جزيرة روحية
في القاهرة جزيرة روحية غريبة، ينسى فيها المرء الهموم، ويضحك الأطفال، ويعود إلى الكبار صفاء الطفولة، ويبتسمون من الأعماق. في القاهرة شيء رائع ساحر اسمه العرائس، أقامته وزارة الثقافة وصرفت عليه بضعة آلاف من الجنيهات، ولكني أعتقد أن الرسالة التي يؤديها والتي يمكن أن يؤديها تساوي ملايين، ولا بد أن في الناس حاسة تجذبهم إلى حيث المتعة السامية الحقيقية؛ فلقد ذهبت ذات يوم إلى المسرح مع طفلي فوجدت المقاعد كلها مشغولة. ولم أتوقع حين دخلت لأبحث عن مقعدٍ خالٍ أن أجد المكان يحفل بهذا الازدحام، بمثل هذا العدد من الأطفال والأمهات والآباء. وجدت نفسي في مهرجان طفولة حقيقي، الأطفال فيه هم السادة، وعالمهم هو الكائن، وصرخاتهم الحلوة تصنع نبض الحياة. وجلست وثمَّة مشكلة تحيرني، فلي طفل في الثانية من عمره ينطق من الكلمات أنصافها وأرباعها وبالكاد يستطيع التعرف على أفراد العائلة، وكنت أتساءل: تُرَى هل سيدرك ما يراه؟ وما هو بالضبط شعوره إزاء ما يراه؟ وما كاد العرض يبدأ حتى وجدت الطفل المشكلة، مثله مثل أي مرتاد مسرح من مسارح الكبار ينسى نفسه كُلِّيةً، ومطالبه وبكاءه، وينسى وجودنا معه ويرتبط ارتباطًا كُلِّيًّا مع الساحرات الصغيرات، مع العرائس، ويضحك ويصرُّ على الجلوس فوق مسند الكرسي ليرى أكثر وأوضح، ويصفق، أَجَل يصفِّق استحسانًا، ويُصغي إلى الحوار ويبتسم، وكأنه يدرك بل لا بد كان يدرك، وإلا لما جعل همه كلما رآني خارجًا من البيت أن يطالبني بأن أستصحبه مرة أخرى إلى مسرح العرائس.
أجل، في القاهرة جزيرة روحية غريبة اسمها مسرح العرائس، لا أنصح الأطفال وأصحاب الأطفال فقط بالذهاب إليها، ولكني أنصح الكبار — الرجال والشبان والسيدات — كلما ركِبَتهم الهموم وضاقت بهم القاهرة وضاقوا بها أن يلجئوا للجزيرة الحافلة بالسحر، الكائنة في قلب قاهرتنا تنبض بحياةٍ حلوةٍ تعيد إلى الحياة طعم الحياة.