التنفيذ الفعال للاستراتيجيات القائمة على الأهداف
عرضنا في الفصول السابقة أوجهًا عديدة من المستوى الضمني للتسويق، بدءًا من الإدراك وحتى تحفيز السلوك. في هذا الفصل، سنركز على كيفية التنفيذ الفعال والكفء لاستراتيجيتنا القائمة على الأهداف لإنشاء وسائل التواصل والتجارب الخاصة بالمنتجات، وسنتعرض أيضًا لكيفية الحكم على ما إذا كانت عملية تنفيذٍ ما تتناسب على نحو معقول مع تلك الاستراتيجية أم لا.
إنهاء فجوة التنفيذ
يبدو هذا بسيطًا نوعًا ما، لكنْ كلنا يعرف مدى التحدي الذي يفرضه تطوير استراتيجية جذابة وتنفيذها عبر كل نقاط التفاعل. فيمكن أن يستغرق الأمر شهورًا، وتحتاج مناقشة الاستراتيجية وحدها لعشرات الاجتماعات ومئات الساعات. وفيما يتعلق بتنفيذ الاستراتيجية، تزداد المناقشات حدة؛ فأي الأفكار الإبداعية ستكون هي الأفضل؟ وكيف يمكننا توصيل المزايا الأساسية على النحو الأمثل؟ وأي مقطع موسيقي أو شهادات عملاء هي التي يجب اختيارها؟ ومسألة تحديد أي الإشارات التي ستنفذ الاستراتيجية على نحو أفضل كثيرًا ما تكون محل نقاشات ومجادلات مطولة وحامية الوطيس. وعادةً ما يزداد الأمر سوءًا بمجرد أن نتلقى تقييمًا من بحوث السوق؛ فبعض العناصر تعمل على نحو جيد، وأما البعض الآخر فلا. وقد يكون مسارٌ ما مجديًا في إحدى الدول، لكنه يفشل في أخرى.
***
هناك عائقان يَحُولان دون تحقيق مزيد من النجاح في التسويق؛ الأول: عدم اعتماد الاستراتيجية على أهداف المستهلكين، والثاني: عدم تنشيط الإشارات المستخدمة في توصيل عرض القيمة للمفاهيم الذهنية والأهداف المطلوبة في ذهن المستهلك.
***
أين إذن بالضبط يكمن التحدي في تنفيذ استراتيجيتنا؟ وما الذي يجعل مثل هذه المهمة مهمة صعبة؟ أين تكمن الفخاخ؟ وكيف يمكننا منعها؟ دعونا نرَ كيف يمكن أن نستفيد هنا من مستويَي اتخاذ القرار الصريح والضمني وما عرضنا له حتى الآن في الكتاب.
سنبدأ بإلقاء نظرة ثانية على عملية إعادة إطلاق تصميم عبوة عصير تروبيكانا، والتي أدت لخسارة قدرها ٣٠ مليون يورو في غضون شهرين فقط؛ حيث إنها توضح بعضًا من الفخاخ الأساسية. إذا بدأنا بفئة منتجات «عصير البرتقال»، فإن الهدف الصريح هو الحصول على مشروب طازج ولذيذ. هذا هو ما كانت توحي به على نحو مثالي العبوة الأصلية: ما الذي يمكن أن يكون أكثر طزاجة وألذ أكثر من شرب عصير استُخلص مباشرة من ثمرة فاكهة؟ إنه عصير مأخوذ مباشرة من ثمرة فاكهة، وهو الأمر الذي يرتبط على نحو حدسي بالمزايا الصحية. إن هذا ملائم على نحو خاص في ضوء الوقت الذي عادةً ما يُتناول فيه عصير البرتقال، وهو وقت الصباح. إن الهدف الصريح لتناول شيء في الصباح يمكن أن يتحقق مع أي مشروب، لكنْ، مقارنة بالبدائل الممكنة مثل الماء أو المشروبات الغازية، فإن عصير البرتقال أكثر طزاجة ويُنظر إليه على أنه صحي أكثر.
لذا، سيكون من الخطأ بالتأكيد إرجاع هذا الفشل فقط للعلامة التجارية ذات الصلة أو الأشخاص الذين شاركوا في الأمر؛ لأن أخطاءً مماثلة تحدث كل يوم في العديد من الشركات. ما الذي يمكن أن نتعلمه إذن من تلك الحالة؟ يقول بيتر أرنل، المصمم المسئول عن التصميم الجديد، إن هدف تغيير التصميم كان «التجديد وإعادة كلٍّ من التفكير والتصميم والاشتراك في الثقافة الشائعة» و«التواصل العاطفي مع المستهلكين.» يوضح هذا عائقًا مهمًّا أمام التنفيذ الكفء لاستراتيجيات التسويق؛ فالوثائق الخاصة باستراتيجيتنا، وخاصة الموجز التسويقي، عادةً ما تشتمل على أهدافنا (الداخلية) التي نريد أن نحققها بدلًا من التركيز على المستهلك وأهدافه الصريحة والضمنية.
هناك عائق آخر كبير؛ وهو أن هدف التواصل العاطفي مع المستهلكين غامض جدًّا ويترك مساحة كبيرة للتأويل الذاتي.
العاطفة والتسويق
لقد استخدمنا جميعًا وسمعنا عن هدف حاجتنا إلى «الارتباط العاطفي مع المستهلكين»، وإلى التواصل معهم وإضفاء الطابع العاطفي على علاماتنا التجارية ومنتجاتنا. إن مصطلح «عاطفة» مفهوم مهم جدًّا في التسويق؛ لذا، دعونا نلقِ نظرة عن كثب عليه. إنه يعَد في واقع الأمر واحدًا من أكبر العوائق التي تقلل من فاعلية وكفاءة التسويق، خاصة عند تنفيذ استراتيجيات عبر نقاط التفاعل بين العلامة التجارية والعملاء.
بادئ ذي بدء، ما المقصود بالجانب العاطفي؟ في التسويق، نحن لا نهتم كثيرًا بالجوانب العصبية أو النفسية الفسيولوجية، ولكن نركز بدلًا من ذلك على الأمور العاطفية التي تقف وراء قرارات الشراء. إن هذا، من بين أشياء أخرى، يُستوحى من ردود أفعال المستهلكين في البحث السوقي؛ إذ عادةً ما يشير المستهلكون إلى السعادة أو الرضا عند محاولة توضيح أسباب شرائهم ما يشترون من منتجات؛ لذا، فإن مشاعر الرضا والسعادة والمشاعر الإيجابية يبدو أنها دوافع معقولة للسلوك الشرائي. لكن ما رأي العلم في دور العواطف في تحفيز السلوك؟ يقول عالِما النفس الشهيران تشارلز إس كارفر ومايكل إف شاير في «دليل أكسفورد للفعل الإنساني»: «يمكن للعاطفة أن يكون لها تأثير إيجابي أو محايد أو سلبي على أي فعل معتمد على الأهداف؛ وذلك اعتمادًا على مدى تحقيق الفعل للهدف.» بعبارة أخرى، العواطف تعطي تقييمًا عن مدى تحقُّق الأهداف.
إذا كنا نريد الفوز بمباراة تنس (هدف الإنجاز)، فإن خسارتنا بضعة أشواط ستثير شعورنا بالغضب أو الإحباط. وتلك المشاعر عبارة عن إشارات تقريرية تخبرنا عن مدى تحقيقنا لهدف الفوز؛ فتحقيق الهدف هو ما يثير شعورنا بالسعادة والرضا. ولأن المستهلكين ليس لديهم سوى إمكانية وصول محدودة لأهدافهم الضمنية، فإنهم يتحدثون عن ناتج قرارهم عندما يُسألون عن الأسباب التي تقف وراء عمليات شرائهم، بدلًا من القوة الحقيقية التي تعَد الدافع وراء تلك العمليات. تَنتُج المشاعر الإيجابية عن تحقيق الأهداف؛ فنحن نشعر بالسعادة بغض النظر عما إذا كنا نقود سيارة بورش، أو نأكل قالب شوكولاتة لذيذة، أو نزيل بقعة من قميص مفضل لدينا. إنها التجربة الواعية الوحيدة التي لدينا عن عمليات التقييم الضمنية التي تحدث في نظام الطيار الآلي.
إذا نظرنا في الحملات الإعلانية الحالية، فسيتضح أنه عادةً ما تُعَد المشاعرُ الإيجابية، التي تثيرها مشاهدةُ أحدِ الإعلانات، أحدَ الأهداف الأساسية لوسائل التواصل الخاصة بالتسويق؛ فما دام الإعلان مسليًا ومضحكًا، فسيستحوذ على إعجاب الناس وسيساعد ذلك في إقناع الناس بشراء المنتج الذي يروج له. يؤدي هذا إلى موجزات تسويقية نطلب فيها من شركات الإعلان تصميم إعلانات مبتكرة ومسلية وجذابة. إن المشاعر الإيجابية التي تثار أثناء مشاهدة إعلانٍ ما ليست شيئًا سيِّئًا بالطبع؛ فالاستمتاع سيكوِّن جزءًا من الشبكة الارتباطية للعلامة التجارية، لكن لا يشتري أي مستهلك منتجًا فقط لأن حَمْلة الدعاية خاصته كانت مسلية. كذلك، لا توجد تقريبًا أي علامات تجارية تثير مشاعر سلبية، وهذا ما يجعلنا نسأل: كيف يمكننا تمييز علاماتنا التجارية بناءً على إثارة المشاعر الإيجابية؟ هل فقط بأن تكون وسائل تواصُلنا التسويقية أكثر مرحًا أو تسليةً من تلك الخاصة بمنافسينا؟
إذا نحَّيْنا جانبًا التفاصيل العلمية، فإن مصطلح العاطفة له جوانب عملية شديدة. هناك دائمًا نقاش حول ما هو الأكثر أهمية: هل ميزة السعر والمنتج أم الميزة العاطفية؟ هل نريد الاستثمار في حملة تركِّز على صورة العلامة التجارية أو حملة تركِّز على البيع بالإلحاح؟ هل العلامة التجارية أو المنتج هو الذي يقف وراء قرار الشراء؟ تقوم تلك النقاشات على افتراض أساسي مفاده أن الحقائق «الأساسية» (السعر وسمات المنتج وغير ذلك) «عقلانية»، في حين أن العناصر «الناعمة» (العلامة التجارية وصورة المنتج) أكثر «عاطفية». تكون هناك مقايضة بين المنتج والعلامة التجارية؛ لأننا ننظر إليهما باستخدام نموذج اتخاذ القرار العقلاني في مقابل العاطفي.
لكن الارتباط بين المستويين مفقود، فلا يوجد بينهما رابط على الإطلاق؛ فعادة ما ينتج عن النموذج العقلاني في مقابل العاطفي حلول وسط ونقاشات مطولة حول مدة عرض المنتج في إعلان تليفزيوني. لماذا على وجه الدقة يكون الجمع بين الجانبين «العاطفي» و«العقلاني» معًا أمرًا صعبًا جدًّا؟ لماذا نتجادل كثيرًا حول هذا؟ إن نظرة سريعة على المكان الذي ينشأ فيه هذا التفكير يمكن أن تساعدنا على فهم هذا التحدي على نحو أفضل. إن فكرة أن العاطفة والعقل خصمان ترجع إلى الفيلسوف اليوناني، أفلاطون، الذي تَحدَّث عن العاطفة معتبرًا إياها الحصان الأسود الذي يحتاج لأن يَكبح جماحه الحصان الأبيض الذي يرمز للعقل والعقلانية. إن تلك الازدواجية استمرت عبر تاريخ الفكر، حتى وصلت لديكارت وَكانط. أما اليوم، فهذا النوع من التفكير يظهر في موجزاتنا التسويقية؛ فنحن نميل لأن نضمن قسمًا للميزة العاطفية وآخر للميزة الوظيفية، وكثيرًا ما يكون القسمان غير مرتبطين أو متداخلين.
لكن مفهوم الأهداف لا يهتم بهذه الازدواجية؛ فإذا نظرنا للمنتجات على أنها تخدم الأهداف الصريحة وللعلامات التجارية على أنها تخدم الأهداف الضمنية، فلا توجد مشكلة في وضع عرض قيمة يتضافر فيه مستويا الأهداف الصريحة والضمنية.
***
مفهوم المشاعر غامض جدًّا بحيث لا يمكن أن تقوم عليه عملية تنفيذ استراتيجيات التسويق، والمشاعر أيضًا عامة جدًّا بحيث لا يمكن الاعتماد عليها في التمييز الملائم للمنتجات في أي سوق.
الأهداف تقود عملية التنفيذ لارتباطها بالإشارات
ما الذي تَعلَّمه المخ فيما يتعلق ﺑ «الأشياء الخفيفة»؟ إلى أين تذهب تلك الأشياء؟ الإجابة العفوية هي «أنها تطفو لأعلى». من الواضح أن الجاذبية تجعل حتى الأشياء الخفيفة تهبط لأسفل؛ لكننا تعلمنا من خلال خبراتنا اليومية أن الأشياء الثقيلة تدفعنا أو تسحبنا لأسفل؛ على سبيل المثال، عندما نحمل حقيبة ثقيلة، ويحدث العكس في حالة الأشياء الخفيفة. يتعلم المخ من خلال مواقف لا حصر لها تبدو فيها الأشياء الخفيفة والأشياء الموجودة بأعلى معًا، أن الإشارتين تقترنان معًا؛ لذا، في ذاكرتنا الارتباطية، هناك رابط بين أن يكون الشيء خفيفًا وموجودًا بأعلى. بعبارة أخرى، وجود الشيء «بأعلى» يرمز لكون هذا الشيء «خفيفًا». في التسويق، يمكننا «استعارة» تلك الذكرى عند الإشارة إلى عدم دسامة البسكويت التي تعد مهمة لهدف المستهلك الخاص باتباع نظام غذائي أو الالتزام بالإرشادات الصحية؛ لذا، ليس مفاجئًا أنه طبقًا لدراسة قام بها باحثون في جامعة ولاية أوهايو اعتبر أغلبُ المشاركين، الذين تم سؤالهم في الدراسة، التصميمَ الذي يظهر فيه البسكويت في الجزء السفلي من عبوة المنتج أكثرَ دسامة. هل هذا يعني — بناءً على ذلك — أن العبوة الأخرى «أفضل»؟ إن الإجابة عما هو صحيح أو خطأ تعتمد على الهدف الذي ينشد العملاء تحقيقه من خلال المنتج. بالنسبة إلى المنتجات التي قد تُعتبر «الدسامة» بالنسبة إليها سمة إيجابية (على سبيل المثال، البسكويت بالشوكولاتة)، فضَّل المشاركون التصميمات التي يعرض فيها المنتج في أسفلها. أما مع المنتجات «الخفيفة» التي تساعد في إنقاص الوزن، فإن المشاركين فضلوا العبوات التي يظهر فيها المنتج في أعلاها. ويبدو أن الأمر لا يتعلق بما يبدو على نحو أفضل أو أكثر إمتاعًا لعين العميل، وإنما يتعلق على وجه الخصوص بالهدف الذي يسعى العملاء لتحقيقه من خلال منتجٍ ما.
يوضح هذا المثال ميزة عملية أخرى للتركيز على الأهداف؛ وهي أنه يرتبط على نحو مباشر بالإشارات؛ ومن ثَمَّ يساعد في تنفيذ استراتيجيات العلامات التجارية، ما دامت تلك الاستراتيجيات تضع أهداف المستهلكين في الاعتبار. وحتى نفهم هذا على نحو أفضل، دعونا نلقِ نظرة أخرى على المشاعر. أحد العلماء البارزين في مجال العاطفة هو بول إكمان، وقد أوضحت أبحاثه أن هناك ستة مشاعر أساسية يمكن التعبير عنها وفهمها على مستوى العالم: الغضب والاشمئزاز والخوف والفرح والحزن والدهشة. بالنظر لتلك القائمة، يتضح أن هناك شعورين إيجابيين، هما الفرح والدهشة. نتيجة لهذا، عندما نطلب من وكالات الإعلان «إضفاء الطابع العاطفي على العلامة التجارية»، فإن هذا عادةً ما ينتج عنه إعلانات تعرض أشخاصًا سعداء، بغض النظر عما إذا كانت تعلن عن بنك أو متجر للبيع بالتجزئة أو سيارة أو أي شيء آخر. وهكذا يكون التركيز على الطابع الترفيهي للإعلان التليفزيوني حتى يجعل تجربة المستهلك ممتعة عند مشاهدته.
إن الرغبة في نقل «المشاعر» تفتح الباب لمجادلات حامية الوطيس؛ فهل عبوة تروبيكانا الجديدة عاطفية؟ ولماذا؟ ولم لا؟ وكيف يجب أن تبدو المرأة إذا كانت تشعر بميزة عاطفية؟ إن هذا الأمر صعب التحديد، أليس كذلك؟ فمصطلح «عاطفة» غامض جدًّا بحيث لا يمكنه توجيه عملية التنفيذ على نحو فعال، في حين أن الأهداف محددة جدًّا. وحيث إن عقلنا يستخدم الأهداف كفلاتر لتحديد المنتجات التي تتناسب مع تلك الأهداف، فإن شبكتنا الارتباطية تحتوي بالفعل على العديد من الارتباطات بين الأهداف والإشارات. ومن أجل تحقيق الأهداف ومراقبة تحقيقها من خلال نظام الطيار الآلي، نحتاج لمعرفةِ ما يجب أن نبحث عنه؛ ومن ثَمَّ، نتعلم الإشارات المرتبطة بأهداف معينة.
تخبر إشارات المنتجات مثل اللون والشكل والحجم المستهلكين بالهدف الذي يمكنهم تحقيقه من خلالها، وبالنسبة إلى الأهداف النشطة يبحث المستهلكون على نحو ضمني عن الإشارات التي تقترن بتحقيق هذه الأهداف على وجه الخصوص. رأينا في مثال تتبُّع العينين كيف أن الناس الذين في حالة جوع كانوا يركزون بأعينهم على علامة ماكدونالدز، فنحن على نحو أعم نرى ما نريد. فالبحث عن علبة كوكاكولا يدعم معالجة المناطق الحمراء في مدخلنا البصري بزيادة الحساسية العصبية لهذا اللون تحديدًا. بعبارة أخرى، الأهداف مقترنة على نحو مباشر وفوري بالإشارات. وهذا مفيد جدًّا في ممارساتنا التسويقية لأنه ستنتج عنه توجيهات واضحة فيما يتعلق باختيار الإشارات في عملية التواصل.
لذا فإن مصطلح «عاطفة» يصرفنا عن الدوافع الحقيقية لعملية الشراء؛ فهو يثير صورة مقايضة تمثيلية وقلما يكون مفيدًا في توجيه استراتيجيتنا ولا يساعدنا على نحو منهجي في إدارة علامتنا التجارية عبر نقاط التفاعل خاصتها. لكن النموذج «العقلاني في مقابل العاطفي» مغروس بعمق شديد فينا بحيث يبدو من غير الواقعي في واقع الأمر تغييره بسرعة؛ لذا، إذا مضينا في استخدام كلمة «عاطفة»، ومن ثَمَّ النموذج الثنائي ﻟ «العلامة التجارية في مقابل المنتج»، يجب أن نتأكد من أننا نعتبر المزايا العاطفية أهدافًا.
***
لا يضمن استخدام استراتيجية معتمدة على الأهداف عنصر الملاءمة فحسب، وإنما يوفر أيضًا توجيهًا واضحًا لترجمة الاستراتيجية إلى إشارات؛ السبب في ذلك أن هناك ارتباطات مكتسبة في المخ بين الإشارات والأهداف.
الناس يشترون فئات المنتجات أولًا
أحد التحديات الأساسية في تصميم وتنفيذ استراتيجيات العلامات التجارية يتمثل في تحقيق التميز على العلامات التجارية المنافسة؛ فنحن نعلم أن هذا التميز مفتاح نجاح الاستراتيجية الخاصة بأي علامة تجارية. ويكون من المعقول غالبًا افتراض أننا لا يمكننا أن نجعل منتجاتنا وعلامتنا التجارية متميزة على مستوى الأهداف الصريحة؛ ومن ثَمَّ نحتاج للسعي وراء هذا التميز في نواحٍ أخرى باعتباره من الأولويات. يكمن الخطر في اتباع تلك الطريقة في احتمال نسيان الهدف الصريح تمامًا، ومن ثَمَّ المخاطرة بفقدان عنصر الملاءمة. رأينا ذلك مع منتج باليستو، نوع الشوكولاتة الصحي، وذلك كما أوضحنا في الفصل السابق. إن الناس يشترون فئات المنتجات أولًا وقبل أي شيء، ويتضح هذا من خلال قوائم الشراء خاصتهم؛ حيث إنهم نادرًا ما يكتبون العلامة التجارية. فأغلب الوقت يكتبون فئة المنتجات؛ فيكتبون قهوة أو حساء أو سمن نباتي وليس نسكافيه أو هاينز أو فلورا.
لذا، فالتركيز على تحقيق الأهداف الصريحة الأساسية أمر ضروري؛ فالعلامة التجارية التي تحقق الهدف الصريح على أفضل نحو هي التي تكون الرائدة في سوقها. وفي عملنا، رأينا هذا المبدأ يتحقق في كل فئات المنتجات التي حللناها، سواء كانت منظفات أم مستحضرات تجميل أم خدمات اتصالات. نتيجة لذلك، في الأسواق غير الناضجة، من المهم التركيز على الهدف الصريح ومحاولة التميز فيه. فاحتلال المركز الثاني في السوق وزيادة ارتباط العلامة التجارية بالأهداف الصريحة بحيث تقترب من العلامة التجارية الرائدة في السوق يساعد في زيادة نسبة اختراق السوق.
تدريب
حتى تحدد الأهداف الأساسية الصريحة لفئة المنتجات التي ينتمي إليها منتجك، حاول الإجابة عن السؤال التالي: «إذا كانت هناك علامة تجارية في فئة المنتجات هذه، فأي الأهداف يجب عليها تحقيقها؟» إذا لم يوجد المنتج أو الخدمة، فما الذي سيفعله الناس أو يشترونه بدلًا منه في هذه الحالة؟
قد يقول البعض إن هذا الإعلان غير واقعي لأنه لن تقوم امرأة على الإطلاق بحك قشرة خوخ على منشفة. في حين قد يرى البعض الآخر أنه ليس مبدعًا أو مسليًا على الإطلاق وأن المستهلكين لن يميلوا لمشاهدته أكثر من مرة. لكن هذا الإعلان حقق نجاحًا كبيرًا. من ناحية المخ، أدى التواصل ما يفترض أن يقوم به وأداه بفاعلية وكفاءة: فقد أسس ارتباطًا بين المنتج والهدف الصريح للفئة التي ينتمي إليها المنتج؛ وهو النعومة. هذا تحديدًا ما يجب أن نفعله إذا كنا نطمح لتطوير وسائل تواصل فعالة: أن نستخدم ارتباطات حالية بين الإشارات والأهداف بدلًا من محاولة إنشاء ارتباطات جديدة؛ فالارتباطات الحالية تم التحقق من دقتها بالفعل آلاف المرات، وهذا يعد مصدر قوة لا يمكن حتى لعمليات الإنفاق الضخم على وسائل الإعلام مواجهتها.
تنقل الإشارات الموجودة في إعلان لينور عرض النعومة، وبقيامها بذلك تقوي الارتباط بين العلامة التجارية والهدف. ويعتمد هذا على ارتباط موجود لأننا نعرف بالفعل أن قشرة الخوخ حساسة وطرية؛ ومن ثَمَّ، فإن مفهوم النعومة قد أثير وارتبط بالعلامة التجارية. إن استخدام الخوخ باعتباره رمزًا للجلد الحساس أمر مبتكر لأنه لم يُستخدم من قبل في فئة المنتجات المنعِّمة للملابس؛ لذا، فهو أمر مبتكر، غير أنه استغل الارتباطات الحالية بين قشرة الخوخ والنعومة.
يَعرض الإعلان التليفزيوني على نحو درامي الجانبَ الفريد للتجربة الخاصة بالمنتج؛ وهو الفترة التي تأخذها الجعة حتى يتم صبها وقوة الجعة. فعندما يتم صب الجعة، تنتج في البداية قدرًا كبيرًا من الرغوة، وهذا هو سبب التأخير، فنحن بحاجة لوقت حتى تستقر قبل أن يكون بإمكاننا شربها. تم عرض سمة المنتج هذه على نحو درامي ومجازي من خلال مفهوم الحملة «الأشياء الرائعة تأتي لمن لديه صبر». وتلك الفكرة المرتبطة بشدة بتجربة المنتج — حتى ولو على نحو مجازي — تم تنفيذها بنجاح من قِبل العلامة التجارية في عدد من الإعلانات. لو كان لنا أن نعرض تلك الفكرة في مجموعة تركيز، فربما نسمع ردود أفعال مثل: «هذا ليس معقولًا»، أو «ما علاقة هذا بالجعة؟» أو «لا أجد معنًى هنا لراكب الأمواج»، أو «الخيول غير واقعية». في واقع الأمر، اقترحت وكالة خاصة بالبحث السوقي أن يتم استبعاد الخيول من الإعلان حيث إن المستهلكين وجدوها غير واقعية. إذا نظرنا للأمر من منظور ضمني أكثر، فإن تلك التعليقات ليست ذات صلة؛ فالخيول والطريقة المعروضة بها تشير إلى أن الأمواج قوية وعاتية، وهذا بلا شك مرتبط بمفهومَي القوة والسيطرة، مما يتوافق مع سبب تناول الناس للعلامة التجارية جينيس.
***
من الممكن أن نكون مبتكرين بشدة في عمليات التنفيذ خاصتنا ما دمنا نستخدم ارتباطات حالية بين الإشارات والأهداف.
التوجيه فيما يتجاوز الطرق الشكلية
لأن تنفيذ استراتيجيتنا يتضمن نقاشات ومخاطر عديدة، فإننا عادة ما نكون ميالين لفكرة ضمان الاتساق والحكم على الصواب والخطأ بتوجيه عملية التنفيذ من خلال أدلة التصميم والوسائل البصرية الأساسية وقوائم التحقق الشكلية الخاصة بالإشارات. لكننا علمنا أن المخ يتمتع بمرونة أكبر من هذا عندما ألقينا نظرة على دراسة هالي بيري في الفصل الثالث. إن كيفية تشفير العلامة التجارية الخاصة بهالي بيري غير مهمة، سواء كانت على هيئة صورة أو مجرد نص؛ ما دام معنى «هالي بيري» يمكن التعرف عليه، فإن الخلايا العصبية سيتم إطلاقها؛ لذا، في المخ، هناك خلايا عصبية تشفر العلامة التجارية — في هذه الحالة، هالي بيري — تبعًا للتشابه في المحتوى وبغض النظر عن طريقة عرض هذا المحتوى؛ لذا، دعونا نلقِ نظرة أكثر تفصيلًا على كيفية إدارة الاتساق وكيفية منع الوقوع في الفخاخ التي تحدث مع استخدام الطرق الشكلية.
دعونا نسأل الأسئلة الأساسية التي يجيب عنها عقلنا أثناء معالجة تلك الإشارات: ما هذا؟ وما الذي يرمز إليه؟ يمكننا رؤية امرأة في بداية عقد الثلاثينيات من عمرها ترتدي رداءً أحمر تسير بالخارج. وهي تحمل مجلدًا، مما يشير إلى أنها ذاهبة للعمل. إنها تضحك وتسير بطريقة رشيقة. وهي تمر بواجهة مطعم وبالمصادفة ترى انعكاسًا لصورتها وتعجب بما تراه وتستمر في طريقها. السؤال الآن: ما الأهداف التي تشير إليها تلك القصة؟ إن ارتداء رداء أحمر ضيق أمام الناس ينم عن دافع التقدم، ونطاق الأهداف المشار إليه هو الاستقلالية؛ حيث إن ذلك السلوك يتطلب الثقة بالنفس. إن نظرها في زجاج واجهة المطعم حدث بالمصادفة مما يشير أنها لا تتفحص نفسها (أيْ لا يدفعها دافع المنع). إنها سعيدة بما تراه وهذا يرتبط بالهدف الضمني للافتخار بالذات. المدهش أنها بمفردها دون أن يكون أحد حولها؛ مما يعني أن ثقتها بنفسها تعتمد على حكمها على نفسها، وأن لها استقلالية عن الآخرين. هذا مرة أخرى يخدم نطاق أهداف الاستقلالية. وتشير طريقة مشيها الرشيقة إلى الحيوية، والتي تدعمها أكثر الموسيقى التحفيزية.
للوهلة الأولى، قد يبدو أن هذا الإعلان الجديد سيحقق نجاحًا هو الآخر. يحكي الإعلان عن امرأة جذابة تذهب للعمل وترتدي رداءً أحمر. ترى نفسها بالمصادفة في المرآة وتعجب بما تراه. ويزعم المعلق في الإعلان: «فلتقع في حب نفسك ثانيةً»، وهو ما يدعم تلك الرسالة. لكن رغم أوجه التشابه على المستوى الصريح، فإن الرسالة الضمنية الكلية مختلفة تمامًا عن تلك الخاصة بالإعلان الأصلي. بادئ ذي بدء، المرأة مختلفة، وهي أصغر سنًّا وتشير الطريقة التي تصفف بها شعرها إلى سنها وأنها ليست بنفس سن وأناقة المرأة التي كانت موجودة في الإعلان السابق. والرداء مختلف أيضًا؛ هو بلا أكمام ومفتوح من الصدر وبه فتحة طولية في حاشيته. كما أن طرازه وطريقة حياكته ليسا كلاسيكيين كالرداء الآخر. وهي تحمل حقيبة يد وليس شيئًا متعلقًا بالعمل. وبتأويل كل هذا معًا، وكما يفعل نظام الطيار الآلي مع ١١ مليون بت خاصته، فإن الرداء الأحمر في عملية التنفيذ هذه لا يرمز للثقة بالنفس. ومن الملاحظ أيضًا أن المشهد الذي تنظر فيه في المرآة فترى نفسها لا يَحدث أمام الناس هذه المرة لكن عندما كانت بمفردها في المصعد. وهذا أيضًا يتعارض مع الهدف المطلوب الخاص بالثقة بالنفس. وقبل أن تخرج من المصعد، أخذت تفحص شعرها ثانية لتتحقق من أن شكلها جيد. وهذا يبدو طبيعيًّا ويثير التعاطف، لكن تلك الجوانب ليست مفيدة فيما يتعلق بتوصيل الهدف المطلوب: سلوكها لا يتفق وهدف الثقة بالنفس. ثم تحصل على مجاملة من موظف الاستقبال، والذي يجعلها تشعر بالسعادة على ما يبدو. لكن إدراك الأناقة من شخص آخر يقلل من احتمالية تحررها واستقلالها. علاوة على ذلك، هل مجاملة من شخص مثل موظف استقبال من المحتمل حقًّا أن تسعد امرأة واثقة من نفسها؟
ما توضحه دراسة الحالة هذه أنه على الرغم من وجود أوجه تشابه كثيرة على المستوى الشكلي (على سبيل المثال، «الجوانب الإجبارية الخاصة بالإعلان» مثل الرداء الأحمر)، وتناول نفس الأهداف الصريحة (الأطعمة المنخفضة السعرات)، من الواضح أن الإعلانين التليفزيونيين يخاطبان أهدافًا ضمنية مختلفة. لو تم استخدام عرض معتمد على الأهداف، عرض يربط بين الأهداف الصريحة والضمنية يقول: «أوضح من خلال منتج دو دارفست أنك واثق بنفسك ومستقل وفخور بما تراه»، فإن الإعلان الثاني — الذي تم وقفه بعد وقت قصير — ما كان ليحقق الهدف أبدًا.
***
لا يضمن فقط استخدام عرض قائم على الأهداف عامل الملاءمة، وإنما يضمن أيضًا التوجيه الدقيق لعملية التنفيذ.
***
دعونا نلقِ نظرة على إعلان «الغوريلا» أولًا. إن مقطع أغنية «في الهواء الليلة» ينشئ سياقًا هادئًا/لطيفًا، والمكان — وهو مشهد داخلي — يمثل نطاقًا أنثويًّا معتادًا. وبعد ذلك نرى اقترابًا بالكاميرا من غوريلا. هذا غير متوافق مع سياق الشوكولاتة والموسيقى؛ فالغوريلا حيوان خطير وقوي. إن عينيها مغلقتان وأنفها مرفوع؛ ما يشير إلى أنها تستمع للموسيقى على ما يبدو؛ ومن ثَمَّ لا تمثل تهديدًا فوريًّا. يبدو أنها تستمتع بالموسيقى، وبينما الموسيقى تتصاعد لتصل لذروتها، ترخي الغوريلا عنقها وكتفيها مما يوضح أنها تسترخي بانتظار شيء. إن الغوريلا بمفردها، وهذا يشير بجانب تلك الأفعال إلى الفردية والانفراد بالذات. تصل المقطوعة الموسيقية لقمتها وتظهر الغوريلا وهي جالسة أمام الطبول وأخذت تضرب عليها بطريقة صاخبة وملهمة تشبه طريقة عزف البشر. تلقي الغوريلا رأسها للخلف عدة مرات كما لو كان ذلك من نشوتها. التصوير والنشاط هذان يُرَيَان على أنهما غريبان ومثيران ومسليان. تخفت الموسيقى ويظهر بدلًا من الغوريلا لقطة يبدو فيها غلاف منتج ديري ميلك الخاص بكادبوري مع عبارة تقول «كوب ونصف من البهجة».
دفع الصخب والجدل الكبيران اللذان أثارهما إعلان «الغوريلا» شركة كادبوري لإطلاق إعلان تالٍ له باسم «العربات». وكانت الرسالة المستهدفة من الإعلان الجديد هي «إعادة اكتشاف المرح»، التي كانت مطابقة لتلك الخاصة بإعلان «الغوريلا». وقد بدأ الإعلان الجديد بصورة لطائرة تقلع من مدرج طيران. والمشهد خارجي وليلي، وهما رمزان لنطاق الرجولة. ويبدأ تشغيل مقطع أغنية «لا توقفني» للفريق الغنائي كوين مع ظهور صور لعدد من العربات الخاصة بالمطار وهي تستعد للقيام بشيء. ومرة أخرى، تتسق صور أنابيب العادم وملابس قائدي سيارات السباق مع رموز رجولية. تصطف العربات على مدرج الطيران وتبدأ في التسابق (وهو ما يرمز للاستقلالية). تبدأ حركة سريعة للكاميرا ولقطات سريعة لتبين سرعة العربات والمناورات التي تقوم بها، وبعض اللقطات تذكرنا بمشاهد المطاردات في أفلام الحركة (وهو ما يرمز للمغامرة). لكل عربة وسيلتها في التقدم على العربات الأخرى و/أو منعها من التقدم عليها. ما الذي يمكن أن نتعلمه من تطبيق مخطط فك شفرة الأهداف على هذين الإعلانين؟
***
يساعدنا مستوى الأهداف الضمنية — على نحو كبير — في تحديد أيُّ عمليات التنفيذ تخدم الاستراتيجية على أفضل نحو.
استهداف أهداف عديدة: كيفية تجنُّب تخفيف الأهداف
يخاطب الإعلان التليفزيوني الذي ظهر في عام ٢٠١١ بوضوحٍ نطاقَ أهداف الإثارة؛ فهو يوضح كيف أن كوب زبادي يحول عالمًا خطرًا غير مبهج وسلبيًّا إلى مكان للبهجة والمرح؛ فالعالم يصبح ملعبًا ثانيةً بعد إبعاد كل الضغوط والمخاطر، وهذا المعنى «مُضمن» أيضًا في المنتج. فإذا نظرنا إليه من أعلى، فسنجده مربعًا وينقسم لقسمين. ولأن المكونات الإضافية في «الركن» الهدف منها أن تكون مكملة، لا أن تكون مهيمنة على الموقف، هناك قسم كبير للزبادي وآخر صغير للمكونات الإضافية. يقسم القسمان المربع إلى جزأين، لكنهما ليسا متساويين؛ فعند فتح العبوة، يظهر محتوى القسمين. ونحن نميل لتناول هذا الزبادي أولًا بوضع محتويات القسم الصغير في القسم الأكبر. ينكسر هذا الشكل المربع الصلب بِطَيِّ الركن محدِثًا صوت طقطقة. وعندما نقوم بطي الركن، نسمع صوت انكسار. وبذلك، يكون لدينا قسم منفصل مثلث الشكل وشكل مجاور غير منتظم، فيتحول شكل منتظم إلى شكل غير ثابت. وبالمعنى المجازي، نحن نكسر حاجز الاستقرار والثبات، وهذا يشير إلى نطاق أهداف الإثارة.
تتناسب تلك التجربة بوجه عام مع العرض المقدم في الإعلان التليفزيوني الخاص بالمنتج الذي ظهر في عام ٢٠١١. لكن التصميم الثنائي الأبعاد لعبوة المنتج لا يناسب هذا العرض على الإطلاق؛ فقد أعيد إطلاق العلامة التجارية في عام ٢٠١١ مع العبوة والإعلان الجديدين. يبدو أن العبوة قد صُممت بحيث تشير إلى أنها تمتلك الهدف الصريح لفئة المنتجات في المتاجر عن طريق استخدام واضح للَّون (الأزرق) على عبواتها وأماكن عرضها. وهذا يشير ضمنيًّا إلى أن العلامة التجارية تمثل الاتجاه السائد للجميع، وهي ناجحة وسائدة في فئة منتجات الزبادي. لكن هذا هو هدف المبيعات الداخلي ولا يساعد في الدلالة على أهداف المستهلكين؛ فالتصميم الثنائي الأبعاد يشير للبساطة؛ فهو واضح وجاد. والتصميم مرتبط بنطاق أهداف النظام، وهو النقيض التام للمرح الذي ينطوي على كسر القواعد والجدية.
والآن يمكن القول إن قيمة الهدف الكلية زادت لأن الإعلان والعبوة يغطيان نطاقَي أهداف متمايزين وليس نطاقًا واحدًا. هذا افتراض معقول، لكن ما الرؤى التي يقدمها لنا العلم لاختبار هذا الافتراض؟ إن الرؤية الأساسية يطلق عليها «تخفيف الأهداف». يمكن القول إن قيمة أي علامة تجارية أو منتج تكون في أعلى مستوياتها إذا تم رسم الصورة الذهنية لها اعتمادًا على أهداف عدة غير مرتبطة بعضها ببعض قد يرغب المستهلكون في تحقيقها. لكن نموذج تخفيف الهدف يوضح في واقع الأمر أن العكس هو الصحيح.
يرى علماء النفس جونج وَفيشباك وَكروجلانسكي أن أهمية أي ارتباط بين علامة تجارية وهدفٍ ما تعتمد على تفرُّد الهدف. بعبارة أخرى، إذا ارتبطت علامةٌ تجاريةٌ ما بعدة أهداف، فإن كلًّا من تلك الارتباطات سيتم إضعافها. إن جوجل مشهور عنه أنه محرك بحث فقط، أما ياهو، فمرتبط بالأذهان بأنه بوابة إلكترونية إلى جانب كونه محرك بحث. يرى الناس أن جوجل محرك بحث أفضل من ياهو لأن هدف البحث قد خُفف بسبب الأهداف الإضافية التي يحاول ياهو تحقيقها؛ لذا، يجب أن نركز على عرض قيمة هدف موجه لتحقيق هدف واحد؛ لأن هذه هي الفرصة الوحيدة لأن يُرى أننا الأفضل في هذا النطاق. وعندما ندير منتجًا واحدًا فقط، فمن الصعب جدًّا التمسك بهذا النهج؛ لأننا نخاف دومًا من أننا قد نفقد شيئًا إذا لم نقم بتضمين قائمة كاملة من المزايا في عرضنا. تدعم نتائج الاختبارات الخاصة بالمفاهيم بالتأكيد هذا النهج؛ لأنه كلما زادت المزايا التي يتضمنها المفهوم، تحسنت نتائج الاختبار. لكن حيث إن الأهداف المختلفة تحتاج لإشارات مختلفة، فإن مثل هذا النهج سيؤدي لتنفيذ غير فعال.
هذا هو الحال عند إدارة علامة تجارية واحدة فقط، فماذا إذن سنفعل عندما يكون علينا إدارة علامة تجارية جامعة تضم تحتها عدة منتجات؟ في هذه الحالة، يتضمن مفهوم تخفيف الأهداف أنه من أجل الحفاظ على قيمة هدف العلامة التجارية الجامعة والمنتجات الخاصة بها في أعلى مستوياتها، علينا استخدام أهداف مختلفة لكنها مرتبطة ارتباطًا قويًّا بعضها ببعض. يجب أن تكون مختلفة من أجل توفير منفعة حدية في المحفظة الاستثمارية. فإذا كان أحد المنتجات لا يستهدف هدفًا مختلفًا، فإن تأثيره على المبيعات سيكون ناتجًا فقط من حضور فعلي كلي أكبر للعلامة التجارية في السوق.
يوضح الشكل أن الحملة اعتمدت اعتمادًا كبيرًا على الإعلانات الخارجية؛ لذا، فإن الإشارات لا تناسب فحسب هدف الأمن وإنما أيضًا يحدث التواصل مع الحملة في موقف يكون فيه هذا الهدف نشطًا؛ عندما نكون بالخارج ونجد أنفسنا نقف وسط جمع من الغرباء. نحن لا نعرفهم على الإطلاق؛ ومن ثَمَّ نشعر بالوحدة حتى مع وجود عدد كبير من الناس بجانبنا. توضح الصورة الموجودة في الجانب العلوي الأيمن كيف أنه تم استغلال وسائل الإعلان الخارجية للتركيز على تلك الرؤية. إن فكرة العناق طُورت على نحو أكبر بإنشاء ماكينات بيع تُخرج الزجاجة فقط إذا عُونقت الماكينة. إن التركيز على الأهداف يضمن إمكانية استخدامنا لما يهم المستهلك؛ أيْ إن الميزة الأساسية تكمن في التوجيه الأكثر دقة لعملية التنفيذ. وبالقيام بهذا، فإنه يسمح للمسوقين بتوجيه وإدارة عملية التنفيذ، وأن يصبحوا أكثر قدرة على التمييز بين الخطأ والصواب.
***
الأهداف الضمنية يمكنها توجيه التنفيذ بفاعلية عبر نقاط التفاعل والدول ونطاقات المنتجات؛ لأنها عوامل عالمية وجوهرية دافعة للسلوك تتجاوز نقاط تفاعل أو منتجات أو علامات تجارية معينة.
الذكريات المستعارة: مصدر الموضوعية
اتضح مما سبق أن الأهداف يمكن أن تساعد في توجيه عملية التنفيذ بإضافة المزيد من الدقة. لكن حتى مع الأساس الاستراتيجي الأعمق، ما يزال التسويق يواجه تحديًا ما؛ ألا وهو: كيف يمكننا الحكم إن كانت إشارةٌ ما تنقل العرض أو الطرح الذي نرغب في توصيله؟ عندما تقدِّم الوكالات التسويقية مقترحات؛ سواء كانت مخططات أو معالجات أو حملات إعلانية خارجية أو وسائل تواصل اجتماعي، يكون هناك غالبًا قدر كبير من التخمين والآراء والأذواق والمعتقدات الذاتية المتضمنة في تقييم المقترحات؛ مما يؤدي إلى نقاشات جدلية، والأسوأ إلى تسويات عادةً ما لا تستفيد من الإمكانات الكاملة للمقترح. إن العنصر المفقود هو وجود أسلوب موضوعي للحكم إن كانت تلك الإشارة صحيحة أم خطأً مع أخذ عرض القيمة المستهدف في الاعتبار.
إننا في أغلب الوقت ننقل هذا النقاش للمستهلك بالاختبار المسبق للإعلان أو عبوة المنتج. لكن إذا فشل هذا الإعلان أو العبوة في الاختبار، فعادةً ما لا يكون واضحًا لماذا علينا تعديله، والأكثر أهمية كيف يمكننا ذلك. عادةً ما نسمع توصيات من وكالات البحث مثل «اجعل الأمر أكثر اختلافًا/قابلية للتذكر/عاطفية … إلخ»، غير أن هذا الشكل من التركيز على المتطلبات ما يزال يحتاج للإجابة عن السؤال الخاص بكيفية القيام بذلك. ماذا على وجه التحديد الذي يجعل الإعلان أكثر اختلافًا أو قابلية للتذكر؟ بوجه عام، هذا الموقف يمنع فِرَق ووكالات التسويق من التعلُّم؛ ومن ثَمَّ لا يتحسن أداؤها؛ فالتعلم يتطلب توجيهًا وتفاعلًا دقيقين. هناك بالطبع حالات عديدة تم فيها إنتاج منتجات وحملات إعلانية ناجحة، لكن في أغلب الأحيان تكون معتمدة على حدس الخبراء المشاركين في العملية. إن الحدس شيء عظيم، لكن من الصعب أن يتم إظهاره للناس، ومن ثَمَّ من الصعب عرضه عليهم، وكذلك من الصعب تبرير ما ينتج عنه عند تحديه. إن الحدس يعتمد على الشخص المشارك في العملية، وهذا يعد عائقًا أمام تحقيق الاتساق طوال الوقت (نظرًا للتغيير في فريق العمل)، وكذلك عبر الدول والوحدات التشغيلية المختلفة.
كيف يمكننا إذن أن نصبح أكثر موضوعية فيما يتعلق بأطروحات وإشارات الوكالات بوجه عام؟ إن المخ يترجم الإشارات إلى مفاهيم عقلية نلخصها في المعادلة «س = ص». يمكن أن نزعم أن الجميع لديه معادلته الخاصة به، وأن تحويل الإشارات إلى مفاهيم ومن ثَمَّ مدى فاعلية تعاملها مع الهدف ذي الصلة، أمران ذاتيان بالكامل، معتمدان على الأذواق والتفضيلات الفردية. لحسن الحظ، هذا ليس صحيحًا؛ فعملية التحويل ليست قائمة على قواعد معينة، وبعيدة كل البعد عن أن تكون اعتباطية أو ذاتية في طبيعتها.
لم يَرَ أيٌّ منا هذين الشكلين بالتحديد من قبل، ولا سمع من قبل كلمتَي «بوبا» و«كيكي» (حيث إنه لا وجود لهما من الأساس). لكن من غير المحتمل أن يخمن أحد أن الشكل المستدير الانسيابي هو كيكي؛ والسبب أن حرف الكاف والنطق المتقطع للكلمة يتسقان مع الشكل «المتعرج» و«الحاد الزوايا» الموجود على اليمين، في حين أن الحرفين «الباء» و«الواو» ونطق الكلمة يتشابهان أكثر مع الشكل الانسيابي المنحني الموجود على اليسار؛ ومن ثَمَّ، ومن دون استثناء تقريبًا، ربط الناس «بوبا» بالشكل الموجود على اليسار و«كيكي» بالشكل الموجود على اليمين. هل فعلت نفس الشيء؟ هل ذلك رأيك الذاتي أم أن الأمر اعتباطي؟ لا هذا ولا ذاك. إنه المخ الذي يتبع المبدأ المستند إلى القاعدة التي تقول بأن «س = ص»؛ أيْ إن الشكل المستدير والنطق يتلاءمان على المستوى المفاهيمي. إن مصدر هذا المثال هو تجربة أجريت في عام ١٩٣٣ على يد عالم النفس الألماني فولفجانج كوهلر، وكانت نتائجه دائمًا تُظهر نفس التأثير: ارتباط كلمة «بوبا» بالأشكال الأكثر استدارة، وكلمة «كيكي» بالأشكال المتعرجة.
القدرة على التعرف على نحو تلقائي وضمني على الأنماط والقواعد في بيئتنا جانب أساسي في عملية الإدراك البشري.
نحن كمسوقين، لدينا الفرصة لضمان وجود تواصل فعال مع المستهلكين من خلال استعارة تلك الذكريات الضمنية للربط بين علامتنا التجارية وأهداف المستهلكين التي نرغب في أن ترتبط بها علامتنا التجارية. من الصعب جدًّا أن نقيم صلات جديدة بالكامل؛ لأنه من الناحية الإحصائية، تمثل وسائل تواصلنا التسويقية قدرًا محدودًا فقط من تجارب أي مستهلك، ولن تكون كافية للتأثير على «إحصائياته البيئية»، وسيكون هذا أشبه بمحاولة جعل المستهلكين يتعلمون من جديد على نحو جوهري؛ على سبيل المثال: ما مقدار الجهد المطلوب لإقناع نظام الطيار الآلي بأن الوردة ترمز للمرح وليس للحب؟
يشتمل تصميم عبوة المنتج على العلامات المميزة المرتبطة ارتباطًا قويًّا بمفهوم مجموعات المنتجات الاحترافية الخاصة بالخبراء التي يراها الناس ويعرفونها من خلال صالون التجميل خاصتهم. إنه يتناسب مع التصميم النمطي للمنتجات الاحترافية. تستخدم الإشارات طريقًا ممهدًا لمفهوم «العناية الاحترافية» المنشود. وحيث إن هذا الافتراض القائم على الهدف كان ملائمًا وفريدًا إلى حدٍّ كبير، فقد كانت عملية الإطلاق ناجحة.
تصبح فرصة أن تَحِلَّ القراراتُ الموضوعية والاستراتيجية محل المجادلات الذاتية المطولة أكبر إذا كان لدينا المفهوم العقلي (الذي يتم تنشيطه من خلال الإشارات) والهدف الاستهلاكي المقابل كأساس للتقييم. وهكذا تتضح أمامنا مبادئ واضحة وموضوعية — بفضل الإحصائيات البيئية — فيما يتعلق بما إذا كانت طريقة التعبئة أو الإعلان أو أي نقطة تفاعل أخرى توصِّل الهدف أو الاستراتيجية المنشودة على نحو أفضل من سابقتها أو من بدائلها. ما يبينه هذا أن معنى الإشارات ليس اعتباطيًّا أو متروكًا فحسب للتذوق أو الميل الشخصي. هل يمكنك تذكُّر المناقشات التي قال فيها أشخاص من مجال العمل أشياء من قبيل «أُعجِبْتُ بالجزء الذي قُدِّم فيه كذا وكذا ولم أُعْجَب بالجزء الذي قُدِّم فيه كذا وكذا»، أو «أُعْجِبْتُ بالفعل بعنصر كذا وكذا في التصميم ولم يعجبني هذا اللون»؟ لكن مسألة إعجابنا بشيء من عدمه ليست بالتأكيد طريقة موضوعية للحكم على الإشارات؛ فالإعجاب ليس بالأمر المهم. المهم هو ما إذا كانت إشارةٌ ما ترمز على نحو نمطي لعرض القيمة المستهدف في ثقافتنا أم لا. إن المفتاح هنا هو كلمة «نمطي»؛ لأننا إذا أقمنا وسائل تواصُلِنا على ارتباطات ضعيفة بين الإشارة والعرض، فإن فعاليتها ستقل، خاصة إذا كان المستهلكون يعالجون الرسالة ليس على نحو تأملي، وإنما من خلال نظام الطيار الآلي.
***
في إطار ثقافة معينة، نتشارك في الارتباطات بين الإشارات والمفاهيم العقلية والأهداف نظرًا للتنشئة الاجتماعية المشتركة؛ لذا، ليست المفاهيم التي تثيرها الإشارات اعتباطية؛ فالإحصائيات البيئية توفِّر لنا مبادئ واضحة وموضوعية عما إذا كانت الإشارات تخاطب الهدف المراد أم لا.
ارتباط الذكريات المستعارة بثقافةٍ ما
إدراكنا أن الثقافة والبيئة اللتين ننشأ فيهما تلعبان دورًا أساسيًّا في تحديد القواعد التي يمكن من خلالها لنظم الطيار الآلي خاصتنا فك شفرة الإشارات؛ يمكن أن يعطينا بعض الحرية في عملية اتخاذ القرار خاصتنا في عملياتنا التسويقية اليومية؛ فكل مَن نشأ في دولة أو ثقافة واحدة لهم نفس الإحصائيات البيئية. لذا، نحن نعرف الصلات الخاصة بهذه البيئة؛ إنها موجودة في نظام الطيار الآلي وقد تعلمناها على نحو ضمني. ستوجد الفجوات إذا لم نكن على علم ببيئة معينة مثل ثقافة الشباب أو ثقافة دولة أجنبية؛ لأننا لم نتعلم نفس الصلات الخاصة بالمعادلة «س = ص» مثل الأشخاص الذين عايشوا تلك الثقافات. نخلص من هذا إلى أن هناك نتيجة واضحة بالنسبة إلى الشركات المتعددة الجنسيات، تتمثل في أن الحكم على مدى ارتباط الإشارات بالمفاهيم يجب ألا يَصدر من قِبل شخص ليست لديه الإحصائيات البيئية الخاصة بالمكان الذي يحدث فيه النشاط.
من المحتمل أن تكون هناك حاجة لإشارات مختلفة في ثقافات معينة من أجل الارتباط بالمفهوم الذي تسعى العلامة التجارية لتوصيله. وهناك حالات عدة يكون فيها للإشارات ارتباطات مختلفة تمامًا؛ فعلى سبيل المثال، تَستخدم العلامة التجارية لشوكولاتة ميلكا صورة بقرة على غلافها. وفي حين أن الارتباط بين البقرة/اللبن والشوكولاتة/الصحة واضح ومقبول على نحو مثالي في بعض الثقافات، فإنه لن يكون من الممكن استخدام نفس الإشارة في الهند؛ حيث تعد البقرة حيوانًا مقدسًا. حالة أخرى تتمثل في استخدام اللون الأخضر وهو لون مقدس في الثقافة الإسلامية. والنظافة يُرمز لها برائحة مختلفة في المملكة المتحدة وألمانيا (رائحة الليمون) عن إسبانيا (رائحة الكلور).
لكن هذا لا يعني أن كل دولة تحتاج لعملية تنفيذ إعلاني مختلفة؛ حيث لا يزال من الممكن تنفيذ حملات دولية تُوجد بين بيئاتها قواسم مشتركة كافية. إن المطلوب هو التعرف على مَوَاطن التشابه بين الإحصائيات البيئية ذات الصلة؛ أيْ مدى وجود الارتباطات نفسها بين الإشارات والمفاهيم. هناك قاعدة عامة يمكن أن تساعد في الحكم إن كانت إشارةٌ ما قد تُفْهم على نحو مختلف أو متسق عبر الثقافات؛ ألا وهي: كلما كانت الإشارة محسوسة أكثر، زادت احتمالية أن يكون لها معنًى متسق عبر الثقافات؛ لذا، يقل الاختلاف في معنى الأشكال والألوان مقارنةً بالروائح؛ فالرائحة ليست محسوسة على الإطلاق ومن ثَمَّ يعاد تشفيرها بسهولة في شكل أشياء عديدة. وهذا ما جعل الجيش الأمريكي غير قادر على تطوير قنبلة للرائحة الكريهة يمكن أن تكون ذات تأثير فعال عبر مختلف أنحاء العالم؛ حيث إن شيئًا أساسيًّا مثل الحكم على مدى بشاعة رائحةٍ ما من عدمها أمر يختلف بين الثقافات؛ فإذا كانت الإشارات أقل محسوسية كالرائحة مثلًا، فقد تتغلب عليها إشارات أخرى بسهولة، فإذا اختبرنا نفس الرائحة لمنتج في زجاجات مختلفة، بألوان أو أسماء مختلفة، فستُدرَك الرائحة حسيًّا على نحو مختلف. (تَذكَّرْ تأثير لون الطعام على المذاق المدرَك حسيًّا للطعام.)
لذا، فإن الأسلوب المعتمد على الإحصائيات البيئية ومبادئ التعلم يساعدنا في وضع أساس للتقييم والنقاش الموضوعيَّين داخل التسويق ووكالات الإعلان. وبغض النظر عن مدى اختلافنا باعتبارنا بشرًا، فإننا تعلمنا جميعًا القواعد نفسها، على الأقل هؤلاء المنتمون لثقافة واحدة؛ فكلنا تعلمنا نفس الارتباطات بين الإشارات والمفاهيم العقلية. ولو لم نكن نعرف نفس القواعد، لكان سيصبح من الأصعب كثيرًا علينا التعايش معًا. لكن بقي شيء من الشك؛ فإن هناك دائمًا إمكانية قياس مدى قوة الارتباط باستخدام اختبار تهيئة ضمني لإثباتِ إن كان عنصر مرئي أو شكل أو قصة أو شهادة عميل تثير المفاهيم المرادة في الأسواق ذات الصلة أم لا. وفي حين أن التعديلات المحلية قد تكون مطلوبة، فإن التحدي الاستراتيجي الأساسي يتمثل في ضمان الاتساق في توصيل عرض القيمة؛ فيجب أن تكون العلامة التجارية متسقة على مستوى الأهداف، عبر نقاط التفاعل والأسواق. وتكون التعديلات أو عمليات إعادة التصميم المحلية وعمليات الإطلاق الجديدة فعالة فقط إذا كان بإمكانها توصيل العرض المراد على نحو أفضل في سوق معينة.
***
يمكن استخدام الإشارات عبر الثقافات بشرط أن تثير المفهوم العقلي نفسه في الثقافات ذات الصلة.
الإشارات تحدد المعقولية
إن القدرة على إجراء مناقشات وإدارتها بمزيد من الموضوعية تعطي الفرصة لتنفيذ عمليات داخلية أكثر كفاءة وعمليات تواصل تسويقي أكثر فاعلية. ومع وجود أساس موضوعي للحكم على أي شكل من أشكال التواصل التسويقي، يمكن تحقيق عامل النجاح الثالث والأخير إلى جانب عاملَي الملاءمة والتمييز؛ ألا وهو: المعقولية.
يجب أن تكون عروضنا وعمليات التنفيذ خاصتنا قابلة للتصديق حتى تكون مقنعة. في التسويق، نحن نتساءل دائمًا عن مدى معقولية رسائلنا، لكن إذا نظرنا للأمر عن قرب، فسنجد أن هناك مستويات مختلفة من المعقولية. يقوم المستوى الأول على الموقف الإيجابي والثقة اللذين يكونان لدى المستهلك فيما يتعلق بالعلامة التجارية من منطلق «أُصدق ما يقولونه لي لأنها علامة تجارية موثوق فيها». إن هذا لا يتعلق بالعرض المحدد أو الإشارات؛ إنه يتعلق أكثر بموقف إيجابي شامل تجاه العلامة التجارية. أما المستوى الثاني، فيتمثل في منطقية الحجة؛ فإذا كانت حجة العرض معقولة على نحو كافٍ، فإن المستهلكين يرون أن أحد المفاهيم، على سبيل المثال، معقول. لكن هناك مستوًى ثالث، وهو مستوًى ضمني أكثر للمعقولية من منطلق «هل هناك أي إشارة مدركة تجعل العرض ملموسًا؟»
نجد أن هناك اختلافًا كبيرًا في القيمة المدركة عندما وصلت دقة الوضوح ﻟ ٧٫٥ ميجابكسل؛ أو بعبارة أخرى، فقط بزيادة ٢٫٥ ميجابكسل من نقطة بدء قدرها ٥ ميجابكسل. إن كل الخطوات التزايدية فيما بين القيمتين يمكن الاستغناء عنها. بالنسبة إلى العملاء، لا يوجد اختلاف ملحوظ فيما إذا كانت الكاميرا دقة وضوحها ٣ أو ٤ أو ٥ ميجابكسل؛ يصبح أي اختلاف ملحوظًا فقط عندما نحصل على دقة وضوح ٧٫٥ ميجابكسل. إن تلك القيمة هي التي تبدأ منها ملاحظة الاختلاف. إن المصطلح المستخدم في العلم لهذا الاختلاف المهم هو «أقل اختلاف ملحوظ». فإذا وضعت يدك في كوب من الماء وكانت درجة حرارة الماء تتزايد تدريجيًّا، فلن تلاحظ هذا الارتفاع حتى تصل درجة الحرارة لنقطة يصبح فيها الماء على نحو مفاجئ ساخنًا جدًّا؛ وهذا نظرًا لأن كل زيادة سابقة كانت أقل من حد أقل اختلاف ملحوظ.
إن لهذا نتائج مهمة بالنسبة إلى التسويق. دعونا نلقِ نظرة على التسعير. فعند أي نقطة يمكن أن يُحدث أي فرق في السعر اختلافًا حقيقيًّا؟ عند أي نقطة يزيد التسعير عن أقل اختلاف ملحوظ؟ يجب أن يكون الهدف زيادة السعر ليقترب تمامًا من السعر الذي يقابل أقل اختلاف ملحوظ. السؤال المهم عندما يتعلق الأمر بِسِمات المنتج هو: عند أي نقطة يُحدث أي تحسين اختلافًا حقيقيًّا، مما يزيد القيمة المدركة للمنتج بخدمة أهداف إضافية للمستهلكين أو تحقيق أهداف حالية لهم على نحو أفضل؟ تعمل شركة تصنيع الأقلام ستابيلو بوص على زيادة عدد الساعات التي يمكن أن يبقى فيها أي قلم تحديد دون غطاء دون أن يجف من ١٠٠ إلى ١٢٠ ساعة. لكن هل هذا الاختلاف يحدث فرقًا بالنسبة إلى المستهلك؟ وهل يزيد هذا من القيمة المدركة؟
إذا لم يكن التحسين قابلًا للإدراك، وإذا لم يُحدث اختلافًا في تجربة المنتج المحسوسة، فإنه لا يضيف قيمة مدركة. وهذا أحد أسباب فشل العديد من الابتكارات؛ فإذا كان بإمكاننا الحكم على قيمةِ أقلِّ اختلافٍ ملحوظٍ لتحسينات المنتجات خاصتنا، فسنكون حينئذٍ قادرين على تقنين إنفاقنا على الابتكار على نحو أكثر فاعلية بالتركيز على التحسينات التي يمكن أن تكون مدرَكة ومختلفة، وستكون كذلك. في بعض الأحيان، يكون الدافع وراء التحسينات مصطنعًا بعض الشيء؛ أن تكون لديك بعض «الأخبار الجديدة» التي يمكن أن تُعْلم الناس بها، لكن يجب أن نلاحظ أنه بالنسبة إلى نظام الطيار الآلي الاختلافات الوحيدة المهمة هي تلك التي تكون قابلة للإدراك، والتي يمكن أن نستشعرها. يمكننا إجراء تحسينات في الأسواق المتشبعة على نحو رئيسي بأن نكون مختلفين وليس بأن نكون أفضل.
المعقولية بهذا المعنى ليست متعلقة بالإيمان أو الثقة بشيء على نحو صريح، وإنما بما إذا كان المستهلك يمكن أن يستشعر شيئًا ويدركه عبر حواسه. إن هذا الابتكار الخاص بمنتج كورس لايت ليس تحسينًا موضوعيًّا، وإنما ابتكار رمزي يستخدم إشارة ملموسة لتنشيط مفهوم عقلي أو تقويته، وهو مفهوم يرتبط بهدف ذي صلة.
طبقًا للإحصائيات البيئية، الإسبريسو قصير وقوي. توضح إشارات العبوة تمامًا ما نريده من أي إسبريسو، وذلك باستخدام اللون الأسود وأخْذ فكرة «القصر» على نحو حرفي (رغم أنه ربما تكون هناك مشكلات تتعلق بإدراك الحجم نظرًا لقلة الارتفاع، والتي ربما تؤثر على المستهلكين وتجعلهم يسيئون تقدير عدد الأكواب التي يمكن للعبوة تقديمها).
***
أيُّ عرض قيمة يكون معقولًا إذا وَفَّرَت تجربةُ المنتج إشاراتٍ ملموسةً بحيث يكون بالإمكان اختبار العرض.
استخدام أسلوب من الخاص إلى العام لتقديم عروض معقولة
باعتبارنا مسوقين، لدينا خياران لتقديم عروض معقولة؛ وهما: إنشاء تجربة منتج تتكون من إشارات ملموسة تعتمد على عرض قيمة قائم على الهدف (أسلوب من العام إلى الخاص) أو تحديد المفاهيم العقلية التي تقوم عليها تجربة المنتج وبناء العرض القائم على الهدف على أساسها (أسلوب من الخاص إلى العام). كلا الخيارين يضمنان معقولية العرض.
عرضنا فيما سبق أسلوبَ مِن العام إلى الخاص، لكننا كثيرًا ما نصادف موقفًا يكون لدينا منتج بالفعل ومهمتنا تطوير عرض فريد ومميز ومعقول له؛ أيْ علينا استخدام أسلوب من العام إلى الخاص. تَخيَّلْ أن علينا إنشاء عرض قيمة لنوع من القهوة الفورية. للقيام بهذا، علينا النظر في تجربة المنتج الملموسة والأهداف المرتبطة بها. وحتى نحقق عنصر التفرد، علينا مقارنة المنتج بمنافسه الرئيسي، القهوة المحمصة. إن نظام الطيار الآلي خاصتنا يحصل على مدخلات من جميع حواسنا؛ لذا دعونا نلقِ نظرة على جانب الحواس؛ حيث إن الحواس هنا تحدد تجربة المنتج.
إن الأهداف الأساسية المتحققة من خلال تقديم القهوة هي التناغم والتأنس، وكلاهما ينتميان لنطاق أهداف الأمن؛ لذا، بالنظر لفئة المنتج، ستكون فكرةً جيدةً ربطُ منتج القهوة الفورية بهذا الهدف، لكن لن يكون هذا معقولًا لأن تجربة المنتج ترتبط على نحو أكبر بالفردية؛ فلن يقدم أحد قهوة فورية في أي تجمع أسري رسمي؛ لذا، الربط بين القهوة الفورية والتناغم لن يكون معقولًا لأنه ليس متضمنًا في تجربة المنتج ولا المنتج.
***
يوفِّر تقسيمُ تجربة المنتج إلى عناصر مدركة حسيًّا نقطةَ انطلاق قويةً لتطويرِ عروضِ قِيمةٍ ملائمة وفريدة ومعقولة.
***
في مرحلة الشراء، تكون التجربة المرئية مهمة، لكن الحواس الأخرى يجب عدم تجاهلها حيث إنها تمثل كامل تجربة المنتج؛ لذا، فهي عوامل مهمة لتحديد مدى معقولية العرض وتنفيذه. بالإضافة إلى ذلك، إلقاء نظرة على تجربة الاستخدام الكاملة مهم لإيجاد فرص للتميز والملاءمة.
الإدراك التجسيدي: جسدنا يفكر أيضًا
عرضنا حتى الآن الدور الذي تلعبه المدخلات التي تَرِدُ من الحواس، خاصة حاسة البصر، في مسألة المعقولية. في مثال القهوة الفورية، أخذنا سلوك المستهلك؛ أيْ تعامُله مع المنتج، في الاعتبار. ويوضح المجال المثير الخاص بالإدراك التجسيدي أن الشيء الذي نفعله والطريقة التي نفعله بها — على سبيل المثال، كيف نفتح عبوة أو نعد نوعًا ما من القهوة أو نستخدم المنتج — ينشِّطان أيضًا مفاهيم عقلية. بنحوٍ ما، جسدُنا هو حاسة سادسة متضمن فيها المعنى أيضًا.
عَرَضَ علماء من المعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية صورة كوب على المشاركين في دراسة كانت تتم مراقبتهم في جهاز تصوير دماغي. كما هو متوقع، عمل هذا على تنشيط القشرة البصرية؛ وهو ذلك الجزء من الدماغ المسئول عن معالجة الإشارات البصرية. لكن الأمر المدهش أن القشرة الحركية أيضًا تفاعلت مع منظر الكوب. لتفسير ذلك، القشرة الحركية جزء من دماغنا مسئول عن حركة الأذرع والأرجل. تابع الباحثون تلك الظاهرة بأنْ عرضوا على المشاركين صورًا لأكواب مختلفة إلى جانب صورة تحتوي فقط على كلمة «كوب». نشَّطَت كل هذه الصور أيضًا جزء الدماغ المسئول عن التعامل مع الأكواب. إن مجرد رؤية كوب أو حتى كلمة «كوب» أدَّى لنفس الاستجابة العصبية كما لو كنا نمسك فعليًّا بكوب.
هكذا، حين ننظر لمنتج، يتم تنشيط مناطق الدماغ المعنية بالتعامل مع المنتج؛ بدءًا من تلك الخاصة برؤيته وحتى الإمساك به أو فتحه أو دفعه بأيدينا. إن الفهم مرتبط على نحو كبير بالتعامل مع الأشياء في الدماغ. وللإجابة عن سؤال «ما هذا الشيء؟» يحاكي الدماغ كيف سنحمله ونمسك به ونستخدمه؛ إننا نحاكي ما يمكننا فعله به. مرة أخرى، تحدث هذه العملية على نحو تلقائي وضمني تمامًا؛ فنحن لا ندركها على نحو واعٍ. يطلق العلماء على هذا «الإدراك التجسيدي».
***
يمكن تنشيط الأهداف والمفاهيم العقلية ليس فقط من خلال الحواس، وإنما أيضًا من خلال التجسيد؛ أي ما نفعله بالمنتجات وكيف نتعامل معها.
***
تدريب
قبل متابعة القراءة، ألقِ نظرة أكثر قربًا على حركات الأصابع في الصور. قلدها واطرح على نفسك الأسئلة التالية: «متى أستخدم عادةً حركات الأصابع هذه؟» و«في أي مواقف أخرى أفعل/فعلت شيئًا كهذا؟»
إن حركة الإصبع الأساسية الأولى في التعامل مع هاتف آي فون هي شكل من أشكال السحب؛ أيْ تشبه حركة إصبع السبابة خاصتنا على سبيل المثال سحبًا لأوراق اللعب عبر طاولة. على الأقل هذه هي الطريقة التي من خلالها يقوم معظم مستخدمي هاتف آي فون «بتقليب الصفحات». لكن أي نوع من السحب هذا؟ ما الأشياء الأخرى التي نسحبها على هذا النحو؟ ومن أين تعرف ذاكرتنا الارتباطية هذا؟ دعونا نلقِ نظرة أخرى على حركة الإصبع هذه. هل هي تشبه أكثر تقليب صفحات كتاب أو مجلة؟ أغلب الناس يربطون بين هذه الحركة وحركة تقليب الصفحات الأرق والأخف والأكثر مرونة. وعند تقليب صفحات أثقل، نميل لاستخدام إصبع الإبهام أيضًا؛ لذا، لا بد أنها تشبه أكثر حركةَ تقليب صفحات المجلة. إن هذا ينشط أي شيء نعرفه عن مجلة، والمواقف التي نقرأ فيها مجلة، وأي أهداف تكون نشطة عندما نقرأ مجلة. متى نقرأ مجلة «هيت» أو «أوكيه»؟ ولماذا؟ إن قراءة مجلة أمر يرتبط كثيرًا بالترفيه والاسترخاء. وأي الروابط تتعلق بحركات الأصابع عند التعامل مع هاتف آي فون؟ هل العمل الذي يحتاج لتركيز؟ لا، الأمر يتعلق أكثر ﺑ «الاسترخاء» و«الترفيه». قد يحدث هذا على نحو ضمني من دون أي إدراك لهذا من جانبنا، لكننا أوضحنا من قبل أن شيئًا بسيطًا مثل رؤية أي منتج بالعين يتضمن خطوات عديدة مختلفة في نظام الطيار الآلي، والتي لا نكون على وعي بأيٍّ منها.
إن الحركة النمطية الثانية عند استخدام هاتف آي فون هي التصفح باستخدام إصبع السبابة. يوضع إصبع السبابة على لوحة اللمس ثم يسحب. بعد مسافة قصيرة، يرجع ثم يُنزَع بقدر طفيف عن شاشة اللمس. أي مفهوم عقلي يتم تنشيطه بسبب هذا الفعل؟ حتى نحل هذا اللغز، يجب أن نسأل أنفسنا نفس السؤال الذي يسأله نظام الطيار الآلي في عقلنا: «من أين أعرف هذا؟» نحتاج لمعرفة الأشياء النمطية التي نربطها بهذه الحركة. إننا عادة نقوم بهذا النوع من حركة الأصابع عندما نقلب شيئًا؛ على سبيل المثال، عجلة صغيرة. إن طريقة تقليبنا هذه توضح أكثر لنا أن العجلة تدور أكثر مما نريد بقليل (وهو ما يحدث مع هاتف آي فون). إذا أردنا التحكم في المكان الذي تقف فيه العجلة، فإننا لا ندفع إصبع السبابة كثيرًا حيث إننا نريد أن نكون قادرين على إيقاف العجلة بسرعة؛ إننا نسمح للعجلة بالجري لمسافة قليلة ولا نكون متأكدين بالكامل من المكان الذي ستتوقف فيه؛ لذا، على نحو ضمني يتضمن هذا عنصر مفاجأة، تمامًا كما نلعب في ماكينات القمار. بمراقبة الأطفال، يمكن أن نرى أن تلك الحركة تَحدث من خلال اللعب بعجلة سيارة لعبة مثلًا؛ في البداية، قد يَستخدم الطفل يده بالكامل ثم إصبع السبابة فقط؛ لذا، ينشط مفهوما «اللعب» و«المفاجأة» على نحو مترابط.
هناك طريقة نمطية أخرى لاستخدام هاتف آي فون تتمثل في النقر بأطراف الأصابع؛ يُرفَع الإصبع أو ينثني قليلًا من أجل لمس الجزء الذي نريد تنشيطه في شاشة اللمس. متى أيضًا نستخدم هذه الطريقة؟ من أين تَعرَّفَ المخ على هذه الحركة؟ إننا نقوم بهذا عندما نشير لشيء أو نوضح اتجاهًا أو نشغل شيئًا، إننا نقوم أيضًا بتلك الحركة عندما نستخدم فأرة الكمبيوتر. إن كلتا الحركتين مرتبطتان بالتوجيه أو التنشيط؛ فعندما ننقر على رابط على الإنترنت، نحن نريد الوصول لصفحةٍ ما أو تنشيط شيءٍ ما؛ إذن «التوجيه» و«التنشيط» يتم تفعيلهما أيضًا على نحو ضمني. بالإضافة إلى كل الإمكانيات الفنية لهاتف آي فون، فإن التعامل معه يرمز للاسترخاء والتسلية الخفيفة واللعب والمفاجأة والتنشيط والتوجيه؛ لذا، لا عجب أن شركة أبل حصلت على براءة اختراع للحركات الأساسية السابقة؛ حيث إنها تعد العناصر الأساسية التي تقف وراء نجاحها. إذا لاحظْتَ مستخدمي هاتف آي فون، يمكنك أن ترى تلك الحركات الخاصة بالتشغيل على وجه الدقة. إن الأمر يتعلق باللعب، وليس العمل.
في ضوء هذه الخلفية، فإن توضيح أبل لطريقة استخدام هاتف آي فون في إعلاناتها ليس فقط فكرة إبداعية، وإنما يسلط الضوء أيضًا على الرموز الفعلية المميزة. توضح الإعلانات حركات الأصابع؛ ومن ثَمَّ تنشط على نحو فوري المفاهيم العقلية المرتبطة بالمنتج. وبتغيير طريقة التعامل مع الهواتف، قدَّم هاتف آي فون أهدافًا جديدة في سوق الهواتف الذكية؛ ومن ثَمَّ فهو لا يمثل فقط ابتكارًا تقنيًّا، وإنما أيضًا ما يمكن تسميته ابتكارًا رمزيًّا. إنه يتضمن تلك الأهداف التي تساعد في تمييز العلامة التجارية لهاتف آي فون عن منافسيها.
أهم النقاط الواردة في هذا الفصل
-
يمكننا إنهاء فجوة التنفيذ؛ أولًا: بجعل استراتيجيتنا تعتمد على أهداف المستهلكين الملائمة والمميزة، وثانيًا: باستخدام هذه الاستراتيجية كدليل إرشادي لتشكيل تجارب المنتجات وعمليات التواصل، وأيضًا للحكم إن كانت عملية التنفيذ تتناسب على نحو معقول مع الاستراتيجية أم لا.
-
إن مفهوم العواطف غامض للغاية بحيث لا يمكنه توجيه عملية التنفيذ، والعواطف أيضًا عامة جدًّا بحيث لا تتيح التميز الملائم في أي سوق.
-
تكون عروض القيمة معقولة إذا كانت تجربة المنتج بالكامل توصل إشارات ملموسة ترتبط بالأهداف التي تتم مخاطبتها.
ما يعنيه لنا هذا باعتبارنا مسوقين
-
توفِّر الاستراتيجية المعتمدة على الأهداف توجيهًا واضحًا للتنفيذ عبر كل نقاط التفاعل، ويوفر مستوى الأهداف الضمنية على وجه الخصوص الفرصة لترجمة عرض القيمة لإشارات بطريقة إبداعية وملائمة ومميزة.
-
وبمجرد أن تصبح الاستراتيجية معتمدة على الأهداف، يتغير التقييم الخاص بعملية التنفيذ من «هل تعجبنا؟» إلى «هل تتناسب مع الاستراتيجية؟» واعتمادًا على الذكريات المستعارة والإحصائيات البيئية، يمكن الإجابة عن السؤال الأخير بموضوعية.
-
إن تقسيم تجربة المنتج إلى عناصر مُدرَكَة حسيًّا يوفر نقطة انطلاق قوية لتطوير عروض قِيمة ملائمة وفريدة وقابلة للتصديق.