مشروع الخمس سنوات لتحسين الذمة!
رجعت إلى البيت ظهرًا فوجدته يعبق بغاز البوتاجاز، وكلُّ من فيه يعاني من قيءٍ أو صداع ودوخة لا يعرف سببها. فتحت كل النوافذ وأسرعت إلى المطبخ، وكانت مفاتيح الموقد مغلقة كلها والأسطوانة مغلقة، وكل شيء على ما يرام. أخيرًا وبعد بحثٍ وتدقيقٍ اشترك فيه عامل محطة التعاون اتضح أن أسطوانة البوتاجاز «تنفِّس» من ثقبٍ كبير كان مسدودًا بقطعة شمع، وبتأثير الحرارة ذابت، فراح الغاز ينفذ من الثقب بكميات تكفي للقضاء على عشرات الأحياء لو كانت نوافذ البيت مغلقة. ومعنى وجود قطعة من الشمع أن الشركة عرفت أن الأسطوانة بها ثقب. ومن المعروف أن الغاز يُعَبَّأ تحت ضغط؛ ولهذا لا بد من سلامة أسطواناته ومتانتها. وإذا كان لا بد من لحم أي ثقب فيها فلا بد أن يتم اللحام بالأكسجين وبالكهرباء، ولا بد أن تُجرَّب أيضًا قبل ملئها بالغاز وإرسالها إلى العملاء، هذه الحقائق يعرفها أي صبي ورشة؛ فغاز البوتاجاز ليس «بارفان» أو هواءً منعشًا ولكنه غاز قاتل يقضي على الكائن في أقل من دقيقة.
كيف استباح المسئولون عن الأنابيب في الشركة لأنفسهم أن يسدُّوا أسطوانة من الصلب كهذه بقطعة شمع لا يمكن أن تتحمل أي ضغط أو حرارة؟ وكيف استباح المهندس أو العامل الذي قام بهذا العمل أن يرسل الأسطوانة لمحطة التوزيع لتباع وتستخدمها أُسرة كان من المحتم أن تقضي عليها لولا رجعتي المفاجئة التي جاءت صدفة؟ أمِن أجْلِ لحامٍ لا يتكلف قرشًا ولا يستغرق زمنًا، يُقضى على أسرة بأكملها وبطريقة لا نجاة لهم منها، إذا كان المفروض أن يظل الغاز يتسرب دون أن يفطن أحد إليه خاصةً بالليل أو حتى بالنهار؛ إذ تعتاد أعصاب الأنف رائحة الغاز بعد قليل ولا تعود تشمه؟!
يُخيَّل لي أنه لا بد أن نضع في مشروعاتنا للتصنيع مشروع خمس سنوات آخر لتحسين الذمة، خاصةً في بعض الصناعات الخطرة التي يؤدي أقل إهمال فيها إلى إزهاق أرواح.