عبد الرسول
اسمح لي أن أخبرك أنني أرى حقًّا لنا على الصحافة — المستنيرة — أن تحتضن قضايانا، وأن تحنو على آمالنا. ونحن لنا قضية وفي نفس الوقت متعلقون بأمل؛ هذه القضية هي الحرب الشعواء المُعْلَنَة من القوي على الضعيف، من الباطل على الحق، ومن مصلحة الآثار على شيخ عجوز يقطن القرنة اسمه عبد الرسول، وحتمًا سيادتك تعرفه أو على الأقل تذكر قصته؛ تعرف أن الرجل قد أعلن أنه يعرف مكان مومياء سيتي، وتعرف أيضًا أن مصلحة الآثار قد اضطرت تحت تأثرٍ من رأيِنا العام القوي المستنير إلى السماح للرجل بالحفر في المقبرة الناقصة تحت إشرافها، وتعرف سيادتك أيضًا أن الرجل كان بينه وبين النصر العظيم ضربة فأس واحدة، وإذا بمصلحة الآثار وكبيرها تعلن وقف العمل، ورويدًا رويدًا نام الموضوع وبُحَّ صوت الرجل العظيم هنا وهناك، ولما يئس قبع في استراحته المتواضعة بالقرنة يحاول جاهدًا مخلصًا أن يؤدي خدماته إلى البلد عن طريق الظهور بأشرف مظهر أمام السياح من مرتادي استراحته، أو من عابري السبيل — مصريين وأجانب — الذين يرون أن زيارتهم للرجل والجلوس إليه متعة، لا تقل عن زيارة الهضبة المقدَّسة ومقابرها الخالدة غربي الأقصر، ولقد رأيت بنفسي مدى الحب والاحترام الذي يشعُّه هذ الرجل على ضيوفه ونزلاء استراحته، بل وعلى الجماد أيضًا من حوله. ومعذرةً لحماسي الشديد للرجل، ولست قريبًا له ولا أعرفه بل على العكس أنا لم أرَه في حياتي سوى هذه المرة؛ فأنا من دمياط وأعمل حاليًّا في بناء مشروعنا العظيم: السد العالي؛ ولكني كنت متتبعًا لجهاد الرجل، ولطالما صلَّيت من أجله، متمنيًا أن أرى في بلدي أناسًا من صميم الشعب يكتشفون ويخترعون، ولقد دار بيني وبين بعض أصدقائي حديثٌ عن الرجل، وخرجنا بضرورة تكوين جمعية لأصدقاء عبد الرسول لتمكين الرجل من معاودة بحثه. ولست بحاجة لأن أشرح لسيادتكم مدى إيماني بقضية هذا الرجل، وصدق كلماته. ولقد كان نقاشنا أمام مثقفين من الدرجة الأولى وفناني المراسم المجاورة لاستراحته، وكنت أرى على وجوههم مدى حبهم وعطفهم على قضية الرجل، وفي نفس الوقت ثقتهم بنظافة مقصده وصدق كلماته.
عزيزي الأستاذ الدكتور
هل أطمع في كلمة من كلماتكم الخلَّاقة المضيئة لإعادة إيقاظ القضية من جديد، وشحن شعور الرأي العام للوقوف إلى جانب الرجل؟ ونحن على استعداد للمساهمة ماديًّا في مساعدة الرجل حتى يُتِم بحثه، هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى فإنني أرجو مناشدة المسئولين عن مصلحة السياحة معاونة الرجل للنهوض باستراحته؛ فلقد رأيت بعينَي رأسي مدى إقبال السائحين عليها، لا لنظافتها أو فخامتها وإنما للجوِّ البلديِّ المصريِّ الأصيل الذي يوفِّره لهم هذا الرجل؛ من شهامة تبدو ناطقة في تصرفاته معهم وغيرته على خدمتهم وتوفير راحتهم، وللحفلات الشعبية الظريفة التي يعقدها لهم في الليالي القمرية، حيث يعرض لهم فنونه البلدية من تحطيب إلى رقص الخيول مع أنغام المزمار البلدي المصري الخالد مما يكاد يأخذ بلُبِّهم. وهو مع ذلك عفيف النفس، لا يستغل ولا يتغالى وإنما بكتفي بأقل القليل. وبالمناسبة هل تعرف ثمن ليلة المبيت في كل هذا الجو الساحر من ضيافة شيخ العرب عبد الرسول؟ لن تصدقني إن أخبرتك أنها خمسة عشر قرشًا فقط! نهايته.