فعالية التحويلات الرياضية
إن الطريقة التي توصَّل بها المؤلف إلى هذه المعادلات ليست خالية من المشاكل، وتحليله من أجل تكاملها ينقصه الكثير على مقياس العمومية، وحتى الدقة.
في الوقت الحاضر، غالبًا ما تتضمن زيارة المستشفى إجراء فحص إشعاعي. وهناك أنواع عديدة من الفحوص في هذا الشأن: التصوير بالرنين المغناطيسي، والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، والتصوير بالموجات فوق الصوتية، وغير ذلك. بعضها يعرِض صورًا متحركة في الوقت الفعلي، والبعض الآخر يستخدم حيل الكمبيوتر (أي، الرياضيات) لتوفير صور ثلاثية الأبعاد. الميزة الأكثر أهمية لهذه الأعاجيب التكنولوجية هي أنها تعرض صورًا لما يحدث «داخل» جسمك. ومنذ وقت ليس ببعيد، كان سيُعَد ذلك من قبيل السحر. وهو لا يزال يبدو كذلك.
في العصور القديمة، وهو ما يعني في هذه الحالة أيَّ وقت قبل عام ١٨٩٥، كان على الأطباء استخدام حواسهم للتحقُّق مما كان يؤلم مرضاهم. فيمكنهم لمس الجسم للحصول على فكرة عن شكل بعض الأعضاء الداخلية وحجمها وموقعها، كما يمكنهم الاستماع إلى نبضات القلب والشعور بالنبض، ويمكنهم تقييم درجة الحرارة وشمُّ السوائل الجسدية ولمسها وتذوقها. لكن الطريقة الوحيدة التي تمكنهم من اكتشاف ما يبدو عليه بالفعل جسم الإنسان من الداخل هي شقُّ الجلد. في بعض الأحيان لم يكُن بإمكانهم فعل ذلك حتى، لأن السلطات الدينية غالبًا ما كانت تمنعه، على الرغم من أنه كان شائعًا جدًّا في ساحة المعركة، ولكن ليس لأي غرض طبي. غالبًا ما كانت توافق تلك السلطات نفسها على هذا النوع من التدخل، بشرط أن يُستخدم ضد الأشخاص ذوي المعتقدات المختلفة.
ثم بدأت حقبة جديدة في ٢٢ ديسمبر ١٨٩٥، عندما صوَّر بروفيسور الفيزياء الألماني فيلهلم رنتجن يدَ زوجته، وحصل على صورة تُظهر عظام أصابعها. كانت الصورة بالأبيض والأسود، مثل تقريبًا جميع الصور في ذلك الوقت، وكانت غير واضحة إلى حدٍّ ما، لكن القدرة على النظر داخل جسم كائن حيٍّ كان أمرًا غير مسبوق. لم تُعجب الزوجة بالأمر. فعند رؤيتها صورة جزء من هيكلها العظمي، قالت: «لقد رأيت موتي.»
كان اكتشاف رنتجن محضَ صدفة. في عام ١٧٨٥ أجرى خبير أكتواري يُدعَى ويليام مورجان بعض التجارب التي مرر خلالها تيارًا كهربائيًّا من خلال فراغ جزئي في أنبوب زجاجي. أنتج هذا وَهجًا خافتًا، يمكن رؤيته على نحو أفضل في الظلام، وقدَّم نتائجه إلى جمعية لندن الملكية. وبحلول عام ١٨٦٩، لاحظ الفيزيائيون الذين كانوا يُجرون تجارب في مجال أنابيب التفريغ، الذي أصبح مألوفًا حينها، نوعًا جديدًا غريبًا من الإشعاع، يُطلق عليه أشعَّة الكاثود لأنها كانت تنبعث من الكاثود (القطب السالب) الخاص بالأنبوب. في عام ١٨٩٣ نشر فرناندو سانفورد، بروفيسور الفيزياء، مقالًا عن «التصوير الكهربائي». لقد صنع أنبوبًا به صفيحةٌ رقيقة من الألومنيوم في أحد طرفيه، وثقب فيه ثَقبًا. وعندما كان يُمرر التيار، كان يمر ما كان يسبب الوهج الخافت عبر الثَّقب، ويصطدم بلوحٍ فوتوغرافي، ويعيد إنتاج شكل الثقب. وقد نُشرت أخبار عن اكتشافه في الصحافة؛ فكان العنوان الرئيسي لصحيفة «سان فرانسيسكو إجزامينر»: «دون عدسة أو ضوء، التُقطت صور بلوح وجسم في الظلام». كان الأمر رائعًا ومُحيِّرًا وغير مجدٍ على ما يبدو، لكنه أثار اهتمام الفيزيائيين واستمروا في محاولة فهم ما كان يحدث.
أدرك رنتجن أن الوهج الغريب كان شكلًا من أشكال الإشعاع، الذي يشبه الضوء ولكنه غير مرئي. أطلق عليه اسم «أشعة إكس»؛ حيث، وفق المتعارف عليه آنذاك، كانت تشير كلمة «إكس» إلى أن طبيعتها غير معروفة. على ما يبدو — لا يمكننا أن نكون متأكدين لأن دفاتر ملاحظاته لم تصل إلينا — لقد اكتشف بالصدفة أن هذه الأشعة يمكن أن تمر عبر لوح من الورق المقوَّى. جعله هذا على الفور يتساءل عما يمكن أن تمر عبره أيضًا. ليس صفيحة رقيقة من الألومنيوم، على ما يبدو، حيث ظهر الثقب فقط في الصورة. كتب، أجل؛ أوراق علمية، أجل؛ يد زوجته، نعم. منحتنا أشعة إكس نافذة غير مسبوقة حول ما يدور داخل جسم الإنسان الحي. وأدرك رنتجن على الفور إمكاناتها الطبيَّة، وسارعت وسائل الإعلام في الترويج لها. وفي عام ١٨٩٦، نشرت دورية «ساينس» ٢٣ بحثًا عن أشعة إكس، التي أصبحت موضوعَ أكثر من ألف مقالة علمية في ذلك العام.
سُرعان ما اتَّضح أنه على الرغم من أن أشعة إكس لا تسبب ضررًا واضحًا، فإن التعرُّض المتكرر أو طويل الأمد لها قد يؤدي إلى حروقٍ بالجلد وتساقط الشعر. في إحدى هذه الحالات، أُحضر طفل أصيب برصاصة في رأسه إلى مختبر في جامعة فاندربيلت، وأجرى جون دانيال تصويرًا بأشعة إكس له، وظل الطفل معرضًا لها لمدة ساعة كاملة. بعد ثلاثة أسابيع، لاحظ وجود بقعة صلعاء في رأس الطفل في المكان الذي وضع عليه أنبوب أشعة إكس. وعلى الرغم من هذه الأدلة، ظل العديد من الأطباء مقتنعين بأن أشعة إكس آمنة، وأرجعوا وقوع مثل هذا الضرر إلى التعرُّض للأشعة فوق البنفسجية أو غاز الأوزون، إلى أن توفيت اختصاصية التصوير بالأشعة الأمريكية إليزابيث فلايشمان بسبب المضاعفات الناجمة عن التعرض لأشعة إكس في عام ١٩٠٥. ومن ثَم استمرت الاستخدامات الطبية لتلك الأشعة، ولكن بحذر أكبر، وخفَّضت ألواح التصوير ذات الجودة الأعلى من وقت التعرض. ونحن ندرك اليوم أنه مهما كانت أشعة إكس مفيدة، فيجب أن تبقى جرعة التعرُّض الإشعاعي الإجمالية لها عند الحد الأدنى المطلَق. لكن استغرق إدراك ذلك مدة. ففي الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كان عمري نحو عشر سنوات، أتذكر متاجر الأحذية التي كان لديها جهاز أشعة إكس، التي تتيح لك تجربة الأحذية ومعرفة مدى ملاءمتها لشكل قدميك.
شابَ صورَ أشعة إكس عددٌ من العيوب. كانت بالأسود والأبيض؛ أي مناطق سوداء لم تخترقها الأشعة، وأخرى بيضاء اخترقتها الأشعة، وظلال رمادية بينهما. أو، بشكل أكثر شيوعًا، كان يتم إنشاء العكس؛ إذ من الأسهل صنع صورة فوتوغرافية سالبة. حيث كانت تُظهر العظام بوضوح، وكانت الأنسجة الرخوة غير مرئية إلى حد كبير. لكن الصعوبة الأهم كانت أن الصورة ثنائية الأبعاد. في الواقع، لقد سطحت التخطيط الداخلي، وصنعت تراكُبًا لصور جميع الأعضاء بين مصدر أشعة إكس ولوح التصوير. بالطبع، كان بالإمكان محاولة التقاط المزيد من صور أشعة إكس من اتجاهات أخرى، لكن تفسير النتائج كان يتطلب مهارة وخبرة، والصور الإضافية كانت تزيد من جرعة الإشعاع.
ألم يكن من الأفضل لو أن هناك طريقةً ما لتصوير داخل الجسم باستخدام ثلاثة أبعاد؟
•••
بالصدفة، كان قد قام علماء الرياضيات بالفعل ببعض الاكتشافات الأساسية حول هذا السؤال بالتحديد، موضحين أنه إذا التُقط الكثير من الصور «المسطحة» ثنائية الأبعاد من عدة اتجاهات مختلفة، فيمكنك استنتاج البِنية ثلاثية الأبعاد لمصدر تلك الصور. لكن لم يكن دافعهم هو أشعة إكس والطب. لقد كانوا فقط يتتبعون طريقةً كانت قد ابتكرت في الأساس لحل مشكلات ذات صلة بالموجات وتدفق الحرارة.
تتضمَّن القصة الكاملة مجموعة من العلماء البارزين، من بينهم جاليليو، الذي دحرج كُرات على منحدَر ولاحظ بابتهاج أنماطًا رياضية بسيطة في المسافة التي قطعتها خلال أي زمن محدد؛ ونيوتن، الذي وجد أنماطًا مهمة في حركات الكواكب. وقد استنتج نيوتن كلا النوعين من الأنماط من معادلات رياضية لحركة نظام أجسامٍ يتأثر بقُوًى. وفي كتابه المهم «المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية»، اختار نيوتن شرح أفكاره باستخدام الهندسة الكلاسيكية، لكن صياغتها الرياضية «الأكثر وضوحًا» جاءت من خلال أحد اكتشافاته الأخرى، وهو حساب التفاضل والتكامل، الذي توصَّل إليه أيضًا بشكل منفصل جوتفريد فيلهلم لايبنتس. وبعد إعادة شرحها على هذا النحو، أدرك نيوتن أنه يمكن التعبير عن قوانين الطبيعة الأساسية من خلال المعادلات التفاضلية؛ وهي معادلات تدور حول المعدَّل الذي تتغير به الكميات المهمة عبر الزمن. ومن ثَم فإن السرعة المتجهة هي معدَّل تغير الموضع، والعجلة هي معدل تغير السرعة.
إن أنماط جاليليو تكون في أبسط صورها عند التعبير عنها فيما يتعلق بالعجلة؛ تتحرك الكرة المتدحرجة بعجلة ثابتة. ومن ثَم تزداد سرعتها المتجهة بمعدَّل ثابت، فهي تتزايد خطيًّا. ويتحدد موضعها من السرعة المتجهة المتزايدة على نحو ثابت، مما يعني ضمنيًّا أنها إذا بدأت من السكون عند الزمن صفر، فإن موضعها يتناسب مع «مربع» الزمن المنقضِي. وقد قرَن نيوتن هذه الفكرة بقانون بسيط آخر، وهو أن الجاذبية تتناسب عكسيًّا مع مربع المسافة، واستَنتج أن الكواكب تتحرك في مدارات إهليلجية، موضحًا الاستنتاجات التجريبية السابقة ليوهانس كيبلر.
تحمَّس علماء الرياضيات في أوروبا القارية لهذه الاكتشافات، وطبقوا المعادلات التفاضُلية على مجموعة واسعة من الظواهر الفيزيائية. تخضع موجات الماء والصوت لمعادلة الموجة، بينما للكهرباء والمغناطيسية معادلاتُهما الخاصة أيضًا، تمامًا مثل معادلة الجاذبية. والعديد من هذه المعادلات عبارة عن معادلات تفاضلية «جزئية»، تربط معدَّلات التغيُّر في الفراغ بمعدلات التغير خلال الزمن. وفي عام ١٨١٢، أعلَنت الأكاديمية الفرنسية للعلوم أن المسألة التي ستدور حولها جائزتها السنوية هي تدفق الحرارة. إن الأجسام الساخنة تفقد حرارتها وتبرد، وتتحرك الحرارة عبر المواد الموصلة لها، وهذا هو السبب في أن المِقْبض المعدِني للقِدر يمكن أن يسخن بشدة أثناء طهي محتوياته. وقد أرادت الأكاديمية وصفًا رياضيًّا لكيفية حدوث ذلك، وبدا أن معادلة تفاضُلية جزئية ستصبح وصفًا معقولًا؛ لأن توزيع الحرارة يتغير في كل من الزمن والفراغ.
لقد أرسل جوزيف فورييه إلى الأكاديمية ورقة بحثية حول تدفق الحرارة في عام ١٨٠٧، لكنهم رفضوا نشرها. ومن ثَم ألهم التحدي المتجدد فورييه لتطوير معادلته التفاضلية الجزئية لتدفق الحرارة، وفاز بالجائزة. تنُص «معادلته الحرارية»، في شكل رياضي، على أن الحرارة في موضع معين تتغير خلال الزمن عن طريق الانتشار إلى المناطق المجاورة من الفراغ، مثل قطرة من الحبر على ورق نشَّاف.
بدأت المتاعب عندما حاول فورييه حل معادلته، بادئًا بحالة بسيطة: الحرارة في قضيب معدِني. لقد لاحظ أن هناك حلًّا بسيطًا إذا كان التوزيع الأولي للحرارة يشبه منحنى الجيب أو جيب التمام في حساب المثلثات. ثم لاحظ أنه يمكنه التعامل مع توزيعات أولية أكثر تعقيدًا من خلال الجمع بين الكثير من منحنيات الجيب وجيب التمام. وقد وجد حتى صيغة خاصة بحساب التفاضل والتكامل، تصف بالضبط مقدار مساهمة كل حد: ضرب صيغة التوزيع الأولي للحرارة في الجيب أو جيب التمام ذي الصلة، ثم القيام بعملية تكامل للناتج. قاده هذا إلى تقديم زعمٍ جريء، وهو أن صيغته، التي تُسمى الآن متسلسلة فورييه، تحل مشكلة أي توزيع أوَّلي للحرارة أيًّا كان نوعه. على وجه التحديد، زَعَم أنها تصلح من أجل التوزيع المتقطع للحرارة، مثل الموجة المربعة: أي، درجة حرارة ثابتةٍ ما عبر نصف القضيب، ودرجة حرارة أخرى مختلفة عبر النصف الآخر.
هذا الزعم أوقعه في وسط نزاع كان قد استمر لعدة عقود. كانت قد ظهرت المشكلة نفسها، في الواقع الصيغة التكامُلية نفسها، بالفعل أثناء بحث أويلر وبرنولي عن معادلة الموجة. وهنا، المثال القياسي هو وَتَر كمان مثالي، وليس من الممكن بدء اهتزاز الوتر بجعله متقطعًا؛ لأنه سينكسر. يشير الحدس الفيزيائي إلى أنه قد تكون هناك مشاكل في تمثيل الدوال المتقطعة، ويدعمه الحدس الرياضي بجعلنا نقلق بشأن «تقارب» المتسلسلة المثلَّثية. وهذا يعني، ما إذا كان جمع عدد لا نهائي من التذبذبات الجيبية منطقيًّا، وإذا كان كذلك، هل يناظر على نحو دقيق الموجة المربعة المتقطعة، أم شيئًا آخر.
دون الرغبة في الانتقاص من قدر فورييه، كان جزء من المشكلة هو أنه كان يفكر كفيزيائي، عندما كان منتقدوه يفكرون مثل علماء الرياضيات. فيزيائيًّا، إن الموجة المربعة منطقية كنموذج للحرارة. والقضيب المعدني يُصوَّر كخط مثالي، وهذه بالضبط الكيفية التي تَصوَّر بها أويلر وبرنولي وتر الكمان. إذا وُزعت الحرارة بشكل منتظم على طول نصف هذا الخط، وبدأ النصف الآخر وهو أكثر برودة، فإن النموذج الطبيعي يكون موجة مربعة.
لم يكن أيٌّ من النموذجين دقيقًا تمامًا باعتباره تمثيلًا للواقع، لكن ميكانيكا ذلك العصر كانت قائمة على الأجسام المثالية، مثل الكتل النقطية، والاصطدامات المرنة تمامًا، والقضبان التامةِ التماسُك والشديدة الرفع، وما إلى ذلك. كانت الموجة المربعة لا تنتمي لهذه المجموعة. علاوة على ذلك، من الناحية الرياضية، يتنبأ حل فورييه بأن الانقطاع ينتهي في الحال عن طريق الانتشار، ليصبح منحنًى حادًّا، ولكنه متصل يصبح مسطحًا ببطء، مما يجعله منطقيًّا على نحوٍ فيزيائي ويزيل الانقطاع الرياضي. لسوء الحظ، كانت هذه الحجج غامضة للغاية بحيث لم تُقنع علماء الرياضيات، الذين كانوا يعلمون أن المتسلسلات اللانهائية يمكن أن تصبح معقدة ومزعجة. وقد توصل مسئولو الأكاديمية إلى حل وسط؛ حيث منحوا فورييه الجائزة، لكنهم لم ينشروا بحثه.
لم يُثبِّط ذلك من عزيمته؛ حيث نشر فورييه عمله في عام ١٨٢٢ بعنوان «النظرية التحليلية للحرارة». بعد ذلك، وليغيظ الجميع حقًّا، تمكن من اعتلاء منصب سكرتير الأكاديمية، ونشر على الفور بحثه الأصلي الحائز للجائزة، دون تغيير، في دورية الأكاديمية. يا له من رد بارع!
لقد استغرق الأمر قرابة قرن لحل المشكلات الرياضية التي أثارتها مزاعم فورييه. بشكل عام، كان محقًّا في الكثير من الأمور، لكنه كان مخطئًا في العديد من الأشياء المهمة. لقد نجحت طريقته في الواقع مع الموجة المربعة، مع إضافة أو حذف بعض التعديلات الدقيقة حول ما حدث بالضبط عند الانقطاع. لكن صيغته بالتأكيد لم تنجح مع التوزيعات الأولية الأكثر تعقيدًا. ثم جاء الفَهم الكامل فقط بعد أن طور علماء الرياضيات مفهومًا أكثر عمومية عن التكامل، جنبًا إلى جنب مع المفاهيم الطوبولوجية التي تُصاغ على أفضل نحوٍ فيما يتعلق بنظرية المجموعات.
قبل وقت طويل من فهم المجتمع الرياضي في النهاية لعمل فورييه، تحمَّس المهندسون للفكرة الأساسية وتبنَّوها. لقد أدركوا أن جوهر عمله كان تحويلًا رياضيًّا، يُسمَّى الآن «تحويل فورييه»؛ حيث يمكن إعادة تفسير أي إشارة معقَّدة تتغير بمرور الوقت على أنها مزيج من الإشارات البسيطة ذات الترددات المختلفة. وتخبرنا صيغة فورييه التكامُلية عن كيفية تغيير وجهة نظرنا من نطاق الزمن إلى نطاق التردد، والعودة مرة أخرى لنطاق الزمن، وهي العملية التي، على نحو ملحوظ، تستخدم الصيغة نفسها تقريبًا، مما يؤدي إلى إنشاء «ثنائية» بين التمثيلَين.
تعني هذه الثنائية أنه يمكنك عكس التحويل، واستعادة الإشارة الأصلية من التردُّدات التي تصنعها، مثل قلب عملة معدنية ثم إعادتها مرة أخرى. ميزة هذا الإجراء لعمل المهندسين هي أن بعض الميزات التي يصعب اكتشافها في نطاق الزمن تصبح واضحة في نطاق التردد. يمكن أن يعمل الأمر بالطريقة العكسية، أيضًا، لذلك لديك طريقتان مختلفتان تمامًا لتحليل البيانات نفسها، وكلُّ منهما يُبرز، بشكل طبيعي، ميزاتٍ معينة تفتقدها الأخرى.
على سبيل المثال، تبدو استجابة مبنًى شاهق للزلازل عشوائية وفوضوية في نطاق الزمن. لكن في نطاق التردد، قد نرى عدة ارتفاعات كبيرة عند ترددات محددة. وتكشف هذه عن الترددات الرنَّانة التي يستجيب بها المبنى بشدة للزلزال. ولتصميم المبنى، بحيث لا يسقط في حالة وقوع زلزال، نحتاج إلى كبتِ تلك الترددات المحددة. والحل العملي المستخدم في بعض المباني هو تأسيس الصرح بأكمله على قاعدة خَرَسانية، موضوعة بعمق في الأساسات، التي يمكن أن تتحرك بشكل جانبي. ثم يمكننا «خمد» هذه الحركة الجانبية بربطها بأوزان أو زُنبُركات ضخمة.
وهناك تطبيق آخر يتعلق باكتشاف فرانسيس كريك وجيمس واتسون لبنية الحمض النووي. إن أحد الأدلة الرئيسية التي تؤكد أنهما كانا على حق هو صورة حيود أشعة إكس لبِلَّورة من الحمض النووي. تتمثل هذه التقنية في تمرير شعاع من أشعة إكس عبر البِلَّورة، مما يتسبب في ثني الأشعة وارتدادها، وهو سلوك يُسمَّى الحيود. تميل الموجات إلى التجمع بزوايا معينة، يحكمها قانون الحيود الخاص بلورانس وويليام براج، وما يظهر في الصورة هو ترتيب هندسي معقَّد من النقاط. نمط الحيود هذا هو في الأساس نوع من تحويل فورييه لمواضع الذرات في جُزَيء الحمض النووي. وبتطبيق التحويل العكسي (وهي عملية حسابية معقَّدة تتم على الكمبيوتر، وقد أصبحت أسهل بكثير الآن مما كانت عليه في ذلك الوقت) يمكنك استنتاج شكل الجزيء. كما قلت، يجعل التحويل أحيانًا السمات التركيبية واضحة عندما يصعب تحديدها في الأصل. في هذه الحالة، اتَّضح، على الفور، لكريك وواتسون من خلال تجربتهم مع صور حيود أشعة إكس الأخرى، دون حساب التحويل العكسي، أن الجزيء كان أشبه بالحلزون. ولقد طوَّرت أفكار أخرى هذه الرؤية، مما أدى إلى التوصل إلى الشكل الحلزوني المزدوج الشهير، الذي جرى تأكيده لاحقًا باستخدام تحويل فورييه.
هذان مجرد مثالين على التطبيقات العملية لتحويل فورييه والنماذج الرياضية العديدة المشابهة. وتشمل التطبيقات الأخرى تحسين الاستقبال اللاسلكي، وإزالة التشويش الناتج عن الخدوش الموجودة في أقراص الفونوغراف القديمة، وتحسين أداء وحساسية أنظمة السونار التي تستخدمها الغواصات، والقضاء على الاهتزازات غير المرغوب فيها في السيارات في مرحلة التصميم.
كل ذلك، كما ستلاحظ، ليس له علاقة بتدفق الحرارة. إنها الفعالية اللامعقولة للرياضيات. ما يهم ليس التفسير المادي للمسألة — على الرغم من أن ذلك ربما يكون قد أثَّر على العمل الأصلي — ولكن بِنْيَتها الرياضية. تنطبق الأساليب نفسها على أي مسألة لها البنية نفسها، أو بنية مماثلة، ومن هنا تأتي صلة أجهزة الأشعة بالأمر.
لقد أصبح علماء الرياضيات أيضًا مفتونين بتحويل فورييه، وأعادوا صياغته بلُغة الدوال. الدالة هي قاعدة رياضية لتحويل عدد إلى عدد آخر، مثل «تربيع العدد» أو «تحديد جذره التكعيبي». وهذا يشمل جميع الدوال التقليدية مثل كثيرات الحدود، والجذور، والدوال الأُسِّية، واللوغاريتمات، والدوال المثلثية: الجيب، وجيب التمام، والظل، وما إلى ذلك، ولكن يمكن أيضًا أن تُنشأ «قواعد» أكثر تعقيدًا لا يُعبَّر عنها كصيغ، مثل الموجة المربعة التي تسببت في عناء كبير لفورييه.
من وجهة النظر هذه، يأخذ تحويل فورييه دالة من نوع ما (الإشارة الأصلية) ويحولها إلى دالة أخرى من نوع مختلف (قائمة الترددات). هناك أيضًا تحويل عكسي، وهو يُلغي تأثير التحويل الأول. إن مفهوم الثنائية، الذي يرى أن التحويل العكسي يكاد يكون مماثلًا للتحويل نفسه، هو ميزة إضافية. فالسياق الصحيح هو فراغات دوال ذات خصائص محددة: فراغات الدوال. وفراغات هيلبرت المستخدمة في نظرية الكم (ارجع للفصل السادس) هي فراغات دوال؛ حيث تكون قيم الدالة أعدادًا مركبة، وترتبط مبادئها الرياضية ارتباطًا وثيقًا بتلك الخاصة بتحويل فورييه.
يميل جميع علماء الرياضيات المهتمين بالجانب البحثي للاستجابة بشكل معيَّن على نحوٍ تلقائي عند مصادفة فكرة جديدة. فعند توصل شخص ما إلى فكرة جديدة ذات سمات رائعة ومفيدة، يبدءون فورًا في التساؤل عما إذا كانت هناك أفكار أخرى مشابهة تستغل الحيلة نفسها في ظروف مختلفة. هل هناك تحويلات أخرى مثل تحويل فورييه؟ هل هناك ثنائيات أخرى؟ وقد تابع علماء الرياضيات البحتة مثل هذه الأسئلة بطريقتهم المجردة والعامة، في حين أن نظراءهم المهتمين بالجانب التطبيقي (وكذلك المهندسون والفيزيائيون والكثيرون غيرهم) بدءوا في التساؤل عن كيفية استخدام كل هذه الأشياء. في هذه الحالة، أدت حيلة فورييه الذكية إلى إطلاق مجال كامل من التحويلات والثنائيات، لم تسبر أغواره بالكامل حتى اليوم.
•••
مهَّد أحد هذه التطبيقات المتنوعة التي استفادت من فكرة فورييه الطريقَ لظهور أجهزة الأشعة الطبية الحديثة. كان مخترعه هو يوهان رادون. لقد وُلِد رادون عام ١٨٨٧ في مدينة تيتشن، ببوهيميا، وهي منطقة تقع بين النمسا والمجر، وقد أصبحت المدينة تُسمى الآن ديتشين وتتبع جمهورية التشيك. وكان، بكل المقاييس، ودودًا، وحسَنَ المظهر، وهادئًا، ومحبًّا للعلم. ومع ذلك، لم يكن خجولًا بشكل خاص، ولم تكن لديه مشكلة في التواصل الاجتماعي. ومثل العديد من الأكاديميين والمهنيين، كان يحب الموسيقى، وقبل الراديو والتليفزيون غالبًا ما كان الناس يجتمعون في منازلهم للترفيه بعضهم عن بعض. وكان رادون يعزف على الكمان بشكل جيد للغاية، وكان مُغنيًا بارعًا. وكعالم رياضيات، عمل في البداية على حساب تفاضل وتكامل المتغيرات، وهو موضوع رسالة الدكتوراه الخاصة به، الذي أدى بشكل طبيعي إلى مجال التحليل الدالي الجديد والسريع النُّمو. هذا المجال، الذي بدأه علماء الرياضيات البولنديون بقيادة ستيفان باناخ، أعاد تفسير الأفكار الرئيسية للتحليل الكلاسيكي من حيثُ فراغات الدوال اللانهائية الأبعاد.
في بدايات مجال التحليل، ركز علماء الرياضيات على حساب أشياء، مثل مشتقة الدالة، ومعدل تغيُّرها، وتكاملها، وهو المنطقة الواقعة أسفل الرسم البياني الخاص بها. ومع تقدم المجال، أصبح الاهتمام مركَّزًا على الخصائص العامة لعمليات التفاضل والتكامل، وكيف تتعامل مع مجموعات الدوال. إذا جمعنا دالَّتين معًا، ماذا سيحدث لتكامُلَيهما؟ وبرزت بعض السمات الخاصة للدوال: هل هي متصلة (دون قفزات)؟ هل هي قابلة للتفاضُل (تتغير بسلاسة)؟ قابلة للتكامل (هل حساب المساحة ممكن)؟ كيف ترتبط هذه الخصائص؟ كيف تعمل جميعها إذا أخذنا نهاية متتالية من الدوال، أو مجموع متسلسلة غير منتهية؟ ما نوع النهاية أو المجموع؟
لقد صاغ باناخ وزملاؤه هذه الأمور الأكثر عمومية باستخدام «الداليات». فكما تحوِّل الدالة عددًا إلى آخر، فإن الدالية تحول دالة إلى عدد أو دالة أخرى. الأمثلة هي «التكامل» أو «التفاضل». إحدى الحيل العظيمة التي اكتشفها علماء الرياضيات البولنديون وآخرون هي أننا يمكننا أخذ مبرهَنات حول دوال الأعداد وتحويلها إلى مبرهَنات حول داليات الدوال. قد تكون المبرهَنة الناتجة صحيحة، أو لا؛ تأتي المتعة من تحديد ذلك. اكتسبت الفكرة قبولًا؛ لأن المبرهَنات البسيطة نسبيًّا عن الدوال تحولت على ما يبدو إلى أخرى أعمق بكثير حول الداليات، ولكن غالبًا ما تنطبق البراهين البسيطة نفسها. كانت الحيلة الأخرى هي تجاهل جميع المشكلات التقنية ذات الصلة بكيفية تكامل الصيغ المعقَّدة في الجيوب واللوغاريتمات وما إلى ذلك، وإعادة التفكير في الأساسيات. ما هدف التحليل في الأساس؟ تبيَّن أن السمة الأساسية للتحليل هي تحديد مدى قرب عددين بعضهما من بعض. ويُقاس ذلك من خلال تحديد الفرق بينهما، بأي ترتيب يجعل هذا الفرق موجَبًا. تصبح الدالة متصلة إذا أدت التغيُّرات الصغيرة في العدد المُدخل إلى تغيرات صغيرة في العدد الناتج. ولإيجاد مشتقَّة دالة، نزيد المتغير بمقدار صغير ونلاحظ كيف تتغير الدالة بما يتناسب مع هذا المقدار الصغير. وللقيام بعمليات مماثلة في المستوى التالي، الداليات، نحتاج إلى تحديد ما يعنيه قرب «دالَّتين» بعضهما من بعض. هناك طرق عديدة للقيام بذلك. يمكننا ملاحظة الفرق بين قِيَمهما عند أي نقطة معينة، وجعله صغيرًا (لجميع النقاط). ويمكنك جعل تكامل هذا الفرق صغيرًا. يؤدي كل اختيار إلى «فراغ دوال» مختلف، يحتوي على جميع الدوال بخصائص محددة، ومزوَّدة ﺑ «الدالة المترية» أو «الدالة المعيارية» الخاصة بها. عند المقارنة بين الأعداد والدوال، يلعب فراغ الدوال دور مجموعة الأعداد الحقيقية أو المركبة، والدالية هي قاعدة لتحويل دالة في فراغ دوال ما إلى دالة في فراغ دوال آخر. يعد تحويل فورييه مثالًا مهمًّا بشكل خاص للدالية، التي تحول دالة إلى متتالية من معاملات فورييه. يسير التحويل العكسي في الاتجاه الآخر؛ إذ تتحول متتاليات الأعداد إلى دوال.
من خلال وجهة النظر هذه، دُمجَت أجزاء كبيرة من التحليل الكلاسيكي معًا فجأة لتكون أمثلة على التحليل الدالي. يمكن اعتبار دوال واحد أو أكثر من المتغيرات الحقيقية أو المركبة داليات بسيطة إلى حدٍّ ما في فراغات بسيطة إلى حدٍّ ما؛ مجموعة الأعداد الحقيقية، أو مجموعة الأعداد المركبة، أو الفراغات المتجهية المنتهية الأبعاد التي تشكلت بواسطة متتاليات من هذه الأعداد. إن دالة من ثلاثة متغيرات هي مجرد دالة (دالية) محددة في فراغ كل ثُلاثيات الأعداد الحقيقية. يجري تعريف المزيد من الداليات الخاصة، مثل «التكامل»، في (لنقل) فراغ جميع الدوال المتصلة من الفراغ ثُلاثي الأبعاد إلى الأعداد الحقيقية، مع دالة المسافة «تكامل مربع فرق قِيَم الدالتين ذات الصلة». كان الاختلاف الرئيسي يكمن في الفراغات؛ فالأعداد الحقيقية والفراغ ثلاثي الأبعاد منتهِيَا الأبعاد، لكن فراغ جميع الدوال المتصلة لا منتهي الأبعاد. يشبه التحليل الدالي التحليل العادي تمامًا، ولكنه يتم في فراغ لا منتهي الأبعاد.
تَلاءَم ابتكار مهم آخر ظهر في هذه الفترة بسهولة مع هذه المنظومة، وهو نظرية تكامل جديدة وأكثر عمومية وأكثر قابلية للتعامل معها، وقد قدمها أونري ليبيج، تحت اسم «نظرية القياس». والقياس هو كمية مثل المساحة أو الحجم، تعين عددًا لمجموعة من النقاط في فراغ ما. والتطور الجديد هو أن هذه المجموعة يمكن أن تصبح معقَّدة للغاية، على الرغم من أن بعض المجموعات معقدة للغاية لدرجة أنه حتى مفهوم ليبيج للقياس لا يُمكن أن ينطبق عليها.
إن حساب التفاضل والتكامل للمتغيرات، موضوع الدكتوراه الخاص برادون، يشير على نحو واضح إلى ضرورة استخدام «الداليات» بمجرد أن نلاحظ أنه يهدف لإيجاد دوال (وليس أعدادًا) ذات خصائص مثالية. لذلك كان من الطبيعي أن يوسِّع رادون نطاق دراسته من المجال الكلاسيكي الخاص بحساب التفاضل والتكامل للمتغيرات إلى التحليل الدالي. وقد أثمر ذلك عن نتائج رائعة، وسُميت العديد من الأفكار والمبرهنات المهمة في نظرية القياس والتحليل الدالي باسمه.
من أمثلة ذلك، تحويل رادون، الذي توصل إليه في عام ١٩١٧. من وجهة نظر التحليل الدالي، هو قريب الشبه جدًّا رياضيًّا من تحويل فورييه. يمكننا البدء بصورة في المستوى، يُنظَر إليها على أنها صورة بالأبيض والأسود مع مناطق ذات ظلال رَمادية مختلفة. يمكن تمثيل الظل بعدد حقيقي من ٠ (أسود) إلى ١ (أبيض). يمكنك تسطيح الصورة في أي اتجاه وجمع الأعداد التي تمثل المناطق الفاتحة والداكنة معًا، للحصول على إسقاط للصورة. يتضمن تحويل رادون كل هذه الإسقاطات المسطَّحة في كل الاتجاهات. الفكرة المهمة حقًّا هي التحويل العكسي، الذي يتيح لنا إعادة بناء الصورة الأصلية من هذه الإسقاطات.
بحسب اعتقادي، لقد درس رادون تحويله لأسباب رياضية بحتة. ولم تذكر ورقته البحثية عن التحويل أي تطبيقات؛ أقرب شيء في هذا الإطار هو ذكر موجز لعلاقاته بالفيزياء الرياضية، وتحديدًا نظرية الجهد، التي هي الأرضية المشتركة للكهرباء والمغناطيسية والجاذبية. يبدو أنه ركز أكثر على مجال الرياضيات والتعميمات الممكنة. في أبحاثه اللاحقة استكشف نظيرًا ثلاثي الأبعاد، حيث يُسطِّح توزيع الضوء والظلام في الفراغ في جميع المستويات الممكنة، ووجد صيغة إعادة بناء لهذه العملية أيضًا. في وقت لاحق، وجد آخرون تعميمات لأبعادٍ أعلى. ربما يكون مصدر إلهام رادون هو أشعة إكس، التي تؤدي بالضبط هذا النوع من الإسقاط على توزيع الأعضاء والعظام في جسم الإنسان، وتفسر «الضوء» و«الظلام» على أنهما فروق في العتامة بالنسبة لأشعة إكس. لكن الأمر استغرق قرنًا قبل أن يجد اكتشافه تطبيقًا في الأجهزة التي تكاد تقترب قُدرتها على تصوير الجزء الداخلي من جسم الإنسان من الإعجاز.
•••
تستخدم أجهزة الأشعة المقطعية — التي تُسمى حاليًّا أجهزة الأشعة المقطعية المُحَوسَبة — أشعةَ إكس لإنشاء صور ثلاثية الأبعاد للجزء الداخلي من جسم الإنسان. وتُخزَّن تلك الصور على جهاز كمبيوتر، ويمكن التحكم فيها لإظهار العظام والعضلات، أو لتحديد مواضع الأورام السرطانية. وتُستخدم أنواع أخرى من أجهزة الأشعة، مثل أجهزة الموجات فوق الصوتية، على نطاق واسع أيضًا. كيف يكتشف جهاز الأشعة ما بداخل الجسم دون شقِّه؟ نعلم جميعًا أن أشعة إكس تمر بسهولة عبر الأنسجة الرخوة، في حين أن الأنسجة الأكثر كثافة، مثل العظام، تكون أكثر عتامة بالنسبة إليها. لكن صورة أشعة إكس تُظهر فقط متوسط كثافة الأنسجة عند عرضها من اتجاه ثابت. السؤال الآن: كيف يمكن تحويل هذا إلى صورة ثلاثية الأبعاد؟ يفتتح رادون ورقته البحثية بإخبارنا أنه قد حل هذه المشكلة:
كانت إجابته، تحويل رادون العكسي، هي صيغة تُعيد بناء الترتيب الداخلي للأنسجة — بتعبير أدق، درجة عتامتها بالنسبة لأشعة إكس — من مجموعة الإسقاطات الكاملة في جميع الاتجاهات.
لفهم كيفية يعمل هذا، نصف أولًا ما يمكن أن يلاحظه فحص بالأشعة (إسقاط) مفرد للجسم. يُجرى هذا الفحص في شريحة واحدة ثنائية الأبعاد عبر الجسم. وتُظهر الصورة منظرًا تخطيطيًّا لحزمة أشعة إكس المتوازية التي تمر عبر شريحةٍ واحدة من الجسم تحتوي على العديد من الأعضاء الداخلية التي لها درجات عتامة مختلفة بالنسبة لأشعة إكس. وبينما تمر الحزمة عبر هذه الأعضاء، تختلف شدة الأشعة التي تخرج من الجانب الآخر. كلما كان العضو أكثر عتامة، على طول تلك الحزمة المعينة، انخفضت شدتها. يمكننا إنشاء رسم بياني يوضح كيفية اختلاف الشدة المرصودة حسب موضع الحزمة.
في الواقع، إن صورة واحدة من هذا النوع تسطح توزيع التدرج الرمادي داخل الجسم، على طول اتجاه الأشعة. من الناحية التقنية، هذا إسقاط للتوزيع في هذا الاتجاه. من الواضح إلى حد ما أن إسقاطًا واحدًا من هذا النوع لا يمكن أن يخبرنا بالضبط عن كيفية ترتيب الأعضاء. على سبيل المثال، إذا حركنا العضو الأسود في اتجاه الحزمة، فإن الإسقاط لا يتغير. ومع ذلك، إذا أجرينا فحصًا آخر بالأشعة يصور الجسم من اتجاه رأسي، فإن الموضع المتغير للقرص الأسود يكون له تأثير مرئي على ذلك الرسم البياني الخاص بالعتامة. بديهيًّا، يمكننا الحصول على مزيد من المعلومات حول المواضع المكانية للأعضاء والأنسجة من خلال إجراء سلسلة كاملة من الفحوص بالأشعة، كلٌّ منها يدور قليلًا مقارنةً بالسابق عليه، إلى أن نرى الجسم من عدد كبير من الاتجاهات. لكن هل هذه معلومات كافية لتحديد المواضع بالضبط؟
أثبت رادون أننا إذا كنا نعرف الرسوم البيانية الخاصة بالعتامة عند استعراض شريحة الجسم من جميع الاتجاهات الممكنة، فسيمكننا استنتاج توزيع التدرُّج الرمادي الثنائي الأبعاد للأنسجة والأعضاء بدقة. في الواقع، هناك طريقة بسيطة جدًّا لتحقيق ذلك، تُسمى الإسقاط الخلفي. يؤدي هذا إلى نشر توزيع التدرج الرمادي، على طول اتجاه الإسقاط، ولكنه يفعل ذلك على نحوٍ منتظم. لذلك نحصل على منطقة مربعة مليئة بقطاعات رمادية. كلما ارتفع الرسم البياني، كان القطاع المقابل أكثر دكانة. بديهيًّا، نحن ننشر اللون الرمادي، على نحو منتظم، على طول القطاع؛ لأننا لا نستطيع تحديد مكان أي عضو داخلي محدد من خلال الإسقاط.
يمكننا القيام بذلك لكل اتجاه للسلسلة الأصلية للفحوص بالأشعة. تخبرنا صيغة رادون العكسية أنه عندما يجري تدوير كل هذه الصور القطاعية إلى الزاوية المقابلة ثم تراكبها، بحيث نجمع قيم التدرج الرمادي الخاصة بها عند كل نقطة، فإن النتيجة — التي تكون بمقياس مناسب — تعيد بناء التوزيع الأصلي للأعضاء الداخلية. توضح الصورة التالية كيف يعمل هذا عندما يكون الشكل الأصلي عبارة عن مربع، ونحن نعيد بناءه عن طريق الإسقاط الخلفي من ٥ و١٠٠ اتجاه مختلف. كلما زاد عدد الزوايا التي نستخدمها، كانت النتيجة أفضل.
بعد ذلك، تُستخدم تقنية رياضية تقليدية لإجراء معالجة لاحقة للبيانات الثلاثية الأبعاد وتوفير جميع أنواع المعلومات ذات الصلة. يمكننا أن نرى كيف ستبدو الأنسجة عبر شريحة مختلفة تمامًا، أو نعرض أنسجة من نوع معين فقط، أو ننشئ ترميزًا لَونيًّا للعضلات والأعضاء والعظام. أو أي شيء آخر نريده. إن الأدوات الرئيسية هنا هي أساليب قياسية لمعالجة الصور، وهي تعتمد في النهاية على هندسة الإحداثيات الثلاثية الأبعاد.
من الناحية العملية، الأمر ليس بمثل هذه البساطة. فجهاز الأشعة لا يلتقط عددًا غير نهائي من صور الأشعة من سلسلة متصلة من الاتجاهات، بل من عدد منتهٍ كبير من الاتجاهات المنفصلة المتقاربة. ومن ثَم يجب تعديل الجوانب الرياضية لأخذ ذلك في الاعتبار. من المفيد هنا فلترة البيانات لتجنب أخطاء التصوير التي تنتج عن استخدام مجموعة منفصلة من زوايا العرض. لكن النقطة الأساسية هي بالضبط ما توصل إليه رادون، قبل أكثر من خمسين عامًا من اختراع أول جهاز أشعَّة. لقد اخترع المهندس الكهربائي الإنجليزي جودفري هوانزفيلد أول جهاز أشعة عام ١٩٧١. وكان قد وُضع الجانب النظري له في عام ١٩٥٦–١٩٥٧ على يد الفيزيائي الأمريكي المولود في جنوب أفريقيا ألان كورماك، الذي نشره في عام ١٩٦٣–١٩٦٤ . في ذلك الوقت لم يكن على علم بنتائج رادون، لذلك توصَّل بنفسه إلى ما كان يحتاجه، لكنه علم لاحقًا بورقة رادون البحثية، التي كانت أكثر عمومية. وقد أدى تطوير هوانزفيلد وكورماك للتصوير المقطعي المُحَوسَب لحصولهما على جائزة نوبل لعام ١٩٧٩ في علم وظائف الأعضاء أو الطب. وقد كانت تكلفة هذا الجهاز ٣٠٠ دولار. بينما يصل سعر جهاز الأشعة المقطعية التجاري اليوم إلى أكثر من ١٫٥ مليون دولار.
لا تُستخدم أجهزة الأشعة في الطب فقط. إذ يستخدمها علماء المصريات اليوم على نحوٍ روتيني لمعرفة ما بداخل المومياوات دون فك لفائف الكتان الخاصة بها. فيمكنهم فحص هيكلها العظمي وأي أعضاء داخلية متبقية، والبحث عن علامات الكسور والأمراض المختلفة، ومعرفة مكان إخفاء التمائم الدينية. وكثيرًا ما تحتوي المتاحف على مومياوات افتراضية مزودة بشاشة تعمل باللمس يمكن للزوار التحكم فيها؛ إذ يستطيعون إزالة طبقات من لفائف الكتان، ثم الجلد، ثم العضلات، حتى تبقى العظام فقط. كل هذا يعتمد على الرياضيات المدمَجة في الكمبيوتر: الهندسة ثلاثية الأبعاد، ومعالجة الصور، وطرق العرض الرُّسومي.
هناك العديد من أنواع أجهزة الأشعة الأخرى: أجهزة الموجات فوق الصوتية، التي تستخدم موجات الصوت؛ وأجهزة التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني التي تكشف عن الجسيمات دون الذرية المنبعثة من المواد المشعَّة المحقونة في الجسم؛ وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي التي تكتشف التأثيرات المغناطيسية في أنوية الذرات، والتي كان يطلق على تقنية التصوير المستخدمة فيها الرنين المغناطيسي النووي، إلى أن شعر القائمون على الترويج لها بالقلق من أن الناس قد ينزعجون من كلمة «نووي»، فيربطون التقنية بالقنابل ومحطات توليد الطاقة. إن كل نوع من أنواع أجهزة الأشعة له قصة رياضية خاصَّة به.