حلِّق آمنًا في الفضاء الإلكتروني
لم يكتشف أحدٌ حتى الآن أي غرض حربي يمكن تحقيقه من خلال نظرية الأعداد أو النسبية، ويبدو من غير المحتمل أن يفعل أي شخص ذلك لسنوات عديدة.
وهذا العدد عند قسمته على ١٧ يساوي
١٠٨٥١٠٢٥٩٢٥٧١١٥٠٠٩٥
على نحوٍ تام. ما رأيكم في ذلك؟
يطلق على هذه الحقيقة الغريبة الآن «مبرهَنَة فيرما الصغرى»، لتمييزها عن مبرهنَتِه الأخيرة (أو الكبرى). كان فيرما من روَّاد نظرية الأعداد، التي تدرس الخصائص العميقة للأعداد الصحيحة. في زمنه، ولثلاثة قرون بعد ذلك، كانت نظرية الأعداد نظرية بحتة، وهي أكثر النظريات التي تتصف بهذا في الرياضيات البحتة. إذ لم يكن لها أي تطبيقات مهمة، ولم يكن يبدو أنها ستجد لها أي تطبيقات. كان جودفري هارولد هاردي، وهو أحد علماء الرياضيات البحتة الرائدين في بريطانيا، يرى هذا بالتأكيد، وقال ذلك في كتابه الصغير القَيِّم «اعتذار عالم رياضيات»، الذي نُشر في عام ١٩٤٠. كانت نظرية الأعداد أحد المجالات المفضلة لديه في الرياضيات، وقد نَشر بالاشتراك مع إدوارد ميتلاند رايت كتابًا كلاسيكيًّا اسمه «مقدمة لنظرية الأعداد» عام ١٩٣٨. وذكر فيه مبرهَنَة فيرما الصغرى، وكانت المبرهنة ٧١ في الفصل السادس. في الواقع، كان الفصل بأكمله عن نتائجها.
لقد تأثرت آراء هاردي السياسية والرياضية بالمواقف السائدة على أعلى مستويات المجتمع الأكاديمي، وتُصنَّف الآن على أنها متحيزة إلى حد ما، لكن كتاباته أنيقة، والرؤى التي يقدمها في المواقف الأكاديمية في ذلك الوقت ذات قيمة. إن بعضها حتى ذو صلة اليوم، لكن البعض الآخر تجاوزته الأحداث إلى حد كبير. وقد كتب هاردي يقول: «إنها لتجربة حزينة لعالم رياضيات متخصص أن يجد نفسه يكتب عن الرياضيات. تتمثل وظيفة عالم الرياضيات في فعل شيء ما، وإثبات مبرهَنَات جديدة، وإثراء علم الرياضيات، وليس التحدث عما فعله هو أو غيره من علماء الرياضيات.» هذا يقلل من أهمية التواصل وتوسيع نطاق معرفة الناس بالرياضيات، وهو أمر ذو قيمة عالية في العالم الأكاديمي اليوم، ولكن هذا السلوك المتغَطرِس نفسه كان لا يزال سائدًا هناك منذ أربعين عامًا.
كان أحد أسباب شعور هاردي بالحاجة إلى تبرير مهنته هو أنه، في رأيه، لم يكن لهذا النوع من الرياضيات التي كرَّس حياته لدراستها أي تطبيقات مفيدة، وكان من غير المرجَّح أن يظهر لها أي منها. لم تكن لها أي فائدة مجتمعية. كان اهتمامه بالمجال فكريًّا بحتًا: الرضا عن حل المسائل الصعبة، والنهوض بالمعرفة البشرية المجردة. لم يكن معنيًّا بشدة بشأن المنفعة، لكنه شعر بالذنب قليلًا حِيال ذلك. ما كان يهمه، بصفته من دعاة السلام طوال حياته، هو أنه لا ينبغي استخدام الرياضيات في الحرب. كانت الحرب العالمية الثانية مُستعِرة، وعلى مر العصور، كان لبعض مجالات الرياضيات استخدامات عسكرية خطيرة. يُقال إن أرشميدس استخدم معرفته بالقطع المكافئ لتركيز ضوء الشمس على سفن العدو، وإشعال النار فيها، وقانونَ الرافعة لتصميم مخلب ضخم يمكن أن يرفعها من الماء. ويرشدنا علم المقذوفات إلى كيفية توجيه أدوات المدفعية، من قذائف المدافع إلى القنابل المتفجرة. وتعتمد الصواريخ والطائرات دون طيار على مبادئ رياضية معقَّدة، مثل نظرية التحكم. لكن هاردي كان متأكدًا من أن نظرية الأعداد المحبوبة لديه لن تصبح لها استخدامات عسكرية — على الأقل، ليس لمدة طويلة جدًّا — وكان فخورًا بها.
•••
كتب هاردي في زمن كان يقضي فيه الزميل في كامبريدج نحو أربع ساعات من اليوم في إجراء الأبحاث، وربما ساعة واحدة في التدريس، والباقي في حالة استرخاء لإعادة شحن البطارية الفكرية. كان يشاهد مباريات الكريكيت ويقرأ الجريدة. على الأرجح لم يخطُر بباله أن عالم الرياضيات الباحث البارز يمكنه أيضًا استخدام وقت الفراغ هذا لإعلام غير المتخصصين بما كان يفعله علماء الرياضيات. بهذه الطريقة، يمكنهم ابتكار أفكار رياضية جديدة والكتابة عنها. وهو ما يفعله الكثير منا في المجال اليوم.
المفارقة هي أنه «قبل» عامين من تقديم هاردي اعتذاره، اشترى مدير المخابرات الحربية البريطانية قصر بلتشلي بارك، الذي سيصبح مقرًّا لمدرسة الأكواد والشفرات الحكومية، وهي المركز السري لفك شفرات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية. وفيه تمكنت فرقٌ من محللي الشفرات من إنجاز العملية الشهيرة المتمثلة في حل شفرة آلة «إنيجما» التي استخدمها الألمان في الحرب، إلى جانب العديد من أنظمة تشفير المحور الأخرى. وقد بدأ آلان تورينج، أشهر أعضاء تلك المدرسة، التدريب في عام ١٩٣٨ ووصل إلى هناك في يوم إعلان الحرب. واستخدم محللو الشفرات في بلتشلي بارك البراعة والمبادئ الرياضية لفك الشفرات الألمانية، وظهرت أفكارٌ من نظرية الأعداد بين أساليبهم. وفي غضون أربعين عامًا، كانت ثورة في علم التشفير، تستند بقوة إلى نظرية الأعداد، في طريقها للانطلاق، مع وجود تطبيقات عسكرية ومدنية مهمة لها. وسرعان ما أصبح حيويًّا لتشغيل شبكة الإنترنت. ونحن نعتمد عليه اليوم، على نحو كبير دون أن ندرك أنه موجود.
ومن ثَم، الجيش ٢، وهاردي صفر.
أنا لا ألوم هاردي. إذ لم تكن لديه أي فكرة عما كان يحدث في بلتشلي بارك، ولم يكن بإمكانه توقُّع التقدم السريع للاتصالات والحوسبة الرقمية. تعني كلمة «رقمية» في الأساس العمل مع الأعداد الصحيحة، وهذا ما تدور حوله نظرية الأعداد. فجأة، أصبح من الممكن الاستفادة من النتائج التي توصَّلت إليها أجيال من علماء الرياضيات البحتة بدافع الفضول الفكري في إنتاج تكنولوجيات مبتكَرة. واليوم، قدر هائل من المفاهيم الرياضية — ليس فقط نظرية الأعداد، ولكن كل شيء من التوافيقات إلى الجبر المجرد والتحليل الوظيفي — يتجسَّد في الأجهزة الإلكترونية التي يحملها ربع عدد الجنس البشري يوميًّا. يجري ضمان سرية المعاملات عبر الإنترنت من قبل الأفراد والشركات وخدمات الأمن العسكري من خلال تحويلات رياضية ماكرة متجذِّرة في نظرية الأعداد المحبوبة لدى هاردي. لم يكن هذا ليفاجئ تورينج، الذي كان سابقًا لعصره لدرجة أنه كان يفكر بجدية في الذكاء الاصطناعي في عام ١٩٥٠. لكن تورينج كان حالمًا. في ذلك الوقت، لم يكن الأمر، حتى، خيالًا علميًّا. لكنه كان مجرد محض خيال.
•••
على الرغم من أن شفرة قيصر ربما تكون بسيطة وغير آمنة، فإنها مثال جيد لمبدأ عام، كان، حتى وقت قريب، أساسًا لجميع أنظمة الشفرات تقريبًا؛ إنها شفرة متناظرة، مما يعني أن كلًّا من المرسل والمتلقي يستخدمان المفتاح نفسه بشكل أساسي. أقول «بشكل أساسي» لأنهما يستخدمانه بطريقتين مختلفتين: يحرك يوليوس الحرف الأبجدي ثلاثة مواضع للأمام، بينما يحركه المتلقي ثلاثة مواضع للخلف. ومع ذلك، إذا كنت تعرف كيفية استخدام المفتاح لتشفير رسالة، فيمكنك بسهولة عكس العملية لاستخدام المفتاح نفسه لفك تشفيرها. حتى الشفرات المتطورة والآمنة للغاية متناظرة. لذلك يتطلب الأمن أن يظل «المفتاح» سريًّا، بالنسبة للجميع باستثناء المرسِل والمتلقي.
وكما قال بنجامين فرانكلين: «من الممكن لثلاثة أن يكتموا سرًّا، إذا كان اثنان منهم في عداد الموتى.» وفي أي شفرة متناظرة، يحتاج شخصان على الأقل إلى معرفة المفتاح، وهو عدد كبير جدًّا من وجهة نظر فرانكلين. في وقت ما في عام ١٩٤٤ أو ١٩٤٥، اقترح شخص ما (ربما كلود شانون، مبتكر نظرية المعلومات) في مختَبَرات بل في الولايات المتحدة حماية الاتصالات الصوتية من المتلصِّصين عن طريق إضافة ضوضاء عشوائية إلى الإشارة، ثم إزالتها مرة أخرى عند استقبالها. وهذه أيضًا طريقة متناظرة، لأن المفتاح هو الضوضاء العشوائية، والإزالة تعكس الإضافة. وفي عام ١٩٧٠، تساءل جيمس إليس، وهو مهندس في مكتب الاتصالات الحكومية البريطانية، المعروف سابقًا باسم مدرسة الأكواد والشفرات الحكومية، عما إذا كان من الممكن توليد الضوضاء رياضيًّا. إذا كان الأمر كذلك، فمن المتصوَّر على الأقل أنه يمكن فعل هذا ليس عن طريق إضافة إشارات فحسب، ولكن من خلال بعض العمليات الحسابية التي سيصبح من الصعب جدًّا عكسها، حتى لو كنت تعرف ما هي. بالطبع، يجب أن يصبح المستلم قادرًا على عكسها، ولكن يمكن تحقيق ذلك باستخدام مفتاح «ثانٍ»، معروف للمتلقي فقط.
أطلق إليس على هذه الفكرة اسم «التشفير غير السري». وقد أصبح المصطَلَح الذي يطلق عليها الآن هو «نظام تشفير المفتاح العام». يعني هذان المصطلحان أنه يمكن الكشف عن قاعدة تشفير رسالةٍ ما لعامة الناس، ولكن دون معرفة المفتاح الثاني، لن يتمكن أي شخص من معرفة كيفية عكس هذا الإجراء وفك تشفير الرسالة. كانت المشكلة الوحيدة هي أن إليس لم يتمكن من ابتكار طريقة تشفير مناسبة. لقد كانت تنقصه ما تُسمى الآن دالَّة الباب الأفقي؛ فهي من السهل حسابها، ولكن مِن الصعب عكسها، مثل السقوط عبر باب أفقي. ولكن، كما هو الحال دائمًا، كان لا بد من وجود مفتاح ثانٍ سري يسمح للمتلقي الشرعي بعكس العملية بالسهولة نفسها، مثل السلم الخفي الذي يمكنك استخدامه للخروج مرة أخرى.
وهنا يأتي دور كليفورد كوكس، وهو عالم رياضيات بريطاني أيضًا في مكتب الاتصالات الحكومية بالمملكة المتحدة. في سبتمبر من عام ١٩٧٣، راودت كوكس فكرة رائعة. استطاع تحقيق حلم إليس، مستخدمًا المبادئ الرياضية الخاصة بالأعداد الأوَّلية لإيجاد دالة الباب الأُفقي. رياضيًّا، من السهل ضرب عددين أوليَّين أو أكثر معًا. يمكنك القيام بذلك يدويًّا فيما يتعلق باثنين من الأعداد الأولية المكونة من ٥٠ رقمًا، مع الحصول على نتيجة مكونة من ٩٩ أو ١٠٠ رقم. لكن العملية العكسية، وهي إيجاد العوامل الأولية لعدد مكون من مائة رقم، أصعب بكثير. ومن المستحيل استخدام الطريقة المدرسية القياسية المتمثِّلة في «تجريب العوامل المحتملة واحدًا تلو الآخر»؛ إذ إن هناك كمًّا ضخمًا من الاحتمالات. وقد ابتكر كوكس دالة باب أُفقي بِناءً على حاصل ضرب اثنين من الأعداد الأولية الكبيرة. إن الكود الناتج آمن جدًّا، لدرجة أن حاصل الضرب هذا، وليس العددان الأوليان أنفسهما، يمكن إعلام الآخرين به. ويتطلب فك التشفير معرفة العددين الأوليين على نحو منفصل، وهذا هو المفتاح الثاني السري. وما لم تكن تعرف هذين العددين الأوليين، فلن تتمكن من حل الشفرة؛ ومعرفة حاصل ضربهما وحده لا يساعد. على سبيل المثال، لنفترض أني قد وجدت اثنين من الأعداد الأولية حاصل ضربهما هو:
١١٩٢٣٤٤٢٧٧٢٥٧٢٥٤٩٣٦٩٢٨٤٢١٢٦٧٢٠٥٠٣١٣٠٥٨٠٥٣٣٩٥٩٨٧٤٣٢٠٨٠٥٩٥٣٠٦٣٨٣٩٨٥٢٢٦٤٦٨٤١ ٣٤٤٤٠٧٢٤٦٩٨٥٥٢٣٣٣٦٧٢٨٦٦٦٠٦٩.
على أي حال، كانت خلفية كوكس هي نظرية الأعداد، وقد ابتكر طريقة لاستخدام مثل هذا الزوج من الأعداد الأولية لصياغة دالة باب أفقي؛ سأشرح ذلك بعد قليل، عندما تصبح لدينا المفاهيم الضرورية. كان الأمر بسيطًا لدرجة أنه «حتى لم يكتبه» في البداية. في وقت لاحق، سرد التفاصيل في تقرير لرؤسائه. لكن لا أحد أمكنه التفكير في طريقة لاستخدام هذا الأسلوب، في ظل أجهزة الكمبيوتر البدائية في ذلك الوقت، لذلك اعتُبر الأمر سريًّا. كما أنه أُرسِل إلى وكالة الأمن القومي الأمريكية. لقد أدركت كلتا الهيئتين وجود إمكانية لاستخدامه عسكريًّا؛ لأنه حتى لو كانت الحسابات بطيئة، فيمكنك استخدام نظام المفتاح العام كي ترسل لشخص ما المفتاح لكود آخر مختلف تمامًا إلكترونيًّا. هذه هي الطريقة الرئيسية التي يُستخدم بها هذا النوع من التشفير اليوم، في كل من التطبيقات العسكرية والمدنية.
إن البيروقراطيين البريطانيين لديهم سجل طويل وغير مميز من الفشل في التعرف على الفُرص الواعدة التي ستُدرُّ أموالًا ضخمة، مثل البنسلين، والمحرك النفاث، وتحديد البصمة الوراثية. في هذه الحالة، على الرغم من ذلك، يمكنهم الحصول على بعض العزاء من قانون براءات الاختراع؛ فمن أجل الحصول على براءة اختراع لشيء ما، عليك الكشف عن ماهيته. على أي حال، حُفظت فكرة كوكس الثورية في الملفات السرية، مثل المشهد الموجود في نهاية فيلم «سارقو التابوت الضائع» (رايدرز أوف ذا لوست آرك)؛ حيث يوضع الصندوق الذي يحتوي على «تابوت العهد» في أعماق مخزن حكومي ضخم مجهول، مكدس حتى السقف بصناديق تشبهه.
في هذه الأثناء، خلال عام ١٩٧٧، ظهرت الطريقة المماثلة، وأعيد ابتكارها بشكل مستقل، ونَشَرها على الفور ثلاثة علماء رياضيات أمريكيين: رونالد ريفيست، وآدي شامير، وليونارد أدلمان. ويطلق عليها الآن نظام تشفير «آر إس إيه» نسبة للحرف الأول من اسم عائلة كل عالم منهم. وأخيرًا، في عام ١٩٩٧، رَفعت المخابرات البريطانية السرية عن أبحاث كوكس، وهكذا عرفنا الآن أنه أول من فكر في هذه الطريقة.
•••
وتبدو العملية العكسية مشابهة للغاية:
وهذا ما يجعل الشفرة مُتَناظرة.
يمكننا ابتكار شفرات جديدة عن طريق تغيير القواعد أو الصيغة. نحتاج فقط إلى طريقة بسيطة لتحويل رسالة إلى عدد، وصيغتين: واحدة لتحويل رسالة النص العادي إلى نص مشفر، والأخرى لاستعادتها مرة أخرى. كل صيغة يجب أن تعكس الأخرى.
إن تدوير الأعداد في نمط دائري هو حيلة قياسية خاصة بمنظِّري نظرية الأعداد، تُسمى الحساب المقياسي. اختر عددًا، لنقُل مثلًا ٢٦. الآن تخيل أن ٢٦ هو العدد ٠، لذا فإن الأعداد الوحيدة التي تحتاجها هي من ٠ إلى ٢٥. في عام ١٨٠١، أشار كارل فريدريش جاوس في كتابه الشهير «التحقيقات الحسابية» إلى أنه في مثل هذا النظام يمكنك جمع وطرح وضرب الأعداد، مع مراعاة جميع قوانين الجبر المعتادة، دون الانحراف عن النطاق المختار الذي يتراوح بين ٠ و٢٥. ما عليك سوى إجراء العملية الحسابية المعتادة باستخدام الأعداد العادية ثم أَخْذ الباقي من قسمة الناتج على ٢٦. لذلك، على سبيل المثال، ٢٣ × ١٧ = ٣٩١، وهذا الناتج عبارة عن ١٥ × ٢٦ + ١. إذن الباقي هو ١، لذا ٢٣ × ١٧ = ١ في هذه النسخة الحسابية غير العادية.
ماذا عن عملية القسمة؟ إذا قسمنا على ١٧، ولا تقلق كثيرًا بشأن ما يعنيه ذلك، فسنحصل على:
إذن فإن القسمة على ١٧ هي نفسها الضرب في ٢٣. يمكننا الآن ابتكار قاعدة شفرة جديدة:
التي عكسها
تُغير هذه القاعدة من ترتيب الحروف الأبجدية على نحو واضح، ليصبح بالترتيب التالي:
إنها لا تزال شفرة تبديلية على مستوى الأحرف الفردية، لذلك يمكن فكها بسهولة، لكنها توضح أنه يمكننا تغيير الصيغة. كما توضح كيفية استخدام الحساب المقياسي، وهو مفتاح مجالات واسعة من نظرية الأعداد.
تتمثل ميزة الحساب المقياسي في أنه يعطي قائمة «كلمات» النص العادي تركيبًا جَبريًّا. هذا يفتح الباب أمام مجموعة واسعة من القواعد لتحويل النص العادي إلى نص مشفر، واستعادته مرة أخرى. إن ما فعله كوكس، ولاحقًا ريفيست، وشامير، وأدلمان، هو اختيار قاعدة بارعة جدًّا.
إن تشفير رسالة بتشفير حرف واحد في المرة، باستخدام نفس العدد لكل حرف، ليس آمنًا للغاية؛ فمهما كانت القاعدة، لدينا شفرة بديلة. ولكن إذا قسمنا الرسالة إلى أقسام، كل منها طوله عشرة أحرف مثلًا، أو نحو مائة كما في الوقت الحاضر، وحوَّلنا كل قسم إلى عدد، سنحصل على شفرة تبديلية قائمة على الأقسام. إذا كانت الأقسام طويلة بما يكفي، فلا يوجد نمط مميز لتكرار ورود أي قسم، لذا فإن فك التشفير عن طريق مراقبة الأعداد التي تتكرَّر على نحوٍ أكثر لن ينجح بعد الآن.
•••
أو
ويعمل نظام تشفير آر إس إيه على النحو التالي:
-
أوجِد العددين الأوليين الكبيرين و.
-
احسِب حاصل ضربهما .
-
احسِب . ولا تُعلِم به أحدًا.
-
اختر العدد الذي ليس له عامل أولي مشترك مع .
-
احسب بحيث يصبح .
-
يمكن جعل العدد معلومًا. (هذا يعطي القليل جدًّا من المعلومات المفيدة حول ، بالمناسبة.)
-
حافظ على سرية قيمة . (هذا أمر مهم للغاية.)
-
لنفترض أن رسالة نص عادي، مشفرة على هيئة عدد بمقياس .
-
حول إلى النص المشفر . (يمكن أيضًا أن تكون هذه القاعدة معروفة للآخرين.)
-
لفك شفرة ، ارفعه إلى الأس . (تذكر أن غير معلومة.) هذا يعطي الناتج ، الذي يساوي الذي يساوي وفقًا لمبرهَنَة أويلر.
لكن أحد العيوب هو أن هذا النظام، على الرغم من كونه عمليًّا تمامًا، بطيء جدًّا بحيث لا يمكن استخدامه بشكل روتيني للمحتوى الكامل لكل رسالة. يتمثل التطبيق العملي الرئيسي في استخدام النظام كطريقة آمنة لنقل مفتاح سري لنظام تشفير مختلف تمامًا، وهو يكون أسرع بكثير في التنفيذ وآمن طالما لا يعرف أحد المفتاح. لذا فإن نظام آر إس إيه يحل مشكلة توزيع المفاتيح، التي سببت مشكلاتٍ لعلم التشفير منذ أيامه الأولى. كان أحد أسباب فك شفرة آلة «إنيجما» هو أن بعض الإعدادات المحددة على الآلة تُوزَّع على المشغلين في بداية كل يوم بطريقة غير آمنة. وهناك تطبيق شائع آخر وهو التحقق من التوقيع الإلكتروني، أي رسالة مشفرة تحدد هوية المرسل.
كان رئيس كوكس رالف بنجامين، وهو كبير العلماء، وكبير المهندسين، والمدير المشرف في مكتب الاتصالات الحكومية البريطانية؛ على وعي بأهمية الأمر، ولاحظ هذه الإمكانية. وكتب في تقرير: «لقد قيَّمت هذا على أنه مهمٌّ للغاية للاستخدام العسكري. في المواقف العسكرية المتقلبة، قد تواجه تهديدات أو فرصًا غير متوقعة. فإذا كان بإمكانك مشاركة مفتاحك بسرعة وبشكل إلكتروني، فستصبح لديك ميزة كبيرة على خصمك.» لكن أجهزة الكمبيوتر لم تكن على مستوى المهمة في ذلك الوقت، وفقدت الحكومة البريطانية، نتيجةً للإدراك المتأخر، فرصة هائلة للاستفادة من الأمر.
•••
نادرًا ما تحل الأساليب الرياضية المشكلات العملية ﺑ «طريقة مباشرة». فمثل أي شيء آخر، إنها تحتاج عمومًا إلى التعديل والمواءمة للتغلُّب على الصعوبات المختلفة. وهذا ينطبق على نظام آر إس إيه؛ فالأمر ليس بهذه البساطة التي وصفتُها في السطور السابقة. في الواقع، ينبثق عدد من الأسئلة النظرية الرائعة أمام علماء الرياضيات بمجرد أن نتوقف عن الإعجاب بالفكرة ونفكر في المشكلات التي يمكن أن تحدث.
إن نظام آر إس إيه، كما هو موضح، غير آمن أيضًا من الناحية الدلالية، مما يعني أنه من حيث المبدأ قد ينهار عند تشفير الكثير من رسائل النص العادي المختلفة ومحاولة مطابقة النتيجة مع النص المشفر الذي تريد اختراقه. بشكل أساسي، عن طريق التجربة والخطأ. قد لا يكون هذا عمليًّا للرسائل الطويلة، ولكن إذا أُرسِل الكثير من الرسائل القصيرة، فقد يصبح الأمر كذلك. لتجنُّب هذا، يُعدَّل هذا النظام عن طريق حشو الرسالة بأرقام إضافية، وفقًا لمخططٍ محدد، ولكن عشوائي. وهذا يجعل النص العادي أطول ويتجنب إرسال الرسالة نفسها عدة مرات.
إن ما سيُغير قواعد اللعبة على نحو كبير هو الكمبيوتر الكمي العملي. تستخدم هذه الآلات، التي لا تزال في مهدها، البتات الكمية بدلًا من الأرقام الثنائية المعتادة ٠ و١، ومن حيث المبدأ يمكنها إجراء عمليات حسابية ضخمة، مثل تحليل الأعداد الضخمة، بسرعة غير مسبوقة. سوف أؤجل المناقشة المفصلة لهذا إلى وقت لاحق في هذا الفصل.
•••
إن نظام آر إس إيه هو واحد فقط من طُرق التشفير التي تستند إلى نظرية الأعداد، أو قريبتها الوثيقة الصلة بها: التوافيقات، وهي طريقة لحساب عدد الطرق التي يمكن بها تحقيق ترتيبٍ ما دون سرد جميع الاحتمالات. ومن أجل إقناعك بأن النبع الرياضي لم يجِفَّ بعدُ فيما يتعلق بعلم التشفير، سأعرض نظام تشفيرٍ بديلًا يستغل أحد أعمق المجالات وأكثرها إثارة في نظرية الأعداد الحالية. يتعلق هذا المجال ﺑ «المنحنيات الإهليلجية»، التي تُعَد من بين أمور أخرى أساسية من أجل إثبات أندرو وايلز الملحمي لمبرهَنَة فيرما الأخيرة.
لقد تطوَّرت نظرية الأعداد منذ زمن فيرما وأويلر. وكذلك تطوُّر الجبر؛ حيث تحول التركيز من التمثيل الرمزي للأعداد المجهولة إلى الخصائص العامة للأنظمة الرمزية المعرَّفة بقواعد محددة. يتداخل هذان المجالان البحثيان بشكل كبير. وقد ظهرت بعض الأفكار الرائعة عن الشفرات السرية من مزيج من فرعين متخصصين من الجبر ونظرية الأعداد، وهما: الحقول المنتهية والمنحنيات الإهليلجية. ولفهم ما ينطوي عليه الأمر، نحتاج أولًا إلى معرفة ماهية هذين الأمرين.
•••
تبيَّن أن الميزة هي أن مجموعة أصغر تؤدي إلى تشفيرٍ آمن تمامًا مثل شفرة آر إس إيه قائمة على أعداد أولية عددها أكبر بكثير. لذا فإن شفرة قائمة على منحنًى إهليلجي تكون أكثر كفاءة. فسيكون تشفير رسالة، وفك تشفيرها بشرط أن تعرف المفتاح السري، أمرًا أكثر سرعة وبساطة. أما اختراق الشفرة إذا كنت لا تعرف المفتاح هو أمر شديد الصعوبة. في عام ٢٠٠٥، أوصت وكالة الأمن القومي الأمريكية بأن تنتقل الأبحاث في علم التشفير القائم على المفتاح العام إلى المجال الجديد الخاص بالمنحنيات الإهليلجية.
وكما هو الحال بالنسبة إلى نظام تشفير آر إس إيه، لا يوجد دليل قوي على أن نظام التشفير القائم على المنحنى الإهليلجي آمن. إذ إن نطاق الهجمات المحتملة مشابه لذلك الخاص بنظام آر إس إيه.
هناك الكثير من الاهتمام في الوقت الحالي بالعُملات المشفرة، وهي أنظمة نقدية لا تخضع لسيطرة البنوك التقليدية، على الرغم من أن اهتمام البنوك بها أصبح متزايدًا أيضًا. فالبنوك منتبهة دائمًا لأي طريقة جديدة لكسب المال. إن العُملة المشفَّرة الأكثر شهرة هي البيتكوين. ويجري التأكد من أمان عملات البيتكوين من خلال تقنية تُسمَّى سلسلة الكُتَل (البلوك تشين)، وهي عبارة عن سجل مشفَّر لجميع المعاملات ذات الصلة بتلك «العملة» على وجه التحديد. تُنشَأ عملات البيتكوين الجديدة عن طريق «التَّعدين»، وهو ما يعني بشكل أساسي إجراء عدد كبير من العمليات الحسابية التي لا طائل من ورائها في غير ذلك. يستهلك تعدين البيتكوين كميات هائلة من الكهرباء دون أي غرض مفيد، باستثناء إثراء عدد قليل من الأفراد. في أيسلندا، حيث الكهرباء رخيصة جدًّا بفضل التوليد الحراري من البخار تحت الأرضي، يستخدم تعدين البيتكوين كهرباء أكثر من جميع المنازل مجتمعة. من الصعب أن ترى كيف يساعد هذا النشاط في مكافحة الاحتباس الحراري وأزمة المناخ، ولكن هذا هو الحال.
يوضح هذا الأعدادَ الصحيحة العملاقة المتضمنة في التطبيقات العملية لنظام التشفير القائم على المنحنى الإهليلجي.
•••
لقد قلت عدة مرات إن أمن نظام تشفير آر إس إيه يعتمد على الافتراض غير المثبت بأن التحليل إلى العوامل الأولية صعب. حتى لو كان هذا صحيحًا، ومن المحتمل جدًّا أنه كذلك، فقد تكون هناك طرقٌ أخرى لخرق أمن الشفرة، وينطبق الشيء نفسه على جميع أنظمة تشفير المفتاح العام الكلاسيكية. إحدى الطرق المحتملة لحدوث ذلك هي إذا ابتكر شخص ما جهاز كمبيوتر أسرع بكثير من أي جهاز متوفر حاليًّا. واليوم، يلوح في الأفق هذا النوع الجديد من التهديد الأمني والمتمثل في الكمبيوتر الكمِّي.
إن أي نظام فيزيائي كلاسيكي يوجد في حالةٍ ما. فالعُملة المعدنية على الطاولة هي إما نقش أو كتابة. والمفتاح إما في وضع التشغيل أو الإيقاف. والرقم الثنائي (أو «البت») في ذاكرة الكمبيوتر هو إما ٠ أو ١. أما الأنظمة الكمية فليست كذلك. إن العنصر الكمي عبارة عن موجة، ويمكن أن تتجمع الموجات بعضها فوق بعض، وهو ما يُسمَّى تقنيًّا بالتراكُب. وحالة التراكب هي مزيج من حالات المكونات. تُعد حالة قطة شرودنجر الشهيرة (وفي الواقع، السيئة السمعة) مثالًا حيًّا: من خلال بعض الحيل مع ذرَّة مُشعَّة وقارورة غاز سامٍّ، جنبًا إلى جنب مع قطة في صندوق غير منفذ، يمكن أن تكون الحالة الكمية للحيوان البائس تراكبًا من حالة «الحياة» وحالة «الموت». إن أي قطة كلاسيكية هي إما حية أو ميتة، ولكن يمكن أن تصبح القطة الكَمِّية في كلتا الحالتين في الوقت نفسه.
إلى أن تفتح الصندوق.
وعندئذٍ «تنهارُ» الدالة المَوجِيَّة للقطة إلى حالة واحدة فقط من الحالتين الكلاسيكيتين. فهي إما أنها حية أو ميتة. الفضول (فتح الصندوق) قتل القطة. أو لا.
من حيث المبدأ.
في ثمانينيات القرن الماضي، اقترح بول بينيوف نموذجًا كميًّا لآلة تورينج، وهي الصيغة النظرية للحوسبة الكلاسيكية. بعد فترة وجيزة، أشار الفيزيائي ريتشارد فاينمان وعالم الرياضيات يوري مانين إلى أن الكمبيوتر الكمي قد يكون قادرًا على إجراء عدد ضخم من العمليات الحسابية بالتوازي. وحدث تقدم كبير في الجانب النظري في عام ١٩٩٤ عندما ابتكر بيتر شور خوارزمية كمية سريعة جدًّا لتحليل الأعداد الكبيرة إلى عواملها الأولية. يوضح هذا أن نظام التشفير آر إس إيه قد يكون عُرضةً للهجوم من قِبل عدو باستخدام جهاز كمبيوتر كمي، ولكن الأهم من ذلك أنه يوضح أن الخوارزمية الكمية يمكن أن تتفوق بشكل كبير على الخوارزمية التقليدية في مسألة معقولة وغير مصطَنَعة.
من الناحية العملية، فإن العوائق التي تحول دون بناء جهاز كمبيوتر كمي عملي ضخمة. فالاضطرابات الصغيرة من المصادر الخارجية، أو حتى مجرد اهتزاز الجزيئات الذي نُسميه الحرارة، تتسبب في «فك ترابط» الحالة المتراكبة، أي التفكك بسرعة كبيرة. وللتخفيف من هذه المشكلة، في الوقت الحاضر يجب تبريد الجهاز إلى ما يقرب جدًّا من الصفر المطلق، –٢٧٣ درجة مئوية، الأمر الذي يتطلب إمدادات من الهيليوم−٣، وهو منتج ثانوي نادر للتفاعلات النووية. حتى هذا لا يمكن أن يمنع حدوث فك الترابط؛ إنه فقط يقلل من سرعته. لذلك يجب دعم كل عملية حسابية بنظام تصحيح أخطاء يكتشف الاضطراب من المصادر الخارجية، ويعيد حالات الكيوبت إلى حيث يجب أن تكون. تخبرنا «مبرهَنَة العتبة الكمية» أن هذه التقنية تعمل بشرط أن تتمكن من تصحيح الأخطاء على نحوٍ أسرع من تكوينها بسبب فك الترابط. وكتقدير تقريبي، يجب أن يكون معدل الخطأ لكل بوابة منطقية واحدًا في الألف على الأكثر.
•••
أثناء حدوث ذلك، زاد الباحثون بشكل كبير من طول المدة الزمنية التي يمكن أن تستمر فيها الحالة الكمية، قبل فك الترابط. في عام ٢٠٠٨، خُزِّن كيوبت لأكثر من ثانية في نواة ذرية. وبحلول عام ٢٠١٥ أصبح زمن الاحتفاظ بالحالة ست ساعات. والمقارنة بين هذين الزمنين صعبة؛ لأن الأجهزة المختلفة تستخدم طرقًا كمية مختلفة، لكن التقدم كان مثيرًا للإعجاب. في عام ٢٠١١، أعلنت شركة دي–ويف أنها صنعت جهاز كمبيوتر كميًّا متاحًا للاستخدام التجاري، وأطلقت عليه اسم «دي-ويف وان»، وكان مزوَّدًا بمُعالج ١٢٨ كيوبتًا. وبحلول عام ٢٠١٥، زعمت الشركة أنها تجاوزت ١٠٠٠ كيوبت.
كانت الاستجابة المبكرة لادعاءات شركة دي-ويف متشكِّكة. إذ إن معمارية الجهاز كانت غير عادية، وتساءل البعض عما إذا كان جهازَ كمبيوتر كميًّا حقيقيًّا أم أنه جهاز كمبيوتر كلاسيكي فائق يستخدم أدوات ذات صلة بالكم. في الاختبارات، تفوق في الأداء على أجهزة الكمبيوتر المعتادة في مهام مفيدة، لكنه صُمِّم خصوصًا لتلك المهام، في حين أن أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية التي كانت تتنافس معه لم تكن كذلك. يبدو أن مزاياه تختفي عند المقارنة مع الأجهزة الكلاسيكية التي صُمِّمت خصوصًا لنفس المهام المصمم هو من أجلها. ويستمر الجدل، ولكن أجهزة شركة دي-ويف قيد الاستخدام وتعمل بشكل جيد.
جرى تحدي هذا الزعم على الفور لسببين. كان أحدهما أن حل المشكلة يمكن أن يتم على الأرجح في وقت أقصر بواسطة كمبيوتر كلاسيكي. وكان الآخر هو أن المسألة التي حلها «سيكامور» كانت مفتعَلَة إلى حد ما: أخذ عينات من مخرج دائرة كمية شبه عشوائية. يربط تخطيط الدائرة المكونات على نحوٍ عشوائي، والهدف هو حساب التوزيع الاحتمالي لعينة من المخرجات الممكنة. تبيَّن أن بعض المخرجات أكثر احتمالية بكثير من غيرها، لذا فإن هذا التوزيع غير منتظم ومعقد للغاية. يزداد الحساب الكلاسيكي بشكل أُسِّي مع عدد الكيوبت. ومع ذلك، نجح الفريق في هدفه الأساسي، وهو إظهار أنه لا توجد عقبة عملية أمام صنع كمبيوتر كمي يمكنه التغلب على الأجهزة الكلاسيكية في «شيءٍ ما».
إن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن على الفور هو: كيف نعرف ما إذا كان الحل صحيحًا أم لا؟ لا يمكننا الانتظار ١٠ آلاف عام حتى يتمكن الكمبيوتر الكلاسيكي من حل المسألة، ولا يمكننا ببساطة تصديق النتيجة دون التحقُّق منها. لذا عالج الفريق هذا باستخدام طريقة تُسمَّى تقييم الأنتروبيا المتقاطعة، التي تقارن احتمالات سلاسل بت محددة مع أخرى نظرية محسوبة على جهاز كمبيوتر كلاسيكي. يوفر هذا مقياسًا لمدى احتمالية أن تكون النتيجة صحيحة؛ كان الاستنتاج هو أن الحل دقيق في حدود ٠٫٢٪ هامش خطأ مع احتمالية يقين مرتفعة جدًّا («خمسة سيجما»).
على الرغم من كل هذا التقدم، يعتقد معظم الخبراء أن الكمبيوتر الكمي العملي لا يزال بعيد المنال. وبعضهم يظل غير مقتنع بإمكانية صنعه على الإطلاق. وقد كتب الفيزيائي ميخائيل دياكونوف يقول:
قد يكون دياكونوف على حق، لكن البعض الآخر يختلف معه. في كلتا الحالتين، فإن مجرد احتمال أن يقوم أحد — ربما فريق بحثي ضخم تموله حكومة أو شركة كبرى — بصناعة جهاز كمبيوتر كمي يكفي لأن تُداهم الكوابيس أجهزة المخابرات والصناعات المالية الخاصة بالعديد من الدول. وستصبح قوات العدو قادرة على فك تشفير الرسائل العسكرية؛ وسيتمكن المجرمون من تدمير التجارة والخدمات المصرفية عبر الإنترنت. لذلك وجه المنظِّرون انتباههم إلى الشكل الذي سيبدو عليه التشفير في عالم ما بعد الكم، في محاولة للاستعداد لأي طارئ والحفاظ على أمن الاتصالات.
الخبر السار هو أن ما يمكن للكمبيوتر الكمي اختراقه يمكن له أيضًا أن يجعله غير قابل للاختراق. يتطلب هذا أساليب تشفير جديدة، باستخدام الحَوسَبة الكمية لإنشاء شفرات جديدة لا يمكن حتى للكمبيوتر الكمي اختراقها. قد يستلزم ذلك طريقة جديدة للتفكير في الجوانب الرياضية المتضمَّنة في هذا الأمر. وهناك ميزة مثيرة للاهتمام هي أن الكثير منها لا يزال يستخدم نظرية الأعداد، على الرغم من كونها أكثر حداثة من تلك التي وضع أساسها فيرما.
إن تحديد نقاط الضعف أمر جيد للغاية، لكن السؤال الكبير هو: ما الذي يجب القيام به للحماية منها؟ يتطلب هذا أساليب تشفير جديدة تمامًا. والفكرة العامة هي نفسها دائمًا: وضع طريقة التشفير بِناءً على مسائل رياضية صعبة مع باب خلفي سهل من نوع ما. ولكن الآن تعني كلمة «صعبة» أنها «صعبة على الكمبيوتر الكمي». في الوقت الحالي، جرى تحديد أربع فئات رئيسية من المسائل من هذا النوع:
-
شفرات تصحيح أخطاء عشوائية خطية
-
حل أنظمة المعادلات غير الخطية في حقول منتهية ضخمة
-
إيجاد متجهات قصيرة في شبكات عالية الأبعاد
-
إيجاد مسارات بين الرءوس العشوائية للرسوم البيانية التي تبدو عشوائية
دعونا نلقِ نظرة سريعة على الفئة الرابعة، والتي تتضمن أحدث الأفكار وبعض الجوانب الرياضية المتقدمة جدًّا.
كل هذه الأمور تقنية للغاية. لا أتوقع منك أن تفهم التفاصيل وأنا لم أخبرك بمعظمها. لكنني آملُ أن يصلك مقصدي وهو أن الرياضيات المتقدمة والمجردة جدًّا، ذات الصلة بالهندسة الجبرية والحقول المنتهية، ربما هي فقط ما نحتاجه لحماية اتصالاتنا الشخصية والتجارية والعسكرية من المتنصتين المسلحين بأجهزة كمبيوتر كمية هي حاليًّا افتراضية، ولكن من المحتمل قريبًا أن تصبح حقيقة واقعة.
لقد أصبحت نظرية الأعداد المحبوبة لدى هاردي أكثر فائدة بكثير مما كان يُتصوَّر. لكن بعض تطبيقات اليوم كانت ستصيبه بخيبة أمل. لذا، ربما يجب أن نعتذر له.