علوان فواز محتشمي
قمت بدوري بكل صفاقة، أقبلت على رندة في مجلسها بالمكتب باسطًا يدي وقلت: أصدق التهاني.
رمقتني بلمحة عابرة وتمتمت: شكرًا. عُقبى لك.
وانتهزت فرصةَ خلوِّ المكان لفترة قصيرة، فقلت لها من موقعي القريب منها: لا أُخفي عنك أنني تمنَّيت لك زيجةً أفضل.
فتساءلت بهدوء: ما لها هذه؟
– الحق .. أريد أن أقول إنكِ تستحقِّين أحسن زيجة.
فقالت باسمةً في غموض: إنه حُسنُ ظنك.
وقلت لنفسي إنه عليَّ أن أطوي هذه الصفحة إلى الأبد. ولنتحمل الألم حتى نمحقه محقًا، إن استسلمت للحزن جُننت. ولما علمت بوصول المدير قصدتُه في الحال وقلت له: معذرة، إني قادم للتهنئة.
فقال بمودة: لولا انصرافك عن الموضوع ما اقتربت منه.
– إنك دائمًا تفعل الصواب.
– شكرًا، وعُقبى لك، عليك من الآن فصاعدًا أن تفكر في مصلحتك.
لم أدرِ ماذا أقول، فواصَل: الطريق واضح، وما عليك إلا أن تُفكر بصفاء.
فقلت وأنا أهمُّ بالذهاب: نصيحة ثمينة يا بك.
فقال بسرعة: أنا مُكلَّف بدعوتك، شقيقتي دعتنا لحفل شاي صغير ابتهاجًا بانتقالها إلى الفيلا الجديدة.
حقًّا إن الطريق واضح. وقلت: يُسعدني أن أقبل الدعوة.
قبلتُ الدعوة رغم أن فكرة بيع نفسي لم تخطر لي ببال، وقصدتُ العنوان حوالَي السادسة مساءً في جوٍّ حارٍّ رطب. وجدت الفيلا غير بعيدة عن عمارة أنور علام؛ صغيرة وأنيقة وذات حديقة ثريَّة بأشجار الورد البلدي والبنفسج. جلستُ في ثوي جديد وردي اللون مُحلَّاة جدرانه بلوحات مصوغة بالكانفاه. وجلست بيننا جولستان في فستان أبيض دقيق الرسم لتكويناتها المُثيرة. وقال أنور علام: الحفل مقصور علينا، فأنت مدعوٌّ باعتبارك من الأسرة.
فقالت جولستان بنعومة: لم تُعجبني أخلاق أحد من زملائك سِواه.
فشكرتها، على حين قال أنور علام ضاحكًا: حقًّا إن شهادتك في محلها.
وشربنا الشاي والتهمت قطعة كبيرة من التورتة، وراح أنور يقول: يتحدَّثون عن مضاعفات فتنة طائفية.
فتساءلت جولستان: ما معنى ذلك؟
وتساءلتُ بدَوري: أين الحكومة؟
فقال أنور: أيام قلق.
فنظرت جولستان نحوي وقالت برثاء: يا لكم من جيل يستحقُّ الرثاء!
فقلت بامتعاض مكمِّلًا: والتعنيف أيضًا.
وقام أنور قائلًا: لديَّ مكالمات عاجلة. عن إذنكم دقائق.
في خلوتنا رنَت إليَّ بعطف وتمتمت: ما يستحقُّ مثلك إلا كل خير.
تساءلت عما تعنيه .. السياسة أم مأساتي الشخصية؟ ولكن استحوذ عليَّ انفعالٌ جنسي من وحي جسمها الناضج، وركَّزت فيه نظرة مشحونة بصراحة فاضحة، تمنَّيت شيئًا واحدًا هو أن أتَّخذ منها خليلة. وقلت همسًا بريقٍ جافٍّ: أودُّ أن أنفرد بك.
فقالت برزانة: أرحِّب بالانفراد برجل ذي خُلق مثلك.
تعطَّل التيَّار الكهربائي المُتدفق في صدري. قالت الكثير وبأقل الكلمات. وئدت أحلامي الطائشة ورحَّبت في الوقت نفسه بي. وتماديًا في الإيضاح قالت: إني أحترم نفسي وأرحِّب بمن يحترم نفسه.
فداريت خيبتي قائلًا: ما أسعدني بسماع ذلك.
بيتي يُرحِّب بك في أي وقت، لقد عرفت عنك الكثير، ولكنك لم تعرف عني شيئًا يستحقُّ الذِّكر.