ويا لها من أزمة صحافة!
لا يزال الحديث عن الصحافة وأزمتها لم ينقطع، بل إنه دخل حتى مجلس الأمة. والحقيقة أني ما رأيت أزمةً عرفها الجميع وشخَّصها الجميع وأدرك الجميع حلَّها — ولم تُحَلَّ — مثل أزمة الصحافة. ولا يكفي أن نقول: إن عندنا جرائد تصدر وتحمل للرأي العام الأخبار والتعليقات والمقالات؛ ففي كل مكان من أنحاء الدنيا توجد صحافة تحمل للرأي العام الأخبار والتعليقات والمقالات. ولا يكفي أن نقول: إن صحافتنا توزِّع عشرات الألوف، وتُقْرَأ خارج الجمهورية، وتنجح أحيانًا في إثارة الزوابع والمواضيع؛ فأي إنسان بمفرده ممكن أن ينجح إذا أراد في إثارة زوبعة وفي خلق موضوع.
إن الصحافة هي عيون المجتمع وآذانه وحواسه. وتصوَّر نفسَك حين لا تنقل لك حواسك إلا ما تريد أن تراه وتسمعه وتشعر به. تصوَّر ثورة جسدك عليك والألم يعصف به وعينك منصرفة عن ألمك تُحدِّق مبهورةً في خبرٍ عن ممثلة، أو في لجاجٍ عجيب حول اللغة وبأيٍّ منها نكتب الأدب. إن حواسًّا كهذه لا بد أن تفقد ثقة عقلك «المسئول» من ناحية وجسدك المتألم «القارئ» من ناحية أخرى.
إنها مشكلة معروفة محفوظة مزمنة ملَّ الكُتَّاب والصحفيون ترديدها. وإذا كنت أعيد الكتابة عنها فإنما لأحمل للشعب هذه المرة مسئوليتها؛ فالصحافة ليست مِلْكًا للعاملين فيها. وليست أداةً من أدوات الحكومة. إنها أولًا وأساسًا مِلْكُ الشعب؛ لأنها حواسه، ولأنها جزء لا يتجزأ منه، والشعب وحده هو الذي يستطيع معالجة حواسه إذا مرضت.
إن العلاج وما نطالب به لا يتعدى نفس ما قاله الرئيس جمال عبد الناصر في مؤتمره الصحفي الذي عقده عقب قانون تنظيم الصحافة عام ١٩٦١.