النمو الأُسي واللاخطية والتفكير المنطقي
إحدى أكثر الخرافات شيوعًا حول النُّظُم الفوضوية هي استحالة توقُّعها. وللكشف عن المغالطة في هذه الخرافة، يجب أن نفهم كيف يزداد عدم اليقين في توقُّعٍ ما في الوقت الذي يزداد فيه توقعنا للمستقبل تدريجيًّا. سنتناول في هذا الفصل أصل «النمو الأسي» ومعناه؛ إذ إن في المتوسط ستزيد نسبة ضئيلة من عدم اليقين زيادة أسيَّة سريعة في نظام فوضوي؛ فثَمَّةَ معنًى ما في أن هذه الظاهرة تنطوي حقيقةً على نمو «أسرع» لعدم اليقين مما يوجد في أفكارنا التقليدية حول طريقة نمو الخطأ وعدم اليقين، حال زيادة توقُّعنا للمستقبل تدريجيًّا. وبالرغم من ذلك، يمكن توقُّع الفوضى بسهولة في بعض الأحيان.
الشطرنج والأرز وأرانب ليوناردو: النمو الأسي
ثَمَّةَ قصة تُروَى كثيرًا حول أصل لعبة الشطرنج توضِّح على نحوٍ رائعٍ سرعة النمو الأسي. تحكي القصة أن أحد ملوك فارس القديمة شعر بسرور بالغ عندما أُهدِيت إليه اللعبةُ للمرة الأولى، حتى إنه أراد أن يكافئ مبتكِرَ اللعبة، سيسا بن ظاهر. من المعروف أن لوحة لعبة الشطرنج تتضمن ٦٤ مربعًا مصفوفة في صورة ٨ × ٨ مربعات. فطلب ابن ظاهر — كمكافأة له — ما بَدَا كأنه كمية متواضعة للغاية من الأرز يجري تحديدها باستخدام لوحة الشطرنج الجديدة؛ إذ طلب أن توضع حبة أرز واحدة في المربع الأول من اللوحة، وحبتان في المربع الثاني، وأربع في المربع الثالث، وثماني حبات في المربع الرابع، وهكذا بمضاعفة عدد الحبات في كل مربع حتى بلوغ المربع الرابع والستين. غالبًا سيُطلق الرياضي على أي قاعدة لتوليد رقم من خلال رقم آخَر «خريطة» رياضية؛ لذا سنشير إلى هذه القاعدة البسيطة (ضاعِف القيمة الحالية لتوليد القيمة التالية) باسم «خريطة الأرز».
قبل حساب كمية الأرز التي طلبها ابن ظاهر، لننظر في حالة النمو الخطي التي توجد فيها حبة أرز واحدة في المربع الأول، وحبتان في المربع الثاني، وثلاث حبات في المربع الثالث، وهكذا حتى نحتاج ٦٤ حبة في المربع الأخير، وفي هذه الحالة، سيكون لدينا إجمالي قدره: ٦٤ + ٦٣ + ٦٢ + … + ٣ + ٢ + ١، أو حوالي ١٠٠٠ حبة. وللمقارنة فقط، يحتوي كيس به كيلوجرام واحد من الأرز على بضع عشرات الآلاف من حبوب الأرز.
من خلال مقارنة كمية الأرز في أي مربع محدد في حالة النمو الخطي مع كمية الأرز في المربع نفسه في حالة النمو الأسي، ندرك سريعًا أن النمو الأسي أسرع كثيرًا من النمو الخطي؛ إذ إنه في حالة النمو الأسي يوجد في المربع الرابع عدد حبات أرز ضعف عدد حبات الأرز في حالة النمو الخطي (٨ في الحالة الأولى، و٤ فقط في الحالة الثانية)، وعند بلوغ المربع الثامن، في نهاية الصف الأول، يصل عدد حبات الأرز في حالة النمو الأسي ١٦ ضعفًا! بعد ذلك سرعان ما سنجد أرقامًا فلكية.
بالطبع، أخفينا قيم بعض «المعلمات» في المثال المذكور. كان يمكننا أن نجعل النمو الخطي أسرع بألا نضيف حبة واحدة في كل مربع، بل قل على سبيل المثال ١٠٠٠ حبة إضافية. يحدِّد هذا المعلم — وهو عدد الحبات الإضافية — ثابت التناسب بين رقم المربع وعدد الحبات في ذلك المربع، وهو ما يمنحنا منحنى العلاقة الخطية بينهما. وثَمَّةَ معلم أيضًا في حالة النمو الأسي؛ ففي كل خطوة زدنا عدد الحبات بعامل مقداره اثنان، وهو ما كان يمكن أن يكون بعامل مقداره ثلاثة، أو بعامل مقداره واحد ونصف.
في بداية القرن الثالث عشر، طرح ليوناردو بيزانو (نسبة إلى مدينته بيزا) سؤالًا متعلقًا بالديناميكيات السكانية. في حالة زوج من الأرانب وُلد حديثًا في حديقة كبيرة، وفيرة الإنتاج، ومسوَّرة، كم زوجًا من الأرانب سنحصل عليه خلال عام واحد، إذا كان من طبيعة أزواج الأرانب الناضجة التناسل وإنجاب زوج جديد من الأرانب شهريًّا، مع العلم أن الأرانب الحديثة الميلاد تنضج في شهرها الثاني؟ في الشهر الأول يوجد لدينا زوج صغير، وفي الشهر الثاني يصل هذا الزوج الجديد إلى سن النضوج ويتوالد لينجب زوجًا جديدًا في الشهر الثالث؛ لذا في الشهر الثالث سيكون لدينا زوج ناضج وزوج مولود حديثًا، وفي الشهر الرابع سيكون لدينا مرة أخرى زوج مولود حديثًا من زوج الأرانب الأصلية وزوجان ناضجان بإجمالي ثلاثة أزواج، وفي الشهر الخامس سيولد زوجان جديدان (أحدهما من كل زوج ناضج)، ويصبح لدينا الآن ثلاثة أزواج ناضجة بإجمالي خمسة أزواج … وهكذا.
إذَن ما هو شكل «الديناميكا السكانية» هذه؟ في الشهر الأول لدينا زوج غير ناضج، وفي الشهر الثاني لدينا زوج ناضج، وفي الشهر الثالث لدينا زوج ناضج وزوج جديد غير ناضج، وفي الشهر الرابع لدينا زوجان ناضجان وزوج غير ناضج، وفي الشهر الخامس لدينا ثلاثة أزواج ناضجة وزوجان غير ناضجين.
إذا حسبنا عدد جميع الأزواج شهريًّا، فستكون الأعداد كالآتي: ١، ١، ٢، ٣، ٥، ٨، ١٣، ٢١ … رصد ليوناردو أن الرقم التالي في السلسلة دائمًا ما يمثِّل مجموع الرقمَين السابقَين (١ + ١ = ٢، ٢ + ١ = ٣، ٣ + ٢ = ٥، …) وهو أمر منطقي؛ إذ إن الرقم السابق هو الرقم الذي كان لدينا الشهر الماضي (في نموذجنا تبقى جميع الأرانب على قيد الحياة مهما كان عددها)، ويصبح الرقم قبل الأخير هو عدد الأزواج الناضجة (ومن ثَمَّ عدد الأزواج الجديدة التي تُولَد في الشهر الحالي).
إذَن كيف ستساعدنا أرانب ليوناردو في الوصول إلى فهم نمو عدم اليقين في التوقُّع؟ مثل جميع الملاحظات، فإن عملية عدِّ الأرانب في الحديقة عرضة للخطأ. ومثلما رأينا في الفصل الأول، من المعروف أن حالات عدم اليقين في الملاحظات ترجع إلى التشويش. تصوَّرْ أن ليوناردو عجز عن ملاحظة زوج من الأرانب الناضجة أيضًا في الحديقة في الشهر الأول؛ ففي تلك الحالة كان عدد أزواج الأرانب في الحديقة سيصبح ٢، ٣، ٥، ٨، ١٣، … سيتمثَّل الخطأ في التوقع الأصلي (١، ١، ٢، ٣، ٥، ٨ …) في الفرق بين الحقيقة وذلك التوقع، أي: ١، ٢، ٣، ٥ … (مرة أخرى، سلسلة أرقام فيبوناتشي). في الشهر الثاني عشر، كان هذا الخطأ ليبلغ رقمًا لافتًا جدًّا يصل إلى ١٤٦ زوجًا من الأرانب! فخطأ صغير في العدد الأولي للأرانب سيؤدي إلى خطأ كبير جدًّا في التوقع. في حقيقة الأمر، يزداد الخطأ أسيًّا بمرور الوقت، وهو ما ينطوي على تداعيات كثيرة.
لنتفحص معًا أثر نمو الخطأ الأسي على عدم اليقين في توقعاتنا. لنقارن مرة أخرى النمو الخطي والنمو الأسي. لنفرض أنه — بالنسبة إلى أحد الأسعار — يمكننا الحد من عدم اليقين في الملاحظة الأوليَّة التي نستخدمها في وضع توقعاتنا. فإذا كان نمو الخطأ خطيًّا، وقمنا بتقليص عدم اليقين الأولي بعامل مقداره عشرة، فسيمكننا توقع سلوك النظام بفترة أطول بعشرة أضعاف قبل أن يتخطى عدم اليقين لدينا الحد نفسه، وإذا ما قلصنا عدم اليقين الأولي بعامل مقداره ١٠٠٠، إذَن فسيمكننا وضع توقعات على الدرجة نفسها من الجودة خلال فترة تزيد ١٠٠٠ مرة، وهو ما يُعتبر ميزة في النماذج الخطية، أو يُعتبر — على نحو أكثر دقةً — ميزة ظاهرية في دراسة النُّظُم الخطية فقط. في المقابل، إذا كان النموذج لا خطيًّا، وكان نمو عدم اليقين نموًّا أسيًّا، يمكننا إذَن تقليص عدم يقيننا الأولي بعامل مقداره عشرة، إلا أن قدرتنا على التوقع ستكون أطول بمقدار الضعف فقط بالدرجة نفسها من الدقة. في تلك الحالة، «بافتراض» أن النمو الأسي في عدم اليقين منتظم من حيث الوقت، فإن تقليص عدم اليقين بمعلم ١٠٠٠ لن يؤديَ إلا إلى اتساع نطاق توقعاتنا بالدرجة نفسها من الدقة بعامل مقداره ثمانية. يَندُر أن يكون تقليصُ عدم اليقين في أي عملية قياسٍ أمرًا مجانيًّا (يجب توظيف شخص آخَر لعدِّ الأرانب مرة ثانية)، وقد تكون عمليات تقليص عدم اليقين على نحو كبير مكلِّفة؛ لذا عندما ينمو عدم اليقين نموًّا أسيًّا سريعًا، تقفز التكلفة بصورة هائلة، وقد تكون محاولة تحقيق أهداف توقعاتنا من خلال تقليص عدم اليقين في الشروط المبدئية باهظةً للغاية.
في خريطة الأرانب، ستزداد الفروق بين التوقعات المفردة المختلفة ضمن مجموعة التوقعات زيادة أسية سريعة، بَيْدَ أنه في ظل توقع مجمع، يمكننا أن ندرك مدى الاختلاف بينها، ونستخدم هذا كمقياس لعدم يقيننا في عدد الأرانب الذي نتوقَّعه في أي وقت معين. بالإضافة إلى ذلك، إذا عددنا بدقة عدد الأرانب بعد شهور قليلة، فسنتمكن من استبعاد بعض التوقعات المفردة ضمن مجموعة التوقعات. بدأ كل توقُّعٍ ضمن المجموعة انطلاقًا من رقمٍ تقديريٍّ ما لعدد الأرانب الذي كان في الحديقة من البداية؛ لذا يوفر لنا استبعاد أحد التوقعات في حقيقة الأمر مزيدًا من المعلومات حول العدد الأصلي للأرانب. وبالطبع ستثبت صحة هذه المعلومات فقط في حال إن كان نموذجنا مثاليًّا بالمعنى الحرفي؛ مما يعني — في هذه الحالة — أن خريطة الأرانب ترسم صورة السلوك الإنجابي وطول عمر الأرانب بدقة. في المقابل، إذا كان نموذجنا مثاليًّا، فسيمكننا إذَن استخدام ملاحظاتنا المستقبلية في معرفة الماضي، ويُطلَق على هذه العملية «تقليص التشويش». أما إذا بَدَا أن نموذجنا غير مثالي، إذَن فقد ينتهي بنا المطاف إلى نتائج غير متسقة.
لكن ماذا إذا كنَّا نقيس شيئًا لا يمثِّل رقمًا صحيحًا، مثل درجة الحرارة، أو موضع كوكب ما؟ وهل تُعتبر درجة الحرارة في نموذج توقُّع حالة طقس غير مثالي مطابقةً تمامًا لدرجة الحرارة في العالم الواقعي؟ كانت هذه هي الأسئلة التي أثارت اهتمام فيلسوفنا في البداية بالفوضى. أولًا، يجب أن نبحث السؤال الأكثر إلحاحًا حول سبب عدم سيطرة الأرانب على العالم خلال تسعة آلاف شهر انقضت منذ عام ١٢٠٢؟
الامتداد والانطواء على الذات ونمو عدم اليقين
تُضفي دراسة الفوضى مصداقية على قول علم الأرصاد الجوية المأثور، الذي يذهب إلى أن أي توقُّع لا يكون كاملًا في غياب تقدير مفيد لعدم يقين التوقُّع. فإذا كنَّا نعرف أن الشرط المبدئي غير مؤكد، فإننا إذَن لسنا مهتمين فحسب بعملية التوقع «في حد ذاتها»، بل نهتم كذلك بمعرفة أيُّ أخطاء التوقع هو الأكثر احتمالًا.
النمو الأسي: مثال من الصف الثالث الابتدائي للآنسة نيجل
قبل بضعة أشهر، تلقَّيْتُ رسالة بريد إلكتروني كتبها صديق قديم لي منذ أيام المدرسة الابتدائية. وكانت الرسالة تتضمن رسالة أخرى كان قد أرسلها طالب في الصف الثالث الابتدائي في نورث كارولاينا، وكان الصف الذي ينتمي إليه يتلقَّى دروسًا في الجغرافيا، وكانت الرسالة تطلب من كلِّ مَن يقرؤها أن يرسل ردًّا إلى المدرسة يذكر فيه محل الإقامة، وسيحدِّد الصفُّ محلَّ الإقامة ذلك على نموذج كرة أرضية في المدرسة. وطلبت الرسالة أيضًا من كلِّ مَن يقرؤها أن يمرِّر الرسالة إلى عشرة أصدقاء.
لم أمرر الرسالة لأي شخص، لكنني كتبتُ رسالة إلى صف الآنسة نيجل مشيرًا إلى أنني في أكسفورد بإنجلترا، واقترحت أيضًا أن يخبروا مدرِّسة الرياضيات عن تجربتهم ويستخدموها كمثال على توضيح النمو الأسي. إذا أرسل كل واحد منهم الرسالة إلى عشرة أشخاص، ثم في اليوم التالي أرسل كلٌّ منهم رسالته إلى عشرة أشخاص آخَرين، فسيبلغ عدد الأشخاص الذين تصلهم الرسالة ١٠٠ شخص في اليوم الثالث، و١٠٠٠ شخص في اليوم الرابع، وعدد رسائل أكثر من عناوين البريد الإلكتروني نفسها خلال أسبوع أو ما يقرب من ذلك. في أي نظام واقعي، لا يمكن أن يستمر النمو الأسي إلى ما لا نهاية؛ ففي نهاية المطاف، تنفد كمية الأرز، أو المساحة الخالية في الحديقة، أو عناوين البريد الإلكتروني الجديدة. إن الموارد دائمًا هي ما يحدُّ ذلك النمو، وحتى الحديقة الوفيرة الإنتاج لن تسمح إلا بتوفير كمية محدودة من الغذاء للأرانب؛ فثَمَّةَ حدود للنمو الذي يضع حدًّا للأعداد، إن لم يكن نماذج الأعداد ذاتها التي لدينا.
لم أعرف قطُّ إن كان طلاب صف الآنسة نيجل قد تلقَّوا درس النمو الأسي. ولكن كانت الإجابة الوحيدة التي تلقَّيْتُها عبارة عن ردٍّ آلي يذكر أن صندوق البريد الإلكتروني للمدرسة قد تجاوَزَ الحد الأقصى للرسائل وأُغلِق.
يجب ألا يزداد خطأ التوقُّع في أي نظام واقعي دون حدود، حتى إذا بدأنا بخطأ صغير مثل حبة واحدة أو أرنب واحد، فلن يزيد خطأ التوقُّع كثيرًا على نحو اعتباطي (إلا إذا كان لدينا مسئولُ توقُّعٍ ساذجٌ جدًّا)، ولكن الخطأ سيصل إلى مرحلة التشبُّع عند قيمة مقيدة محددة، مثلما سيتوقف عدد الأرانب نفسه عن التزايد. يمتلك الرياضي طريقةً لتفادي أخطاء التوقع الكبرى المثيرة للضحك (بخلاف السذاجة)، وتحديدًا من خلال جعْل عدم اليقين الأوَّلي «لا متناهي» الصغر؛ أي أصغر من أي قيمة قد تتصورها، لكنه أكبر من الصفر. وسيظل عدم اليقين هذا لا متناهي الصغر طوال الوقت، حتى إذا كان ينمو نموًّا أسيًّا سريعًا.
تَحدُّ العوامل المادية — مثل الكمية الإجمالية لغذاء الأرانب في الحديقة أو مساحة القرص الصلب في نظام رسائل البريد الإلكتروني — من النمو عمليًّا. الحدود بديهية حتى إذا كنَّا لا نعرف تمامًا ما يتسبَّب فيها؛ فمثلًا أعتقد أنني فقدتُ مفاتيحي في باحة انتظار السيارات، أو ربما فقدتها في مكان يبعد عن الباحة بمسافة عدة أميال، إلا أنه ليس من المرجح على الإطلاق أنها في مكان على مسافة أبعد من القمر، ولستُ في حاجة إلى فهم قوانين الجاذبية أو تصديقها لأقدِّر ذلك. وبالمثل، يندر أن تنحرف تقديرات مسئولي توقعات الأرصاد عن ١٠٠ درجة مئوية، حتى إذا كان التوقع قبلَ عامٍ كاملٍ! وحتى النماذج المنقوصة يمكن تقييدها عادةً بحيث يُحَدُّ من أخطائها في التوقُّع.
متى خطت نماذجنا داخلَ نطاق أراضي الخيال (مما يشير إلى قِيَم لم تبلغها أي بيانات من قبلُ قطُّ)، إذَن فعلى الأرجح سيتقوَّض شيء ما، إلا إذا تداعى شيء ما بالفعل في نموذجنا. في كثير من الأحيان — مع تزايد عدم يقيننا أكثر مما ينبغي — يبدأ عدم اليقين في الانطواء على ذاته. تخيَّلْ عجْنَ العجين، أو ماكينة طوفي تمطُّ وتطوي الطوفي باستمرار. فإن الخط الوهمي من الطوفي الذي يصل بين حبتَي سكر قريبتَين جدًّا سيزداد طولًا أكثر فأكثر مع تباعُد هاتين الحبتَين تحت تأثير عمل الماكينة، لكن قبل أن يصبح طول الخط أكبر من الماكينة نفسها، سينطوي هذا الخط على نفسه، مؤلِّفًا كومة متشابكة مريعة. وستتوقف المسافة بين حبتَي السكر عن الزيادة، حتى مع ازدياد طول خيط الطوفي الواصل بينهما أكثر فأكثر؛ مما يزيد من تشابك الكومة أكثر فأكثر. تقدِّم لنا ماكينة الطوفي طريقةً لتصوُّر حدود نمو خطأ التوقعات متى كان نموذجنا كاملًا، وفي حالتنا هذه، يتمثَّل الخطأ في «المسافة» المتزايدة بين الحالة الحقيقة وأفضل توقعاتنا لتلك الحالة. سيتوافق أي نمو أسي للخطأ فقط مع النمو الأولي السريع لخيط الطوفي، ولكن في حال إذا لم تسارع توقعاتنا نحو اللانهائية (يجب أن يظل الطوفي في الماكينة، وأن تمتلئ الحديقة بعدد محدد من الأرانب، وما إلى ذلك)، في النهاية سينطوي على نفسه الخيط الواصل بين الحقيقة وتوقُّعنا، ببساطة لا يوجد مكان آخَر أمام الخيط ليمتدَّ فيه. من عدة أوجه، يُعتبر تشبيه حركة حبة سكر في ماكينة الطوفي بتطوُّر حالة نظام فوضوي في ثلاثة أبعاد طريقةً مفيدةً لتصوُّر الحركة الفوضوية.
نرغب في تحديد طريقة لاحتواء الفوضى؛ إذ ليس أمرًا غريبًا أنه من الصعب توقُّع الأشياء التي تنفصل متباعدة نحو اللانهائية، لكننا لا نريد أن نفرض شرطًا صارمًا من قبيل اشتراط ألا يتجاوز توقُّعٌ ما قيمةً محدَّدةً، مهما كان حجم القيمة. كحلٍّ وسط، نشترط أن يعود النظام مرة أخرى للاقتراب من حالته الراهنة في وقتٍ ما في المستقبل، وأن يتكرَّر هذا مرة بعد أخرى. يمكن أن تستغرق عودة النظام وقتًا كيفما يشاء، ويمكننا تحديد معنى العودة باعتبارها تمثِّل العودة إلى الحالة الراهنة على نحوٍ أقرب مما شهدناه يعود من قبلُ، وإذا حدث ذلك، فسيُعَدُّ المسار «متكررًا». وهنا يقدِّم الطوفي مرة أخرى مثالًا مشابهًا؛ فإذا كانت الحركة فوضويةً وانتظرنا ما يكفي من الوقت، فستعود حبتا السكر مجدَّدًا قريبتَين إحداهما من الأخرى، وستمر كلٌّ منهما بالقرب من الموضع الذي كانت فيه عند بداية التجربة، وذلك بافتراض عدم إغلاق الماكينة أثناء ذلك.