ماذا فعل الأقزام السُّمر؟
في نفس اللحظة التي وصلتُ فيها إلى الفندق، وبدأتُ أُسجِّل اسمي وما كدت أبدأ كتابة الأحرف الأولى منه، حتى ظهر فجأة، وكأنما انشقَّت عنه الأرض، وجهٌ أعرفه تمامًا، أقبل مُرحِّبًا معانقًا، بينما أنا تائه في دوار الرحلة الطويلة محاولًا رغم هذا أن أتذكر الاسم، ولم يفعل هذا المصري الظريف مثلما يفعل الكثير من إخواننا المصريِّين الظرفاء ويبدأ يقول لي: أنت عارفني؟
فأقول: بالتأكيد نعم. فيقول: طيب، أنا مين؟ ويتركُكَ تتصبَّب عرقًا لتتذكَّر، ولا يسعفك بكلمة أو بخاطرة تُوحي لك أين ومتى ومَن هو. على الفور قال: أنا أنيس نعمت الله. والمضحك أنه قالها بسرعة في نفس الوقت الذي كانت خلايا عقلي قد أجرت اتصالاتها كاملة وتذكَّرت الصديق أنيس نعمت الله، الذي عرفتُه في مطلع شبابه سكرتيرًا دبلوماسيًّا في سفارتنا في براج حين دعاني لزيارة تشيكوسلوفاكيا الصديق الكبير مجدي حسنين سفيرنا في ذلك الوقت، وكان أنيس مُرافقي الدائم لاستطلاع مدينة براج العريقة. كان أنيس قد كبر بعض الشيء، كان قد تزوج وأنجب، وكان قد أصبح وزيرًا مفوَّضًا في سفارتنا في طوكيو، وأمضى أربع سنوات في اليابان، وبعد أسابيع قليلة يكون في طريقه للعودة إلى مصر بعد انتهاء خدمته هناك.
في أثناء التحية الحارة المُتواصلة كنت أنا أتساءل: كيف عرف أني قادم وكيف ضبَطَ نفسه بحيث يَلقاني في أول لحظة لي بالفندق، فقد جرت العادة ألا تهتمَّ سفاراتنا في الخارج — ما دمنا لسنا مسئولين ولا موظفين حكوميِّين كبارًا — بقدومنا؛ إذ إن السفارة دائمًا في رأينا تُمثِّل الحكومة أو الدولة، وما دمنا لسنا كذلك، فما الداعي للإحراج. ولكن الدكتور أنيس نعمت الله كان قائمًا بالأعمال في غيبة سفيرنا المصري في إجازة في القاهرة، وعرف من وزارة الخارجية اليابانية بمَوعد قدومي في آخر لحظة، أمَّا المدهش في هذا كله، والذي من أجله رويت كل هذه القصة، فهو أنه حسبَها بالطريقة اليابانية الدقيقة، وما دام ليس لديه وقت ولا فرصة للمجيء إلى المطار، فقد حسب أن الطائرة تصل في الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة في المساء، والرحلة من مطار ناريتا الجديد إلى الفندق ستأخذ ساعة وأربعين دقيقة، إذن سأكون في التاسعة وعشرين دقيقة في باب الفندق. وبالضبط هذا قد كان، بلا دقيقة واحدة من الفرق، وقلت له وأنا أضحك: إذن لقد أصبحتَ بعد هذه السنوات الأربع أكثر دقةً وحسابًا من اليابانيِّين.
يا سبحان الله! كيف «ينضبط» الإنسان المصري إلى هذه الدرجة من الدقة في الخارج، أي واحد فينا بمُفرده إذا سافر يُصبِح دقيقًا وشديد الانضباط ومتحضِّرًا غاية ما يكون التحضر، هو نفسه الذي يعيش «هليهليًّا» هنا أو كيفما اتفق، كيف يتحول بهذه السرعة، كيف أن النظام والدقة والتحضر تبقى كامنة سليمة فينا تمامًا، وإنما هو فقط لا يستعملها، لا يستعملها إلا في مجتمع «يُضطر» لاستعمالها فيه.
•••
المجتمع …
أو على درجة أصح، الطريقة التي يَحيا بها ويُدار المجتمع.
تلك هي المعجزة في اليابان، إن كانت هناك معجزة، وهي سر فشل معجزتنا نحن في مصر وبلادنا العربية.
إنَّ سر اليابان الوحيد، كما هو سر معظم البلاد الآسيوية، أنها تعرف كيف تعيش جماعة، وكيف تعمل كجماعة، أن الإنسان المصري الفرد فيه صفات ربما يتميَّز فيها بكثير جِدًّا عن أي إنسان في أي مكان آخر من العالم، ولكن هذه المزايا تَنقلِب إلى عيوب حين يبدأ يعمل مع غيره، لدرجة أني وجدت بين المصريِّين القليلين الذين يَحيون هنا في اليابان تشنيعة تقول: إنَّ مصريًّا واحدًا يعمل وحدَه عبقري، واثنين من المصريين يعملان معًا يُصبحان مُتوسِّطي الذكاء، وثلاثة مصريِّين يعملون معًا يُصبحون كارثة، بينما واحد ياباني بمفرده كارثة، واثنان يقومان بجهد متوسط، وثلاثة يُصبِحون عبقرية فذة.
ولستُ أعرف كيف أصبحنا نحن المصريين هكذا.
ولكني عرفت لماذا أصبحوا هكذا في اليابان.
إنَّ إحدى ميزات اليابان أنها كائنة على الطرف الآخر من الدنيا، أربع جزر كبيرة تكاد تكون معزولة على الحافة الشرقية لقارة آسيا، ولم يَستَطِع أحد ممن سألتُهم من اليابانيِّين أن يعطيني إجابة شافية عن أصل سكان اليابان الحاليِّين، والروايات في هذا تختلف، ولكن المؤكد أن سكان تلك الجزر اليابانية قد نشئوا، على عقدة من الخوف من الغول الصيني الجالس على عرشه التليد أمامهم، يحتلُّ في ثقة وفي مجد البطن الجنوبي للقارة الآسيوية، وتنشأ فيه حضارة وحكومات إمبراطورية مُتتالية، وكتابة وطباعة وفن. وفي مقابل هذا كان سكان تلك الجزر نحاف الأجسام، سمرًا بالقياس إلى اللون الصيني الفاتح، حتى إنهم كانوا يُسمُّونهم الأقزام السمر. صيادون فقراء، ليس في أرضهم مناجم ومساحات واسعة تُزرَع، وإنما هي طبيعة جدباء شديدة الفقر، وطعامُهم هو الأُرز المسلوق، فإن ظفر أحدهم بين كل حين وحين بقطعة سمك معه، كانت هي الوجبة الحافلة الشهية.
حياة مُوغِلةً في الفقر والتوحُّش، هكذا كان مُحتَّمًا أن تخلق طبقة حاكمة شرسة قوية اسمها طبقة «الشوجون»، مثَّلت في حياة اليابان ما يُمكن أن نسميه في حياتنا في العالم القديم بالحكم الإقطاعي. ودائمًا كانت هناك خلافات بين أسر الشوجون الحاكمة تَعتمِد في حلِّها وحسمِها على عسكريِّين مُحترفِين اسمهم الساموراي، وطريقة تنشئتهم وتربيتهم عسكريًّا تُشبه الطريقة التي كانت تتبعها الأسر الحاكمة في مشرقنا العربي حين كانت تَستقدِم المماليك وتدربهم ليكونوا مُقاتليها المُحترِفين.
هؤلاء لم يكونوا مماليك من الخارج، وإنما هم من قلب المجتمع الياباني، الذين ينشئون على الطاعة العَمياء لأميرهم الشوجون. وأقلُّ هَفوة يَرتكبُها أحدُهم يجازي نفسه عليها بالانتحار على طريقة الهاري كاري أو شق البطن بالسيف.
هذه كلها معلومات مُمكِن أن يَعرفها أيُّ طالب ثانوي أو جامعة وموجودة في كثير من الكتب الشعبية، ولكن ما ليس موجودًا في تلك الكتب أن هذا الحكم الشوجوني الطويل نشأ وأنشأ اليابانيِّين — سواء أكانوا من طبقة التجار أم الحرفيين أم الصيادين والمُزارعين — على كُرهِ كل ما هو ياباني، وحين كنت جالسًا أمام تليفزيوننا المصري أمس وشاهدت لافتة تدعو إلى شراء كل ما هو صناعة مصرية باعتبار أنها لا تقلُّ جودة عن الصناعة اليابانية، كدتُ أضحك؛ فالدعاية الوحيدة التي تُطلقها حكومة اليابان الحالية هي تشجيع المستهلك الياباني على شراء البضائع الأجنبية، فقد اشتَكَت حكومات الأرض جميعًا وعلى رأسها الحكومة الأمريكية — هازمة اليابان عسكريًّا في الحرب العالمية الثانية — من انقلاب، ولا أقولُ ميل، ميزان المدفوعات في صالح اليابان بشكل أصبح يُهدِّد التجارة العالمية الغربية، وبالتالي صناعة الغرب قاطبة وليس أمريكا وحدها. ذلك أن اليابانيِّين لا يُحبُّون ولا يَثِقُون إلا في كل ما هو ياباني، وينظرون إلى كلِّ ما هو أجنبي نظرةَ ريبة وحذر. ففوق ذلك الحكم الشوجوني الرهيب في قبضته واستبداده، والذي خلق بتسلُّطه مسرح الكابوكي ومسرح النو، تلك المسارح الشعبية التاريخية التي تَنحو باستمرار — عكس مسارحنا الشعبية المصرية التي تَسخر دائمًا من «السيد» وتُمجِّد التابع أو الفرفور — تلك المسارح مبنية أساسًا على تمجيد السيد «الشوجون» وكشف المؤامرات التي تُحاك ضدَّه من المُجرِمين أو التابعين المُتمرِّدين، وهي فكرة مخالفة تمامًا لموقفنا نحن من السلطة، حتى حين أصبحت سلطة مصرية بحتة.
أقول، فوق هذا النوع من الحكم الشوجوني، استطاع أحد الشوجونات أن يُسيطِر على كل الأسر غيره وأن يحكم هو وأُسرته اليابان لفترة طويلة امتدَّت لأكثر من مائتَين وخمسين عامًا، وأيامها أغلق اليابان تمامًا في وجه أي أجنبي؛ فقد كان ممنوعًا في طول اليابان — إلا في استثناءات قليلة جِدًّا لبعض البرتغاليِّين — لأي أجنبي، وأعتقد أن القراء أو بعضهم على الأقل لا يزال يذكر مسلسل «شوجون» الذي عُرض في التليفزيون المصري عن رواية ضخمة للكاتب الإنجليزي جيمس كليفلز، والذي حين سألت عنه بعض أصدقائي اليابانيين أبدوا عدم حماسهم بالمرة للمسلسل، بل وأبدى بعضهم شديدَ امتعاضه؛ ذلك أن في المسلسل زوجة يابانية تحبُّ رجلًا أجنبيًّا، وفي هذا خدشٌ ما بعده خدش لكرامة الشعار الياباني في احتقار كلِّ ما هو أجنبي، وتمجيد كل ما هو ياباني.
•••
هذه العُزلة الطويلة صنعت شيئين أساسيَّين في الشخصية اليابانية؛ أوَّلًا: أنضجت الشخصية القومية إنضاجًا مُتقَنًا، ومنعَتْ عنها أي مؤثِّرات أجنبية قد تتدخَّل في عملية الإنضاج تلك، فحين تَنغلِق الأمة على نفسها تمامًا، لا تعود تحسُّ بالعالم الخارجي، ولا تعود تحس إلا بنفسها وكأنها كل الدنيا، ويصبح كل ما هو خارجي إمَّا يشكل خطرًا أو تهديدًا لذلك الوجود، وصحيح أن هذا الانغلاق كان له أسبابه الدينية من خوف الحكام اليابانيِّين على غَزو جزرهم من قبل المُبشِّرين المسيحيين بالذات، وحتى المسلمين، ومن غزو عسكري أو احتلالي من قبل الصين بالذات، ذلك المارد العملاق المُمدَّد في سكون مريب بجوارهم، إلا أن هذا الانغلاق أثبت حكمته في المدى الطويل، ولا يزال الشعور بالتحيُّز والتعصب لليابان قائمًا على قدم وساق إلى الآن، حتى بعد أن جاء الإمبراطور ميجي في أوائل القرن التاسع عشر وبدأ «يفتح» اليابان، بل ويسترشد بتجربة مصر محمد علي في هذا، بل إنه أرسل بعض المبعوثين اليابانيين لدراسة ما فعله محمد علي بالضبط ليُحدِّث الدولة المصرية، مبعوثين كانوا محلَّ سخرية المصريين كالعادة من هؤلاء «اليابانيين» المتأخِّرين القادمين من آخر الدنيا ليُقلِّدوا مصر! هذا الشعور بالتعصُّب نفسه هو ما دفع اليابان لأن تأخُذَ موقفًا عدوانيًّا استفزازيًّا من كل القوى الكبرى في منطقة الباسيفيكي؛ فقد شنَّت حربًا على روسيا القيصرية عام ١٩٠٤ وهزمَتْها، وحاربت الصين واحتلت جزءًا كبيرًا من أراضيها، ثم حاربت أمريكا حربًا ضروسًا أنهتْها القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكي.
ورغم هذا فلم تَنكسِر شكيمة اليابانيين بتلك الهزيمة العسكرية. لم يُقيموا المنادب والجنائز على هزيمة «٦٧!» وإلى الآن يظلُّون يَلطِمون الخدود عليها، وكأنما قالوا لأنفسهم: حسنًا يا أمريكا، انهزمنا عسكريًّا فلْنتبارَ صناعيًّا إذن.
والنتيجة كما يرى العالم الآن مذهلة؛ فقد هزمت اليابان، ليس أمريكا وحدها، ولكن الغرب كله هزيمة صناعية مُنكَرة، حتى الصناعات التي تخصَّصت فيها دُوَل بأَسرها مثل سويسرا كصناعة الساعات، أصبحت الساعات اليابانية أكثر وأشهر، وبدأ سعرها يرتفع ويُضارع سعر الأوميجا والرولكس. السيارات، الحديد والصلب، السفن، الإلكترونيات. هزيمة ساحقة فعلًا. حتى العُملة الغربية من الدولار إلى المارك والفرنك أطاح بها ذلك الينُّ الياباني الصغير في مُصارعة لم تستغرق — كمُصارَعات السومو اليابانية — طويلًا، وقذف بها جميعًا أرضًا.
واليابانيون يعلمون هذا، تَذكُر ذلك أمامهم فيهزون رءوسهم على الطريقة اليابانية المؤدبة، ثم يَبتسمون ابتسامة من لا يصدق، وكأنهم لا يصدقون فعلًا، مع أنهم عارفون ومتأكِّدون، ولكنه الإحساس المُمضُّ الذي صاحبهم مذ كانوا يسمونهم الأقزام السمر، الإحساس بالنقص الذي يدفع إلى الكمال، وإلى كمال لا تحسُّ أبدًا مهما وصلتَه أنك بلغتَه، مثل الطالب غير الواثق من نفسه حين يُجيب في ورقة امتحان إجابة تكاد تكون كاملة، أو كاملة، ومع هذا يُحسُّ أنه لا يزال بينه وبين الكمال مسافات.
•••
ثانيًا: تلك العزلة الطويلة فوق إنضاجها للشخصية الوطنية، أنضجت أيضًا، وهذا هو المهم، طريقة عمل.
وهي طريقة عمل ليست مقصورةً على اليابان فقط، ولكنها طريقة العمل الآسيوية؛ فهي نفسها طريقة العمل في كوريا وفي الصين وفي تايبيه وفي فيتنام، والحقيقة في كل مكان.
والطريقة بسيطة للغاية. إنَّ العمل يُقسَّم على أن يقوم بكل جزء منه مجموعة، وأن يكون لكل مجموعة مسئول واحد يُحاسِب أفرادها ويُوزِّع عليهم أفرادًا أنصبتهم من ذلك الجزء من العمل.
هذا ألف باء تقسيم العمل منذ بدأت الخليقة. كان المسئول في عصر الصيد هو أقوى الجميع جسدًا، وهو الزعيم إلى أن يتصدَّى له من هو أقوى منه فيأخذ منه القيادة، وعلى الباقي الطاعة، طاعة كانت تُفرض بالقوة الجسدية في العصور البدائية. ولكنها، بثورة الإنسان الفرد ضد استعمال القوة البدنية، صارت تُفرض بالقوة المعرفية، أو كما أسموها بقوة القانون أو عُرف العمل أو التقاليد أو ما شئت من أسماء.
وهذا النظام بدمه ولحمه موجود عندنا في مصر وفي كل مكان، إنما لأنه درجَت حكومات الاحتلال والاستعمار على تعيين المسئول من غير المصريين زمان، أو من المصريين بعد الاستقلال، ممَّن لا يستحقون وضع المسئولية، بالواسطة أحيانًا أو بالإجبار، فقد درَج المصريون على التمرُّد على هذا التوزيع، التمرد بطريقة أو بأخرى، ابتداءً من التكاسل في تنفيذ الأمر، إلى «الطناش»، إلى الاستعباط والاستهبال، إلى الرفض ورفع الأمر للجنة النقابية، إلى التلحمة والتشويح إذا تَصادَفَ وكان المأمور عضوًا أو قريبًا لعضو في اللجنة أو قريبًا لرئيس مجلس الإدارة أو حتى سكرتيرة رئيس مجلس الإدارة.
بمعنى أن نظام العمل عندنا ليس سيفًا فقط، ولكنه ضد نظام الإنتاج، بينما نظام العمل الآسيوي وُضع وهدفه الأساسي كم الإنتاج. عندنا كل إنسان يُريد أن يكون «عامًّا»، سكرتير عام، مدير عام، مفتش عام، قوميسير عام، مشرف عام، ومن المضحك أني كنت أُشاهِد بالأمس نهاية حلقة تليفزيونية أعبط ما رأيت من تأليف أو تمثيل أو إخراج، وراعني في «التترات» أن يُكتَب هذا: منتج منفذ، ومشرف إنتاج، ومساعدي منتج، ومنتج عام، ومدير عام الإنتاج. أقسم أن هذا صحيح، ومن لا يصدق عليه أن يرى نهاية أية حلقة تليفزيونية مصرية، ليعرف لماذا نحن تعساء في إنتاجنا حتى لو كان كمًّا من الكلام الفارغ. كل «رؤساء» الإنتاج هؤلاء مع اختلاف رتبهم ومراتبهم يصنعون ماذا، يُشرِفون على أربعة أو خمسة عمال بالكثير هم الذين يقومون بتركيب أو فك الديكور أو حمل آلات التصوير.
ولعلَّ هذا يُذكرني بقصيدة شاعرنا العظيم حافظ إبراهيم، تلك التي حفظتُها في أُولى ثانوي وما زلت أحفظها إلى الآن، وبالصُّدفة فإن القصيدة كانت تمجيدًا لليابان بمناسبة انتصارها على روسيا القيصرية، وقد بدأها حافظ كالعادة بلوم أنفسنا وأمَّتنا وبعض خواصِّنا غير الحميدة، يقول:
ثم يسقط «شاعرنا النيلي» في شرح ومقابلة هذا بقصته مع اليابانية التي أحبها والتي أخذت تُلقِّنُه دروسًا في الهمة والنهضة والتي كانت صُفرتها «تُنسي اليهود الذهبا».
وكم وددتُ لو عاش شاعرنا ليرى اليابان وفتياتها وقد أصبحن بيضًا طويلات جميلات أكثر أناقة من الفرنسيات وأكثر غِنًى من الأمريكيات.
وددتُ هذا، وكانت قصيدة حافظ تُداعب سمعي وأنا أجول في أحياء طوكيو الشامخة، غابات من ناطحات السحاب مبنية على قُضبان وعجل، بحيث «تَنزلق» إذا حدث زلزال، وكنت قد شاهدت في طوكيو عام ٧١ ناطحة سحاب واحدة، الآن أصبحت مئات وربما آلاف.