المسلمون في الصين
يذكر «ولز» الأديب المؤرخ الإنكليزي في تاريخه الكبير، أن أول المساجد في الإسلام بني في الصين.
ولست أعتقد أن هناك ما يثبت هذا القول، ولكن يبدو المؤلف أنه كان يعتقد أن العرب كانوا قبل الإسلام، متصلين بالصين، يتجرون مع سكانها، ولهم سفن تمخر البحار الهائجة التي تقع شرقي الهند، وتنقل المتاجر من شرق آسيا إلى غربها وإلى أوروبا وإفريقيا.
وهذا هو ما لا شك فيه، فإن العرب أو بالأحرى المسلمين، يستوطنون في عصرنا الجزر الكبرى التي تقع في الجنوب الشرقي من آسيا مثل جاوة وسومطرة، بل هم قد وصلوا إلى جزر الفيليبين التي تقع جنوب اليابان.
وهم في انسياحهم هذا، وتوسعهم بالهجرة إلى هذه الأقطار البعيدة إنما كانوا ينبعثون بالتجارة.
كانوا قبل الإسلام يقومون بالتجارة بين أمم آسيا الشرقية والجنوبية بما في ذلك الهند وإيران عن طريق البحر، ثم زادوا على هذه الطريق بعد الإسلام، طريق البر في وسط آسيا عندما امتد التوسع الإسلامي بالفتوحات الأموية والعباسية إلى حدود الصين.
وفى أيامنا هذه نجد المسلمين في الصين وفي التيبت، بل نجدهم في شرق الصين وجنوبها من الجزر التي ذكرناها.
وعندما نقرأ الكتب العربية القديمة في تاريخ الفتوحات الإسلامية مثل الطبري، نجد الالتفات الكبير إلى زحف الجيوش العربية إلى آسيا الوسطى، فإنه يشرح هذا الزحف في عشرات الصفحات الحافلة بالتفاصيل، فهناك كفاح وقتال، وهناك مساومات للصلح ونحو ذلك، إلى أن نصل إلى حدود الصين حيث يروي لنا الطبري قصة تشبه المسرحية، هي أن العرب عندما بلغوا حدود الصين بعث إليهم ملك الصين يسألهم عن أغراضهم ويستطلع أحوالهم ويقدر قوتهم، فعمد القائد العربي إلى عرض لفروسيتهم، فخرج الفرسان على خيولهم، وأبدوا من الخفة والمهارة في ركوب الخيل وركضها ومعالجة القتال ثابتون على صهواتها ما دهش له المبعوثون الصينيون.
وقد تكون القصة خيالية، ولكنها تدل على الاتصال بين العرب الزاحفين، وبين الصينيين في أيام النهضة الأموية، كما تدل على العناية الكبرى بالقوة الحربية أيام هذه الدولة التي كانت تدين بالعروبة وتنشرها في أنحاء العالم، وقد نجحت في أن تؤسس إمبراطورية عربية إسلامية من حدود الصين شرقًا إلى حدود المحيط الأطلنطي غربًا.
ونحن نعرف أن الصينين هم الذين اخترعوا الورق، وقد انتقلت صناعته إلى سمرقند، ونقلها المسلمون بعد ذلك إلى بغداد والقاهرة والأندلس، ومن الأندلس انتقل إلى أوروبا، فكان من أعظم الحوافز لنشر الثقافة، وكذلك دودة القز، أو الخز، فإن العرب نقلوا هذه اليرقة وحفظوا اسمها الصيني «سز» بعد أن حرفوه بعض الشيء حتى تقبله آذانهم.
ومما زاد في حركة الانتقال للثقافة العربية الإسلامية نحو الشرق، نحو الصين، هجوم المغول ثم التتار، فإن تيمور لنك، الذي احتل بغداد ووصل إلى دمشق، حمل معه إلى سمرقند عددًا كبيرًا من العرب، فكانوا بذرة للثقافة العربية في آسيا الوسطى، ثم في آسيا الشرقية والجنوبية بما في ذلك الصين والتيبت وغيرهما، وقد وجدت في القاهرة زهريات صينية كبيرة تدل على الاتصال الذي وقع بين العرب وبين الصين منذ الفتوحات الأموية الأولى.
وفي القرن الثالث عشر زار ابن بطوطة المراكشي الصين، وتنقل في مدنها، ورأى هناك بعض المسلمين الذين كانوا يمارسون شعائر الإسلام دون عائق؛ لأن أباطرة الصين كانوا على الدوام متسامحين لا يعرفون التعصب ضد من يخالفهم في الدين، وكان الغالب عليهم البوذية، وهو دين غير إلهي، وقد حدثنا ابن بطوطة عن اشمئزازه من السكان الذين يأكلون لحم الخنزير ولا يذبحون الحيوان، ولكن القارئ يحس بأنه كان إزاء حضارة راقية، بل تكاد تكون عصرية، من حيث استعمال النقود الورقية مثلا، وهو نفسه يذكر العناية الفائقة في المحافظة على شخصه والسهر على راحته، حتى ليقول لنا: إنه حين كان ينتقل من مدينة إلى أخرى كان يرافقه حارس طوال الطريق، حتى إذا بلغ المدينة المقصودة تسلمه حارس آخر بعد أن يكتب للحارس السابق وثيقة بالتسليم.
وكان أكثر انتشار الإسلام في الأقاليم الشمالية الغربية من الصين، وهذا يدل على الطريق التي اتخذته قوافل العرب في اتجاهها نحو الشرق، فإنها خرجت من خراسان واتجهت شرقًا نحو أقاليم التركمان فالخزخيز فالأفغان فالتبت، وكل هذا تم تقريبًا أيام الدولة الأموية، وكانت الفتوحات هنا حربية.
أما بعد ذلك فقد انتشر العرب، أو بالأحرى المسلمون من العرب وغير العرب، نحو الشمال فالشرق، ودخل بعضهم بلاد منغوليا وبلاد الصين.
ثم زادت حركة الانتقال بالفتوحات التتارية والمغولية على يدي جنكيزخان ثم تيمور لنك، وكانت تنبع من الشرق وتتجه نحو الغرب، فاتجه التتار نحو روسيا حتى بلغوا ألمانيا، واتجه المغول نحو الشرق العربي، وقد دمروا الحضارة العربية، ولكن في عودتهم لبلادهم نقلوا مئات وآلافًا من المسلمين من الأسرى والسبايا إلى حدود الصين الغربية الشمالية، فلما انحسرت موجة الفتح تولت التجارة أيام السلم مهمة نقل الثقافة العربية والدين الإسلامي، فكان التسلل السلمي إلى شمال الصين وغربها حيث نجد الآن ملايين المسلمين.
ومع أن المسلمين الصينيين عاشوا في وسط وثني من البوذية والكنفوشية، فإنهم احتفظوا بنقاء إيمانهم، فلم يعرفوا التماثيل، ولم يتعودوا تقديس الآباء، الذي يعد أصلًا من الأصول الوطنية الدينية في الصين.
وفي السنين الأخيرة عمد كثرة من الأسر الإسلامية في الصين إلى إرسال أبنائهم للتعليم في الأزهر، بل إن بعضهم قد التحق بالمعاهد الأخرى غير الدينية في القاهرة، ولكن لا يعرف مركز المسلمين في الصين الجديدة، بعد الانقلاب الأخير، كما لا يعرف عددهم، فقد يبلغون عشرين أو ثلاثين مليونًا.