الضوء الأحمر
الفن المقروء كالفن المسموع، لا بد له من عملية تحضيرٍ تهيئ فيها نفسك وتنفض عنك مشاغلك وتجلس لتتطهر بهذا الإكسير السحري؛ الفن. إني أومن أن الجانب الخيِّر من الناس لا بد أنه الجانب الفنان، وأننا بالاستماع إلى الفن ومشاهدته وقراءته نغلب الخير، ونغلب الإنسان في أنفسنا على اللاإنسان. والليلة قضيت جانبًا منها مع كتاب: مجموعة قصص كتبها عبد الوهاب داود. وعبد الوهاب داود فنان لا يستطيع أن ينتزعك من مشاغلك وهمومك ليجعلك تحيا معه. لا بد أن تهيئ أنت نفسك للاستماع إليه؛ لا بد قبل أن تقرأه أن تكون على استعداد كامل للإحساس به وفهمه كي تظفر بالمتعة الفنية من خلال قصصه؛ إذ هو يتحدث في صوت منخفض، كالراديو حين «توطيه»، وربما هو يفعل هذا؛ لأنه لا يحس أنه يكتب قصصًا بقدر ما يحس أنه يعترف، اعترافات تؤرِّقه، يعترف بها لنفسه أولًا، اعترافات رفيقة خافتة لا يمكن أن تسمعها إلا إذا أصخت سمعك.
تُرَى، هل أطمع من خلال الضجة الهائلة الحادثة في أوساطنا الأدبية أن يستمع الناس إلى هذا الفنان الصادق الخافت الصوت؟!
دعوة إلى الرقص، دعوة إلى المسرح
يُخيَّل إليَّ أن النجاح الذي أحرزته فرقة رضا للفنون الشعبية سببه أن فكرة الفرقة وبرنامجها، مثله مثل إسكتش الناي السحري الذي تؤديه، دعوة ممتعة للرقص، دعوة تقوم بها فريدة فهمي للسيدات، وتتقدم بها المجموعة للرجال. الحقيقة الغريبة أننا كنا الشعب الوحيد تقريبًا الذي يخجل من رقصه، ويُسميه تارة هز البطن وتارة أخرى ترتفع الأصوات مطالِبة بإلغائه، وكأنما فرحتنا بفرقة رضا هي فرحة اكتشافنا أن رقصنا ليس عيبًا أو خطيئة.
وعلى ذكر الخطيئة فمسرحية «خطيئة وإله» التي ألَّفها الفنان أحمد عثمان هي دعوة أخرى للكتابة للمسرح؛ إذ رغم إعجابي الشديد بفكرة المسرحية وطريقة أدائها إلا أنك تخرج من قراءتها وأنت أكثر إعجابًا بالمؤلف نفسه. هاكُم كاتبًا مسرحيًّا أصيل الموهبة لا ينقصه إلا بعثة لدراسة المسرح ومدارسه في الخارج ليعود يمتعنا بمسرحياته ورواياته. منذ بضعة أيام قرأت أن ثلاثمائة من طلبة المعاهد الزراعية المتوسطة والعليا قد أُرْسِلوا في بعثات لمدة عام للتدرب على الآلات الزراعية الحديثة في ألمانيا والمجر ورومانيا؛ هل كثير أن نُرسل ثلاثة فقط أو أربعة لدراسة الكتابة للمسرح ومشاهدة المسرحيات الحديثة؟ هل كثير أن نُرسل مثلهم للتدرب على كتابة السيناريو للسينما والإذاعة والتليفزيون؟ نشكو لطوب الأرض من انخفاض مستوى التأليف، ولا نريد أن نفهم أبدًا أن الفهلوة لا تخلق مؤلِّفًا، وأن توفيق الحكيم لو لم يدرس المسرح في باريس لما ظفرنا بكاتب مثله. كنت أتمنى لأستاذنا الدكتور طه حسين — بدلًا من أن يكتفي بوصم جيل الناشئين بالجهل والسطحية — أن يتهم الهيئات المسئولة بالتقصير في حق هؤلاء الناشئين. أكثر من هذا كنت أتمنى أن يطالب بحقهم في الدراسة والتحصيل، كنت أتمنى هذا على الرغم من علمي أن أستاذنا الدكتور عضو عامل نافذ الكلمة في أكثر من هيئة من هذه الهيئات.