الفصل التاسع
عندما سمِعت لوسي أولَ مرة أحدًا يذكر أرلينجهيرست، لم يكن مصدرها أيًّا من هيئة التدريس، ولكن من الطالبات أنفسهن. قضت لوسي ظهيرة يوم السبت مع فروكن ووالدتها، للمساعدة في إكمال الأزياء الشعبية السويدية لطالبات السنوات الأولى اللاتي سيؤدين بعضًا من رقصات الريف يوم العرض. لقد كان يومًا جميلًا، وقد أخذن أكوامًا من القماش المُلَوَّن ذي الألوان الأساسية الزاهية إلى الزاوية البعيدة من الحديقة، حيث يمكنهن الجلوس والاستمتاع بمنظر الريف الإنجليزي. من المقرر أن تُقام مباريات الكريكت والتنس في مكان آخر في ذلك الأسبوع؛ لذا كانت الحديقة فارغة، ولم يكن هناك أحد من اللاعبين ليفسد جمال المساحات الخضراء الخالية الممتدة على الجانب الآخر من الجدول. مارسن الحياكة بسعادة كبيرة، وبدا أن السيدة جوستافسِن قد تحدثت بطريقة إيجابية عن لوسي لابنتها؛ إذ كانت فروكن أكثرَ انفتاحًا وأقل تحفظًا، وكانت لوسي مسرورة لاكتشاف أن هذه الشابة، التي كانت تذكرها دائمًا بسطوع ضوء الشمس على الجليد، لديها ضحكة دافئة صادرة من القلب وروح دعابة جميلة كضحكتها. (على الرغم من أن مهارات لوسي في الحياكة قد زعزعت ثقة السيدة جوستافسن بها، فإن على المرء أن يغفر الكثير للإنجليز.) عادت السيدة جوستافسن إلى موضوع الطعام، وتحدَّثت بإسهاب عن مزايا شيء يسمَّى «فريكاديلار»، تبيَّن أنه نوع من أطباق اللحم المفروم. رأت لوسي (التي كانت مهاراتها في الطهي تتمثَّل في تقطيع بعض الطماطم ووضعها في المقلاة في اللحظة الأخيرة، وإضافة كلِّ ما ستطهوه، وسكب بعض الكريمة عليه) أنها طبخة معقَّدة وتستغرق وقتًا طويلًا، وقررت ألَّا تجربها.
سألت فروكن: «هل لديك أي ارتباطات الليلة؟» وأردفت: «سأذهب أنا ووالدتي إلى المسرح في لاربورو. فهي لم تشاهد عرضًا باللغة الإنجليزية بعد. سنكون سعداء إذا أتيتِ معنا.»
أوضحت لوسي أنها ستحضُر الليلة حفلًا في غرفة ستيوارت للاحتفال بالوظيفة. «أعلم أن عضوات هيئة التدريس لا يحضرن هذه الحفلات عادةً، لكنني لست عضوة دائمة.»
نظرت إليها فروكن وقالت: «يجب أن تكوني عضوة دائمة. فأنتِ مفيدة جدًّا لهن.»
عاودت تلك العبارة الدوائية الظهور. الحديث عن لوسي كما لو كانت علاجًا موصوفًا.
«كيف؟»
«أوه، لأسبابٍ كثيرة من الصعب التعبير عنها بلغتي الإنجليزية … ومن الأصعب بكثير التعبير عنها باللغة الألمانية. فهي أسباب بسيطة تتعلق مثلًا بارتدائك أحذية ذات كعب عالٍ، وبتأليفك كتابًا، وبكونهن لا يخَفْن، ولو قليلًا، منك … أوه، آلاف الأسباب البسيطة. لقد جئتِ في وقت مناسب لهن؛ وقتٍ يحتجن فيه لإلهاء … إلهاء لا يصرف انتباههن عن الدراسة. أوه، كم أتمنى لو كنت أتحدث الإنجليزية على نحو أفضل يا عزيزتي.»
«أتقصدين أنني مثل جرعة من مضاد للحموضة لمَعِدة مضطربة.»
أطلقت فروكن ضحكةً مفاجئة. وقالت بالإنجليزية: «نعم، هذا بالضبط. أنا حزينة لأنك لن تأتي معنا إلى المسرح، لكن دعوتك إلى حفل للطالبات شرف كبير، وأعتقد أنك ستستمتعين بالوقت. ستكون معنويات جميع الحاضرات مرتفعة الليلة، الآن بعد أن انتهت الامتحانات. بعد عودتهن من المباراة، سيكون لديهن عطلة نهاية الأسبوع بأكملها لأنفسهن. لذا، سيشعرن بالابتهاج هذا السبت. سيكُنَّ منطلقات، بعيدات عن القيود.
وكانت الفتيات بالتأكيد منطلقات. فعندما دخلت لوسي من باب الفِناء، تاركةً فروكن ووالدتها تلتفان حول المبنى للدخول من بابه الأمامي حيث تقيمان، غمرتها ضوضاء متداخلة مفاجئة. صوت مياه الاستحمام المتدفقة في طابقين، أصوات لا حصر لها، خطًى إيقاعية على أدراج البلوط غير المغطَّى، غناء، صفير، تذمُّر. يبدو أن كلا الفريقين قد عاد — منتصرًا كما يبدو من الأجواء — وكان المكان ينبض بالحياة. كان جميع الفتيات أيضًا متحمسات، وتردَّدَت كلمة واحدة عبر الضوضاء مثل التيمة المتكررة: «أرلينجهيرست». «أرلينجهيرست». وأثناء سيرها بجوار حمَّامات الطابق الأرضي في طريقها إلى الدَّرَج، سمعت الطرف الأول منها. «هل سمعت يا عزيزتي! أرلينجهيرست!»
«ماذا؟»
«أرلينجهيرست!»
أُوقف صنبور الماء.
«لا أستطيع سماعك من الماء الجاري. ماذا قلتِ؟»
«أرلينجهيرست!»
«أنا لا أصدق ذلك.»
قال صوت آخر: «لكن، نعم، هذا صحيح.»
«لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا؛ فهم لا يرسلون الخريجات الجدد إلى أرلينجهيرست.»
«لا، هذا صحيح حقًّا. فقد أبلغت سكرتيرةُ الآنسة هودج جولي بثقة، وأخبرت جولي شقيقتها في القرية، وأخبرت شقيقتها الآنسة نيفيل في «ذا تي بوت»، وأخبرت الآنسة نيفيل فطيرة المكسرات عندما كانت في المقهى تحتسي الشاي بعد ظهر اليوم مع ابن عمها.»
«هل هذا الراقص المستأجر هنا مجددًا؟»
«أرلينجهيرست! مَن يصدِّق ذلك! مَن في اعتقادك سيحصُل على هذه الفرصة؟»
«أوه، هذا أمرٌ معروف.»
«نعم، إينيس بالتأكيد.»
«إينيس المحظوظة.»
«أوه، حسنًا، إنها تستحق ذلك.»
«فقط تخيَّلي. أرلينجهيرست!»
وفي الطابق الأول، كان الأمر هو نفسه: اندفاع مياه الاستحمام، وتناثر المياه، والثرثرة، وأرلينجهيرست.
«ولكن مَن قال لكِ؟»
«فطيرة المكسرات.»
«أوه، يا عزيزتي، إنها غريبة الأطوار، الجميع يعرف ذلك.»
«حسنًا، إنه أمرٌ متعلق بإينيس، على أي حال، فهو ليس من شأني. غالبًا سينتهي بي المطاف بالعمل في مجلس مقاطعة لندن.»
«قد تكون غريبة الأطوار، لكنها ليست مخطئة، وقد فهمت الأمر فهمًا صحيحًا. لم تكن تعرف حتى ما هي أرلينجهيرست؛ لذا فهذا الخبر ليس من وحي خيالها. لقد سألت: «هل هي مدرسة؟»»
«هل هي مدرسة! لا أصدِّق!»
«ألن تكون الآنسة هودج فخورة إلى حدٍّ لا يُصدق، يا عزيزاتي؟!»
«هل تعتقدين أنها ستكون فخورةً بما يكفي لتقديم فطيرة لنا على العشاء عوضًا عن بودنج الحليب؟»
«أتوقَّع أن تكون جولي قد صنعت البودنج أمس، وهو موجود على مائدة التقديم الآن.»
«حسنًا، يمكنهن الانتظار بقدرِ ما أشعر بالقلق. أنا ذاهبة إلى لاربورو.»
«وأنا أيضًا. هل إينيس هنا؟»
«لا، لقد فرغت من الاستحمام. إنها ترتدي ملابسها.»
«دعونا نُقِيم جميعًا حفلًا لإينيس، بدلًا من تركها تقيم حفلًا صغيرًا خاصًّا. ففي النهاية، هي …»
«نعم. لنفعل، أليس كذلك؟ ففي النهاية، لا يحدث كل يوم أن يحصل أحدٌ على وظيفة كهذه، وإينيس تستحقها، والجميع سيكون سعيدًا بهذا، و…»
«نعم، لنُقِم الحفلَ في الغرفة المشتركة.»
«فهو في النهاية تكريم لنا جميعًا. تكريم للايز.»
«أرلينجهيرست! مَن كان ليصدق ذلك؟»
«أرلينجهيرست!»
تساءلت لوسي في نفسها عما إذا كان سوء تصرُّف السكرتيرة القصيرة الوديعة سببه علمها أن الأخبار على وشْك أن تخرج إلى الملأ. فحتى هنرييتا الحذرة والكتومة لم تستطِع الاحتفاظ بهذه المعلومات طيَّ الكتمان فترةً أطول؛ خاصة وأن أرلينجهيرست كانت تتوقع ردًّا. افترضت لوسي أن هنرييتا كانت تنتظر حتى ينتهي الأسبوع «الصعب» قبل أن تشارك الجميع الأخبارَ التي لديها؛ فأدركت أن هذا هو الوقت المناسب.
بينما كانت لوسي تمشي على طول الطُّرقة إلى غرفتها الموجودة في آخرها، قابلت إينيس، التي كانت ترتدي فستانًا قطنيًّا جديدًا.
قالت لوسي: «حسنًا، يبدو أنكن قضيتن ظُهرًا مُثمرًا.»
قالت إينيس: «أتقصدين هذا الصخب؟» وأردفت: «أجل، لقد فزنا. ولكن هذا الصخب ليس ترنيمة انتصار. إنه أشبه بأغنية احتفال تعبِّر بها الفتيات عن ارتياحهن؛ إذ لن يضطررن إلى قضاء أسبوعٍ كهذا مرة أخرى.»
لاحظت لوسي كيف تستخدم إينيس كلمة «الفتيات» دون وعي. وتعجَّبت فترةً وجيزة من هدوء الفتاة. هل يمكن ألا تكون قد سمعت بَعدُ عن الفرصة المتاحة في أرلينجهيرست؟ وبعد ذلك، عندما تحرَّكت إينيس من ظلمة الطُّرقة لتقف وسط الضوء القادم من باب ديكرز المفتوح على مصراعيه، لمحت لوسي إشراقة على وجهها. فامتلأ قلبها بالتعاطف معها. هذا هو شعورها، أليس كذلك؟ أقرب إلى الشعور وكأن أبواب الجنة تُفتَح أمامها.
قالت: «تبدين سعيدةً على الأقل»، مستعينةً بعبارة بسيطة؛ إذ لم تكن هناك كلمات تُعبِّر عن اللمعان الذي في عينَي إينيس.
قالت إينيس وهما تبتعدان: «أستعير كلمات أودونيل، فأقول إنني قريرةُ العين. ستأتي إلى حفل ستيوارت، أليس كذلك؟ هذا رائع. سنتقابل مجددًا هناك.»
وضعت لوسي مسحوق التجميل وقرَّرت الذهاب إلى «المبنى القديم» لترى كيف كان رد فعل هيئة التدريس على الأخبار المتعلقة بأرلينجهيرست. ربما لا يزال هناك بعض الشاي؛ فقد نسيت تمامًا تناول الشاي، وبدا أن فروكن ووالدتها قد نسيتا هما أيضًا. عدَّلَت وضْع زجاجة الشمبانيا، التي ستأخذها معها إلى حفل ستيوارت، في الثلج الذي أخذته من الآنسة جوليف، وشعرت مرة أخرى بالأسف لأن تاجر النبيذ في لاربورو لم يستطِع توفير نبيذٍ أكثر تعتيقًا، لكنها وثقت (واتضح أن هذا صحيح) أن الطالبات سيعتبرن أيَّ منتج من رانس هو ببساطة «شمبانيا».
للوصول إلى «المبنى القديم»، تعيَّن على لوسي أن تمرَّ بجانب غرف نوم طالبات السنة النهائية وحمَّامات الطابق الأول مرةً أخرى، وبدا للوسي أن حدة الضوضاء قد تصاعدت إلى مستوًى جديد؛ إذ زاد عدد الطالبات اللائي سمِعن الأخبارَ وتناقلنها وعلقن عليها وسط خرير المياه المتدفقة وأصوات غلق الأبواب ووقْع الأقدام. كان شعورًا غريبًا أن تنتقل من هذا الزخم إلى «المبنى القديم» الساكن، بجدرانه القِشدية اللون، وأثاثه المصنوع من خشب الماهوجني، ونوافذه الطويلة، ورحابته، التي تخلُق شعورًا بالسلام. عَبَرَت لوسي بسطةَ الدَّرَج الواسعة، وفتحت باب غرفة المعيشة. هنا أيضًا كان السكون، فأغلقت الباب ودخلت الغرفة قبل أن تصبح واعية لنوع هذا الهدوء بالضبط. فقد أدركت، في الواقع، أن الصمت في الغرفة كان بسبب التوتر، وأنها وسط جدال محتدِم بين عضوات هيئة التدريس. كان نزاعًا حادًّا للغاية، إذا حكمنا من خلال الوجوه التي في الغرفة. وقفت هنرييتا وقد أدارت ظهرها للمدفأة، دفاعيةً وعنيدة، وقد احمرَّ وجهها، بينما كانت الأخريات يحدقن بها في غضب، ويلقين عليها عبارات الاتهام.
أرادت لوسي الخروج بسرعة، لكنَّ أحدًا صبَّ لها تلقائيًّا كوبًا من الشاي وأعطاها إياه، وكان من الصعب أن تضع الكوب على الطاولة وتغادر. كان لديها عدة أسباب لفعل ذلك. وكان الشاي أسود اللون تقريبًا وباردًا إلى حدٍّ ما.
لم ينتبه أحد إلى دخول لوسي. فإما أنهن اعتبرنها واحدة منهن، أو أنهن كُنَّ منغمساتٍ جدًّا في نزاعهن بحيث لم يشعرن بوجودها تمامًا. لاحظن دخولها بنظرات على غرار النظرات التي يُقابَل بها محصِّل التذاكر في عربة قطار؛ فهو شخص دخيل له الحق في الوجود، ولكنه ليس من المشاركين في الحديث.
قالت السيدة: «إنه وحشي! وحشي للغاية!» من واقع تجارب لوسي، كانت هذه المرة الأولى التي تخلَّت فيها عن جِلستها الأنيقة وجلست واضعةً قدميها النحيفتين بثبات على الأرض.
وقفت الآنسة لوكس خلفها، وكان وجهها الكئيب عادةً أكثرَ كآبة من المعتاد، ببقعتين غير معتادتين من اللون الأحمر الفاتح على عظام وجنتيها. جلست فروكن على أحد الكراسي المغطاة بقماش قُطني مطبوع، يعلو وجهَها الازدراء والغطرسة. وبدت راج، وهي تتحرك بالقرب من النافذة، مرتبكة ومحرَجة بقدرِ ما هي غاضبة؛ كما لو كانت انتقلت للتو من عالم البشر إلى جبل أوليمبوس، حيث صراع آلهة الإغريق القدامى.
قالت هنرييتا، محاولةً تبني طريقتها كرائدة للطالبات: «لا أرى أي شيء وحشي في هذا الأمر»، ومع ذلك، بدا الأمر غريبًا على مَسامع لوسي. كان من الواضح أن هنرييتا وجدت نفسها في موقفٍ صعب.
قالت السيدة: «إن الأمر يتجاوز كونه وحشيًّا، إنه أقرب إلى الإجرام.»
«ماري، لا تقولي كلامًا عبثيًّا.»
«إنه عمل إجرامي من نواحٍ كثيرة. فأنت تنوين خداع مدرسةٍ تتوقَّع منك إرسال أفضل طالبة لديك بإرسال واحدةٍ دون المستوى؛ وفي الوقت نفسه، تنوين الإضرارَ بسمعة لايز إلى الحد الذي قد يستغرق عقودًا للتعافي؛ إن تعافت من الأساس. وكل هذا من أجل ماذا؟ من أجل ماذا؟ من أجل تحقيق أهوائك الشخصية ليس إلا!»
ردَّت هنرييتا بحدة: «لا أرى أين هي هذه الأهواء التي تتحدثين عنها»، متخلِّية عن بعضٍ من وقارها. وأردفت: «لا أحد هنا يستطيع أن ينكر أنها طالبةٌ بارعة، وأنها عمِلت بجِد وتستحق التقدير. وحتى عملها النظري كان دائمًا ذا جودة عالية خلال هذا الفصل الدراسي.»
قالت الآنسة لوكس بصوتٍ يُشبه قطرات الماء التي تتساقط على مقلاة معدنية: «ليس دائمًا. فبناءً على البحث الذي صححتُه الليلة الماضية، لن تستطيع حتى تحقيقَ المرتبة الثانية في مادة علم الأمراض.»
في هذه المرحلة، أصبحت لوسي منتبهةً تمامًا لما يُقال، وتوقَّفت عن التفكير فيما تفعله بكوب الشاي.
قالت هنرييتا، وقد شتَّتها هذا الخبر بالفعل عن الموضوع الرئيسي القائم: «أوه، يا إلهي، هذا مؤسف! لقد كانت تعمل بجِد. أفضل بكثير مما كنت أتوقَّع.»
قالت السيدة: «إنها فتاة حمقاء، وأنتِ تعلمين ذلك.»
«ولكن هذا هراء. إنها واحدة من أكثر الطالبات البارعات في لايز اللاتي …»
«بحق السماء، توقَّفي يا هنرييتا عن قول ذلك. فأنتِ تعرفين جيدًا ما الذي تعنيه كلمة بارع.» ولوَّحت السيدة بورقة زرقاء بيدها السمراء الرفيعة وأمسكت بها بعيدًا (كانت السيدة تكبر في السن وتكره ارتداء النظارات) وقرأت بصوتٍ عالٍ. قالت: ««نتساءل عما إذا كان لديك، من بين طالباتك الخريجات، طالبة بارعة بما يكفي لشغل هذه الوظيفة. طالبة تجسِّد روح أرلينجهيرست من اليوم الأول، طالبة تصبح جزءًا من المدرسة وليس شخصًا دخيلًا، وفي الوقت نفسه نستكمل التعاون المثمر مع لايز.» التعاون المثمر مع لايز! التعاون الذي تنوين كتابة الفصل الأخير فيه بإرسال راوس إليهم!»
«أنا لا أفهم سبب معارضتكن لها بشدة. فلا يمكن أن يكون هذا سوى تحيُّز. لقد كانت طالبة مثالية، ولم ينطِق أحدٌ بكلمة ضدها حتى الآن. وقد أتت اللحظة التي أنوي فيها مكافأتها على عملها الشاق. وفجأةً تصبحن جميعًا غاضباتٍ. أنا في حَيرة من أمري. فروكن! بالتأكيد يمكنكِ مساندتي في هذا. فلم يكن لديكِ طالبة أفضل من الآنسة راوس.»
«الآنسة راوس لاعبة جمباز رائعة. وسمِعت أيضًا من الآنسة راج أنها متفوقة في الألعاب. ومع ذلك، فبمجرد أن تغادر هذا المكان، فلا قدرتها على الوقوف على يديها ولا كونها ظهيرًا أوسطَ جيدًا سيُعَدَّان من الأمور المهمة. ما سيهم وقتها هو شخصيتها. وشخصية الآنسة راوس ليست جيدة للغاية وتفتقر إلى الكثير من الصفات الحسنة.»
قالت هنرييتا في صدمة: «فروكن!» وأردفت: «ظننتُكِ تحبينها.»
«أهذا صحيح؟» قالت هاتَين الكلمتين الفاترتَين اللامباليتَين وكأن لسان حالها يقول: «من المتوقع أن أحب جميع طالباتي؛ إذا كنت قد علمتِ بمن أُحب أو أكره، فسأكون عديمة القيمة.»
قالت السيدة بسعادة: «حسنًا، لقد سألت سيجريد، وقد أبلغتك بالتأكيد. لم يكن بمقدوري التعبيرُ عن ذلك بأسلوب أفضل.»
قالت الآنسة راج: «ربما … أقصد، إنهم يريدونها للجمباز. في أرلينجهيرست، لديهم أقسام منفصلة للجمباز والألعاب والرقص، شخص واحد لكل قِسم. لذلك، ربما لن يكون اختيار راوس أمرًا سيئًا للغاية.»
تساءلت لوسي في نفسها عمَّا إذا كان هذا التعليق المتردد قد تأثَّر بأداء راوس في قسم الآنسة راج بصفتها ظهيرًا أوسط، أم أنه نابع من رغبتها في تهدئة الأمور وتقريب وجهات النظر، ولو قليلًا.
قالت السيدة بنبرة متعالية تُستخدم عند الحديث لمن هم أقل ذكاءً: «ما يبحثون عنه ليس شخصًا «غير بالغ السوء»؛ إنهم يبحثون عن شخص استثنائي للغاية؛ بحيث يمكنها الانتقال مباشرةً من الكلية لتصبح واحدة من ثلاث لاعبات جمباز في أفضل مدرسة للبنات في إنجلترا. هل تعتقدين أن هذا ينطبق على الآنسة راوس؟»
«لا. لا أعتقد ذلك. هذا ينطبق على إينيس، يجب أن أقول ذلك.»
«بالضبط. هذا ينطبق على إينيس. ومن غير المفهوم لماذا لا ترى الآنسة هودج ذلك.» حدَّقت السيدة في هنرييتا بعينيها السوداوين الكبيرتين، فجفلت هنرييتا.
«لقد أخبرتك بالفعل! هناك وظيفة شاغرة في مستشفى ويتشرلي لتقويم العظام، وهي ستكون فرصة مثالية للآنسة إينيس. فهي متفوقة في العمل الطبي.»
«امنحني الصبر يا إلهي! مستشفى ويتشرلي لتقويم العظام!»
صاحت الآنسة لوكس في غضبٍ: «ألا تقنعك تلك المعارضةُ الجماعية بأنكِ مخطئة يا آنسة هودج؟» وأكملت: «موقفك ليس قويًّا؛ إذ إنك الوحيدة المقتنعة بهذا الرأي.»
ولكن لم يكن من الصواب قول هذا. كانت هنرييتا من قبل على استعداد للتشاوُر؛ فهي الآن بعيدة تمامًا عن هذه المرحلة. فقد أثار المنطق الذي تحدثت به الآنسة لوكس غضب هنرييتا.
«قد لا يكون موقفي المنفرد قويًّا يا آنسة لوكس، ولكن منصبي بصفتي مديرة لهذه الكلية لا جدال فيه، وما تعتقدينه أو لا تعتقدينه حول قراراتي لا يُهم. لقد شاركتُ معكن، كما أفعل دائمًا، تفاصيلَ شغْل هذه الوظيفة. وإن كنتن لا توافقن الرأي، فهذا للأسف أمرٌ محزن، ولكن لا يترتب عليه أي شيء. فأنا مَن أتخذ القرارات هنا، وفي هذه الحالة، اتخذت القرار. لكُنَّ الحريةُ في الرفض بالطبع؛ بالطبع لديكن الحرية في التعبير عن عدم موافقتكن، لكن التدخُّل، لحسن الحظ، ليس من اختصاصكن.»
وبيدٍ مرتجفة، التقطت فنجانها ووضعته مرةً أخرى على صينية الشاي، مُتَّبعة روتينها المعتاد؛ ثم اتجهت نحو الباب. متثاقلة ومجروحة، كالفيل الجريح، كما اعتقدت لوسي.
قالت السيدة: «دقيقة واحدة يا هنرييتا!» ورمقت لوسي بنظرة استمتاع خبيثة. وتابعت: «دعونا نستمع إلى رأي شخص من خارج لايز، عالمة النفس المُدرَّبة.»
قالت لوسي المسكينة: «لكنني لست عالمة نفس مدرَّبة.»
«دعونا فقط نستمع إلى رأي الآنسة بيم.»
«لا أعرف ما علاقة الآنسة بيم بالوظائف الشاغرة …»
«لا، ليس بشأن الوظائف الشاغرة. سنعرف فقط رأيها في هاتين الطالبتين. تعالَي يا آنسة بيم. قولي لنا رأيك بصراحة. فبعد قضاء أسبوع واحد فقط بيننا، لا يمكن لأحد اتهامك بالتحيُّز.»
سألت لوسي: «هل تقصدين راوس وإينيس؟» محاولةً كسب الوقت. فتوقفت هنرييتا واضعةً يدها على الباب. وأردفت لوسي: «أنا لا أعرفهما بالطبع؛ ولكن يدهشني بالتأكيد أن الآنسة هودج تريد إعطاءَ هذه الوظيفة لراوس. فأنا لا أعتقد أنها كذلك على الإطلاق؛ في الحقيقة أعتقد أنها ستكون غير مناسبة إطلاقًا لهذا الدور.»
كان واضحًا أن ما قالته لوسي هو القَشة التي قصمت ظهر البعير، فرمقت هنرييتا لوسي بنظرة وكأنها تقول لها: «حتى أنتَ يا بروتس؟» وخرجت من الغرفة وهي تتمتم بشيء عن تأثير الوجه الجميل في استمالة الآخرين. فسَّرت لوسي الملاحظة على أنها تشير إلى إينيس، وليس إلى نفسها.
عمَّ الصمت التام أرجاءَ غرفة الجلوس.
قالت السيدة أخيرًا، متأملة ومندهشة: «ظننت أنني أعرف هنرييتا جيدًا.»
قالت الآنسة لوكس بمرارة: «اعتقدت أنه يمكن الوثوق بها لتكون عادلة.»
نهضت فروكن من مقعدها دون أن تنطق بكلمة واحدة، وظلت تعابير وجهها مليئةً بالازدراء والاستياء، وخرجت من الغرفة. لاحظ الجميع رحيلها بتعبيرات غير راضية؛ كان صمتها يُغني عن الكلام.
قالت راج: «من المؤسف أن يحدث هذا بينما يسير كل شيء بسلاسة»، مقدِّمة تعليقًا آخر غير مفيد. كانت مثل شخص يوزع أقراص الزبيب الأسود على ضحايا الزلزال. وتابعت: «كن جميعًا سعيدات جدًّا بوظائفهن، و…»
سألت لوكس السيدة: «هل تعتقدين أنها سوف تعود إلى رشدها عندما يُتاح لها الوقت لإعادة النظر في الأمر؟»
«إنها تدرس الأمر منذ قرابة أسبوع. أو بالأحرى، اتخذت قرارها بشأنه منذ أسبوع تقريبًا؛ حتى أصبح حقيقة ثابتة ولن تتمكن من العدول عن قرارها.»
«ومع ذلك لم تكن متأكدة … أعني، متأكدة من رد فعلنا … أو أنها لم تكن لتحتفظ به لنفسها حتى الآن. ربما عندما تفكر في الأمر …»
«عندما تفكر في الأمر، ستتذكر أن كاثرين لوكس تجرَّأت على التشكيك في الامتياز الملكي …»
«ولكن هناك مجلس إدارة للكلية. إنه ليس حقًّا إلهيًّا لها. يجب أن يكون هناك شخص يُحتَكَم إليه بشأن قرارها. لا يمكن أن نسمح بحدوث مثل هذا الظلم لمجرد …»
«بالطبع هناك مجلس للإدارة. لقد التقيت أعضاءَه عندما حصلت على الوظيفة هنا. يمكنك مقابلة إحداهن عندما تأتي لتناول العشاء في ليالي الجمعة، بالتزامن مع محاضرات اليوجا أو الثيوصوفية أو الفودو أو أي شيء آخر. وهي امرأة جشعة، ترتدي خرز العنبر والساتان الأسود، وتمتلك ذكاءً متدنِّيًا للغاية. إنها تعتقد أن هنرييتا شخص رائع. وكذلك يعتقد بقية المجلس. واسمحوا لي أن أوضح ذلك جيدًا الآن في هذا المكان. هذا ما يجعل كل شيء صادمًا. إن هنرييتا، الذكية التي غيَّرت هذا المكان من شيء ليس أفضل كثيرًا من مدرسة فتيات، لا بد أن تكون عمياء، تفتقر فجأةً إلى أدنى قدرة على إصدار الأحكام؛ أمر لا يُصَدَّق. لا يُصَدَّق!»
«ولكن لا بد أن هناك شيئًا يمكننا القيام به …»
قالت السيدة برشاقة وهي تنهض من مقعدها: «عزيزتي كاثرين الحسنة النية، التي تفتقر إلى اللباقة، كلُّ ما يمكننا فِعله هو العودة إلى غُرَفنا والصلاة.» ومدَّت يدها إلى الوشاح الذي يغطي هيكلها النحيف، حتى في الحرارة الشديدة، وهي تنتقل من غرفة إلى أخرى. وأردفت: «هناك أيضًا علاجات أقل فَعالية مثل الأسبرين والحمَّام الساخن. قد لا يؤثران كثيرًا، لكنهما يفيدان في تحسين ضغط الدم.» وخرجت من الغرفة في خفة؛ تكاد تكون بلا وزن.
قالت راج: «إذا كانت السيدة غير قادرة على فعل أي شيء للتأثير على الآنسة هودج، فلا أعتقد أن أي شخص آخر يمكنه فعل ذلك.»
قالت لوكس: «بالتأكيد لا أستطيع. كلُّ ما هنالك أنني أزعجها. حتى لو لم أفعل، حتى لو امتلكتُ سِحرَ كليوباترا وكانت تستمع إلى كل كلمة أقولها، كيف يمكن لأحد أن يصحح الأستجماتزم الذهني الذي لديها؟ إنها حقًّا صادقة فيما يتصل بهذا كما ترون. هي ترى الأشياء حقًّا بهذه الطريقة؛ فهي تنظر بصدق إلى راوس على أنها شخص يستحق الثناء، بينما تعتبرنا متحيزات ومعارضات. فكيف يغيِّر المرء مثل هذا المنظور؟» حدَّقت لوكس في هدوء من النافذة المضيئة للحظة، ثم التقطت كتابها. وأردفت: «يجب أن أذهب وأغيِّر ملابسي إن تمكنتُ من العثور على حمَّام متاح.»
ترك رحيلها لوسي بمفردها مع الآنسة راج، التي من الواضح أنها كانت ترغب في المغادرة هي الأخرى، لكنها لم تكن متأكدة من كيفية المغادرة بطريقة لائقة بما يكفي.
قالت: «إنها فوضى، أليس كذلك؟»
قالت لوسي: «نعم، إنه لأمر مؤسف»، وشعرت أن البيان فشل في تصوير خطورة الموقف؛ كانت لا تزال مندهشة من التطوُّر الجديد للأحداث. ولاحظت أن راج كانت لا تزال ترتدي ملابس الخروج. سألتها: «متى سمعت بهذا الخبر؟»
«سمعتُ الطالبات وهن يناقشن الأمر في الطابق السفلي — أقصد عندما عُدنا من المباراة — وهُرعت إلى هنا لأتأكد من الأمر، فوجدت حالة الاضطراب على أشدها. أقصد الجدل القائم. إنها خسارة؛ كان كل شيء يسير على ما يُرام.»
قالت لوسي: «أنت تعرفين أن الطالبات يعتبرن اختيار إينيس الوظيفةَ أمرًا مُسَلَّمًا به.»
قالت راج بجدية: «نعم. سمعتهن يتحدثن في الحمامات. فهذا ما سيفترضه أيُّ شخص لديه حِس بديهي. توقعنا جميعًا أن تكون إينيس هي الشخص المختار. إنها ليست الأفضل في رأيي — أقصد في الألعاب — لكنها مدرِّبة جيدة. فهي تفهم ما تفعله. وبالطبع في مجالات أخرى هي رائعة. كان ينبغي حقًّا أن تمتهن مهنة الطب أو شيئًا ما يمثل تحديًا فكريًّا. أوه، حسنًا، أعتقد أنني يجب أن أذهب وأغيِّر ملابسي.» تردَّدت لحظةً. وقالت: «من فضلك لا تعتقدي أن هذا يحدث كثيرًا يا آنسة بيم. هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها عضوات هيئة التدريس يتجادلن في شيءٍ ما. فالقاعدة هنا أننا جميعًا صديقات. لهذا السبب، هذه خسارة. أتمنى أن يغيِّر شخصٌ ما رأي الآنسة هودج. ولكن حسب معرفتي الجيدة بها، لن ينجح أحدٌ في ذلك.»