نحو النظافة
من التحيات السامية التي أعتز بها، والتي قصد منها قائلها أن يسبني، قوله قبل نحو ربع قرن: «سلامة موسى المراحيضي»، وذلك أني كنت قد ألقيت محاضرة بالجامعة الأمريكية قلت فيها: إن الإصلاح الأول للريف يقتضينا سنَّ قانون لإجبار المالكين على إيجاد مرحاض لكل منزل؛ لأننا بذلك نوفر النظافة للسكان كما نوفر لهم الصحة والكرامة، وحياني صحفي عريق في جهله بأني «مراحيضي».
وقبل أن يموت الدكتور خليل عبد الخالق تحدثت إليه في هذا الموضوع، فوجدت أنه قد درسه، وشرع يشرح لي ضرورة هذا الإصلاح، وكيف يمكن إتقان الديدان الطفيلية بصنع المرحاض على وضع وقياس معينين.
ثم قرأت في مجلة أمريكية مقالا للسيدة «رامونا بارت» عما أسمته حربًا صليبية قامت بها كي تعمم «السيفون» في مراحيض الزنوج في نيويورك، والسيفون هو المضخة التي تكسح المرحاض وتنظفه.
ونفهم من مقالها أن منازل الزنوج كانت تحوي المراحيض، ولكن هذه لم تكن مزودة بالسيفونات لفقر سكانها، وكان لهذا أثره في القذر والعفن والذباب، وقامت هذه السيدة بجمع التبرعات وشراء السيفونات، وتزويد كل مرحاض بواحد منها، فهي مثلي كانت «مراحيضية» ولكنها تفوقت عليَّ بكفاحها، فجعلت دعواتها عملية.
وما أجمل أن نكافح من أجل النظافة، وما أجمل أن نخدم الفلاحين وننظف منازلهم ونطهرها من القذر والعفن والذباب.
وإنه لأليق وأشرف لكرامتنا أن نعامل الفلاح بالحب، فنتحرى الوسائل والأسباب لنظافة بيته وهناء عيشته، فإننا حين نذكر الريف تجري على ألسنتنا كلمات الأمن العام، وثمن القطن، والري والصرف، وتكاد ألسنتنا تجهل كلمات الحب والهناءة، والنظافة لسكان هذا الريف.
ومع أني لست طبيبًا فإني أعتقد أن إيجاد المراحيض أجدى على الصحة العامة للفلاحين من تطهير ماء الشرب، وليس هناك أيسر علينا من أن نسن قانونًا بإجبار المالكين على إيجاد المراحيض في المنازل التي يبنونها، وليس أيسر على الحكومة من أن تضع رسمًا يسترشد به المالكون، ويعملون وفقه، كي يوفروا النظافة لأكثر من عشرة ملايين مصري يعيشون بين برازهم وأقواتهم.
إن الذهن الذكي والقلب البار لا يرضيان هذه الحال المزرية التي يعيش فيها فلاحونا، وليس من الإسراف أن نطالب المالكين بإنفاق جزء من الأموال التي يجمعونها من محصول القطن لتوفير النظافة والكرامة لنصف الشعب المصري أو أكثر.