علوان فواز محتشمي
وأنا أهمُّ بالذهاب قال لي جدي: أما عرفت يا علوان؟
فرمقته مُتسائلًا، فقال: رندة طُلِّقت!
غمرتني موجةٌ عالية من الذهول والخوف والارتياح وهتفت: ما زالت في شهر العسل!
– والدتك أنبأتني به هذا الصباح.
– كيف يمكن أن يحدث هذا؟
– عندما تتعذَّر المعاشرة.
ثم وهو يُودِّعني: أردت أن أُنبِّهك حتى لا تُفاجأ به هناك.
غصت في انفعالاتي طيلة الطريق. لم أرَ إلا حُزني وفرحتي التي ضِقت بها. ورأيت رندة مُستكنَّةً في غشاوة كآبتها، كما رأيت ظل الكآبة مُنتشرًا في المكتب كله. صافحتها وأنا أقول: إني …
فقاطعتني: شكرًا.
فقلت بصدق: إنكِ لا تستحقِّين ذلك.
فقالت بهدوء: أُكرِّر الشكر، ولا داعيَ للمزيد.
وتطايرت الأقاويل بعيدًا عن مسمعها فسمعت الأعاجيب. واضحٌ أنه فشل كما يحدث للكثيرين ممن يتزوَّجون في سنٍّ متأخرة. لا .. لا .. إنه شاذٌّ .. تأمَّلوا حركات يدَيه، بل العلة في بُرودها؛ فالجمال الظاهر ليس كل شيء، يُقال أيضًا إنه توجد علاقة آثمة بينه وبين أخته، سمعت وتألَّمت. إني أُحبُّك يا رندة كما كنت وأكثر، يحزنني أن أجدك في موقف مُنهزم، قلبي مع كبريائك الجريح. وخُيِّل إليَّ أنني قد أقترب من السر عند أنور نفسه. أعلنت له أسفي فحدجني بنظرةٍ ساخرة.
وتمتم: شكرًا!
أدركت من توِّي أنه يشكُّ في صدقي، فقلت: آسف لكما معًا.
فقال ببرود: لا شيء يوجب الأسف.
وعبَرَ إلى الأوراق المعروضة دون زيادة. ودَّعتني جولستان هانم لزيارتها فلبَّيت دون تردُّد وأنا على شِبه يقين من أنني سأعرف عندها الحقيقة. وجدتها مُتحلية كعروس، وقالت لي مُعاتبةً: ألا تزورني إلا إذا دعوتك؟
– أخاف أن أُحرجك.
– عذر لا معنى له، وأنت أول من يُدرك ذلك.
وقدَّمت لي دندرمة محشوَّة بالمكسرات، ثم قالت: عنَّت لي فكرة.
فنظرت نحوها باهتمام، فقالت: أخي بدأ ينشغل بنفسه عني، فهل تعمل أنت وكيلًا لأعمالي؟
تبدَّى لي الاقتراح مثل هاوية تنداح تحت قدمي، فقلت: قد يُغضبه ذلك.
– هو صاحب الفكرة.
فقلت مُتحرجًا: أمهليني كي أفكِّر؛ فقد عرض عليَّ بعضهم أن ألتحق بقسم الماجستير.
– العمل بسيط، ولكنه يحتاج إلى شخص أمين.
– ستكون المُهلة قصيرة جدًّا.
وإذا بها تتطوَّع لإطلاعي على جانب هام من ماضيها، قالت: طالما رُميت بالجشع بسبب زواجي، والحقيقة أن أبي هو الذي زوَّجني من رجل يكبرني بثلاثين عامًا، على ذاك مضت حياتي معه مُكلَّلة بالاستقامة والأمانة، وكانت وما زالت سُمعتي أنقى من الماس.
فقلت بيأس لم تَفطِن إليه: إنكِ مثال للاحترام.
ثم في مُراوغة: أنور بك رجلٌ محترم أيضًا، ولكن تأمَّلي سوء حظه.
فرمتني بنظرة مُتوجِّسة وسألتني: أترثي له أم لزوجته؟
فقلت مُتحديًا: ما مضى قد مضى وانقضى!
– حقًّا؟!
– هي الحقيقة بكل بساطة.
– إذَن، دعنا من هموم الآخرين ولننتبه لهمومنا.
فانحصرت في ركن لا أدري ماذا أقول، فقالت بصراحة ذكَّرتني بأخيها: أنت فاهم وأنا فاهمة.
ثم بشيء من التأثر: من حقي أن أسعى إلى سعادتي طالما أن كرامتي مصونة.
فقلت حتى لا ألزم الصمت أكثر مما يحتمل: إني أحترم هذا المنطق السديد.
فقالت بعذوبة: لن تندم، وإني مُنتظِرة.