اللقاء بعد عمر طويل
لا أدري مدى صحة القول ولكني أرويه؛ فقد كنا نناقش أغنية أم كلثوم وعبد الوهاب الأخيرة ونتساءل عن سر رفضهما التعاون معًا لأكثر من ثلاثين عامًا، ثم قبولهما المفاجئ أن يتعاونا ويلتقيا دون مقدمات أو سابق إنذار.
أحسنُ تفسيرٍ قيل هو أنهما أصرَّا على هذا اللقاء، أجبرتهما عليه بوادر التطور الموسيقي الذي تحفل به حياتنا الموسيقية، وعلى رأسها ظهور أوبريت مهر العروسة بعد اختفاء هذا اللون حقبة طويلة من الزمن. لقد كتبت مرةً أقول: إن من سوء حظ موسيقانا أن قيَّض الله لها عملاقين من عمالقة الغناء هما: أم كلثوم وعبد الوهاب، استطاعا بروعة تلحين عبد الوهاب والأداء المعجز لأم كلثوم أن يجعلا الأغنية الفردية تتربع على عرش موسيقانا دون منافسةٍ تُذْكَر. هذا الوضع كان لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، وكان لا بد أن يأتي اليوم الذي تحاول موسيقانا أن تسلك دروبًا جانبية ليستمر التطور، حتى كُلِّلَت تلك الجهود بتقديم أول أوبريت مصري بعد سيد درويش، ظهورًا كان تحديًا صريحًا للأغنية الفردية لا بد أن يرد عليه عملاقاها معًا، فكانت أغنية «إنت عمري»، وكان نجاحها الساحق دليلًا على أن الأغنية الفردية قد كسبت الجولة الثانية وباكتساح. وقد يظل التحدي قائمًا لبعض الوقت ولكن إنْ آجلًا أم عاجلًا ستنتقل موسيقانا إلى مرحلة الأوبرا والأوبريت والكونشرتو والسيمفونية وتتخلف الأغنية الفردية محتلة مكانًا جانبيًّا، كما هو وضعها في كافة بلدان العالم.
السؤال هو: أمِن الضروري أن يظل عملاقَا الغناء يصرَّان على الوقوف في وجه التطور، ولماذا لا يقفان مع التطور؟ بل لماذا لا يقودانه ويكون العمل التالي الذي يلتقيان فيه ليس أغنية فردية أخرى ولكن عملًا موسيقيًّا مسرحيًّا؛ حلمًا من أحلام شعبنا التي طالما تمنَّاها؛ ألحان عبد الوهاب وصوت أم كلثوم في أوبريت، في إطارٍ أخلد بكثير من أغنية حب مفردة في الإطار الحقيقي الذي كان يحب أن يحتوي صوت أم كلثوم المعجز من قديم الزمان؟