكاليف السلوكية وتقليلها عامل مهم لتحسين المسار للشراء. وهذا يشير إلى أن العديد من العوائق في هذا المسار توجد في الواجهة التي نتفاعل من خلالها مع الناس، والتي هي في هذه الحالة موقع الويب وتسلسل الخطوات الخاص بعملية الشراء.
***
هناك نوعان من التكاليف: المالية والسلوكية. تتضمن التكاليف السلوكية قدر الوقت والجهد المطلوب للحصول على مكافأة.
نسبية العلاقة بين القيمة والتكلفة
ما تأثير هذا على الاشتراكات؟ أصبح الخيار الأقل شعبية هو الأكثر شعبية والعكس صحيح؛ فالخيار الخاص باشتراك النسخة الإلكترونية فقط، الذي اختاره قبل ذلك ١٦ بالمائة من المشتركين فقط، اختاره الآن ٦٨ بالمائة من المشتركين، في حين اختار ٣٢ بالمائة فقط الخيار الآخر، الذي اختاره قبل ذلك ٨٤ بالمائة.
بالنسبة إلى هذه الصحيفة، هذا مزيج ذو قيمة أقل من عائد الاشتراكات مقارنةً بالعرض المكون من ثلاثة خيارات؛ إذ يعني وجود ثلاثة خيارات بدلًا من خيارين أن القيمة الإجمالية للاشتراكات من ١٠٠ مشترك تزيد من ٨٠١٢ إلى ١١٤٤٤ دولارًا؛ أيْ زيادة بنسبة ٤٣ بالمائة. ما الذي يحدث هنا؟ إن خيار اشتراك النسخة المطبوعة فقط، الذي كان عديم الجدوى إذ لا أحد يريده، كان في واقع الأمر مفيدًا جدًّا لأنه أثَّر على تقييم العلاقة بين القيمة والتكلفة؛ فبالنسبة إلى الخيار الأوسط (اشتراك النسخة المطبوعة فقط)، يبدو الخيار الثالث صفقة جيدة.
يوضح هذا المثال مبدأً أساسيًّا ومهمًّا في نفس الوقت في عقلنا؛ وهو أن تقدير القيمة يعتمد على وجود خيارات متعارضة مقدَّمة في سياق موقفي معين؛ فعن طريق تغيير طريقة العرض فقط، تغيَّرَت القرارات بالنسبة إلى خيار اشتراك النسخة الإلكترونية على نحو كبير. وقد حدث هذا لأن القيمة في جوهرها نسبية. يستغل الوكلاء العقاريون هذا الأمر؛ فهم يعرضون عليك منزلًا مشابهًا على نحو كبير لذلك الذي يعتقدون أنك ستشتريه، لكنه أغلى وأسوأ قليلًا منه. حينها، سيكون أكثر سهولة أن يبيعوا لك المنزل الذي يعتقدون أنك ستشتريه. أوضحت تجارب عديدة ما يسمى ﺑ «العشوائية المترابطة»، والتي تصف الارتباط الظاهري للسلوك الذي يحدث بمجرد أن يتم تحديد القيم الأساسية العشوائية.
-
(١)
سيناريو يقدم «أ» و«ب» معًا: ٦٧ بالمائة يشترون بادوايزر بسعر جنيهين استرلينيين، في حين أن ٣٣ بالمائة يشتري كارلينج.
-
(٢)
سيناريو يقدم «أ» و«ب» و«ﺟ» معًا: يضيف الجعة المعتقة لِتيسكو بسعر ٣٠ بنسًا. لا أحد يشتري هذا النوع لكنه يقلل من أسعار باقي منتجات الفئة: الآن يشتري ٤٧ بالمائة كارلينج، و٥٣ بالمائة بادوايزر.
-
(٣)
سيناريو يقدم «أ» و«ب» و«د» معًا: يضيف الجعة الفرنسية الفاخرة كرونينبورج بسعر ٤ جنيهات استرلينية للزجاجة الواحدة؛ من ثَمَّ، يشتري ١٠ بالمائة من الناس هذا النوع، في حين يشتري ٩٠ بالمائة من الناس نوع بادوايزر، ولا يشتري أحد كارلينج.
يوضح هذا إلى أي مدًى نختار الأشياء اعتمادًا على القيمة النسبية وليست المطلقة؛ فنحن نختار اعتمادًا على إطار مرجعي نرجع إليه في لحظة زمنية معينة. المدهش أنك إذا سُئلت: هل السمكة الذهبية صغيرة أم كبيرة؟ فسترد: صغيرة. فلماذا يمكننا الحكم هنا على نحو أكثر سهولة مقارنة بمثال الدائرة؟ إن الحكم يمكن أن يتخذ بالنسبة إلى نقطة مرجعية معلومة. إننا نقارن السمكة الذهبية مع السمكة العادية، واعتمادًا على خبرتنا — وعلى نحو أدق، ذاكرتِنا — السمكة الذهبية صغيرة مقارنةً بأي سمكة عادية نميل لتذكرها؛ لذا، حتى إذا لم يكن هناك سياق مباشر متاح، فإننا ننتج إطارًا مرجعيًّا من الخبرة والذاكرة لأننا دون ذلك لا نستطيع الحكم على القيمة؛ على سبيل المثال، إذا علمنا أن نوع الخمر المفضل لدينا المصنوع في إسبانيا يباع بسعر التجزئة بخمسين جنيهًا استرلينيًّا للزجاجة، فسننتهز الفرصة لشراء زجاجة من هذا النوع بسعر ثلاثين جنيهًا استرلينيًّا؛ لأنه ببساطة لابد أن يكون سعرًا جيدًا استنادًا إلى المقارنة. لكن فيما يتعلق بالأسعار، عادةً ما لا يكون لدى المستهلكين توقعات ومعرفة واضحة؛ مما يعني أنه يمكن لإطار مرجعي ملموس أن يكون له حتى تأثير أكبر.
دعونا نتأمل مثالًا آخر لنفهم أكثر أبعاد تلك النقطة المهمة. استطاعت نسبريسو فرض فارق سعر كبير لمنتجها، والذي لا يمكن أن يُبرَّر بالطعم وحده. إن الدعاية التي قامت بها وتجربة المنتج المختلفة نتيجة لشكل منتجها وطريقة إنتاجها للقهوة عن طريق آلاتها الخاصة بصنع القهوة وحصريتها، كلها أشياء تمثِّل جانبًا من تميز العلامة التجارية. لكنَّ عاملًا أساسيًّا لنجاح تلك الشركة، والذي عادة ما يتم تجاهله هو نجاحها في منع جعل القهوة العادية الإطارَ المرجعي للمستهلك فيما يتعلق بالسعر. أوضحَت الدراسات أننا إذا لم يكن لدينا مقارنة مباشرة، فنحن نميل لقبول أسعار عالية جدًّا لمنتج فقط لأنه لا يوجد إطار مرجعي؛ لذا، فإن بيع كبسولات القهوة من خلال نادي نسبريسو لا يضيف فقط للطبيعة الحصرية للعلامة التجارية، وإنما له أيضًا ميزة عدم وجود إطار مرجعي ملموس.
ما الذي يمكن أن يحدث إذا تم توفير كبسولات القهوة على نحو مباشر في متاجر البيع بالتجزئة بجانب منتجات القهوة الأخرى؟ على الرغم من أن نسبريسو عبارة عن إسبريسو وليست قهوة عادية، فإن سعر القهوة القياسي كان سيُستخدم باعتباره نقطة مرجعية؛ لذا، فإن سعره المدرك كان سيصبح أعلى كثيرًا من سعره من دون هذا الإطار؛ لذا، ما حدث بدلًا من ذلك هو أن نظام الطيار الآلي — لأنه يعتمد على خيارات متعارضة — يبحث عن إطار مرجعي آخر أقرب لتجربة المنتج، وهو إسبريسو الذي نعرفه بالفعل من أكواب القهوة التي نشتريها بعيدًا عن المنزل (على سبيل المثال، من كافتيريا أو من مقهى ستاربكس). ومقارنةً بهذا السعر، يبدو سعر ٢٥ بنسًا لكوب نسبريسو رخيصًا نسبيًّا. إن النجاح الكبير للأكواب والكبسولات في السوق سينشئ إطارًا مرجعيًّا جديدًا بمرور الوقت؛ لذا ليس من المدهش وفقًا لريك راينهارت، المدير التنفيذي للاتحاد الأمريكي لأنواع القهوة المتخصصة، أن النقطة المرجعية للقهوة هي على نحو متزايدٍ الأكوابُ وليست البرطمانات. والأمريكيون تحت سن الأربعين يفكرون في سعر القهوة بالكوب، في حين أن الأجيال السابقة كانت تفكر في السعر لكل برطمان.
ليست لدينا فكرة مطلقة عن حجم تقديرنا لأي شيء أو خدمة أو تجربة، حتى في ظل وجود معلومات رائعة؛ فكل ما لدينا هو مقارنة بين أشياء متماثلة؛ فأنا أقارن وجبتي الحالية مع وجبات مماثلة أخرى، وليس مع سيارات أو رحلات بالسيارة أو أي شيء آخر.
إن لهذا تأثيرات كبيرة على كيفية قياسنا أيضًا لنية الشراء. إن نية الشراء أحد أكثر مؤشرات الأداء استخدامًا في التسويق. عادة ما نسأل المستهلكين عن نيتهم للشراء بناءً على منتج محدد، أو مفهوم معين، أو إعلانٍ ما، أو تصميم عبوة بطريقةٍ ما؛ دون مقارنته بذلك الخاص بالمنافسين أو حتى النظر للسعر باعتباره سياقًا. وَجَدَت فيكي مورويتز، الأستاذة بجامعة نيويورك، وزملاؤها أنه يمكن جعل نية الشراء المقيسة في الاستقصاءات مؤشرًا أفضل بكثير للمبيعات إذا وضع المنتج في بيئته التنافسية؛ ومن ثَمَّ تتضح القيمة النسبية للعرض. بالإضافة إلى ذلك، يعمل توفير المعلومات الخاصة بسعر للمنتج محل الاختبار والمنتجات المنافسة له على تحسين النتائج؛ والسبب في ذلك أنه من دون هذا السياق لا يمكننا الحكم على القيمة والتكلفة على نحو حدسي؛ فنحن نبدأ في تصور إطارنا المرجعي المتحيز في الغالب وبنائه؛ فعند تقييم الناس لمنتج جديد، فإن الأمر يشبه أن يُطلب منهم الحكم على حجم سمكة ذهبية دون معرفة أي نوع سمك آخر. وعادةً ما تفشل الإعلانات والتصميمات المبتكرة في الاختبارات الأولية لأنه من دون إطار مرجعي يميل الناس لتفضيل المألوف والتقليدي.
***
نحتاج لمقارنات لاتخاذ القرارات. إن القيمة والتكلفة نسبيَّان في الأساس.
التسويق القائم على الموقف
حيث إن القيمة والتكلفة نسبيان، فإن من الممكن أن يتأثرا على نحو كبير بالسياق الموقفي الذي نوجد فيه. فعندما نكون عطشى، تكون القيمة النسبية لمشروب غازي أعلى بكثير مما لو كنا غير عطشى. بوجه عام، تتحدد القيمة التي نوليها للمنتجات والعلامات التجارية بالموقف الذي نوجد به وتتناسب معه. في علم النفس، يعني السلوك التفاعل بين العوامل الموقفية والعوامل الشخصية؛ فمن ناحية، نحن، باعتبارنا أفرادًا، لدينا سمات واحتياجات وشخصيات تشكِّل ما نقدِّره وما نفعله؛ ومن ناحية أخرى، كلنا يعرف أن المواقف يمكن أن تؤثر أيضًا على السلوك. وكمثال أساسي على ذلك، لدينا احتياجات مختلفة في اليوم الحار في مقابل اليوم البارد. في التسويق، يكون تركيزنا في الغالب على العوامل الشخصية المستقرة مثل التفضيلات والاحتياجات والاتجاهات، بغض النظر عن الموقف. وأسباب هذا الميل ذات وجهين؛ يتمثل الأول في أننا باعتبارنا مسوقين ليس لدينا أسلوب منهجي لفهم كيف يؤثر العالم الخارجي، بما في ذلك السياق الموقفي، على القيمة المدركة؛ في حين يتمثل الثاني في أننا باعتبارنا بشرًا لا ندرك على مستوى الوعي كيف يؤثر الموقف، أو البيئة، على سلوكنا؛ لذا، من السهل عدم التقدير الكافي لقدرة السياق على التأثير على القرارات لأننا — كما هو الحال بالنسبة إلى التأطير — لا نلاحظ تأثيره؛ حيث إنه يظل ضمنيًّا؛ لذا، فإن التفكير في سلوك المستهلكين، من منظور موقفيٍّ وليس شخصيًّا، يوفر فرصة كبيرة لفهم هذا السلوك؛ فهو يوفر داعمًا إضافيًّا لتحديد الوضع التنافسي للعلامات التجارية، ويعد نقطة انطلاق مهمة للابتكارات. لذا، ليس من قبيل المفاجأة أن شركات رائدة مثل كرافت فودز أو نستله تتبنى أساليب تسويقية قائمة على الموقف أو المناسبة. دعونا نلقِ نظرة على كيفية أن يكون مثل هذا المنظور القائم على الموقف مفيدًا.
في دراسة قمنا بها لأحد عملائنا، كنا نحلل سوق الآيس كريم. كانت العلامة التجارية محل الدراسة في المرتبة الثانية في السوق، وكان العميل يَستخدم أساليب التسويق التقليدية: تم بناء الصورة الذهنية للعلامة التجارية اعتمادًا على خصائص وَسِمات محددة، وتم تفسير سلوك المستهلكين من خلال طرق مثل العلامة التجارية الأولى التي تَرِدُ على بال المستهلك عند ذكر صناعةٍ ما، ومجموعة العلامات التجارية التي يفكر فيها المستهلك بجدية عند أي عملية شراء يقوم بها، والعلامات التجارية المفضلة، والولاء للعلامة التجارية والتجزئة المعتمِدة على السمات. في المجمل، كان تركيزه على المستهلكين وليس على المواقف التي يوجدون فيها.
الآن، ما الذي سيتغير عندما نتخذ منظورًا يركز على العوامل الموقفية؟ دعونا نلقِ نظرة على طريقة العلامة التجارية الأولى التي تَرِدُ على بال المستهلك عند ذكر صناعةٍ ما، والتي يمكن قياسها عادةً بطرح السؤال التالي: «إذا فكرتَ في العلامات التجارية للآيس كريم، ما العلامة التجارية الأولى التي تَرِدُ على ذهنك، وما العلامة التجارية الثانية، وهكذا؟» للإجابة عن هذا السؤال، يحتاج المستهلكون لاستخدام ذاكرتهم. ومن دون توفير سياق موقفي معين، يَستخدم الناس النمط الأوَّلي للآيس كريم الذي تعلموه للردِّ عن هذا السؤال. لكننا رَأَينا بالفعل أن نظام الطيار الآلي يعالج أيضًا البيئة التي نستهلك فيها المنتجات؛ لذا، فذاكرتنا الارتباطية تدمج المواقف والأحداث في شبكة الذاكرة الارتباطية؛ على سبيل المثال، يمكن لمدمني المخدرات السابقين أن يتوقوا للمخدرات فقط لمرورهم بالسيارة على مكان كانوا قد اعتادوا أن يشتروا منه جرعاتهم؛ فالدافع الموقفي يثير هذه الرغبة اعتمادًا فقط على الذاكرة. عادةً ما يُخفي مدمنو الخمرِ الخمورَ عندما يصبحون ثملين، لكنهم لا يستطيعون تذكُّر مكانها في اليوم التالي. لكن إذا أصبحوا ثملين ثانيةً، فإنهم على نحو مفاجئ يتذكرون مكان إخفائها. توضح التجارب أننا إذا تَعلَّمنا مفردات تحت الماء، فإن تذكرها سيكون على نحو أفضل عندما نكون تحت الماء ثانيةً.
يلعب السياق دورًا مهمًّا، ليس فقط في الإدراك وإنما أيضًا في تذكُّرِ ما ندركه. في دراستنا، اتضح أننا حصلنا على نتائج بحثية مختلفة عندما طرحنا السؤال التالي: «أيُّ العلامات التجارية للآيس كريم تأتي لذهنك إذا فكرتَ في الحصول على آيس كريم باعتباره نوعًا من التحلية في الكريسماس؟» عمَّا إذا سألنا على نحو عامٍّ عن العلامات التجارية للآيس كريم التي كان الشخص على علم بها. إن توفير إطار موقفي يؤثر على نحو كبير على العلامة التجارية للآيس كريم التي تَرِدُ على ذهننا عند ذكر صناعة الآيس كريم.
ينطبق المبدأ نفسه على مجموعة العلامات التجارية التي نفكر فيها بجدية عند أي عملية شراء نقوم بها، وكذلك العلامة التجارية المفضلة والولاء للعلامة التجارية. لقد قلنا من قبلُ إن التفريج القشري يَحدث فقط لأكثر العلامات التجارية المفضلة لدينا، وليس للعلامات التجارية التي تأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة. إن مجرد كون العلامة التجارية في مجموعة العلامات التجارية التي نفكر فيها بجدية عند أي عملية شراء ليس كافيًا؛ فمن المهم أن تكون في المرتبة الأولى، أو بالأحرى أن تكون رقم واحد فيما يتعلق بموقف معين. في مثال الآيس كريم، استحوذت العلامة التجارية الرائدة في السوق على أعلى قدر من الاهتمام من حيث العلامة التجارية، وكذلك كانت في المرتبة الأولى ضمن مجموعة العلامات التجارية التي يفكر فيها المستهلكون بجدية عند أي عملية شراء يقومون بها. لكن العلامة التجارية التي كانت في المرتبة الثانية كانت مهمة جدًّا في بعض المواقف، كأنْ تُستخدم كنوع من أنواع «التحلية» أو «تدليل النفس». وحيث إن احتمال تحقيق الربح من المواقف المختلفة يمكن قياسه، فإن تحديد الوضع التنافسي للعلامة التجارية من خلال المواقف يمكن أن يكون أداة إدارية مفيدة، تساعد على تحديد الفجوات في إمكانية تحقيق المبيعات العالية التي لم تمتلكها بعدُ أيُّ علامة تجارية أخرى، والتي توفِّر في نفس الوقت إمكانية كبيرة للنمو.
كما يلقي ذلك ضوءًا مختلفًا على الولاء للعلامة التجارية؛ فقد يبدي المستهلكون ولاءً للعلامة التجارية فيما يتعلق بمواقف ومناسبات معينة، لكنْ ولاءً منخفضًا لها في المجمل. لذا، فإن من المبادئ الفعالة لإدارة علامتنا التجارية تحديدَ المواقف التي نريد أن نمتلكها؛ أيْ تلك التي تستدعي علامتنا التجارية أولًا في أذهان المستهلكين. بالنسبة إلى العلامة التجارية التي تأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة في أي سوق، يمكن لهذا الأسلوب أن يكون دافعًا أكثر للأمام وأكثر جدوى من محاولة أن تكون في المرتبة الأولى في المجمل عن طريق السعي للتغلب على العلامة التجارية الرائدة الحالية في السوق على مستوى المواقف العامة.
إن التركيز على أسلوب معتمد على الموقف يمكن أن يزيد أيضًا من قدرة العلامة التجارية على اختراق السوق. إن الطريقة المعتادة لتجزئة السوق تتمثل في بناء شرائح بناءً على تفضيلات أو احتياجات أو توزيعات سكانية أو أعمار مستقرة. يمكن أن تفسِّر بالطبع تلك العواملُ السلوكَ في بعض الفئات. لكن في الفئات التي يستخدم فيها المنتج في مواقف مختلفة (كما هو الحال مع الآيس كريم)، أو لا يتم شراؤه أو استهلاكه كامتداد للذات للإشارة إلى الشخصية (كما هو الحال في أسواق السلع الاستهلاكية السريعة الدوران)، يمكن لعملية التجزئة السوقية التي تعتمد فقط على المستهلك، وليس على المواقف، أن تقلل من فهمنا وتفسيرنا لقرارات الشراء. فعندما نكون مع أطفالنا، تكون لدينا احتياجات مختلفة فيما يتعلق بالآيس كريم عمَّا لو كنا بمفردنا أو مع شريكنا في الحياة في أحد المطاعم. هذا صحيح بغض النظر عن المرحلة العمرية التي نحن فيها. في تلك الحالات، يكون حصر مستهلك معين في شريحة واحدة فقط أمرًا مقيدًا جدًّا؛ فهو يمكن أن ينتمي لأكثر من شريحة اعتمادًا على المواقف.
يمكن أن يكون الأسلوب القائم على المواقف مفيدًا أيضًا عندما نفكر في الدخول في أسواق جديدة؛ على سبيل المثال، أرادت شركة دوائية توسيع نطاق عملها ببيع نوع جديد من علاج حساسية حمى القش. في هذا العلاج، يحصل المرضى على حقن على مدى فترة طويلة جدًّا لإلغاء حساسية الجهاز المناعي للمواد المثيرة لحساسية حمى القش. لكن كان لدى كل طبيب يقدم هذا النوع من العلاج بالفعل شركة مفضلة يتعامل معها. كان المخطط العلاجي الحالي مألوفًا بالفعل بالنسبة إلى الأطباء، ولم يكن هناك اختلاف في الفاعلية أو في السعر بين المنتجات المتاحة؛ ومن ثم، كانت القيمة المدركة للتحول للعلاج الجديد منخفضة جدًّا والتكاليف المدركة عالية نظرًا لتغيير طريقة العلاج؛ لذا، ركزت الشركة على سمة محددة في منتجها، وهي أن علاجها يستغرق فترة أقصر بشكل ملحوظ. عادةً، هذا ليس أمرًا ذا أهمية؛ لأن العلاج يبدأ بعد موسم حمى القش؛ ولذا فإن المرضى ليسوا في عجلة من أمرهم. لكن هناك استثناءً واحدًا؛ فهناك عدد كبير من المرضى الذي يزورون الطبيب قبل فترة قصيرة من بدء هذا الموسم، وعادة ما يُطلب من هؤلاء المرضى العودة في العام التالي، لكن مع هذا العلاج، يمكن للطبيب أن يبدأ العلاج في وقت زيارة المرضى؛ لذا، قرر قسم التسويق بناء الصورة الذهنية لمنتجهم بحيث يفي بهذا الموقف على وجه الخصوص، وكانت النتيجة نجاحًا كبيرًا. لم يكن على الطبيب تغيير النظام العلاجي بالكامل (أيْ لا توجد تكاليف سلوكية)، لكن كان باستطاعته مساعدة المريض والحصول على دخل إضافي. وبقيامه بهذا، اعتاد هو وفريقه على المخطط العلاجي الجديد وجعلهم يصفون هذا المنتج حتى للمرضى الذين لا يحتاجون مثل هذا العلاج السريع.
يُنظر للجبن الكريمي القليل الدسم على أنه صحي وطبيعي، ويرجع ذلك جزئيًّا لارتباطه باللبن. في أي مواقف يمكن أن تكون هاتان السمتان ذواتَي صلة؟ أحد المواقف التي يكون فيها الطعام الصحي اعتبارًا مهمًّا هو علبة الغداء الخاصة بالطفل. تريد الأمهات أن تضمن أفضل تغذية لأطفالها ويمنحُهُنَّ تزويدُ أطفالهن بطعام يأخذونه معهم للمدرسة إحساسًا بالتحكم في هذا الأمر؛ لذا، سيكون الجبن الكريمي القليل الدسم خيارًا جيدًا. ومن منظور العلامة التجارية، فإن إمكانية تحقيق عائد من استخدامها في هذا الموقف كبيرة نظرًا لتكراره. لكن هناك تكاليف سلوكية تُعَدُّ عائقًا أمام استخدامها: لأكل المنتج من عبوة تقليدية، هناك حاجة لملعقة؛ وإذا تعرضت العبوة للتلف أثناء النقل، فسيفسد ترتيب كل شيء داخل علبة الغداء (وقد يقع الجبن على ملابس الطفل). لذا، فمنتج فروبس يعد اختيارًا مثاليًّا لهذا الموقف؛ لأن العبوة التي على شكل أنبوب أتاحت تناول المنتج من دون ملعقة، وهي قوية بما يكفي بحيث لا يمكن ثقبها أو تسرُّب محتوياتها. إن نظرة الناس للمنتج كانت إيجابية، لكن وضع السياق الموقفي في الاعتبار أتاح فرصة جديدة قيمتها ملايين الجنيهات الاسترلينية.
***
تتحدد قرارات الشراء من خلال السياق الموقفي الذي يشكل القيمة والتكاليف المدركة.
***
إلى جانب استخدام هذا الأسلوب للمساعدة في تكييف علاماتنا التجارية لتُناسِب مواقف استخدام معينة، يمكننا أيضًا استخدامه باعتباره نقطة انطلاق للتفكير في عملية اتخاذ القرار باعتبارها سلسلة من المواقف. ستكون المهمة حينها هي التفكير في كيفية إضافة قيمة و/أو تقليل التكلفة في الخطوات المختلفة التي تمر بها عملية الشراء. هناك مثال جيد على هذا وهو شركة إس إم إيه، تلك الشركة الرائدة على مستوى العالم في إنتاج محولات الطاقة لألواح الأسقف الشمسية. عادةً ما يأتي الموقف الوحيد الذي يتواصلون فيه مع عملائهم (القائمين على تركيب الألواح) في مرحلة متأخرة في عملية التخطيط والشراء الخاصة بالألواح. وبالنظر لعملية الشراء بالكامل، اكتشفت الشركة فرصة لإضافة قيمة وتقليل التكلفة بالنسبة إلى عملائها. طورت الشركة تطبيقًا يسمى سولرتشيكر، والذي يمكن أن يستخدمه القائم على تركيب الألواح عندما يكون في مراحل النقاش الأولى مع صاحب المنزل. عليه وضع هاتفه الذكي على السطح وسيستطيع التطبيق قياس الزوايا وحساب الإنتاجية المتوقعة للألواح، وعند حصوله على المزيد من المعلومات، يمكن أن يخبر صاحب المنزل على الفور إن كان من المثمر شراء ألواح شمسية أم لا. وبمجرد حساب التطبيق للإنتاجية، يمكن للقائمين على التركيب طلب محولات الطاقة المناسبة مباشرة من شركة إس إم إيه. هذا التطبيق لا يجعل المنتج أفضل، لكنه يزيد من القيمة الإجمالية لصالح الشركة.
أهم النقاط الواردة في هذا الفصل
-
الأساس العصبي لأي قرار شراء يقوم على المعادلة التالية: القيمة الإجمالية = المكافأة-الألم. كلما زادت القيمة الإجمالية، زاد احتمال اتخاذ قرار الشراء.
-
من أجل زيادة القيمة الإجمالية، هناك أربعة مجالات استراتيجية يمكن التركيز عليها كلها في الوقت نفسه، وهي كالتالي:
- (١)
القيمة (المكافأة).
- (أ)
القيمة الصريحة.
- (ب)
القيمة الضمنية.
- (أ)
- (٢)
التكلفة (الألم).
- (أ)
التكلفة الصريحة (المالية).
- (ب)
التكلفة الضمنية (السلوكية).
- (أ)
- (١)
-
نحتاج لعمل مقارنات حتى نصل لقرارات. والقيمة والتكلفة نسبيان على نحو جوهري.
-
حيث إن القيمة والتكلفة نسبيان، فيمكن التأثير عليهما بقدر كبير من خلال السياق الموقفي الموجود فيه المستهلك.
ما يعنيه لنا هذا باعتبارنا مسوِّقِين
-
لا نحتاج للمقايضة بين التسويق القائم على البيع بالإلحاح والتسويق القائم على صورة العلامة التجارية. فمن أجل تعظيم القيمة الإجمالية، فإن نفس وسيلة التواصل يمكن أن تركز على القيمة التي تقدمها العلامة التجارية أو الخدمة، إلى جانب رسالة سعرية جذابة.
-
يسمح لنا المستوى الضمني للتكلفة بتعظيم القيمة الإجمالية دون التقليل الفعلي للسعر.
-
يمكن لتقليل التكاليف السلوكية أن يكون عاملًا فعالًا لزيادة القيمة الإجمالية؛ ومن ثَمَّ الحصول على ميزة تنافسية.
-
يعد التسويق القائم على الموقف أو المناسبة منظورًا مكملًا لسلوك المستهلك؛ فهو يمثل لنا نقطة انطلاق للابتكار، كما يفتح آفاقًا من الفرص الاستراتيجية.