تعالي الأنا موجود
«ورُبَّ قائلٍ يقول: ولكن هوسرل يُعرِّف الشعور بوصفه تعاليًا. صحيحٌ أن هذه دعواه، وهذا هو اكتشافه الجوهري، إلا أنه يجعل موضوعَ الشعور غيرَ واقعي كطرف لقالب الشعور، ويكون وجوده هو إذَن وجوده المدرك، ويكون بذلك هوسرل غير مخلِص لمبدئه.»
اخترع «ديكارت» فلسفة الذاتية، وصاغ أول كوجيتو في الفلسفة الحديثة في عبارته الشهيرة: «أنا أفكر، إذَن أنا موجود.» وجاء من بعده «كانط» وصاغ كوجيتو خاصًّا به سمَّاه «الأنا المتعالي». ثم جاء «هوسرل» وطوَّر كوجيتو «الأنا المتعالي» منطلقًا من منهج «الظاهراتية» أو «الفينومينولوجيا» الذي أسَّسه؛ وهو منهج وصفي جديد للظواهر الشعورية يستند إلى الحَدْس بصفته عملية أساسية. يرى «هوسرل» أن مشكلات العلاقة بين الأنا والشعور مشكلات وجودية، وأن الشعور الترنسندنتالي ليس جملة شروط منطقية، بل واقعة مطلقة، وهو ليس قائمًا بذاته أو شعورًا يتأرجح بين الواقع والمثال، بل هو شعور حقيقي ميسور الإدراك. وهذا ما يتناوله «سارتر» في هذا الكتاب؛ إذ يحلِّل ويفسِّر «الأنا المتعالي» عند «هوسرل»، مُقدِّمًا نقدًا جوهريًّا له، مُستخدِمًا هذا النقد في إقامة فلسفة خاصة به.