الدرة اليتيمة
جمَعَ «ابنُ المقفَّع» بينَ عدَّةِ ثقافاتٍ أصيلة؛ حيثُ كان يَعرفُ العربيةَ والفارسيةَ واليونانيةَ والهِندية، فنهلَ من آدابِهم ومَعارفِهم؛ الأمرُ الذي أثرى ملَكتَه الأدبيةَ بِما لا يُقاس، واجتمعَتْ هذهِ الثقافةُ الواسعةُ مع موهبتِه الفِطريةِ وذكائِه المُتوقِّد، فأصبحَ لدَينا أديبٌ عظيمُ الشأنِ «موسوعيُّ الثقافةِ في وقتِه» ترَكَ لنا تُراثًا نثريًّا مُعتبَرًا ما بين مؤلَّفٍ ﮐ «الأدب الكبير» و«الأدب الصغير» و«الدُّرة اليتيمة»، ومُترجَمٍ من الفارسيةِ، كالكتابِ الشهيرِ «كَلِيلة ودِمْنة». والميزةُ الجامعةُ بينَ أغلبِ هذهِ الأعمالِ أنَّها تَحملُ آدابًا وحكمةً سامية، وما يُمكنُ اعتبارُه خلاصةَ تجربةِ صاحبِها في الحياةِ قدَّمَها في إطارٍ أدبيٍّ شديدِ الأناقةِ والحُسن، وكانتِ «الدُّرةُ اليتيمةُ» أعظمَ هذهِ الرسائلِ البليغةِ التي حوَتْ نصائحَ وآدابًا للدُّنيا والدِّين. وقد لاقَتِ احتفاءً عظيمًا من جانبِ الأدباءِ عندَ ظهورِها؛ فأثْنَى عليها «أبو تمَّام» في شِعرِه، وامتدحَها «الأصمعيُّ»، ويَدرسُها اليومَ طلابُ العربيةِ كنصٍّ أدبيٍّ مُتميِّز.