اتصل بعالم الطوبولوجيا!
إن السمات الطوبولوجية قوية. وعدد المكونات أو الثقوب ليس شيئًا ينبغي أن يتغير بخطأ بسيط في القياس. وهذا أمر حيوي للتطبيقات.
كانت الطوبولوجيا، وهي نوع مرن من الهندسة، في الأصل جزءًا مجردًا للغاية من الرياضيات البحتة. ومعظم الناس، من بين أولئك الذين سمعوا عنها من الأساس، ما زالوا يعتقدون أنها كذلك، لكن هذا بدأ يتغير. ويبدو من غير المحتمل للغاية وجود أي شيء يُسمَّى «الطوبولوجيا التطبيقية». سيكون الأمر أشبه بتعليم خنزيرٍ الغناءَ؛ ما سيصبح أمرًا استثنائيًّا ليس أن الحيوان يُغني جيدًا، ولكن أن يُغني من الأساس. هذا التقييم صحيح في حالة الخنازير، لكنه خاطئ في حالة الطوبولوجيا. في القرن الحادي والعشرين، تتقدم الطوبولوجيا التطبيقية للأمام بخُطًى، حثيثة وتقدِّم حلولًا لمشكلات مهمة في العالم الحقيقي. لقد كانت تسير على هذا النحو لبعض الوقت، دون أن يلاحظها أحد، وقد وصلت الآن إلى النقطة التي يمكن عندها بأمان اعتبارها فرعًا جديدًا من الرياضيات التطبيقية. وهي ليست مجرد تطبيقات قليلة لأجزاء عشوائية من الطوبولوجيا؛ إن التطبيقات واسعة النطاق والأدوات الطوبولوجية المعنية تغطي أجزاءً كبيرة من المجال، بما في ذلك أكثرها تعقيدًا وتجريدًا. المضفرات. ومعقَّدات فيتوريس-ريبس. والحقول المتجهة. والتماثل. والكوهومولوجيا. والهوموتوبيا. ونظرية مورس. ومؤشر ليفشتس. والباقات. والحِزَم. والفئات. والحدود.
هناك سبب لذلك: الوحدة. لقد نمت الطوبولوجيا في حد ذاتها، خلال ما يزيد قليلًا عن قرن من الزمان، من مجموعة من الأمور الغريبة البسيطة إلى مجال متكامل تمامًا من البحث والمعرفة. إنها الآن إحدى الركائز الرئيسية التي تقوم عليها الرياضيات بأكملها. وحيث تتقدم الرياضيات البحتة، تتبعها الرياضيات التطبيقية عادةً. في نهاية المطاف. (ويحدث العكس أيضًا).
تدرس الطوبولوجيا كيفية تشوُّه الأشكال في ظل التحولات المستمرَّة، وعلى وجه الخصوص، أي السمات تستمر. من الأمثلة المألوفة للتراكيب الطوبولوجية شريط موبيوس، وهو سطح له جانب واحد فقط وعُقَد. ولمدة ثمانين عامًا تقريبًا، درس علماء الرياضيات الطوبولوجيا لفائدتها الجوهرية، دون أن يفكروا في أي تطبيقات لها. وأصبح الموضوع مجردًا بشكل متزايدٍ، وابتُكرت البِنَى الجبرية المعقَّدة المعروفة باسم التماثل (أو الهومولوجيا) والكوهومولوجيا للقيام بأشياء مثل حساب عدد الثقوب في شكل طوبولوجي. بدا كل شيء غامضًا للغاية، ولم تكن له أي آثار عملية.
واصل علماء الرياضيات العمل على الطوبولوجيا بشجاعة، بسبب دورها المركزي في التفكير الرياضي المتقدم. وعندما أصبحت أجهزة الكمبيوتر أكثر قوة، بدأ علماء الرياضيات في البحث عن طُرق لتنفيذ المفاهيم الطوبولوجية إلكترونيًّا، مما يسمح لهم باستكشاف الأشكال المعقَّدة للغاية. لكن كان عليهم تعديل نهجهم لتمكين أجهزة الكمبيوتر من التعامل مع العمليات الحسابية. وكانت النتيجة هي «التماثل المستمر»، وهي طريقة رقمية لاكتشاف الثقوب.
للوهلة الأولى، يبدو اكتشاف الثقوب بعيدًا جدًّا عن العالم الحقيقي. لكن تبين أن الطوبولوجيا مثالية لحل بعض المشكلات المتعلقة بشبكات المستشعرات الأمنية. تخيَّل مرفقًا حكوميًّا شديد الحساسية، محاطًا بغابة، يجذب انتباه الإرهابيين أو اللصوص. ولاكتشاف اقترابهم، نضع مستشعرات حركة في الغابة. لكن ما الطريقة الأكثر فعالية للقيام بذلك، وكيف يمكنك التأكد من عدم وجود فجوات في التغطية، يمكن للأشرار المرور من خلالها دون أن يلاحظهم أحد؟
فجوات أو ثقوب؟ بالطبع! اتَّصِل بعالم الطوبولوجيا.
•••
عندما تتعرض للطوبولوجيا لأول مرة، عادة ما يتم إخبارك ببعض الأشكال الأساسية. وهي تبدو بسيطة للغاية، لُعَب صغيرة غريبة. بعضها طريف، والبعض الآخر غريب تمامًا. لكنها طرافة ذات قصد. وكما قال عالم الرياضيات الكبير هيلبرت ذات مرة: «يتمثَّل فن ممارسة الرياضيات في إيجاد تلك الحالة الخاصة التي تحتوي على جميع بذور العمومية.» اختر اللعبة المناسبة، وستنفتح أمامك مجالات جديدة تمامًا.
يمكن صنع أول لُعبتين في الصورة بإحضار شريط من الورق وربط طرفيهما معًا. الطريقة الواضحة للقيام بذلك تعطي شريطًا أُسطُوانيًّا. هناك طريقة أقل وضوحًا وهي تدوير أحد الطرفين بمقدار ١٨٠ درجة قبل ضمهما. هذا هو شريط موبيوس، على اسم أوجست موبيوس الذي اكتشفه في عام ١٨٥٨، على الرغم من أنه سبق أن لاحظه يوهان ليستينج، وهو أحد طلاب جاوس. كان ليستينج هو من نشر لأول مرة مصطلح «الطوبولوجيا» في عام ١٨٤٧، لكن جاوس كان هو من وجَّهه، على نحو يدل على بُعد نظره، نحو هذا المجال الناشئ في المقام الأول.
للأُسطوانة حافتان منفصلتان، كل منهما على شكل دائرة، ولها جانبان متميزان. يمكنك تلوين الجزء الداخلي باللون الأحمر والخارجي بالأزرق، ولن يلتقي اللونان أبدًا. في الطوبولوجيا، ما يهم هو خصائص الأشكال التي تستمر إذا شوهت الشكل باستمرار. يمكننا مد أجزاء منه، وضغطها، وتدويرها، ولكن لا يمكننا قطعها أو تمزيقها، إلا إذا قمنا بضم كل شيء معًا مرة أخرى لاحقًا. لا يعد العرض المنتظم للشريط الأسطواني في الصورة خاصية طوبولوجية؛ يمكنك تغيير العرض من خلال التشويه المستمر. لا تعتبر استدارة الحواف خاصية طوبولوجية لأسباب مماثلة. لكن كون الشيء حافة، وامتلاك حافتين متميزتين، وامتلاك جانبين متميزين، كل هذه خصائص طوبولوجية.
إن الأشكال التي تُعتبر متشابهة عندما تكون مشوهة لها اسم خاص، فنحن نسميها الفراغات الطوبولوجية. التعريف الفعلي مجرَّد وتقني للغاية؛ لذا سأستخدم صورًا مجازية غير رسمية بدرجة أكبر. كل ما أقوله يمكن أن يكون دقيقًا ويُعطَى عليه دليل لائق.
يمكننا استخدام تلك الخصائص الطوبولوجية لإثبات أن الأسطوانة لا يمكن أن تتشوَّه إلى شريط موبيوس. وعلى الرغم من أنهما صُنعا عن طريق ربط طرفي شريط من الورق معًا، فإنهما فراغان طوبولوجيان مختلفان. والسبب هو أن شريط موبيوس له حافة واحدة وجانب واحد فقط. إذا مرَّرت إصبعك على طول الحافة، فإنه يدور مرتين قبل العودة إلى البداية، مع التبديل من أعلى إلى أسفل بسبب الدوران ١٨٠ درجة. إذا بدأت بتلوين السطح باللون الأحمر، فستدور حوله بالكامل، ثم تجد أنك تلون الجانب الخلفي من الجزء الذي لونته بالفعل، مرة أخرى بسبب الدوران ١٨٠ درجة. لذا فإن شريط موبيوس له خصائص طوبولوجية مختلفة مقارنةً بالأُسطوانة.
الشكل السفلي الأيمن يشبه دونات حلقية. يسمي علماء الرياضيات هذا الشكل طارة، ويشيرون به إلى السطح فقط، وليس الجزء الصلب حيث سيوضع العجين. في هذا الإطار، إنه أشبه أكثر بعوامة سباحة قابلة للنفخ. وبها ثقب. يمكنك وضع إصبعك من خلاله، أو في حالة عوامة السباحة، جسمك بالكامل. لكن الثقب ليس في السطح نفسه. إذا كان الأمر كذلك، فإن عوامة السباحة القابلة للنفخ ستُفرغ من الهواء وستغرق. يمكن للثقب أن يكون في مكان ليس فيه السطح. هذا جيد للغاية؛ إن مهندس شبكة الألياف واسعة النطاق الجالس داخل غرفة التفتيش موجود أيضًا في مكان ليس فيه السطح. لكن الفتحة لها حواف، في حين أن الطارة لها ثقب على الرغم من أنها ليس لها حواف. ومثل الأسطوانة، إن لها جانبين: الجانب الذي يمكننا رؤيته في الصورة، والآخر «من الداخل».
لقد تمكنَّا الآن من التمييز بين هذه الفراغات الطوبولوجية الأربعة جميعها. لقد حددنا ما إذا كانت لديها أعداد مختلفة من الحواف، أو أعداد مختلفة من الجوانب. أو أنواع مختلفة من الثقوب، إذا كان بإمكاننا فقط أن نقول ما نعنيه بالثقب. يفتح هذا العرض إحدى القضايا الأساسية للطوبولوجيا. كيف يمكنك معرفة ما إذا كان فراغان طوبولوجيان متماثلين أو مختلفين؟ لا يمكنك فقط إلقاء نظرة على الشكل، لأنه يمكن أن يتشوَّه. بالنسبة إلى عالم طوبولوجيا، كما يقول القول الشائع، الدونات مثل فنجان القهوة. عليك أن تستدعي الخصائص «الطوبولوجية» التي تميز الفراغَين.
قد يكون هذا صعبًا.
•••
تبدو قِنِّينة كلاينت مثل لعبة عالم الرياضيات النموذجية. من الصعب أن نرى كيف يمكن أن تكون ذات صلة بالعالم الحقيقي. بالطبع، كما أصرَّ هيلبرت، فإن ألعاب الرياضيات مفيدة ليس في حدِّ ذاتها، ولكن من أجل النظريات التي تُلهمها، لذلك لا تحتاج قنينة كلاين إلى تبرير وجودها على نحو مباشر. لكن لقد تصادف أن هذا السطح الغريب يظهر في الطبيعة. إنه يظهر في النظام البصري للرئيسيات التي من بينها النسانيس، والقرود، وبالطبع نحن البشر.
منذ أكثر من قرن من الزمان اكتشف طبيب الأعصاب جون هيولينجز جاكسون أن القشرة الدماغية للإنسان تحتوي بطريقةٍ ما على خريطة طوبوغرافية لعضلات الجسم. القشرة هي السطح المُلْتَوي للدماغ، لذلك نحمل جميعًا خريطة لعضلاتنا داخل رءوسنا. هذا منطقي؛ لأن الدماغ يتحكم في انقباض العضلات وانبساطها، مما يجعلنا نتحرك. جزء كبير من القشرة مخصص للرؤية، ونحن نعلم الآن أن القشرة البصرية تحتوي على خرائط متشابهة تعمل على تشغيل العملية البصرية.
إن الرؤية ليست مجرد عين تعمل مثل كاميرا وترسل صورة إلى الدماغ. إنها أكثر تعقيدًا بكثير؛ لأن الدماغ يجب أن يتعرف على الصورة كما يستقبلها. ومثل الكاميرا، تحتوي العين على عدسة لتركيز الصورة الواردة، وتعمل شبكية العين على نحو ما مثل الفيلم. في الواقع، إن الأمر أقرب إلى الطريقة التي تسجل بها الكاميرات الرقمية الصور. يصطدم الضوء بمستقبلات صغيرة تُسمى الخلايا العصوية والمخروطية في الشبكية، وتنقل الوصلات العصبية الإشارات الناتجة إلى القشرة على طول العصب البصري، الذي هو مجموعة من الألياف العصبية المتعدِّدة. تُعالج هذه الإشارات على طول الطريق، لكن القشرة تقوم بمعظم عملية التحليل.
هذا الترتيب مقيَّد بالخصائص الطوبولوجية لمجال الاتجاه. هناك طريقتان فقط لترتيب سلسلة الألوان حول التفرد بحيث تتغير باستمرار: إما أن تتبع الألوان التسلسل في اتجاه عقارب الساعة، أو أنها تفعل ذلك في عكس اتجاه عقارب الساعة. تُظهر الصورة أمثلة على كليهما. إن وجود نقاط التفرد أمر لا مفر منه؛ لأن القشرة يجب أن تستخدم العديد من المراوح اللونية لتلتقط خطًّا كاملًا.
•••
على مدى العقود، تبيَّن أن بعض اللامتغيرات أكثر فائدة من غيرها، وحُدِّد بعض اللامتغيرات المهمة بشكل أساسي. أحدها، وهو الذي أريد مناقشته الآن، جزئيًّا لأنه اكتسب مؤخرًا بعض التطبيقات المهمة؛ يُسمَّى التماثل. في الأساس، إنه يحسب عدد ثقوب بُعد محدد في فراغ ما. في الواقع، إنه يذهب إلى أبعد من مجرد الحساب؛ فهو يجمع بين الثقوب واللاثقوب معًا في عنصر جبري واحد، يُسمى مجموعة التماثل.
هناك فراغ طوبولوجي أساسي للغاية لم أذكره بعد، وهو: الكرة. ومثلما هو الأمر مع الطارة، عندما يستخدم علماء الرياضيات هذه الكلمة، فإنهم يقصدون السطح الرفيع للغاية للكرة، وليس الجسم الصلب. (هذا يُسمى «الكرة المصمتة».) والكرة ليست لها حواف، مثل الطارة وقِنِّينة كلاين. يمكننا إثبات أنها تختلف طوبولوجيًّا عن كليهما من خلال ملاحظة وجود الثقوب أو عدم وجودها.
يمكننا لعب هذه اللعبة في أبعاد أعلى. على سبيل المثال، في ثلاثة أبعاد، يمكننا أن نستبدل «سطحًا كُرَويًّا (على نحو طوبولوجي)» ﺑ «منحنًى مغلق» و«الإحاطة بكرة» ﺑ «الإحاطة بقرص». إذا وجدت كرة لا تحيط بكرة مصمتة، فإن الفراغ به نوع من الثقوب الثلاثية الأبعاد. للمُضي قُدمًا وإعطاء بعض التفسير لنوع الثقب، اكتشف علماء الطوبولوجيا الأوائل أنه يمكننا جمع وطرح المنحنيات المغلقة، أو الكرات. سأناقش كيف تسير الأمور مع المنحنيات على الأسطح؛ إن الأبعاد الأعلى تتبع نمطًا مماثلًا، لكنه أكثر تعقيدًا.
بالأساس، يمكننا جمع منحنيَين مغلقَين معًا عن طريق رسمهما على السطح نفسه. ولجمع مجموعة كاملة من المنحنيات، ارسمها جميعًا. هناك بعض التحسينات الفنية: غالبًا ما يكون من المفيد رسم سهم حول المنحنى لتحديد اتجاهه، ويمكنك رسم المنحنى نفسه عدة مرات، أو حتى عدد سالب من المرات. يشبه هذا تقريبًا رسم انعكاسه (المنحنى نفسه، لكن في الاتجاه المعاكس) عددًا موجبًا من المرات، وهو مفهوم سأوضحه بعد قليل.
هذا هو التماثل.
لقد استعرضت معكم على نحوٍ سريع البناء المعقَّد إلى حد ما لمجموعة التماثل لسبب معين، وهو إعطاؤكم فكرة عن كيفية بناء علماء الطوبولوجيا للَّامتغيرات. لكن النقطة الوحيدة التي تحتاجون إلى معرفتها هي أن كل فراغ له مجموعة تماثل، وهذا لا متغير طوبولوجي، ويمكنكم استخدامه لمعرفة الكثير عن الشكل الذي يمثله هذا الفراغ. إننا نتحدث من الناحية الطوبولوجية.
•••
تعود مجموعة التماثل إلى البحث الرائد الذي قام به إنريكو بيتي وبوانكاريه في نهاية القرن التاسع عشر. كان نهجهما هو عد السِّمات الطوبولوجية، مثل الثقوب، ولكن تمت إعادة صياغته بلغة نظرية المجموعات في نهاية عشرينيات القرن العشرين من قِبَل ليوبولد فيتوريس، وفالتر ماير، وإيمي نوتر، وسرعان ما ظهرت تعميمات واسعة. إن ما أسمَيته مجموعة التماثل هو مجرد أول مجموعة من تسلسل كامل لمثل هذه المجموعات، وهو يحدد البنية الجبرية للثقوب ذات الأبعاد ١ و٢ و٣ وما إلى ذلك. هناك أيضًا مفهوم مكمِّل يُسمى الكوهومولوجيا، ومفهوم ذو صلة يُسمى الهوموتوبيا، وهو يدور حول كيفية تشوه المنحنيات وربط طرفيها، بدلًا من كيفية ارتباطها بالحدود. عرف بوانكاريه أن هذا البناء يعطي مجموعة، عادة ما تكون غير إبدالية. وقد أصبحت الطوبولوجيا الجبرية الآن مجالًا ضخمًا شديد التخصص، ولا يزال اكتشاف لا متغيرات طوبولوجية جديدة مستمرًّا.
هناك أيضًا مجال سريع النمو يُعرف باسم الطوبولوجيا التطبيقية. ونظرًا لأن جيلًا جديدًا من علماء الرياضيات والعلوم تعلموا الطوبولوجيا وهم في سن صغيرة، فقد وجدوا أنها أقل غرابة بكثير مما فعل الجيل الأكبر سنًّا. فهم يجيدون التعامل معها ببراعة، وأصبحوا يرون فُرَصًا جديدة في تطبيقها على المشكلات العملية. إن استخدام قِنينة كلاين في الرؤية مثال من علم الأحياء. وفي علوم المواد والهندسة الإلكترونية، نجد مفاهيم، مثل العوازل الطوبولوجية: وهي المواد التي يمكن تحويلها من مواد مُوصلة للكهرباء إلى عازلة لها، عن طريق تغيير طوبولوجيا خصائصها الكهربائية. والسمات الطوبولوجية، التي يحافَظ عليها من خلال التشوُّهات، تكون مستقرة للغاية.
وقد ظهر واحد من أكثر المفاهيم الواعدة في الطوبولوجيا التطبيقية عندما كان علماء الرياضيات البحتة يحاولون كتابة خوارزميات تخبر الكمبيوتر بكيفية حساب مجموعات التماثُل. لقد نجحوا في ذلك من خلال إعادة كتابة تعريف مجموعة التماثل بطريقة أكثر ملاءمة لحسابات الكمبيوتر. ثم تحولت هذه الأفكار إلى طريقة جديدة قوية لتحليل «البيانات الضخمة». ويستخدم هذا النهج الحديث للغاية، المطبَّق في جميع مجالات العلوم، أجهزة الكمبيوتر للبحث عن أنماط مخفية في البيانات العددية، وكما يوحي الاسم، تعمل هذه الأساليب بشكل أفضل مع الكميات الكبيرة جدًّا من البيانات. ولحسن الحظ، فإن أجهزة الاستشعار والإلكترونيات اليوم جيدة بشكل مذهل في قياس وتخزين ومعالجة كميات هائلة من البيانات. ولحسن الحظ على نحو أقل، غالبًا ما لا ندرك ما يجب فعله بالبيانات بمجرد جمعها، ولكن هذا هو بالضبط الموضع الذي تكمن فيه التحديات الرياضية الخاصة بالبيانات الضخمة.
لنفترض أننا قسنا ملايين الأعداد، ورسمناها من الناحية المفاهيمية على أنها نوع من سُحُب النقاط في فراغ متعدد الأبعاد من المتغيرات. لاستخراج أنماط ذات مغزًى من سحابة البيانات، نحتاج إلى العثور على السمات الهيكلية المهمة. ومن أبرزها «شكل» السحابة. ليس من المُجدي مجرد رسم النقاط على الشاشة والتحديق فيها؛ ربما كنا ننظر من زاوية خاطئة، أو قد تكون مناطق مهمة من النقاط محجوبة بنقاط أخرى، أو قد يكون عدد المتغيرات أكبر من أن يعالجها النظام البصَري على نحو معقول. والآن، كما رأينا، فإن «ما شكل هذا الشيء؟» هو سؤال أساسي في الطوبولوجيا. لذلك يبدو من المعقول أن تكون الطرق الطوبولوجية مفيدة؛ مثلًا لتمييز سحابة بيانات شبه كروية عن أخرى على شكل طارة بها ثقب. لقد قمنا بعمل نسخة مصغرة من هذا في مشروع «فراكمات» الذي ذكرته في الفصل الثامن. ما كان يهم هناك هو مدى دمج سحابة النقاط، وما إذا كانت مستديرة أم على شكل سيجار. ولم تكن التفاصيل الطوبولوجية الدقيقة مهمة.
لا يمكننا فهم الطوبولوجيا يدويًّا باستخدام مليون نقطة بيانات؛ علينا استخدام جهاز كمبيوتر. لكن أجهزة الكمبيوتر ليست مصمَّمة لتحليل الطوبولوجيا. لذلك كان قد أُعيد توجيه الأساليب التي كان علماء الرياضيات البحتة يُطوِّرونها من أجل حساب الكمبيوتر لمجموعات التماثل إلى مجال البيانات الضخمة. وكالعادة، لم تؤدِّ المهمة المطلوبة بالكامل إذا استُخدمت على حالتها البحتة. كان لا بد من تعديلها لتلائم المتطلبات الجديدة للبيانات الضخمة، التي كان أهمها أن شكل سحابة البيانات ليس شيئًا محدَّدًا على نحو جيد. يعتمد ذلك، بشكل خاص، على المقياس الذي تراقبها به.
لنتخيَّل، على سبيل المثال، التفاف خرطوم مرن على شكل ملف. عند النظر إليه من مسافة متوسطة، فإن مَقطعًا من الخرطوم سيُشبه شكل المنحنى، الذي يعتبر على نحوٍ طوبولوجي عنصرًا أُحادي البعد. ومن مسافة أقرب، سيبدو وكأنه سطح أسطواني طويل. ومن مسافة أكثر قربًا، سيكتسب السطح سُمكًا؛ علاوة على ذلك، هناك ثقب يمتد على طول منتصف الأسطوانة. وبالتراجع والنظر إليه من مسافة بعيدة، ولكن مع زاوية واسعة، سيتضح أن الخرطوم ملفوف مثل زُنبُرك مضغوط. اجعل رؤيتك أقل دقةً وسيتحول الملف إلى شكل طارة.
هذا النوع من التأثير يعني أن شكل سحابة البيانات ليس مفهومًا ثابتًا. لذا فإن مجموعة التماثل ليست فكرة رائعة أيضًا. بدلًا من ذلك، تساءل علماء الرياضيات عن كيفية تغير الطوبولوجيا المدرِكة لسحابة البيانات مع تغير مقياس الملاحظة.
وبالبدء مع سحابة ومقياس طول محدَّد، يمكننا إنشاء ما يسميه علماء الطوبولوجيا «معقد مبسطات» من خلال ربط نقطتين بحافة كلما كانت هاتان النقطتان أقرب معًا من مقياس الطول. ثم تحيط الحواف القريبة من بعضها بمثلثات، وتحيط المثلثات القريبة من بعضها بأشكال رباعية السطوح، وهكذا. ويُسمى الشكل الرباعي السطوح المُتعدِّد الأبعاد بالمبسط، ومجموعة من المبسطات، المرتبط بعضُها ببعض بطريقة ما، تُسمى معقد مبسطات. والاسم الأبسط، «التثليث»، سيفي بالغرض هنا. فقط تذكر أن المثلثات يمكن أن تكون لها أي أبعاد.
عندما يكون لدينا تثليث، فهناك قواعد رياضية لحساب التماثل. لكن الآن، يعتمد التثليث على مقياس الملاحظة. لذا فإن التماثل يعتمد على ذلك أيضًا. ويصبح السؤال المثير للاهتمام حول الشكل هو: كيف يتغير تماثل التثليث مع تغيُّر المقياس؟ يجب أن تكون سمات الشكل الأكثر أهمية أقل عُرضة للتغيير من السمات العابرة التي تعتمد بشكل حساس على المقياس. لذلك يمكننا التركيز على جوانب مجموعة التماثل التي تستمر عندما يتغيَّر المقياس. تُعرف الأداة الناتجة، التي ليست مجرد مجموعة تماثل، ولكن زمرة منها، واحدة لكل مقياس، باسم التماثل المستمِر.
يُظهر تسلسل الصور الست هنا أي النقاط التي ترتبط معًا عند مقاييس مختلفة. فمع زيادة مقياس الطول، ونحن ننظر إلى تراكيب أقل تفصيلًا، تبدأ سحابة أولية من النقاط المعزولة في تكوين تجمُّعات صغيرة، يحتوي أحدها على ثقب صغير. ثم يمتلئ هذا الثقب وتنمو التجمعات. ثم تنضم التجمعات معًا وتكون حلقة للكشف عن ثقب كبير. تزداد سماكة هذا الثقب، لكنه يظل ثقبًا كبيرًا، حتى يصبح المقياس كبيرًا؛ لدرجة أن كل شيء يُملأ. هذا الشكل تخطيطي والتفاصيل التي ستضيفها خوارزمية الكمبيوتر قد حُذفت من أجل الوضوح. والسمة السائدة، التي تحدث مع أكبر نطاق من مقاييس الطول، هي الثقب الكبير في الوسط.
لاحظ أن هذا الوصف يتضمن معلومات عن المسافة وكذلك الطوبولوجيا. من الناحية التقنية، لا يحتاج التحويل الطوبولوجي إلى الحفاظ على المسافات، ولكن في تحليل البيانات القِيَم الفعلية للبيانات مهمة، وكذلك الشكل الطوبولوجي العام. لهذا السبب، فإن التماثل المستمِر يُولي اهتمامًا لخصائص القياس وكذلك للخصائص الطوبولوجية. تتمثل إحدى طرق عرض المعلومات التي توفرها التماثلات المستمرة في إنشاء باركود يستخدم خطوطًا أُفُقية لتمثيل نطاق المقاييس التي تستمِر فيها سمات تماثُلية محددة (مثل الثقوب). على سبيل المثال، قد يبدو الباركود لسحابة النقاط في الشكل السابق قليلًا مثل الباركود الموجود في الشكل التالي. فالباركود هو ملخص تخطيطي لكيفية اختلاف الطوبولوجيا مع المقياس.
•••
إن التماثُل المستمر وأشكال الباركود الخاصة به كلها أشياء رائعة للغاية، ولكن فيمَ يمكن الاستفادة منها؟
تخيل أنك تدير عملًا تجاريًّا، ويقع مقرُّه في أرض خالية في غابة. يمكن أن يتسلل اللصوص إلى مكان عملك عبر الغابة دون أن يراهم أحد. لذلك ركبت مجموعة من أجهزة الاستشعار، يمكن لكلٍّ منها اكتشاف الحركة والتواصل مع أجهزة الاستشعار المجاورة، وتشغلها ليلًا. فإذا اقترب أي شخص، مصرَّح له بذلك أم لا، فإن أجهزة الاستشعار ستُطلق إنذارًا ويمكن لأفراد الأمن بالمقر الذهاب إليه والتحقق من هُويته. أو تخيل أنك جنرال يُدير قاعدة عسكرية في منطقة تنشط فيها الجماعات الإرهابية. ستفعل شيئًا مشابهًا، مع حمل الحُراس للأسلحة.
كيف يمكنك التأكد من أن تغطية أجهزة الاستشعار كافية، دون فجوات قد يتسلَّل عبرها المجرم أو الإرهابي؟
إذا كنت تستخدم عددًا صغيرًا من أجهزة الاستشعار، فيمكنك تحديد توزيعها على خريطة ومراقبة النتيجة. لكن مع استخدام أعداد أكبر منها، أو وجود مشكلات متنوعة بسبب جغرافيَّة المكان، يصبح هذا أقل عمليةً. ومن ثَم أنت تحتاج إلى طريقة لاكتشاف الفجوات في تغطية أجهزة الاستشعار. اكتشاف الفجوات أو الثقوب؟ يبدو أن تلك هي مهمة التماثل المستمر. وفي الواقع، هذا أحد الاستخدامات العديدة، الذي ظهر في المدة الأخيرة، لهذه الفكرة الجديدة. وهناك تطبيق مماثل هو «تغطية الحاجز»، الذي من خلاله نحدد ما إذا كانت مجموعة من أجهزة الاستشعار تحيط تمامًا بمبنًى أو مجمَّع مهم. وهناك أيضًا «التغطية الشاملة» مع أجهزة استشعار يمكنها التحرك؛ هناك نسخة منزلية أو تجارية تُستخدم في المكانس الكهربية المزوَّدة بروبوت. فهل ستنظف الأرضية بأكملها؟
هل لديك مشكلة مع بياناتك؟ هل تحتاج إلى مساعدة على وجه السرعة؟
اتصِل بعالم الطوبولوجيا.