ثلاث قصص جديدة أقدمها وأعتز بها
لا زلت أذكر تلك الليلة، كنتُ في زيارة للصديقة نوال السعداوي وزوجها الدكتور شريف حتاتة، وهما في غِنًى عن التعريف؛ فنوال كاتبة مفكرة ثائرة قصاصة كتلة مُلتهبة من الشمس، انفصلت واستقرَّت على الأرض ولا تزال شمسية مُلتهبة، لم تَبرُد بعد، ولا أعتقد أنها ستَبرد. وشريف حتاتة قضى نصف حياته مَسجونًا سياسيًّا ودرس الطب بنبوغ ولم يُزاوله، والآن أصبح من الروائيين الجدد والمعدودين في مصر.
كنتُ في زيارة لهما وعرَّفاني بابنهما وابنة نوال «منى» صاحبة القصة التي اخترتُها هذه المرة. من أول لحظة أحسست أن هذه الفتاة التي لا تتكلَّم إلا نادرًا فيها شيء خفي ما؛ ولهذا لم أفاجأ أبدًا حين ذكرَت لي نوال أن منى تكتب قصصًا. بيت من الكُتَّاب، يا له من بيت!
المهم قرأتُ لها القصة، وفي الحال أحسستُ أنها كاتبة، وستكون، بل أيضًا أحسستُ نوع كتابتها. إنه نساجة «كانافاه» من الأحاسيس الدقيقة التي تصدر عن نفس ناعمة جِدًّا، متمردة جِدًّا، طبيعية تمامًا وغير طبيعية بالمرة.
وإذا لم تكن هذه صفات أو بعض صفات الفنان، فماذا تكون؟
شيء واحد فقط دفعني كي لا أندفع في التفاؤل، مخافة أن تكون القصة التي قرأتها هي أول وآخر قطفة من قرص العسل.
ولكن، يا لفرحتي! إن ظني خاب؛ فقد راحت منى تكتب وتنشر، وأرسلت لي منذ أيام مجموعة كاملة من قصصها استعدادًا لإصدار كتاب.
وقرأت المجموعة.
وأخذت أستعيد علاقتي بقلمي، تلك العلاقة التي لا أتذكر بدايتها، كل ما أعرف أني أكتب منذ إدراكي أنني أشغل حيِّزًا في الفراغ، منذ رغبتي ألا يظل فراغًا. أكتب منذ تساءل عقلي في عالم يُثرثر ولا يجيب، أكتب منذ أن ارتعشت عواطفي بحثًا عن بعض الشمس، أكتب منذ اكتشافي أنني امرأة في مجتمع يُحركه الرجال، علاقتي بقلمي حميمة تتجاوز إحساسي بالراحة، تتجاوز فرصة مصادقة اللغة وفرصة إظهار تجدد الأفكار. علاقتي بقلمي كعلاقتي بملامحي وأعضاء جسمي، علاقة نفسية وعضوية، أحملها داخلي، أتنفس بها، أتحرك خلالها، أحلم معها، أغضب من أجلها وأهدأ فيها.
اقرءوا معي إذًا هذه القصة لمنى حلمي. والجديد فيها أنها قصة قد تبدو من الخارج ذاتية، ولكن المُمعن فيها يصل إلى مياهٍ أعمق بكثير، إلى إحساس جديد، لامرأة جديدة، حتى لو كانت كاتبة قصة جديدة.