سكلانس الفتور
كُنت أعرف أن هذا سيحدث، فلم يكن الموضوع الذي كتبتُه في الأسبوع الماضي عن فتور حماسنا أول موضوع أكتبه، وإذا بالخطابات التي تأتيني ردًّا عليه أو مناقشةً له، خطابات لا علاقة لها البتَّة بلبِّ الموضوع. وهذا ما كان يَدفعني للعجب، فأعتقد أن اللغة التي أكتب بها لغة سهلة، مُمكن قراءتها لكل من «يَفُك» الخط، والطريقة التي أتبعها في تناول الموضوع تُسهِّل كثيرًا الوصول إلى لبِّه، ومع هذا فالقراء أو بعض القراء الذين تَصلني خطاباتهم يبدون وكأنهم لم يقرءوا الموضوع أصلًا أو على أكثر تقدير قرءوا عنوانه وبضعة مقاطع منه.
ولعلَّ هذا هو السبب الذي جعَلني أبدأ كلامي عن فتور حماسنا بالكلام عن الكتابة والقراءة، فالكتابة شيء هام جِدًّا لحياة الناس، عاديِّين أو غير عاديِّين، وإذا بحث كل مِنَّا في تركيبة عقله وقيَمِه وجد أن معظمها راجع لما قرأه لغيره، علمًا أو تربيةً أو ثقافةً أو حتى قصصًا، ولست أجد في هذا المجال تعبيرًا أفضل من مقطوعة من تلك القصيدة الزجلية التي أرسلها الأستاذ عبد الحميد عبد العظيم محمد (عضو اتحاد الكُتَّاب) والتي يقول فيها:
•••
•••
هكذا تصورت أن البحث عن أسباب الفتور في حياتنا لا بد أن يبدأ من الكلمة، من كُتَّابها، وينتهي بقرائها. وحين استعرضت جرائدنا ومجلاتنا، التي هي المصدر الرئيسي للكلمة في حياتنا، وجدت أن أحد الأسباب الرئيسية لفتور الكلمة الصحفية راجع إلى أنَّ مواضيع الناس ومشاكلهم الحقيقية لا يُكتب عنها، وأن الجرائد — حتى جرائد المعارضة — تكاد تتحوَّل إلى منابر لعرض المشاكل الشخصية لمُواطِن وقع عليه ظلم أو يطلب ترقيةً أو علاجًا … إلخ.
وأيضًا وجدت أن الصحافة قد أُصيبَت بما يُشبه المرض، حين هاجر إليها علماؤنا وأساتذة جامعاتنا وكافة فئاتنا المِهنَية، بل وأعضاء مجلسَي الشعب والشورى وكثير من كبار الموظفين المُحالين إلى المعاش. ترك كل منهم مجاله الحقيقي واستسهلَ الجلوس إلى المكتب وتدبيج مقالة من النادر تمامًا أن تحتوي رأيًا جديدًا أو فكرةً نيرةً، وإنما هي تتمشَّى مع الرأي الغوغائي العام ولا تُحاول أبدًا فتح أعين مجتمعاتها على حقائق قد تصدم ولكنها تدفع حتمًا للتمعن والتفكير وإصلاح الخطأ.
أسوق كل تلك المقدمة لأردَّ على خطاب كريم تفضل به عليَّ الأستاذ الدكتور يحيى الجمل الوزير السابق والأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة. والخطاب طويل ومهذب ورقيق، وقد كنتُ أودُّ نشره بالكامل لولا ما خصَّني به الأستاذ الدكتور من أوصاف وصفات لا أستطيع أن أُضمِّنها بابًا يخصني.
ولكن أرجو أن تأذن لي أن أَختلفَ معك في بعض ما جاء في مقالك — وليس معه كله — تفسيرًا لظاهرة الفُتور في قراءة الصحف عندما ذهبت إلى أن شيئًا من ذلك يرجع إلى ما يَكتبه بعض أساتذة الجامعة في الصحف من مقالات.
وقد أكون أنا واحدًا من هؤلاء الأساتذة الذين عنَيتهم، وقد لا أكون. وليس هذا هو السبب أني أمسكتُ القلم لأكتب لك. إن أستاذ الجامعة يا سيدي خاصةً في الكليات النظرية هو أساسًا صاحب قلم، وأداته من التعبير عن فكرته هي الكلمة، أمَّا زملاؤك من أساتذة الطب وغيرهم من أساتذة العلوم والهندسة فقد لا يكون القلم وسيلتَهم الأولى للتعبير، وإن كان ذلك لا يحرمهم أن يكونوا من ذوي الأقلام الرائعة مثل أستاذنا وأستاذك الدكتور محمد كامل حسين، وأستاذنا وأستاذك الدكتور أحمد زكي أستاذ العلوم، ولم يَمنعه ذلك من أن يكون واحدًا من أحسن من كتبوا المقال العلمي الأدبي.
ولا حاجة بي إلى ذكر أستاذ الجميع الدكتور طه حسين، ولا أستاذنا الكبير أطال الله في عمره وأعطاه الصحة والعافية الدكتور زكي نجيب محمود. ويَمضي الدكتور يحيى قائلًا: أنا لا أذكر أن ثمَّة أمثلة سيئة ينبغي لها ألا تكتب، وكم من الصحفيين المُحترفين لا يستحق إلا أن يُحرَق بكلامه.
وأظن يا صاحبي أن العبرة هي بما يُكتَب وليس بصفة الكاتب وكونه صحفيًّا محترفًا أو أستاذًا جامعيًّا، وقل لي بالله عليك، ألا ترى معي أن أحد الأسباب القومية للفتور التي لم تعرض لها في مقالك هي غياب أو «تغييب» القضايا الكبرى المصيرية في صحافتنا، القضايا التي تشدُّ الناس وتدفعهم دفعًا في آن معًا؟!
ليعذرني الدكتور يحيى الجمل أني ضغطتُ بعض مقاطع من خطابه لضيق الحيز، ولكني لم أمس معنى واحدًا من المعاني التي أشار إليها.
وأعتقد أنه على حق في رأيه القائل بأن التعميم شيء ضار، وأن العبرة بما يُكتب وليس بمن يكتب. والمذهل أن هذا كان موضوعي الذي تحدثتُ عنه، وحين نقدت هجرة أصحاب المِهَن والمكانات الأخرى إلى الصحافة لم أقصد هجرتهم كأشخاص أو كأساتذة، وإنما أقصد هجرة الحابل والنابل، والذي يعرف كيف يكتب والذي لا يَعرف، والذي يُدرك بالذكاء وبالسليقة الموضوع الهام الذي يجب أن يتناوله والذي يكتب لمجرد أن يكتب ولمجرد أن اسمه يظهر في الجرائد.
ويَحضُرني من هذا المجال ما يكتبه صديقي الدكتور ميلاد حنا؛ فميلاد حنا من أعظم أساتذة الإنشاءات والإسكان في مصر، وحين يكتب في جرائدنا عن هذا الموضوع فإني أقرؤه بنَهَم؛ لأني «أعرف» و«أتعلم» عن مشكلة الإسكان منه، أمَّا حين يكتب إذ لا قدر الله كتَب عن مشكلة العلاج والطب الوقائي في مصر، فإني لن أقرأ له. وليس معنى هذا أن على كل أستاذ متخصِّص في موضوع أن يحصر نفسه في تخصُّصه؛ فالدكتور حسين فوزي طبيب عيون سابق وأستاذ في العلوم البحرية، وأنا أقرأ له تحليلاته لموسيقى بيتهوفن وموازار وهايدن وسترامتسكي وغيرهم بأقصى ما أستطيع من مُتعة.
أعود لموضوعنا فأقول إنَّ كثيرًا من المقالات التي تراها في جرائدنا يكتفي الإنسان بقراءة عنوانها فقط، فإذا ما حاول قراءتها وكانت لعالم أو لأستاذ جامعة أو لعضو في مجلس الشعب، فإن هذه الصفات كلها لن تُجدي في حمل القارئ على قراءة موضوع لا يعرف صاحبه كيف يَكتبه. والأمثلة التي ضربها الدكتور يحيى الجمل هي خير دليل على ما أقول؛ فطه حسين كاتب، وكامل حسين كاتب، وزكي نجيب محمود كاتب، وأحمد زكي كاتب، وأحمد أمين كاتب، وإبراهيم ناجي الطبيب شاعر، وعلي محمود طه المهندس شاعر، ومرسي جميل عزيز التاجر شاعر، فلا علاقة بين موهبة الكتابة والقدرة على الكتابة أو قول الشعر وبين وظيفة الكاتب أو الشاعر. فإذا ما كتب الموظفون بحكم وظائفهم وليس بحكم مواهبهم فتَرت حماسة الناس قطعًا لقراءتهم.
•••
وبعد الكُتَّاب لا بد أن نأتي لصحافتنا نفسها، فما كادت صحافتنا «تؤمَّم» أو تنظَّم عام ١٩٦١ حتى تحوَّلت دُور الصحف إلى دواوين حكومية. زمان كان المخبر الصحفي إذا جاء بخبر هام من وزارة كافأه رئيس التحرير أحيانًا بخمسمائة جنيه أيام كان الجنيه جنيهًا (هذه الواقعة فعلها الأستاذ محمد حسنين هيكل مع محرِّر شاب). زمان كانت الأقسام المختلفة تَجتمع وتقدح زناد تفكيرها وتَكتشف أهم الأحداث والوقائع التي تهمُّ الناس ويريدون القراءة عنها.
اليوم لم يَعُد شيء من هذا يحدث، اليوم يذهب محرر الحوادث إلى القسم ويتلقَّى من ضابط المباحث بعض القضايا الطريفة، وبهذه المناسبة أحبُّ أن أهمس في أذن أصدقائنا كبار ضباط الشرطة أنني من كثرة نشر أسمائهم في كل واقعة حتى لو كانت ضبط بائعة لبن تغشُّ اللبن وأن هذا تم بناءً على توجيه اللواء فلان وتكليف العميد فلان بعمل فرقة بحث بقيادة العقيد فلان والرائد فلان والملازم علان. ما هذا أيها السادة؟!
إن معظم الضبطيات التي تتمُّ تكون نتيجة لبلاغات يتلقاها البوليس من مواطن يعرف سر مواطن يُعاديه ويُبلِّغ عنه الشرطة، فما الداعي لكل هذه القوائم. إنها أيضًا هواية النشر والشهرة، وليس هذا بالشيء السيئ؛ فالنفس البشرية لها نَوازعها، ولكن أن يكون نشر الأسماء وأسماء كبار الضباط على الفاضي والمليان فهو أمر لا أجد له نظيرًا في العالم كله، وأخشى ما أخشاه أن يُقلِّد العاملون في الإذاعة والتليفزيون هذا ويَذكُروا في عناوين برامجهم الطويلة بناءً على توجيه السيد الوزير صفوت الشريف والأستاذ حسين عنان رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون تكليف السيدة سامية صادق رئيسة التليفزيون واجتماع السيدة آمال مكاوي رئيس القناة الأولى مع السيدة مديحة كمال رئيسة القناة الثانية، ثم تكليف المُخرجة إنعام محمد علي بالاتفاق مع المؤلفة فتحية العسال وإدارة إنتاج يحيى العلمي وبتقديم جانيت فرج، يتمُّ تقديم برنامج خمسة سياحة الذي طول مقدمتِه شهر ومدته دقيقة ونصف.
•••
صحافتنا فعلًا فقَدَت الهمة، بل ولم يَعُد بينها منافسة، والصحفي الذي يعمل فيها مثل الذي لا يعمل؛ يتقاضى مرتبه وعلاواته، والجريدة تصدر كل يوم وهي مليئة بالكلام المجموع المصفوف المرتب. ماذا تريدون إذن أكثر من هذا؟
أخبار الوزارات ترسلها الوزارات، وأخبار الاجتماعات يُرسلها المجتمعون، وأخبار الدولة يرسلها مجلس الوزراء، والتحقيقات الصحفية هامشية. وأحلم ذات يوم أن أقرأ تحقيقًا صحفيًّا عن: لماذا وكيف تخسر شركة المحلة ٤٥ مليون جنيه مع أن غزل القطن ونسجه وتصنيعه يدرُّ على تايلاند وحدها التي لا تزرع القطن وتستورده من الصين خمسمائة مليون دولار سنويًّا.
إنَّ الصحوة الكبرى التي نُنادي بها دائمًا، وبحَّ صوت الرئيس مبارك من المناداة بها، تبدأ في رأيي بصحوة جرائدنا ومجلاتنا، فهي وحدها التي تنظِّم إيقاع المجتمع وتبطئ به أو تسرع به أو تئوب به إلى سكون وركود والفتور الشديد وانعدام الحماس.
•••
الموضوع لا يزال لم يُستكمل.
سيدي الفاضل!
لا أدري من أين ولا كيف أبدأ، فالكلمات تتزاحم وتتدافع وتريد أن تنقض كلها دفعة واحدة على الورق، لكنني أحاول ابتلاع غضبي قليلًا، أحاول أن أكبح جماح تيار اليأس المندفع بداخلي، اليأس من الإصلاح!
فأنا إنسانة لم ترَ سنوات الخمسينيات المضيئة بنُور الثورة، ولا سنوات الستينيات الذهبية المشرقة في كل مجالات العمل والإنتاج. رأيت فقط — أو لنَقُل وعَيتُ — سنوات الانفتاح العظيم وما تلاها، ثم جاءت الثمانينيات وأنا عطشى — كالكثيرين من أبناء جيلي المحروم — إلى أي بارقة أمل أو مشروع ثقة، كُنَّا مستعدين للثقة في إبليس نفسه إذا رأينا عليه بوادر الهداية، لكن — وآه من لكن هذه، دائمًا تكون متبوعة بخيبة أمل — لم نجد إلا سلسلة انهيارات تهون بجانبها كارثة انهيارات المباني والعمارات على رءوس مَن فيها؛ فهذه مجرد انهيارات مادية قد تُروِّعنا، ولكنها لا تُسلمنا إلى اليأس، أمَّا الانهيارات التي أعنيها فهي الانهيارات القاتلة التي لا تُبقي ولا تذر، انهيارات معنوية تترك الإنسان في حالة انعدامِ وَزْن، تتركه وقد تهيأ تمامًا وأصبح كالأرض المُمهَّدة لاستقبال بذور الحقد والكراهية والرفض للحياة نفسها وليس للأحياء فقط!
لا أعتذر عن هذه المقدمة الطويلة لأنها تجيب عن سؤال طالَما تردَّد كثيرًا في السنوات الأخيرة: لماذا يلجأ الشباب المثقَّف لعباءة التطرف الديني؟!
أو على الأقل: ما سرُّ حالة اللاانتماء الحادة التي تعدُّ من أهم سمات هذا الجيل (أقصد جيلي)؟!
والآن لنتحدَّث عن السبب الأساسي الذي حرك قلمي بهذه الفضفضة. لاحظ أنني أستخدم كلمة فضفضة تعبيرًا عن يأسي من قُدرتك على مساعدتي أو حتى مجرد الرد على صراخي، إذن أنا أعفيك من هذه وتلك.
كاتبة هذه السطور خريجة حديثة، تقدَّمتُ لأداء ما تصوَّرتُ أنه واجب وطني على خريجات الجامعة، أقصد برنامج الخدمة العامة الموازي للواجب الوطني المفروض على الفِتيان، ويشاء حظي أن يصادف ذلك إجراء التعداد العام للسكان والمنشآت والإسكان.
والحقيقة أنني سعدتُ بهذه المصادفة لأنني ضمنتُ أني سأُؤدي عملًا فعليًّا خلال هذه الفترة.
وبدأنا نَنتظم في الدورات التدريبية التي أُقيمت خصيصًا لتدريبنا على القيام بهذه المهمَّة وجاءت لحظة التوزيع، فكل مجموعة من الفتيات تقوم بالعمل في منطقة محدَّدة يُفترض أنها أقرب موقع عمل بالنسبة لسكن الفتاة لتوفير الأمن للفتاة من ناحية ولضمان تعاون أهالي المنطقة في الإدلاء بالبيانات الصحيحة من جهة أخرى.
وكل مجموعة من الفتيات يَعملْن تحت إشراف مُسجِّل، وكل مجموعة من المُسجِّلين يعملون تحت إشراف معاون، والمعاونون يتبعون مفتشًا، وهكذا في تسلسل هرمي حتى نصل إلى رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وبعد أن تعرفت على المسجِّل الذي سوف أعمل تحت إشرافه وصحبنا إلى موقع العمل أنا وزميلاتي ليسلمنا المكان على الطبيعة، ويوضح لكل مِنَّا حدودها من حيث البداية والنهاية والمنازل الواقعة في نطاقهما، إذا بأحد المسئولين والذي يُعتبر إحدى الحلقات المتقدمة في ذلك التسلل الهرمي الذي ذكرتُه آنفًا يتدخَّل لإقصاء إحدانا عن هذه المنطقة لتستبدل بها أخرى موصى عليها (من فوق)، فهي شقيقة أحد المسئولين عن مشروع التعداد وترغب في العمل في هذه المنطقة دون سواها لتكون قريبة من صديقتها التي تعمل في منطقة أخرى مجاورة لنا.
والشيء المثير للسخرية والمرارة في نفس الوقت أن تلك التوصية صدرت عن أحد هؤلاء المتشدقين بحب مصر والمردِّدين دائمًا لعبارات مصلحة الوطن العليا، ومصر أوَّلًا … إلى آخر هذه الكليشيهات المطبوعة على ألسنة بعضهم من كثرة ما ردَّدوها.
أعترف أن خطبه الحماسية انطلت علينا في بادئ الأمر، حتى أتى بهذا التصرُّف الذي هدم ما ظل يبنيه طوال أسبوعين في محاضرات نظرية، أوحى إلينا خلالها أن الأخلاق لا تتجزَّأ، فمَن يرغب في مجاملة الناس يجب أن يراعي أن تكون هذه المجاملة على حسابه هو وليس على حساب الوطن أو أي إنسان آخر. لقد قال كثيرًا وكثيرًا، لكن تصرُّف واحد نقض كل أقواله، ولأن الموصى عليها ليس لها أي حق في أن تحتلَّ مكان أيٍّ مِنَّا؛ حيث إنها لا تزال طالبة وتشترك في التعداد تحت بند الرغبات الشخصية، وحيث إن مكلَّفات الخدمة العامة لهن الأولوية في تلبية رغباتهن بالنسبة للتوزيع الجغرافي للعمل؛ فقد تمسَّكنا بالمنطقة التي استلمناها فعلًا وإزاء هذا الإصرار اضطروا للجوء لحلٍّ وسط وهو الإبقاء علينا مع ضم الموصى عليها إلى مجموعتنا، وبهذا يتم تقسيم عدد الشقق الذي من المفروض أن تنجزه مجموعتنا على خمس فتيات بدلًا من أربع، ولهذا انخفض نصيب كل مِنَّا من ٢٢٥ شقة في المتوسط إلى ١٨٥ شقة في المتوسط، هذا في الوقت الذي تعاني فيه مناطق أخرى من ندرة العدَّادين، والتي كان من المفروض أن تغطي احتياجاتها من الذين يشتركون في التعداد برغبتهم الشخصية.
قد تقول لي: وما الضرر؟! لقد استفدتِ أنتِ وزميلاتك بتخفيف العبء عنكن، ولكَ أقول: لقد استفدنا أيضًا بالاصطدام بالوساطة والمحسوبية في أول خطوة لنا من حياتنا العملية، وما أعظمها من فائدة!
والسؤال الآن: لماذا أنتَ بالذات الذي أبعث إليك برسالتي هذه؟!
والإجابة هي: سلسلة المقالات التي تنشرها لك جريدة الأهرام والخاصة برحلتك إلى اليابان، والتي تؤكِّد فيها على أن البيروقراطية هي سبب تخلُّفنا وتأخرنا، ولكن أحيلك إلى كارثة التوصية، إلى الكوسة يا سيدي، فهي السبب ليس في تأخرنا فقط، ولكن في اهتزاز ثقتنا في أنفسنا، في افتقادنا للقدوة الحسنة، وأتصور أن دراسة طرق التخلص من هذه الآفة يجب أن تسبق دراسة النظم الإدارية في بلادنا ومحاولة إصلاحها.
فليس بالإدارة وحدها تَرتقي الأمم وتتقدم، ولكن بالإنسان، سواء كان مديرًا أم مُدارًا! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.