الفصل الرابع
الجزء الأول
أندروماك – سفنز
سفنز
:
قلبي اشتفى وبدا هلال هنائه
فأضاء في ظلمات ليل عنائه
أنقذت طفلًا سوف يحيي ذكر من
سلفوا ونالوا المجد من آبائه
أندروماك
:
أنقذته … ويلاه … عز تصبري
كيف السبيل إلى حفاظ بقائه
هيا بنا نلقاه آخر مرةٍ
ونذوق خطب البعد بعد لقائه
سفنز
:
ويلاه ما … … …
أندروماك
:
… لا تعجبي إن كان لا
يفدي فؤادي شخصه بوفائه
هكتور، لا تجزع فلست أخون من
أنفقت عمري في سبيل ولائه
هكتور، يا خير الورى هكتور يا
ليث الشرى والمقتدى بعلائه
هكتور، أنت رجاء قلبي لا سوا
ك فكيف يهنأ بعد فقد رجائه
لبيك إني مثلما شاء القضا
أقضي وما من دافعٍ لقضائه
هذي يدي تقضي لبانة مهجتي
بمشققٍ يفري الحشا بمضائه
سفنز
:
مولاتي، بالله ما هذا الكلام؟
أندروماك
:
أواه يا سميرتي … لا بد لي من شرب كأس الحمام، وأترك ابني متكلة عليك، وقد
عهدت بتربيته وإصلاح حاله إليك.
سفنز
:
لا تزيدي غصتي فأنا أتبعك واجعلي من حصتي أن أوافي معك
(على نغم أشرقت شمس الكمال.)
أندروماك
:
إن كنت تحبينني فابقي للاعتناء بابني، ألا تعلمين أنه خلاصة السعادة، وأنه
بقية هكتور بطل تروادة؟ فأنتِ تتولين أمره، وتسيرين به على سنن أجداده الكرام،
واسألي بيروس أن يحافظ عليه كي لا يضام، وإني أقبل أيضًا أن تسأليه في ذلك عني،
وأخبري ولدي في كل يوم أنه من دم هكتور الجليل، الذي أجود بروحي ولا أرضى منه
بديل.
سفنز
:
لله ما هذا المقام
قد عز مني الاحتمال
أندروماك
:
من يرحم الفؤادا
بين الورى
سفنز
:
أما كفى وزادا
ما قد جرى
(نغمة تركي «بردل كوزل يا ندم سني».)
اصمتي، إني أسمع حركةً من هذه الناحية … فلنذهب. هذه هرميون آتية (وتذهبان).الجزء الثاني
هرميون – كليون
كليون
:
لا أقدر أن أسكت عن تهاونك فالأمر مضى، وهو سيقترن بأندروماك ويتركك تتقلبين
على جمر الغضا.
هرميون
:
ائتيني بأورست لنتذاكر فيما يشفيني ويشفيه.
كليون
:
ها هو آتٍ، فكأنه علم بما نحن فيه!
الجزء الثالث
هرميون – كليون – أورست
أورست
:
بلغني أنك تسألين عني، فأقبلت ولو استطعت لسعيت على العين والرأس.
هرميون
:
طلبتك لأعلم إن كنت تحبني فأزلْ عني الالتباس.
أورست
:
تسائلني إن كنت صبًّا بحبها
يجيبك دمعي وهو منك صبيب
سلي حسرتي أو لوعتي أو تذللي
فلي شاهدٌ مما ترين يجيب
هرميون
:
انتقم لي، فاصدق بما تقول.
أورست
:
لبيك يا سيدتي، فأنا عن القيام بأمرك لا أحول، فهلم نضرم النار ثانية في
اليونان، فأنت مكان هلين، وأنا في مكان أغاممنون ملك ملوك الزمان، ولنجلب
البلاء على هذه الديار، ونجعل أخبارنا تتناقلها الأجيال في الأعصار.
هرميون
:
لا لا فلنبق فإني لا أرضى بهذا الكلام، كيف أرى الإهانة هنا وأسير إلى
اليونان منتظرة هنالك الانتقام، ولعمري فإني أريد أن أبكي كل من في أبيرة قبل
أن أسافر، فاذهب إلى الهيكل، ولطخ سيفك بدم هذا الغادر.
أورست
:
دم من؟
هرميون
:
بيروس.
أورست
:
بيروس سيدتي؟
هرميون
:
نعم نعم، فهو غادر، ولا يحسن الصبر على أهل الغدر.
أورست
:
سيدتي، أرى أن الغيظ قد أخذ منك كل مأخذ؛ حتى ستر عنك الحقيقة، ننتقم؟ مناسب
… ولكن بغير هذه الطريقة، وأكون عدو بيروس ولا أكون قاتله، فهو فعل لا يحسن أن
أكون فاعله. والأولى أن نثير عليه حربًا عادلة تهلك أنصاره، وتخرب أمصاره، فهل
تؤثرين أن أعود إلى اليونان برأسه بلا سبب، وماذا تكون نتيجة سفارتي؟ فاعدلي
إذًا عن الغضب، وافتكري أنه ملكٌ جليل، وأن رأسه ذو إكليل.
هرميون
:
ألا تكتفي بحكمي عليه، وألا ترضى باحتقاري ذنبًا يستوجب القتل؟ فاقتله فإنه
يحسن في عينيَّ هذا الفعل. واعلم أني كنت أحبه ولا أفضل عليه أحدًا، وإن
احتقرني اليوم فيمكن أن أحبه غدًا، والظاهر أنك خلي البال لا تبالي بهذا
الحال.
أورست
:
فانتقم لي إن كنت صادقًا.
تقول خلي البال عني وما رأت
حوافي فؤادٍ حشوهن عذاب
سقام ووجدٌ واحتراق وإنها
صنوف عذابٍ في الغرام عذاب
هرميون
:
سيدتي، مناسب يجب قتله، ولكن ما العمل وما التدبير؟ أتريدين أن يدًا واحدة
تقاوم مملكة أبير؟ وأي سبيل إلى ذلك. تأمرين بقتل ملك، ولا تفسحين لي بفرصة
يقتضيها خطر العمل؟ أتريدين أن أقتله بين شعبه حيث ليس بالنجاة أمل، وأدنس
الهيكل بهذا العمل؟ فأناشدك الآلهة أن تتأني فإني في مساء هذا اليوم أهيئ لقتله
أمضى الأسباب، وفي هذا الليل طوعًا لأمرك أقتله.
ولكنه سيقترن بأندروماك في هذا النهار، وماذا يعوقك عنه فهو يقدم لك رأسه لتضربه وهو بلا حرس.
ولكنه سيقترن بأندروماك في هذا النهار، وماذا يعوقك عنه فهو يقدم لك رأسه لتضربه وهو بلا حرس.
أورست
:
خلدت يا حب ذكر الهم في خلدي
وكابدت منك أنواع العنا كبدي
فمات صبري وهب الدمع يندبه
حتى بكاه بكا أمٍ على ولد
ما زلت تطلب صبري غير متئدٍ
حتى تسلمته مني يدًا بيد
فليت شمسك لم تشرق على وطني
وليت بدرك لم يطلع على بلدي
لكل صابٍ على علاته أمدٌ
إلا أذاك فلا يجري إلى أمد
يا من أصيبت بسهم الهم مهجته
اصبر فما في الورى خالٍ من النكد
واستوقف الدمع إن نالتك نازلة
فإن دهري لا يُبقي على أحد
هرميون
:
ويلاه قد أطلت الجدال فحق لي الملل، وأراك تريد أن تشكو أبدًا ولا تجري شيئًا
… فلا تعتب إذا لم تنل شيئًا.
أورست
:
لله ما يفعل الغرام
فلا اعتذارٌ ولا ملام
صبرًا على كل ما قضاه
للحب يا مهجتي احتكام
طوعًا لما رمت من محبٍّ
فإنك القصد والمرام
فسوف يلقى بيروس مني
فتًى لديه طاب الحمام
واليوم تبدو سوق المنايا
وبيننا ينصف الحسام
إن لم أمت في الوغى قتيلًا
لا ندبت فقدي الكرام
تفديك روحي وأنت روحي
إليَّ مني فلا ألام
هرميون
:
رح ولتكن السفن مهيأة لركوبنا في الحال (يذهب).
الجزء الرابع
هرميون – كليون
كليون
:
سيدتي، أضعتِ رشدك في هذه الأعمال.
هرميون
:
نعم، لا بد من الانتقام، فليمت لأشتفي من حزني، واذهبي يا كليون، وأخبري
أورست أن يقول له عند قتله: إنه يقتله عني.
كليون
:
سيدتي، أرى الملك مقبلًا.
هرميون
:
سارعي إذًا وقولي لأورست أن لا يجري شيئًا قبل أن يقابلني.
الجزء الخامس
بيروس – فنكس – هرميون
بيروس
:
أراك الآن ولا ريب أنك ترينني باستغرابٍ، وقد رغبت في مقابلتك لا بوعيد أو
وعدٍ كذاب، بل لأخبرك أن جرمًا ارتكبته بالرغم مني، يقودني إليك بنفس ذللها
الوزر، وهي تطلب العذر. إني أحب تروادية وقد عزمت على الاقتران بها على معرفة
ما بيننا من العهود التي لم تبرم على وجهٍ شرعي، وقد تعذر عليَّ أن أجعل هذه
العهود تتغلب على ميل نفسي، وما كنت لولا ذلك لأنقض عهدي، وأخلف وعدي، فلك الآن
أن تسميني خائنًا، أو منخلع القلب إذا لم تؤثري الصفح عن قلبٍ قيده الغرام،
فأصبح لا يستطيع منه انفكاكًا، وأصبحت لا أرى له في غير هواه حراكًا، وإني
لأخاف سكوتك أكثر مما أخاف كلامك.
هو الحب حتى ينفد العزم والصبر
وما الحب إلا الذل والهول والأسر
فلا منجدٌ إن جار وهو محكم
ولا منقذ من حكمه وله الأمر
أذل فؤادي وهو في العز راتع
وأوهن عزمي بعد ما ناله النصر
ومن عجبي أني أخوض الوغى ولا
أبالي وقد غصت بها البيض والسمر
وأغشى الظبى والموت رهن مضائها
وأخشى الظبا حيًّا ومسكنها القفر
وها أنا في ذا الحب رهن احتكامه
وحيدٌ وما قولي كذا ومعي الصبر
هرميون
:
أين المروءة شيمة الأبطال
والصدق في الأقوال والأعمال
أين الوفا شأن الكريم وأين من
نادى أنا ابن مذلل الأقيال
من كان لا يلويه ليث رهبة
عن عهده يلويه لحظ غزال
بطلٌ تحاذره الأسود إذا سطا
ويروعه ظبيٌ بغير نزال
يا من أتاني بعد أن نقض الولا
قد هجت بلبالي ولست تبالي
أكثرت نفسك وهي صغرى بالهوى
ورضيت بعد العز بالإذلال
عارٌ عليك عليك عارٌ دايمٌ
يبقى مدى الأعصار والأجيال
بيروس
:
سيدتي، يجب أن تسدي الآلهة شكرًا على ما سهلت لنا من سبيل الانفصال؛ لأنه
يلوح لي أن قلبينا لم يخالفا ليكون بينهما اتصال، وقد كان علينا أن نطيل
الاختبار قبل إبرام العهود، أما الآن فلا يصح أن ينسب إلى أحدنا خيانة أو إخلاف
وعود، فإن الخيانة إنما تكون بنقض الوداد وهو أمانة. فإن لم يكن وداد فكيف تكون
الخيانة؟ وأنت تعلمين أني لم أفعل ما يحملك على حبي، فربما كنت بذلك تكرهين
قربي.
هرميون
:
على أنه إذا كان لا بد من إنفاذ مرامك فاسمح لي أن يتم ذلك بعد ذهابي، ولا
تزد بمرأى خيانتك عذابي، وإني أعدك بسرعة المسير، فلا تجز من التأخر … ما بالك
لا تجيب؟ … لا بأس فإنك مصيب، فأنت تحسب الدقائق التي تصرفها معي الآن تعوقك عن
مشاهدة أندروماك، فرح واهنأ بقربها، وقدم لها قلبك في الهيكل، ولكن خف أيضًا من
أن تراني هناك (وتذهب).
أتنكر حبي والمدامع تبديه
وينشره سقمي وصدك يطويه
أتيتك والآمال ملء خواطري
وقلبي يصفو والزمان يصافيه
فعاملتني بالغدر يا ساقط الوفا
وأورثتني سقمًا تراه ويرويه
وما زال قلبي وافيًا وهو ذائبٌ
متى أنت تشفيه وحتامَ تشقيه
الجزء السادس
بيروس – فنكس
فنكس
:
مولاي، سمعت وعيدها فلا تأمن عاشقًا، وقعت في اليأس وهي تطلب الانتقام، فإن
اليونان الذين هنا يساعدونها وأورست لا يزال بها ذا غرام … فافتكر فيما قلت
وحاذر …
بيروس
:
إن أندروماك تنتظرني، فحافظ أنت على ابنها بالعساكر.
فنكس
:
الأمر أصبح يا ناصر
في خطرٍ يحذر من غدر
ذلك ما يخطر في خاطري
والأمر في ذلك للآمر
(على لحن «لحظك يا بدر غدا ظالمي».)
(بذاته، يقول على لحن «مشرقٌ بالحسن بدري»):
قد غدا خوفي عظيمًا
أيها الملك الهمام
وأرى خطبًا جسيمًا
قاضيًا بالاهتمام
كن بما تبدي حكيمًا
نال ذو الرشد المرام
فهي قد زاد جواها
بمعاناة الغرام
وإذا زاد بلاها
رغبت في الانتقام
لا تقل عزمي وحزمي
وجنودي والمقام
وذكا عقلي وعلمي
وثباتي في الصدام
كم بعوضٍ دون عزم
أسدٌ منها يضام
فكري السامي سليم
فإذا ضل تلام
أيها المولى الكريم
أحسن الله الختام