جائع الحب لا يعطيه
العلاقات الشخصية — كالأحزاب السياسية — في حاجة بين كل حينٍ وحينٍ إلى عملية تطهير كي تظل محتفظًا بخط حياتك ومبادئك سليمًا، وبحيث تبتر من دائرة وجودك تلك العلاقات التي تُهدد أمنك النفسي وقيمك العليا. ولقد قررت اليوم أن أقطع علاقتي بأحد الأصدقاء؛ فقد اكتشفت أنه يكره الناس وأنه يُحرضني على كره الناس، ليس بطريق مباشر وإنما بمجرد كرهه. إن الصديق الحقيقي هو ذلك الذي يحفظ عليك توازنك في حكمك على الآخرين. ولكن هذا الصديق كنت ما أكاد أذكر سيئةً صغيرة لأحدٍ من الناس إلا وأجده قد اندفع في سبِّه وذِكْر عشرات القصص التي تدل على مدى ضعته، في حين أن المفروض في الصديق أنه العين الثانية لصديقه؛ فحين نرى السيئة في الشخص أو السيئات يُذكِّرك هو بالحسنات، وحين تندفع في ذكر الحسنات يُنبِّهك هو إلى وجود بعض السيئات، ولكن ذلك الذي يذكر السيئات وحدها يضرك ويظلم بصيرتك ويجعلك شيئًا فشيئًا تبدأ مثله تعتقد أن الناس جميعًا وحوش وأقزام، وأنك لا بد أن تقضي العمر تحاربهم. إننا لا يمكن أن نعمل أو ننتج إلا مدفوعين بعاطفة حبٍّ ما، وتقطير الكره في النفس وصبغ الأعين بالجوانب المظلمة يُسيء أول ما يسيء إلى الشخص نفسه، يشله، يجعله يستخسر أن يعمل؛ إذ كيف يعمل وأنت حين تعمل لا بد أن تعمل من أجل الآخرين ولا بد أن تحب هؤلاء الآخرين لتعمل من أجلهم؟ اكتشفت أن الذي يكره الآخرين لا بد تجده يكرهك أنت نفسك؛ فأنت أيضًا بالنسبة إليه واحد من الآخرين. قطعت علاقتي بالصديق لأنه ليس صديقًا؛ فالصداقة أيضًا حب. مسكين هذا الإنسان؛ فقد اكتشفت في النهاية أنه يكره الدنيا والناس؛ لأنه يكره حتى نفسه؛ لأنه ساخطٌ عليها سخطًا يُسقطه على الآخرين وعلى معارفه وعلى أصدقائه؛ ولهذا فالناس جميعًا تنفضُّ من حوله. وقد كنت بالنسبة إليه القلعة الأخيرة التي يحتمي فيها، ومع هذا فما أكثر ما كان يكيل لي من طعنات غادرة قاتلة! ما أطول ما صبرت وتحملتها! ولكن ماذا أستطيع أن أفعل لمريض مثله إلا أن أعامله على أنه مريض؟! إنه جائع حب، وصل به الجوع إلى حد السُّعار، وجائع الحب لا يعطيه.