معهد قومي للمفكرين
أي مشكلة من مشاكل مجتمعنا — مهما بدت تافهة وغير ذات وزن — إذا تتبَّعناها ووصلنا إلى جذورها سنجد أننا بطريقة أو بأخرى قد أصبحنا نواجه مشكلة سياسية من الدرجة الأولى لا بدَّ من دراستها والتعمق فيها. مشكلة العلاقة بين المُلَّاك والمستأجرين مثلًا؛ لقد كان الوضع يخضع لسوق العرض والطلب، ثم بدأت الدولة تتدخل لحماية المستأجرين وأصدرت قوانين التخفيض. أصحاب العقارات بالتالي لم يُسلِّموا بما حدث، بدءوا يتحايلون على القانون بخلوِّ الرِّجْل ورفع إيجار المنازل الحديثة، وتأجير الشقق التي تخلو في عماراتهم كشقق مفروشة. إذا نحن تتبَّعنا مشكلةً كهذه سنجد أننا في النهاية وصلنا إلى فلسفة مجتمعنا القائمة على الاشتراكية الديمقراطية التعاونية، وسنجد أننا في النهاية مطالَبون بأن نعرف موقف فلسفتنا هذه من تلك المشكلة، وأيضًا سيتحتَّم علينا أن نجد لها حلًّا اشتراكيًّا ديمقراطيًّا تعاونيًّا.
وهكذا الحال في مشاكل كثيرة أخرى تفرض علينا أن نوازِن في النهاية بين مصالح فئتين أو أكثر من فئات مجتمعنا ونحلَّها حلًّا سلميًّا.
نحن لا نستطيع أن نفعل هذا إلا إذا بدأنا تطبيق الاشتراكية الديمقراطية التعاونية كفلسفة؛ إذ من خلال محاولات تطبيقها ومن خلال المشاكل العديدة التي علينا أن نجد لها الحلول، من خلال هذا كله ستتكون لنا في نهاية الأمر حصيلة نظرية تضع لمجتمعنا فلسفةً متكاملة.
لهذا فإني أقترح أن يُنشأ معهد قومي للبحوث السياسية يكون مركزًا لأبحاث نقوم بها لدراسة مشاكلنا الخارجية والداخلية، لكي نقف منها الموقف الصحيح؛ يكون معمل تجارب واختبارات لاشتراكيتنا الديمقراطية التعاونية بحيث تتحول فيه فلسفتنا من نظرية إلى واقع، ونحاول فيه أن نعثر للشعارات على تطبيق.
إننا في حاجة ماسَّة وحقيقية إلى دراسة مشاكلنا دراسة علمية، ومراقبة أنفسنا ونحن نتطور وننمو، ولكي نجد في فلسفتنا حلولًا لمشاكلنا. باختصار نحن في حاجة إلى مفكرين نفس حاجتنا إلى الكلمة، وفي حاجة إلى متخصصين يتعمقون في دراسة ظواهر حياتنا لكي يستخرجوا لنا في النهاية فلسفة متكاملة. وأعتقد أن الأوان قد آن لكي نقيم هذا المركز القومي للمفكرين أسوةً بالمركز القومي الذي أقمناه للعلماء؛ ولعلنا إذا فعلنا هذا نكون قد أحدثنا التفاعل الواجب بين فكرنا الثوري وعلمنا وخطواتنا الثورية.