مُقدِّمة الناشرة

المحاولة في تعالي الأنا موجود١ هي أول عمل لسارتر، لأنه في الواقع لا يمكن اعتبارُ العملَين الفلسفيَّين السابقَين على ذلك دراساتٍ فلسفيةً بالمعنى الدقيق، فالأول مقال عن النظرية الواقعية للقانون عند ديجوي Duguit، الذي ظهر سنة ١٩٢٧م، والثاني أسطورة الحقيقة٢ يُعبِّر فيها سارتر عن أفكاره في صورة أقصوصة، والذي ظهر سنة ١٩٣١م في مجلة بيفير Bifur.
يبدأ سارتر في هذه المحاولة عمل الكشف الذي سينتهي إلى الوجود والعدم، وفضلًا عن هذا، يؤكِّد التتابع الزمني لأعماله الوحدة التي لا شكَّ فيها لاهتماماته الفلسفية في هذا الوقت، فيمكن القولُ إنه إن لم يكُن قد كتب عمله كله في هذا الوقت، فإنه على الأقل قد تمَّ تصوُّرُه. كُتِب جزءٌ من المحاولة في تعالي الأنا موجود سنة ١٩٤٤م، أثناء إقامة سارتر في برلين لدراسة فينومينولوجيا هوسرل، وكتب مرةً واحدةً الخيال والخيالي سنة ١٩٣٥ / ١٩٣٦م (نُشِرا على التوالي سنة ١٩٣٦م، سنة ١٩٤٠م)، ونُشِر النفس سنة ١٩٣٥ / ١٩٣٦م، وكانت فكرتها لديه منذ سنة ١٩٣٤م، ثم فصل منها ما أصبح بعد ذلك تخطيطًا لنظرية فينومينولوجية للانفعالات الذي نُشِر سنة ١٩٣٩م، وفي نهاية المطاف يكفي أن نذكر الوجود والعدم الذي أتى بعد ذلك وظهر سنة ١٩٤٣م، وفيه يحتفظ صراحةً بنتائجه في المحاولة في تعالي الأنا موجود٣ مُكمِّلًا ومُعمِّقًا رفضه للمذهب الانطوائي الذي اعتبره غير كافٍ.

وقد لا يرفض سارتر، في محاولة الشباب هذه، شيئًا إلا نقطة واحدة لم يتحدث عنها إلا قليلًا؛ وهي ما يتصل بالتحليل النفسي، فقد راجع تصوُّره القديم — أيْ رفضه — للاشعور والفهم التحليلي للنفس، وقد لا يدافع عن تحفُّظاته القديمة في هذا الميدان.

ولكنْ ما زال يتبنَّى نظرية تكوين الشعور نفسه، وكذلك الفكرة الأساسية عن الشعور بوصفه موضوعًا نفسيًّا متعاليًا.

وأفضل تقديم لهذه المحاولة المركزة، بالرغم من قصرها، قامت به سيمون دي بوفوار، ويُستحسَن إعادته هنا، فهي تقول:٤ «إن المحاولة في تعالي الأنا موجود تصف — من وجهة نظر هوسرل ولكن بالتعارض مع بعض نظرياته الحديثة — علاقة الذات بالشعور، فهو يُفرِّق بين الشعور والعنصر النفسي تفرقةً يحتفظ بها دائمًا، فإذا كان الشعور هو حضور الذات المباشر الواضح، فيكون العنصر النفسي مجموعةً من الموضوعات لا يمكن إدراكُها إلا عن طريق عملية تأمُّلية، ولا يمكن أن تَهَب نفسها — مثل موضوعات الإدراك الحِسِّي — إلا من أوجُه Profils. فالكراهية مثلًا موضوع مُفارق ندركه من خلال Erle bnisse (الخبرات الحيَّة)، حيث يكون وجوده مجرَّد احتمال، أمَّا أناي الموجود نفسه فهو موجود من العالم مثل الأنا الذي للآخر، وعلى هذا الأساس يقيم سارتر إحدى معتقداته القديمة، والتي لا يحيد عنها بتاتًا، وهي استقلال الشعور اللامتأمل، ولا تظهر العلاقة بالذات — كما يرى لاروشفوكو وعلم النفس الفرنسي التقليدي — التي قد تفسد علينا أكثر حركاتنا تلقائيةً، إلا في بعض حالات خاصة، والذي يُهمُّه أكثر من ذلك هو أن هذه النظرية وحدها — كما يرى — لا تقع في المذهب الانطوائي، فالعنصر النفسي والأنا موجود كلاهما موجود للآخر ولي بنفس الطريقة الموضوعية، وبعد القضاء على المذهب الانطوائي لا يمكن الوقوعُ في المثالية، ويُصرُّ سارتر في ختامه على المضمون العملي (الخُلقي والسياسي) لنظريته.»
١  نُشِرت لأول مرة في «دراسات فلسفية»، سنة ١٩٣٦م، ولم يُعَد نشرُها بتاتًا منذ ذلك الحين.
٢  انظر: سيمون دي بوفوار، «قوة العمر»، جاليمار، ١٩٦٠م، ص٤٩.
٣  انظر: «الوجود والعدم»، ص١٤٧، ص٢٠٩.
٤  سيمون دي بوفوار، «قوة العمر»، ص١٨٩-١٩٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤