وداعًا أيها المجلس وإلى غير لقاء
مهما تكن الأسباب التي حدت بالرئيس حسني مبارك إلى حل مجلس الشعب (أو فلنُسَمِّه الاستفتاء حول حل مجلس الشعب؛ إذ النتيجة معروفة) مهما تكن الأسباب، فإن الفرحة التي عمت الناس جميعًا — إلا أعضاء المجلس بالطبع — لم تكن فرحة أناس مراهقين يُهلِّلون لأي تغيير مهما كان ذلك التغيير، وإنما هي في الحقيقة فرحة شعب ناضج قديم مجرب مُدرك تمامًا لماذا يفرح إذا فرح، ولماذا يَغضب إذا غضب. وبصرف النظر عن دستورية أو عدم دستورية المجلس المنحل، فما رأيت في حياتي مجلسًا أجمع الناس على عدم فاعليته مثل ذلك المجلس المنحل. مجلس تشكَّل كملابس المجاذيب في الحسين، أو كخبز الشحاذين (من كل بيت لقمة وطعم ولون ونوع) كان يحتوي معارضة وفيه تمثيل صوري لأحزاب، ولكن قانون انتخابه وهؤلاء الذين ركبوا موجة الحزب الوطني وبعض الأحزاب الأخرى ليكون لهم الحق في الترشيح جعله لا يُمثل أبدًا إمكانات شعبنا الوطنية والسياسية، إنما هو بقايا ورواسب الذين احترفوا الترشيح والانتخاب وبرعوا في أساليب التسلُّق والنفاق، منذ أيام هيئة التحرير إلى الحزب الوطني الديمقراطي، لا أحد (إلا القليل جِدًّا) يمثل مذهبًا أو اتجاهًا أو لديه برنامج ما لحل مشاكلنا أو إصلاح أمورنا، لا أحد يهمه إلا وضع شخصي متربع عليه وأحيانًا يتكسب منه ويصبح قريبًا من الوزراء والكبراء وذوي النفوذ، في الحقيقة مجموعة من البشر كنتُ أراهم في التليفزيون وأحاول قراءة تعبيرات وجوههم، وما تحويه أدمغتهم، فلا أجد في عين أيٍّ منهم بريقَ حماس أو قدرة على إعمال فكر، أو أملًا ولو ضئيلًا في تلك الوجوه المنطفئة التعبير أن تصنع لنا أو لبلادنا شيئًا، مُوافقون؟ ترتفع الأيدي كرايات الجيش المهزوم تُوافِق، وهي لا تعرف لماذا توافق إلا لأن الرأي أو القرار صادر من الحكومة. المعارضون، مجموعة قليلة محفوظة من الأيدي، تُكمِّم الأغلبيةُ أفواهها وتصرخ كالأطفال المتشنِّجين، وتدق الأرض بأقدامها احتجاجًا على رأي مخالف يُقال، ولو كان هذا الرأي المخالف نفسه أكثر خدمةً لمصالح الشعب أو الحكومة، ولكن لأنَّ قائله مدموغ بأنه معارض أو من الجنس المنبوذ، فلا بد من إسكاته وكتم أنفاسه، والتشويش عليه حتى يخمد رأيه. كنتُ أرى هذا، ويراه غيري، فأقول لنفسي: يا ربي، ما فائدة هذا المجلس وما فائدة هؤلاء الناس؟ ولماذا تلك الميزانية الضخمة تُنفَق على «شكل» ديمقراطي لا معنى له ولا مضمون بالمرة إلا أن يُقال إن عندنا أحزابًا وعندنا مجالس وعندنا حرية رأي، بينما ما عندنا ليس إلا «ترحيلة» و«أنفار» جيء بهم ليحتلُّوا الساحة، ويُخلوها من أي فكر أو نبض أو جهد صادق في سبيل مناقشة أمورنا ومشاكلنا والخروج بحلول حقيقية ممحصة، تُفيدنا وتفيد أولادنا من بعدنا.
إنه في الحقيقة لم يكن مجلسًا، ولكنه كان «طبقة» احتلَّت كراسي الحكم والتمثيل النيابي ومجالس المدن والقرى واللجان والمراكز الحساسة، احتلَّتها منذ زمن بعيد، وتلوَّنت وتشكَّلت مع كل تغيير في الرئاسة والقيادة يَحدُث، ولا تزال تحتل الساحة، بعيون لا تعرف الخجل، وبفَتْوَنة محترفي الشجار وإطفاء الأنوار وفض الموالد.
وأكثر ما آسف له أني لم أقل هذه الكلمات التي تعبر عن رأيي الحقيقي، وهذا المجلس قائم وموجود، كنت مستعدًّا أن أقولها لقوم يَعقلون، ولأناس يعرفون ويُقدِّرون حكمة الرأي وحرية إبدائه. أمَّا هؤلاء فلم يكن ممكنًا، بل كان مستحيلًا تمامًا أن تقول لهم الرأي الصادق، خاصةً لو كان رأيًا فيهم هم شخصيًّا. إنك حينئذٍ لن تقابل بالآراء الأخرى أو بالردود المكتوبة أو المقالة، ولكنك ستقابل بالهراوات، والاتهامات.
•••
مرحبًا إذن بقرار حل هذا المجلس.
ولكن هذا ليس كل شيء؛ فنحن لا نريد أن نحلَّ مجلسًا لنأتي بنفس أعضائه، متنكِّرين أو بنفس أرديتهم. لا نريد أن نهزَّ رُوح الأمة بقرار إجراء الانتخابات ليتمخَّض الأمر عن عودة «ريما لعادتها القديمة».
بصراحة!
لا نُريدها مجرد انتخابات تُجرى لإحلال وضع دستوري محل وضع غير دستوري.
ولكننا نريدها انتخابات لتحقيق الهبَّة التي نادى بها الرئيس مبارك، وتحقيق الصحوة والانفجارة السلمية البانية التي نادَينا ونُنادي بتحقيقها. نريدها انتخابات تُوقظنا ونستيقظ بها، تردُّ لنا الروح، ونرد بها الروح لبلادنا وحياتنا ومجريات أمورنا. نريد وجوهًا غير الوجوه، وأيدٍ قوية، تؤيد بقوة إذا أيدت وتُعارض بقوة إذا عارضت. لا نريدها «ترحيلة» تأييد وتشويش على الرأي الآخر، وإنما مجلس عقلاء — سواء أكانوا مؤيدين أم معارضين — يَعتبر كلٌّ منهم أن الآخر أو الآخرين لا يقلُّون حبًّا لنا ولبلادنا ولمصلحتنا عنه، إذا استمع إلى الرأي يجيد استماعه، وإذا عُرضت المشكلة ينكبُّ عليها دراسةً وتحليلًا ووصولًا إلى رأيه واجتهاده الخاص في حلها.
مجلس يليق بمصر ٨٧، فمنذ مائة عام وأكثر كانت مجالسنا النيابية والتشريعية وحتى الاستشارية أكثر قوةً وفاعليةً ونُضجًا من تلك المجالس التي مللنا وجودها منذ أول مجالس ما قبل وبعد عام ١٩٥٢ إلى الآن. مجلس يفخر المصريون بأنه مجلسهم وقيادتهم الجماعية الحقيقية.
ويفخر هو — هذا المجلس — أنه مجلس مصر الداخلة على القرن الواحد والعشرين، مصر القادرة على أن تُصبح ديمقراطيتها نموذجًا للديمقراطية في العالم الثالث كله، القادِرة على إفراز العلماء والمفكِّرين والقادة والنواب الذين لا يقلُّون كفاءةً ورجاحةً وثقةً بالنفس عن نظائرهم في دول العالم الأوَّل.
•••
إنَّ أكثر ما يُميِّز الرئيس حسني مبارك هو حساسيته لما يعتمل في قلب الناس، وما يدور وراء أقنعة ابتساماتهم، وحتى سكوتهم إن سكتوا. وذلك الاجتماع الذي عقده معنا الرئيس محمد حسني مبارك عقب زيارته لمعرض الكِتاب كان حريًّا أن يتحوَّل إلى مؤتمر مصغَّر للمثقفين والكُتَّاب يفتح لهم الرئيس قلبه ويفتحون له قلوبهم. وأعتقد أن الرئيس حرص في العام الماضي، وفي هذا العام أيضًا، على تقليد الاجتماع بالكُتَّاب والمثقفين في عيد الكِتاب لهذا المعنى. ولكن القلوب، قلب الرئيس وقلوبنا، ما كادت تتفتَّح حتى انبرى أصحاب الأصوات العالية الغليظة يُدافعون عن الرئيس وسياسته، وكأنه معاذ الله موضع مساءلة، في حين أن الحديث كان موضع استفسار ومناقشة، علَت أصواتهم وصخبُهم تُثبت للرئيس أنهم هم وهم وحدهم الذين يتبنَّون سياسته ويؤمنون بها ومستعدُّون للاستشهاد في سبيلها، في حين أنهم في رأيي ليسوا سوى «كذابي زفة»، وأن أولئك الذين يُريدون مناقشة الرئيس وفتحوا قلوبهم له ومعرفة ما في قلبه هم أولئك المقاتلون المخلصون الذين — عندما يجدُّ الجدُّ — هم الذين سيقفون يدافعون بصدورهم وأرواحهم عن ذلك الحاكم المصري المتواضع في غير تكبر، الديمقراطي بحكم التكوين، الهاوي لرفع الشعارات ثم الضرب تحت الحزام في الظلام.
أجل.
مرحبًا بقرار حل ذلك المجلس.
ويا شعبنا العظيم، ها قد جاءت الفرصة وانتَخِبوا مجلسًا يليق بنا وبكم، فإن التفريط في صوت أيٍّ منكم، وأداء الانتخاب وأنتم منومون بالقرابة والمحسوبية والكلام المعسول، هو في رأيي خيانة.
فليَعتبِر كلُّ مَن ينتخب مَن لا يؤمن بأحقيته لتمثيل الشعب المصري كله أنه قد خان الأمانة، أو بمعنًى أدق خان مصر، مصر التي لا بد أن ترفع عن كاهلها الكآبة والفتور وفقدان الهمة واليأس التي استشرت في الفترة الأخيرة، وتتطلَّع إلى مستقبل سريع توجده وتخلفه وتحتلُّ به مكانتها الجديرة بها.
المستورد الخفي
تابعتُ بذهول حكاية الألبان المجفَّفة الحاملة لكمٍّ من الإشعاع القاتل. وأعترف أن متابعتي للموضوع جعلتني أعتقد أن حياتنا لا يُمكن أن تمضي هكذا أبدًا، وأننا وصلنا إلى نقطة ما بعد الخطر.
ودعونا من الحديث عن تلوث جو مصر — والقاهرة على وجه الخصوص — بحيث أن تلوُّثَها أصبح يعادل عشرة أضعاف الحد المسموح به للتلوث في أي مدينة أو مجتمع بشري. لا أذكر الرقم على وجه الدقة، ولكن ما أعرفه أن التلوث في أجواء القاهرة هو أعلى معدَّل للتلوث في العالم.
دعونا من هذا.
ودعونا من التلوث الضجيجي الذي تَحفل به مدننا وقرانا، صباحًا ومساءً، وفجرًا وليلًا، وفي كل وقت.
دعونا أيضًا من هذا، فليس ذلك هو موضوعنا هذه المرة.
فنحن نعرف كل تلك الحقائق المرعبة عن الظروف غير الملائمة للحياة التي يعيش فيها الإنسان المصري.
ومع هذا فنحن صابرون، في انتظار الجنة؛ فالجنة — هكذا قال الله سبحانه — للصابرين.
ولكن حكاية اللبن المُشع تلك قصة لا يَدري الإنسان أيموت ضحكًا منها أم يموت كمدًا، فهي قصة — كما يقولون — لها العجب.
إنها جريمة، قصة جريمة عادية من الجرائم الكثيرة التي يرتكبها المجرمون الساعون إلى الربح ولو على حساب حياة البشر، شركة ألمانية مجرمة، أنتجت كمية هائلة من الألبان، حين فحصتها وزارة الصحة الألمانية وجدت أن نسبة الإشعاع بها أضعاف أضعاف النسبة القاتلة للإنسان، سواء كان طفلًا أو رجلًا، وهكذا أمَرَتها الحكومة الألمانية بالتخلُّص من تلك الألبان، ولو كانت آلاف الآلاف من الأطنان. ودخلت الشركة في مفاوضات مع الشركات الأمريكية (أو اللجان الحكومية، لا أعرف بالضبط) التي تخصَّصت في دفن النفايات الذرية والتخلُّص منها، لتتخلَّص من ذلك اللبن القاتل، ولكن السلطات الأمريكية رفضت أن تقوم بالعمل، لكثافة الإشعاع، ولم يبقَ أمام الشركة الألمانية إلا أن تقوم بإعدام الألبان بنفسها، وإعدام تلك الكمية الهائلة وبطريقة لا يتم بها إعدامها فقط ولكن أيضًا التخلُّص من الإشعاعات الذرية الكامنة فيها، عمل مكلف جِدًّا، وهكذا فكر عقل مجرم شرير في تلك الشركة الألمانية في أن لا يتخلَّص من تكاليف ومجهودات إعدام الألبان فقط، ولكن أن يبيع تلك الألبان نفسها، ويحول الخسائر المتوقعة إلى ربح رهيب باهظ.
وهكذا أطلق سماسرته في دول العالم الثالث؛ لأنه يعرف أن تلك الدول لا تُدقِّق كثيرًا في فحص وارداتها الغذائية وبالأخص لا تُدقق كثيرًا في المحتوى الإشعاعي لتلك الأغذية ومقاديرها.
وهكذا التقى هذا السمسار بمُستورِد مصري، مجرم هو الآخر، واتفقا على الصفقة، يشتريها المصري منها ويبيعها بأي سعر، أو حتى بإبعادها عن ألمانيا بلا سعر ولا تكلفة إعدام.
ووصلت الشِّحنة الأولى التي احتوت على ستة وعشرين ألف صندوق على مركب شحن إلى مياه الإسكندرية، وجرت، أو كانت جارية عملية الإنزال إلى الشاطئ تمهيدًا لتمريرها من الجمرك وبيعها في الأسواق بنفس السعر الذي تُباع به الألبان السليمة. وكان كل شيء جاريًا في صمت وعلى أتم ما يكون من السرية والتوفيق، إلى أن حدث ما لم يكن أحد — لا الشركة الألمانية ولا المستورد المصري — يتوقعه. وأعلن رئيس وزراء المقاطعة الألمانية عن الصفقة الإجرامية، بل وحدَّد الجهة التي أُرسلت إليها الشِّحنة القاتلة، ميناء الإسكندرية بالذات.
وكانت صحافتنا حسَنةَ النية تمامًا، فنشرت تصريح رئيس الوزراء وخبر وصول الشحنة، وخبر إنزال محتوياتها.
وغضب الرأي العام، وانصبَّ غضبه على سؤال واحد: من هو المستورد المصري الذي ارتكب هذه الجناية العظمى في حق مصر وأطفالها وآدميِّيها. إلى هذا الحد كانت الأجهزة المصرية صامتة صمت القبور، وكأنها هي الأخرى في انتظار إعلان اسم المستورد ليتمَّ القبض عليه وعقابه، ولكني فوجئت كما فوجئ الناس جميعًا في مصر بالأجهزة المصرية وقد بدأت تتحرك.
بيان لمجلس الوزراء أن مصر لا يوجد بها أي لبنٍ مُشعٍّ وأن لا صحة لما نشَرَته الجرائد.
بيان من وزير الصحة يؤكِّد أن جميع الأغذية المستورَدة ومنها الألبان تخضع لفحص ميكروبيلوجي وكيميائي وإشعاعي دقيق، وأنه لا صحة لما قاله رئيس وزراء ألمانيا ونشرَتْه الصحف المصرية بحسن نية أو على الأصح (بسذاجة وغفلة).
وأنا أعرف الدكتور محمد راغب دويدار وزير الصحة، وأعرف أنه كان من أكفأ أطباء الوزارة الذين عركوا جميع مناصبها ومستويات تلك المناصب إلى أن أصبح بكفاءته وتفانيه في عمله وزيرًا للصحة، وهو ربما أول وزير صحة يأتي من قلب أطباء وزارة الصحة أنفسهم وليس من خارجها كما جرت العادة.
بل وأعرف أنه لا يُعدُّ مسئولًا أبدًا عن تسرب أي غذاء فاسد أو مُشع، وإنما المسئول هو جهاز يخضع لإشرافه؛ إذ هو لا يذهب بنفسه إلى الموانئ التي تَرِدُ إليها الأغذية ليفحصها.
وأعرف أن مجلس الوزراء لا علاقة مباشرةً له بإجراءات فحص الأغذية، إنما علاقته بها علاقة سيادية أو إشراف سياسي.
ولذلك كان صدور تلك البلاغات التي تُكذِّب رئيس وزراء ألمانيا الذي «تجرأ» وأعلن عن فساد ألبان ألمانية وحذر منها، أي فضَح هو بلاده وشركاتها، وكأنه هو المُجرم الحقيقي أو هو الكذاب الذي يَفتري على شركات بلاده ويتهمها بالغش والإجرام.
وحينما نقرأ أن الشِّحنة لا تزال في المركب خارج رصيف ميناء الإسكندرية، وأن ما هبط عينات للفحص ليس إلا، وحينما أقرأ أن السلطات أمرت بإرجاع السفينة من حيث أتت، أقرأ أشياء متناقضة تمامًا، من نفْي قاطع أن لبنًا مشعًّا أو فاسدًا قد استورد إلى مصر، إلى تأكيد أن الشحنة جاءت وفرَغت وكانت في سبيلها إلى السوق وإلى المستهلك، وحينًا أقرأ أن الباخرة مَحجوزة بعيدًا عن الرصيف، وحينًا أقرأ أنها أُعيدت.
ولكنني أبدًا أبدًا لم أقرأ شيئًا لا عن مجلس الوزراء، ولا عن النائب العام ولا عن أي جهة قضائية أو حجر صحِّي أو إدارة صادرات أو واردات عن اسم ذلك الجني الغريب الذي تعاقَد وشحن وجلب اللبن المُشع القاتل، ولا يَجرؤ أحد على إعلان اسمه، بل بدلًا من هذا يقومون نيابةً عنه بنفْي التُّهمة الكلية، وإبرائه من تهمة إدخال مواد قاتلة على هيئة غذاء للأطفال كانت العلبة الواحدة منه كفيلة على الأقل بقتل طفل، أي تهمة الشروع في قتل ٢٦ ألف طفل مصري بريء بسبق إصرار ووعي وترصد.
وأغلب ظني أني لن أقرأ اسم هذا المستورد ما دام مجلس الوزراء — بجلالة قدره — قد برأه، وأنكر وجوده، وأنكر أصلًا وجود جسم الجريمة، وكأن جريمة كبرى لم تكن قد تمَّت أركانها جميعًا بحيث إن أقل عقاب لمُرتكبها كان لا بد أن يكون السجن المؤبد إن لم يكن الإعدام.
أجل، أيها القراء الأعزاء.
إنَّ الذي قام بهذه الجريمة مصري عنده طاقية إخفاء باتعة الأثر، بحيث قام بكل ما قام به أمام سمع وبصر مجلس الوزراء وجميع أجهزة الدولة دون أن يَراه أو يعرفه أو يسمع عنه أحد.
هل تفعلون مثلي وتموتون من الضحك.
أم تموتون كمدًا.
اختاروا أيًّا من الطريقتين، فكلتاهما أهون بكثير من الموت بالإشعاع السرطاني، وفي كل الحالات ستموتون دون أن تَعرفوا أبدًا اسم ذلك المجرم القاتل الذي لا يُريد أحد أن يُفصِح عن اسمه.
إني أتحدَّى أجهزة الدولة بكافة مستوياتها أن تعلن اسمه وصفته؛ إذ يبدو أنه أقوى كثيرًا من أجهزة الدولة.