إلى متى إن شاء الله؟
أعتقد أنه قد آن الأوان لوضع حد لمهزلة المؤتمرات التي نُدْعَى إليها، والتي ينتهزها كبار الموظفين فرصة فيستولون على الدعوات لأنفسهم ويذهبون ليقضوا أيامًا جميلة في الخارج، ويصبح المؤتمر مجرد ستار وتصريح ونقود للسفر ليس إلا؛ وبهذا يحرمون المتخصصين الذين كانوا سيستفيدون من هذا المؤتمر أو ذاك فائدة حقيقية تعود عليهم وعلى عملهم؛ وبالتالي على بلادنا بالخير والخبرة.
إن كل مسئول عن إيفاد الناس إلى الخارج يعتقد أنه حر التصرف يستطيع أن يفعل ما يشاء كما يحلو له. وكل مسئول عن اختيار وفد إلى الخارج يظن أن باستطاعته أن يضع فيه أصدقاء دون معقِّب أو مُراجع. ولهم حق في هذا الظن؛ فأنا لا أعرف فئة من الفئات إلا وهي تشكو مُرَّ الشكوى من سوء اختيار أعضاء الوفود بحيث نادرًا ما يذهب الأصلح.
إن المؤتمرات والدعوات ليست نزهات توزَّع كالهدايا، بل هي نوافذ حقيقية تُفْتَح لنا كي يرى منها كل متخصص فينا ما وصلت إليه تجارب الآخرين ومقدار ما حقَّقوه من تقدم. إنه دراسة على مستوًى عالٍ. إنه جامعة غير منظورة، لا يمكن أبدًا ولا يقبل أحد أن يدخلها إلا صاحب المؤهل الكافي لدخولها.
ولقد كنت شخصيًّا ضحية تصرُّفَين من هذا النوع؛ فمنذ عام أو يزيد حضر إلى القاهرة وفد ثقافي سوفييتي، كان أحد أعضائه الكاتب الروائي الكبير ناجيبين سكرتير اتحاد الأدباء السوفييت، وقد حرص الرجل على مقابلتي؛ إذ هو قد كتب دراسة عن مجموعة من القصص تُرْجِمَت لي وطُبِعَ منها مائة ألف نسخة بالروسية وحدها، غير الطبعات باللغات المحلية، ثم كتب مقدمة أخرى ودراسة لقصة «الحرام» التي طُبِعَ منها مائة ألف نسخة ككتاب وثمانمائة ألف نسخة كملحق خاص بالمجلة الأدبية، أي ما يقرب من تسعمائة ألف نسخة نفدت بعد ثلاثة أشهر من طباعتها. وليعذرني القراء إذ كنت أذكر هذه الحقائق عن أعمالي، فأُقسِم أني أحس بخجل شديد من نفسي وأنا أقولها. ولولا أني في سبيلي إلى كشف الستار عن أوضاعٍ غريبةٍ تجري في حياتنا لما سمحت لنفسي بذكر هذه الحقائق. المهم أن مقابلتي لناجيبين كانت هائلة، وقد ألقى كلمةً أمام جمهور الحاضرين عن القصص التي كتب مقدمتها، قال فيها: إن هدفه من زيارة مصر كان أن يرى تلك البلاد وذلك الشعب الغريب الذي تكشَّف له في القصص التي قرأها.
المهم أن ناجيبين ذكر لي أن عدد قرائي في الاتحاد السوفييتي يفوق مئات المرات عدد قرائي في مصر، وأني لا بد أن أزور الاتحاد السوفييتي مدعوًّا من قبل اتحاد الكُتَّاب؛ إذ إن زيارةً كهذه ستكون فرصةً لتعريف القراء هناك بالأدب العربي الحديث، وبالتالي تعريف أكثر من مائتي مليون مواطن سوفييتي بناحية هامة من نواحي الحياة في جمهوريتنا العربية، تلك التي أصبح أدبها لا يُتَرْجَم إلى اللغات الأجنبية كنوعٍ من المجاملة أو التعرف على أدب قديم غريب مجهول، وإنما هو يُتَرْجَم للقراء على أوسع نطاق وجنبًا إلى جنب مع الأدب الأمريكي والفرنسي والهندي.
وقد حدث أن قابلت الأستاذ يوسف السباعي وعرضت عليه الأمر وطلبت منه أن أرشَّح للسفر إلى هناك. ووعدني الصديق يوسف أن أكون أول المرشَّحين حين تأتي الدعوة. كان هذا منذ بضعة شهور. ومنذ أسابيع عرفت أن الاتحاد السوفييتي قد وجَّه دعوةً لكاتبَين لزيارته، وأن الصديق يوسف السباعي قد اختار للسفر زميلين آخرَين أكنُّ لهما كل التقدير؛ هذه واحدة.
والثانية حدثت منذ أيام؛ فقد اتصلت بي الإدارة الثقافية بوزارة الثقافة فجأة — كما يحدث في القصص — وأخبرتني أنه قد صدر قرار بإيفادي في بعثة ثقافية مع الزميل نعمان عاشور لمدة أسبوعين للتعرف على الحركة المسرحية الإيطالية، وهي بعثة على نفقة الحكومة الإيطالية، وتنفيذًا لاتفاقية التبادل الثقافي بين البلدين. وطلبت مني الإدارة صورًا وبيانات — استوفيتها جميعًا — واستعدادات للسفر، ولكني في آخر لحظة علمت مصادفةً ودون أن تتكلف الإدارة مشقة إخباري أن قرار سفري قد أُلْغِيَ وأن زميلًا آخر (أُكِنُّ له كل الاحترام) قد أخذ مكاني.
شكرًا للمجلس الأعلى وللإدارة الثقافية ولوزارة الثقافة.